تعد الإساءة حالة شائعة جداً في العلاقات الاجتماعية حول العالم، ولا تقتصر بالضرورة على العلاقات العاطفية، فقد نجد الإساءة في العلاقات العائلية، الصداقات، وحتى خلال الجلوس مع المعارف والغرباء.
ففي الولايات المتحدة، تتعرض امرأة واحدة من بين 4 نساء ورجل واحد من كل 9 رجال لعنف بدني شديد من شركائهم العاطفيين. ما يؤدي إلى ارتفاعٍ مُقلِق في عدد الأشخاص الذين لديهم علامات من الخدوش، الحروق والنُّدب وغيرها يتسبب بها شركاؤهم.
لكن، في حين تبدو علامات الإساءة الجسدية (physical abuse) واضحة عادةً، يكون تأثير سوء المعاملة الحاقد من قبل الشريك عاطفياً أحياناً وغير مرئي تماماً.
يصارع العديد من ضحايا الإساءة العائلية التأثيرات العاطفية والنفسية الناتجة عن العدوان النفسي، الإهمال، الإساءة المادية، وغيرها من أنماط عنف الشريك العاطفي.
لذا، سيتناول هذا المقال بدقة مختلف أشكال وأساليب الإساءة التي تؤثر على الصحة النفسية. إضافةً إلى توضيح طرق طلب المساعدة عندما نتعرَّض للإساءة بشكلٍ ما.
الإساءة الجسدية (العنف الجسدي – Physical Abuse)
من الممكن أن يكون هذا النمط من الإساءة هو الأكثر وضوحاً وعلنية، إذ يوظّف الإيذاء الجسدي القوة لإهانة الضحية أو التحكُّم بها أو إرغامها على التصرُّف بطريقة معينة. ويتعمَّد المسيء إلحاق الأذى الجسدي بالضحية لكي يفرض سيطرته عليها.
أشكال العنف الجسدي
فيما يلي بعض أكثر أشكال الإساءة الجسدية شيوعاً:
- الخنق
- الضرب أو الصَّفع
- العضّ
- رمي الأشياء على الضَّحية
آثار العنف الجسدي
عندما تستمر ممارسة العنف الجسدي على شخصٍ ما، أو عندما يتم تهديده باستمرار بالضرب أو الصفع على الوجه، أو أي أسلوب آخر من أساليب إلحاق الأذى الجسدي المتوحشة. فهذا يعني وجود احتمال كبير لأن يتحول جسد الضحية إلى مثوى للعديد من الإصابات والتي تتطلب مختلف أنواع العلاج.
بالنسبة للنساء على وجه التحديد، يترافق العنف البدني والتهديد بممارسته عليهنّ بتحديات كبيرة. إذ يرتبط التعرُّض المستمر للضرب والتوتر الناجم عن توقُّع الأذى بالعديد من المشاكل الصحيّة المزمنة، مثل آلام الظهر والصداع.
تفيد النساء المعنّفات من قبل شركائهنّ غالباً عن وجود ارتفاع في معدل الاكتئاب والقلق ناجمٍ عن هذه المعاملة السيئة.
أيضاً، يعاني الأشخاص الذين تعرضوا للضرب من قبل شركائهم العاطفيين من حالات التوتر، اضطراب ما بعد الصدمة، اضطرابات الأكل، و مجموعة كبيرة من الأعراض الأخرى.
قد يؤدي العنف الجسدي أيضاً إلى تعطيل نظام النوم لدى الضحية، وحدوث الأرق. وبالإضافة إلى ذلك، يزداد خطر اللجوء إلى تعاطي المخدّرات تبعاً لتكرار التعرُّض للعنف البدني من الشريك العاطفي أو غيره.
يشعر ضحايا هذا الشكل من الإساءة بالقلق والتوتر خلال ممارسة النشاطات اليومية. أو يصبحون غير قادرين على إنجاز مهامهم بفعالية كبيرة بسبب التعب النفسي.
الإساءة العاطفية (Emotional Abuse)
نظراً لتعدد أشكال الإساءة العاطفية، قد يصعب أحياناً إعطاء توصيف مناسب لهذا الشكل من سوء المعاملة.
على العموم، قد تحدث الإساءة العاطفية عندما تتأثر عواطف الشخص بنمطٍ من الكلمات أو السلوكيات المسيئة و المتنمّرة.
تتحكّم هذه الإساءات في الضحية، وتُعتَمد كطريقة لمعاقبتها باستخدام أساليب مُهِينة وتهديدات بمختلف أشكالها.
لا يتطلب هذا النمط من الإساءة الاتصال الجسدي لإحداث الأذى، ولكنه يؤدي إلى تقليل احترام الشخص وتقديره لنفسه.
يسبب هذا النمط من الإساءة فقدان الضحية الإحساس بالواقع والقيمة الذاتية، إذ لا يستجيب الشخص المسيء لطلبات الضحية أو احتياجاتها.
يمكن أن يبدأ الأمر ببعض الجدال والمشاحنات بين الشريكين أو بانتقاد المظهر الخارجي لأحدهما. وينفعل المسيء ويتقلب مزاجه بطريقة لا يمكن التنبؤ بها، أو ربما يطلب أشياء غير منطقية من شريكه.
وفي بعض الأحيان، تتعرض الضحية لانتقادات جارحة عندما لا تفي هذه المطالب بمعايير الشخص المسيء.
لا تقتصر الإساءة العاطفية على شكل واحد، بل هناك عدة أساليب تؤدي إلى الأذى النفسي وجرح مشاعر الضحية وشعورها بانعدام القيمة الشخصية إضافة إلى القلق.
أشكال الإساءة العاطفية
- التعامل بصمت و برود
- الإهمال وعدم تقديم الاهتمام
- التهديد بشكل روتيني
- الإهانة و الشتائم القاسية
- التلاعب النفسي (gaslighting)
- الترهيب
- التهديد بالإيذاء
- عزل الضحية عن أصدقائها وعائلتها.
تأثيرات الإساءة العاطفية
إن وجود المرء مع شريكٍ ذي شخصية متغيرة المزاج على نحو عنيف (Turbulent mood changes) يمكن أن يكون متعباً ومجهِداً نفسيا.
فعندما يمتلك الشريك القدرة على انتقاء كلماته بذكاء بهدف إحباط ضحيته أو إضعاف معنوياتها أو تشويه واقعها بأي شكل، فإن هذا من شأنه أن يخلّف تأثيرات على المدى البعيد.
يزداد احتمال إصابة ضحايا العنف العاطفي بالاكتئاب والقلق، فليس من الغريب أن ينشأ لديها نوع من الرهاب، أو اضطرابات تعاطي الكحول والمواد المخدرة.
وقد يصل الأمر بالضحية المُعنَّفة إلى إيذاء النفس. أو الانخراط في ممارسات جنسية طائشة كرد فعل على الأذى العاطفي.
ما يثير القلق بشكل كبير أن يبدأ الشخص الذي تعرض للإساءة العاطفية باحتواء أفكار انتحارية، ويمكن أن يقوم بإنهاء حياته فعلاً للتخلص من شعور الألم.
العنف الجنسي (Sexual Abuse)
تأتي أكثر أشكال الإساءة العائلية وحشية بعدة حالات من العنف الجنسي، ويحدث العنف الجنسي عندما يتم إجبار الضحية بالإكراه على القيام بممارسات جنسية ضد رغباتها.
قد يحدث الاعتداء الجنسي أيضاً عندما تتم إهانة الضحية خلال الممارسات الحميمة، أو عندما يتم تهديد الحرية الجسدية للضحية من قبل الشريك.
بالرغم من أن الاغتصاب هو الشكل الأكثر وضوحاً للاعتداء الجنسي، إلا أنه هناك عدة أشكال يظهر بها العنف الجنسي أيضاً.
أشكال الاعتداء الجنسي
- الإصرار على أن يرتدي الشريك بالطريقة التي يفضّلها المعتدي
- الطلب من الشريك ممارسة الجنس حتى عندما يكون مريضاً أو متعباً
- التصوير الجنسي للشريك رغماً عنه
- مشاركة الصور العارية للضحية دون رضاها
- إجبار الشريك على مشاهدة محتوى إباحي.
آثار الاعتداء الجنسي
عندما تُسلَب الحرية الجنسية لشخص ما بالقوة من قبل شريك عاطفي أو غيره. سيؤدي هذا الأمر بالنهاية إلى حدوث ردود أفعال عكسية في جسم وعقل الضحية.
يؤدي إكراه الضحية على القيام بأعمال جنسية أو الاشتراك في أساليب همجيَّة أثناء الجِماع إلى خلق شعور الذنب لدى الضحية، مع أنه لاذنب لها في ذلك.
يمكن أن تواجه الضحية أيضاً صعوبة بالاستمرار في العلاقات الأخرى، وأن تعاني من القلق والاكتئاب.
بينما تمر الضحية بحالة من الغضب وعدم الثقة بتصرفات الشريك، قد تصاب بـ اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، خلل الوظيفة الجنسي، واضطرابات النوم.
وفي الحالات الأكثر شدة، يمكن للاعتداء الجنسي الذي يخرق قواعد الثقة والإنسانية أن يدفع الضحية للتفكير بالانتحار.
الإساءة المالية (Financial Abuse)
من السهل تجاهل الإساءة المالية، إلا أنها خطيرة للغاية، فعندما تكون مصادر حصول الشريك على المال قليلة أو معدومة، يغدو الشريك الآخر المسيطر الأكبر على المال في هذه العلاقة، فيحدِّد كيفية توزيعها لتلبية الاحتياجات.
وقد تنطوي هذه المعاملة السيئة أيضاً على قيام أحد الشريكين بحرمان الشريك الآخر من الفرص التي تمنح الاستقلال المالي.
تجبر الإساءة المالية الضحية على الاعتماد بشكل كبير على شريكها في الحصول على المال لشراء الضروريات اليومية كالثياب والبقالة، ما يؤثر على قدرتها في البقاء والاستمرار في الحياة.
أشكال الإساءة المالية
- السيطرة على طريقة إنفاق الأموال في المنزل
- منع الضحية من الوصول إلى الحسابات المشتركة
- التهوُّر المادي والمخاطرة بالأموال المشتركة
- منع الشريك من الحصول على فرص للعمل
- عدم توفير نصيب الشريك من المال الذي يتم جنيه.
آثار الإساءة المالية
يمكن لهذه الإساءة أن تكون مدمّرة عقلياً وعاطفياً عندما يقرر شخص احتكار المال المُخصَّص لشريكه لكي يحصل على الطعام مثلاً، أو تقييد مايمكن أن ينفقه على شراء الثياب، أو حتى الإقرار بمنع شريكه من أن يقص شعره واعتباره تكاليف إضافية شهرية غير ضرورية.
يمكن أن تتملّك الشريك مشاعر القلق والارتباك (غالباً ما يكونون من النساء)، نتيجة خوفهم المستمر بشأن وضعهم الاقتصادي.
يعود السبب بالطبع لحقيقة أنهم يفتقرون إلى الموارد اللازمة لهجر شركائهم، ويشعرون دائماً أنهم محاصرون، وبالتالي يمكن أن ينتهي الأمر بالإصابة بحالة اكتئاب.
كما يمكن للإساءة المالية أن تؤثر على الحياة العائلية بشكل كبير نتيجة اختلال القدرة على قيام الوالدين بواجباتهم المنزلية على النحو المناسب.
خلاصة
يمكن للإساءة، مهما كان شكلها، أن تلحق الضرر بالصحة العاطفية والجسدية لشخص ما بشكلٍ كبير.
إذا كنت ضحية للإساءة، من فضلك، تذكر أن ذلك ليس خطأك، واعلم أنه هناك موارد متوفرة لمساعدتك.
اقرأ أيضاً: ما علاقة المخدرات وممارسة الجنس بالانتحار لدى المراهقين؟
المصدر: Mental Health Effects of Different Types of Abuse
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم