الأبوة المفرطة، دلائل وآثار الحوم المستمر حول الأطفال

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي

تعد الأبوة المفرطة أو الأمومة المفرطة ذات سمعة سلبية في وسائل الإعلام الرئيسية والمنتشرة منها، وهي الإفراط في تدليل الأطفال ويُعرف هذا المصطلح أيضاً بـ بالآباء الهليكوبتر (الآباء الحوامون Helicopter Parents)، وذلك لأن الآباء في هذة الحالة أشبه بطائرات الهليكوبتر التي تحوم فوق رؤوس أولادهم.

لكن على الرغم من ذلك لم يجد الباحثون أي آثار سلبية مستديمة على الأطفال. بل في الواقع يمكن أن يؤدي هذا الأسلوب في التربية إلى نتائج إيجابية لدى الأطفال البالغين نتيجةً للدعم المكثف للوالدين، وذلك وفقاً لما أظهرته بعض الدراسات. وفي هذا المقال سنكتشف إيجابيات وسلبيات أسلوب التربية هذا.

ما هي الأبوة المفرطة (الآباء الهليكوبتر)

يُعرَّف هذا المصطلح بنحو واضح على أنه الأبوة والأمومة المفرطة التي تولي اهتماماً مفرطاً لكل حركة وتجربة قد يختبرها الأطفال.

إذ يتدخل هذا النوع من الأباء بشكل كبير بكل ما يخص أطفالهم، كما يفرطون في حمايتهم ويشرفون بلا كلّلّ على كل جانب صغير أو كبير من حياتهم، وقد يصل بهم الأمر للتصرف نيابةً عنهم حتى.

كما يُلقّب هؤلاء الآباء الهليكوبتر أحياناً بالآباء الحوامين وذلك لأنهم يحومون فوق أطفالهم، ويصدرون ضوضاء مثل طائرة الهليكوبتر تماماً. وعند ظهور أول منعطف في حياة أطفالهم ينقضّون على الفور للمساعدة.

في الأصل، فإن مصطلح “الآباء الهليكوبتر أو الآباء الحوامون” يرمز إلى أن الوالدين من بين مواليد جيل الطفرة السكانية (أي الذين ولدوا بين الأربعينيات إلى الستينيات من القرن الماضي). وأن الأطفال من مواليد جيل الألفية (الذين ولدوا بين الثمانينيات وحتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين).

في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تماماً عندما بدأ جيل الألفية في بلوغ عمر الالتحاق بالجامعة، اكتسب هذا المصطلح الكثير من الاهتمام والسمعة السيئة. إذ بدأ مسؤولوا القبول الجامعي وأساتذة الجامعات في اختبار سلوك الوالدين المتطفّل واستنكاره علناً.

 والأمر الأهم، أن هذا النوع من الآباء لا يمكنه أن يدع أطفاله وشأنهم أبداً؛ يشتهرون بسلوكيات مختلفة منها الجلوس في مقابلة قبول الطفل. والاتصال بمسؤولي المدرسة في الساعة الحادية عشرة مساءً مثلاً للإبلاغ عن فأر في غرفة المهجع الخاصة بأطفالهم أو حتى الشكوى إلى الأستاذ بشأن الدرجة المخيبة للآمال التي حصل عليها طفلهم.

وفي السنوات الأخيرة بدأ استخدام هذا المصطلح أيضاً لوصف الآباء الذين ينحدرون من أي جيل ويظهرون مراقبة مفرطة وسلوكاً وقائياً بطرق غير مناسبة بما يخص مرحلة نمو أطفالهم.

خصائص الإفراط في تدليل الأطفال

تتمثل إحدى خصائص الأبوة والأمومة المفرطة في أن الآباء الحوامون يتدخلون في كل كبيرة وصغيرة في حياة أطفالهم.

صحيحٌ أن الأطفال الصغار يحتاجون إلى إشراف الوالدين ومراقبتهم وتوجيههم لتعلم قواعد العالم وكيف تجري الأمور. إلا أن هؤلاء الآباء يفعلون ذلك على مستوى غير مناسب من الناحية التنموية.

إذ يراقبون أطفالهم باستمرار ويتحكمون في سلوكهم ويصل الأمر إلى الإفراط في تدليل الأطفال. فهم يصرون على تقديم المساعدة حتى في المهام التي يمكن لأطفال القيام بها بمفردهم وعندما يواجه أطفالهم أبسط عقبة، فإنهم يسارعون للإنقاذ على الفور.

أمثلة على الأبوة المفـرطة

فيما يلي بعض الأمثلة على الأبوة والأمومة المفرطة في مراحل مختلفة من حياة الطفل.

في مرحلة الطفولة من المنطقي حماية الأطفال الصغار من الخطر. إلا أن الآباء الحوامين الذين يتسمون بالإفراط في تدليل الأطفال يبقون كالظل المرافق لأطفالهم الصغار.

وعندما يلعب الطفل بلعبة جديدة، يظهرون له الطريقة “الصحيحة” للعب بها ويصححونه إذا حاول استخدامها بطريقة مختلفة. وبذلك لا يتركون أي مساحة أو فرصة للطفل لمحاولة اكتشاف الأشياء بمفرده.

أما إذا لعب الطفل مع الأطفال الآخرين، يقدمون توجيهات حول كيف ينبغي عليه أن يتفاعل مع الآخرين. وعلى الرغم من أن السقوط والخدوش تعد جزءاً طبيعياً للغاية من مرحلة الطفولة خصيصاً عندما يبدأ الطفل بتعلم المشي. إلا أن هؤلاء الآباء يحومون باستمرار فوق أطفالهم لمنع وقوع أي حادث مهما كان بسيطاً، إذ يمكن لخدش في ركبة طفلهم أن يتسبب هلعهم وتوترهم.

 في المدرسة الابتدائية: قد يبذل الأب أو الأم المفرطين بالاهتمام جهوداً كبيرة لإدخال الطفل إلى مدرسة معينة أو لجعل مدرس معين يشرف عليه. ولا ينتهي الأمر بالإشراف فحسب، بل يساعدون أطفالهم على إكمال أعمالهم المدرسية أو مشاريعهم أيضاً.

في المدرسة الإعدادية: تختار الأم أو الأب أفضل صديق للطفل مع تحديد أنشطة لهما، غير مهتمين بتفضيلات أطفالهم وذلك لاعتقادهم بأنهم يعرفون ما هو الأفضل لأطفالهم.

في المدرسة الثانوية: قد يتحمل الآباء الحوامون مسؤولية البحث عن واختيار الجامعات التي يتقدم طفلهم إليها. كما أنهم يستمرون بمراقبة الطفل بحذر شديد عندما يتقدم إلى كلية معينة. وقد يصل بهم الأمر حتى للاتصال بمكتب القبول للحصول على تفسير إذا لم يلتحق طفلهم بمدرسة أحلامهم.

في الكلية: قد يطلب الوالدين ملحق لأطفالهم أو قد يقومون بإكمال المهام لهم. يتصلون برئيس الجامعة أو العميد أو الأستاذ للاعتراض على درجات أبنائهم الضعيفة. وربما يحضرون حتى معارض فرص العمل ومقابلات أطفالهم.

آثار الأبوة المفرطة

على الرغم من التصوير السلبي غير المتسق الذي تظهره وسائل الإعلام المنتشرة حول الإفراط في تدليل الأطفال. إلا أن عدداً من الدراسات توصلت إلى نتائج إيجابية وسلبية مرتبطة بالتربية بأسلوب الأبوة المفرطة. فيما يلي هذه الإيجابيات والسلبيات.

التأثيرات الإيجابية للأبـوة المفرطة

أظهر اختصاصيو التوعية منذ فترة طويلة تقبلهم لفكرة أن مشاركة الوالدين في الخبرات التعليمية لأطفالهم أمر جيد. والمشاركة المناسبة للوالدين تعتبر إحدى فوائد الأبوة الفرطة (الأمومة المفرطة). فهي أمر بالغ الأهمية للتطور الفكري والعاطفي للطالب وأيضاً للنجاح الأكاديمي.

كما وجدت الأبحاث أن مشاركة الوالدين تعزز توجهات ومواقف أكثر إيجابية لدى الطفل بما يخص مدرسته. كما أنها تحسن أداء الواجبات المنزلية وتقلل من التغيب والتسرب وتعزز التحصيل الدراسي.

أما على المستوى الجامعي: فقد أشارت دراسة جديدة إلى أن مشاركة الوالدين لها آثار إيجابية على مجالات تنمية الطلاب. مثل تناول الكحول ومهارات اتخاذ القرار والمهارات الحياتية والصحة البدنية وقضايا الصحة العقلية والتطوير الوظيفي.

وقد ثَبُت أيضاً أن الدعم المكثف من هؤلاء الآباء الحوامون في مجالات عدة منها المالية والعاطفية إضافةً لتقديم المشورة له قيمته الخاصة. على سبيل المثال، الأطفال البالغون الذين لديهم آباء من هذا النوع ويقدمون دعماً مكثفاً يتمتعون برضا عن الحياة وتكيف نفسي أفضل مقارنة بغيرهم ممن آباءهم ليسوا من هذا النوع.

الآثار السلبية للأبـوة المفرطة

على الرغم من كل النتائج الإيجابية المتعلقة بمشاركة الوالدين، إلا أن العديد من الدراسات أشارت إلى أن الحماية الشديدة التي تفرضها الأبوة أو الأمومة المفرطة يمكن أن تؤدي إلى آثار سلبية متعلقة بمشاكل الصحة العقلية للأطفال.

إذ وُجد أن الأطفال الذين يشارك آباؤهم في تعليمهم بمستويات غير مجدية من الناحية التنموية لديهم صحة نفسية أسوأ، كما أنهم أكثر عرضة للقلق والاكتئاب وتعاطي المخدرات.

أما المراهقون والشباب هم الأكثر تأثراً بنتائج الإفراط في تدليل الأطفال. لقد تم حماية هؤلاء الأطفال في الحياة الواقعية منذ كانوا صغاراً وذلك من أي شيء صعب أو متعب. وبسبب ذلك فهم يميلون إلى أن يكونوا أكثر عصبية كما أنه يجدون صعوبة بالغة في أن يصبحوا مستقلين.

والأهم أن لديهم خوف ساحق من الفشل ومستوى متدني من احترام الذات وتقديرها ومهارات تأقلم ضعيفة للتعامل مع المشاكل في الحياة اليومية.

بالنسبة للأطفال البالغين: تسبب الأبوة المفرطة مستويات أعلى من النرجسية والشعور بالاستحقاق. نظراً لأن هؤلاء الآباء هم القوة الدافعة وراء السعي من أجل التعليم، وبذلك أطفالهم لديهم فقط تحفيز خارجي للتعلم، والذي وُجد أنه مرتبط بتدني الأداء الأكاديمي.

هل الأبوة المفـرطة جيدة أم سيئة

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لم هذا الاختلاف الكبير في نتائج دراسات الأبوة والأمومة المفرطة؟

يرجع هذا التناقض بشكل رئيسي إلى حقيقة أن “الأبوة المفرطة – الأمومة المفرطة” ليست مصطلحاً محدداً بشكل جيد في علم النفس.

وذلك على عكس أنماط الأبوة الأربع التي وضعتها العالمة النفسية ديانا بومريند (Diana Baumrind)، وأيضاً ليس هناك تعريف متفق عليه عالمياً لماهيّة الأبوة المفرطة. نتيجة لذلك، تظهر دراسات مختلفة باستخدام تعريفات مختلفة كلاً من النتائج الإيجابية والسلبية لأسلوب الأبوة والأمومة هذا.

وجد باحثون من خلال فحص التفسيرات المختلفة، أن مقدار التدخل ليس هو المهم. بل نوع التدخل الذي يلتمسه ويلاحظه الطفل، فهو الذي يحدد ما إذا كان “الإفراط في الأبوة أو (آباء الهليكوبتر)” سيعود بالنفع أو الضرر على الطفل.

وهذا في حقيقة الأمر خبر سار للآباء الذين يستخدمون هذا الأسلوب. لأنهم سيكونون قادرين على ضبط تربيتهم لتكون النوع الذي يساعد ولا يعيق نمو أطفالهم الصحي.

كما يمكن تفسير هذه الظاهرة من خلال نظرية التحديد الذاتي  (Self-determination Theory) [وهي نظرية تشرح الدوافع والاتجاهات الشخصية الداخلية]. وفقاً لهذه النظرية هناك ثلاثة احتياجات نفسية بشرية أساسية: الاستقلالية (حرية الاختيار) والكفاءة والشعور بالارتباط.

سيتمتع الفرد بصحة ورفاهية أفضل إذا ما تمت تلبية هذه الاحتياجات وسيمتلك بذلك دوافع جوهرية داخلية لتحقيق النمو والتنمية والخضوع لهما.

كما أن البيئة الأسرية الداعمة، والتي توفر الدعم المستقل للطفل، يمكن لها بشكل كبير أن تلبي تلك الاحتياجات. إذ يفسح الآباء الداعمون مجال الاستقلالية للأطفال من أجل أن يكون لهم دور فعال في اتخاذ قراراتهم وحل مشاكلهم الخاصة.

والأطفال الذين تتم معاملتهم بتلك الطريقة سيتمتعون بكفاءة أكبر كما سيشعرون بالثقة في قدرتهم على التفاعل مع بيئتهم. إضافةً إلى أن اتباع أسلوب كهذا في التربية سيؤدي إلى تكيف اجتماعي وعاطفي أفضل عند الأطفال.

الاستقلالية ضرورية في التربية

أما بالنسبة للبيئة الأسرية التي لا تسمح بالاستقلالية فلن تتمكن إطلاقاً من تلبية تلك الاحتياجات. إذ أن الأطفال الذين لديهم آباء متطفلين لا يملكون فكرة أن لديهم سيطرة كبيرة على حياتهم وبذلك سيميلون للحصول على نتائج أسوأ.

الأمر الجدير بالذكر هنا هو أن كونك داعماً للاستقلالية والحكم الذاتي لا يعني السماح للطفل بالتصرف بالطريقة التي يريدها. بل يعني أن الطفل ينظر إلى والديه على أنهما ليسا متطفلين أو متحكمين بل على العكس داعمان للاستقلالية.

وبهذا يمكن أن يكون “الإفراط” مفيداً إذا اختبره الطفل على أنه داعم وليس مسيطر. أما إذا كان يُنظر إلى تجارب الطفل السابقة على أنها خاضعة للسيطرة، لا يهم ما إذا كان الوالد داعماً أم لا، لأنه بدون الاستقلال الذاتي لن ينجح الطفل في تقدمه ونموه. 

كيفية التوقف عن الأبوة المفرطة

معظم الآباء الذين يتّبعون هذا الأسلوب يفعلون ذلك عن حسن نيّة، فأي والد يريد لأطفاله أن يكونوا أصحاء وسعداء وناجحين. فهم ببساطة يريدون مساعدة أطفالهم ودعمهم خلال رحلة الأبوة والأمومة.

مع ذلك فإن هؤلاء الآباء غالباً ما يكونون آباء مثاليين لدرجة كبيرة، ويجعلون من نجاح أطفالهم أولوية أبوية قصوى. وهذا سيجعلهم يتدخلون في حياة أولادهم بشكل مفرط وهنا ستصبح “مساعدتهم” أو “دعمهم” تحكماً.

في سبيل علاج ذلك، ومن أجل التحرر من الأبوة المفرطة، قم بتمييز الخط الفاصل بين المساعدة والسيطرة. بالطبع إنه لأمر رائع أن تكون والداً مفيداً وداعماً لكن عليك الحرص على ألا تتخطى ذاك الحد وتبدأ بإصدار الأوامر والتوجيه آت أو ما هو أسوأ حتى أن تبدأ بإملاء كل حركة على أطفالك.

إن الدرجة المنخفضة أو الكلية الخاطئة أو الرفض من فريق رياضي أو مقابلة عمل فاشلة لن تدمر مستقبل أطفالنا، بل على العكس إنها بمثابة دروس رائعة يمكن لأطفالنا أن يتعلموا منها وذلك بمساعدة توجيهاتنا ودعمنا.

وأن تكون والد متحكم فهذا لا يؤثر فقط على رفاهية الطفل بشكل سلبي، بل ويتسبب أيضاً في حدوث صدع في العلاقة بينك وبين طفلك. وأهم ما في الأمر أن الطفولة السعيدة والراعية والدافئة هي في الواقع أفضل مؤشر على نجاح الطفل في المستقبل.

الخلاصة

ليس من الخطأ إطلاقاً أن تسعى لتكون أباً أفضل. إلا أن الرغبة في تربية أطفال ناجحين أو المقارنة المستمرة مع الآباء الآخرين يمكن أن تؤدي إلى الانخراط بشكل مفرط في الإضرار بنمو الأطفال.

اقرأ أيضاً: كيف تجعل طفلك يصغي إليك؟ إليك خمس حيل ونصائح مفيدة

اقـرأ أيضاً: كيف تتعامل مع المراهق الناكر للجميل؟

اقرأ أيضاً: كيف تضبط سلوكيات مراهق لا يبالي بالعواقب؟

المصدر: Helicopter Parents: Signs & Effects of Hovering

تدقيق: هبة محمد

تحرير: جعفر ملحم

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي
Related Posts

مقالات ذات صلة

error: