اعترف هيو بورتون (Huwe Burton) ذو الستة عشر عاماً بقتل والدته. كان لا يزال في حالة صدمة عند رؤية جثتها حين بدأت شرطة مدينة نيويورك باستجوابه. وبعد عدة ساعات من التهديد ومحاولة الإقناع، أخبر عناصر الشرطة بما يرغبون سماعه أخيراً. لكنه سرعان ما تراجع عن أقواله، فهو يدرك أنه بريء ويتمنى أن تتم تبرئته من قبل القضاء. إذاً، لمَ تلك الاعترافات الكاذبة؟
تأثير الاعترافات الكاذبة على قضية “هيو بورتون”
تمت إدانة هيو بورتون بجريمة من الدرجة الثانية عام 1991، وحُكِم بالسجن مدى الحياة مع إمكانية إطلاق السراح المشروط بعد 15 عاماً.
بعد مرور عشرين عاماً من السجن، أُطلِق سراحه بشكل مشروط. لكنه لم يستطيع أن يغيّر من السمعة السيئة عنه والتي سببتها له الإدانة بارتكاب الجريمة.
حاول العديد من المحامين التابعين لمختلف المنظمات على تبرئته لمدة تصل إلى العشر سنوات. إذ قدموا حقائق تتعارض مع اعترافه بارتكاب الجريمة، وبيّنوا دلائل على سوء الحكم الذي أصدره الادّعاء العام (النيابة العامة).
إلا أن الأمر كان مختلفاً بالنسبة لمكتب المدّعي العام لمقاطعة برونكس، فاعتراف بورتون بارتكاب الجريمة قد تفوق على كلّ الأدلة الممكنة لتبرئته. فبغضّ النظر عن أي شيء، من ذا الذي يمكنه أن يعترف بجريمة لم تقترفها يداه؟
في نهاية المطاف، لجأ محامو بورتون إلى ساول كاسين (Saul Kassin)، وهو أخصائيّ نفسي في جامعة جون جاي (John Jay) للعدالة الجنائية في مدينة نيويورك، ويعد أحد نخبة خبراء التحقيق والاستجواب في العالم.
قال كاسين: “دخلت القاعة وأنا مستعدٌّ لتقديم ما عندي خلال خمس عشرة دقيقة. لكن سرعان ما بدأ المحامون بطرح بعض الأسئلة الصعبة فعلاً، وجرى نقاش بيننا استمر حوالي الساعتين والنصف”.
في هذا الصدد، وضَّح كاسين أن الاعترافات الكاذبة (المزيفة) ليست نادرةَ الحدوث. إذ أن ما يزيد عن ربع عدد الأشخاص المقدَّرين بـ (365) شخصاً ممن تمت تبرئتهم خلال العقود الأخيرة من قبل مشروع البراءة التطوُّعي كانوا قد اعترفوا مـُسبَقاً بجرائم اتُّهِموا زوراً بها.
ما علاقة أساليب الاستجواب التقليدية بـ الاعترافات الكاذبة؟
اعتماداً على دراساتٍ استمرت لمدة أكثر من 30 سنة، شرح كاسين للفريق القانوني كيفيّة تأثير أساليب الاستجواب المتعارَف عليها. إذ يمكن لهذه الأساليب أن تجمع بين عامل الضغط النفسي وسبُل الهروب التي من أجلها أن تجعل شخصاً بريئاً يقدم الاعترافات الكاذبة.
وفسّر أيضاً قابلية الشباب، على وجه الخصوص، للاستسلام للاعتراف. خصوصاً تحت الضغط، التعب، وتأثير الصدمة، كما هو حال بورتون كضحية هذا الأمر.
بالنتيجة، ساعد التفسير الذي قدّمه كاسين في لفت نظر النائب العام إلى العِلم. الذي بدأ بالبروز والذي يتعلق بـ الاستجواب والاعترافات الكاذبة.
بعد مرور ستة أشهر، في الرابع والعشرين من كانون الثاني، ألغى القاضي ستيفن بارت (Steven Barrett) في محكمة مقاطعة برونكس العليا، حكم ثلاثين عاماً على بورتون، قائلاً أن ما قدّمه كاسين كان أساسَ قراره هذا.
قال المدير المساعد في مركز الإدانات الخاطئة في جامعة نورث ويسترن في شيكاغو، ولاية الينوي. والذي قاد الفريق الذي سعى إلى تبرئة بورتون: “كان وجود الدكتور كاسين بيننا وتقديمُه شرحاً كبيراً في علم الاعترافات الكاذبة نقطة تحوّل كبيرة”.
وعلى الرغم من تبرئة العشرات من الاعترافات الكاذبة منذ دخول تحليل الحمض النووي كدلائل في قاعات محاكم الولايات المتحدة. إلا أن قضية بورتون كانت القضية الأولى التي يتم فيها تبرئة المُتَّهم بناءً على التحليل العلمي والنفسي لعمليات الاستجواب والتحقيق.
تأثير علم النفس على النظام القضائي
وعلى هذا المنوال، بدأت الأبحاث، على مدى سنوات طويلة، بالتعمُّق أكثر في علم النفس والذي يؤثّر على النظام القضائي بشكلٍ كبير. إذ لم تعُد الاستجوابات تجري كما كانت كالسابق، ولم تعد حِكراً على محاميي الدفاع فقط. بل أصبحت من مسؤوليات صانعي القانون وبعض من أقسام الشرطة الذين بدؤوا يعيدون النَّظر في مناهج التحقيق والاستجواب.
كان كاسين جزءاً من كادرٍ من العلماء الذين قلبوا العُرف التقليدي للاعترافات ومفهوم الحقيقة. فقد استقصَت دراساته المُعدَّة بذكاء عالٍ دراسات وأعمال شاسعة في استكشاف علم النفس الذي يؤدي إلى الاعترافات الكاذبة كهذه.
إذ بيّن كاسين كيف يمكن للاعتراف، صادقاً كان أم كاذباً، أن يـُحدث تأثيراً على الشهود. وحتى بوجود الطب الشرعي، فيغيّر بذلك من مسار القضيَّة بأكملها.
تقول ريبيكا براون (Rebecca Brown)، مديرة السياسة في مشروع البراءة في نيويورك: “إن ساول كاسين أحد ملهميّ و صنَّاع حركة البراءة”.
وكان لـ دريزن (Drizin) استعارته الخاصة بهذا الموضوع إذ قال:” إذا وُجِد نصب تذكاري يخلّد دراسات الاعترافات الكاذبة، سيكون بالتأكيد لـ شاول كاسين”.
التأثيرات القاهرة المُسبّبة لـ الاعترافات الكاذبة
لطالما كانت الاعترافات “المعيار الذهبي” الدالّ على الذنب على الدوام، فالاعتراف سيّد الأدلة، على الرغم من أن بعضها مضلِّل بشكلٍ مذهل.
على سبيل المثال، عام 1819، اعترف رجل بارتكابه جريمة، ولكنه استطاع النجاة من حكم الإعدام شنقاً بعدما وُجدت الضحية المزعوم أنه قتلها على قيد الحياة وتعيش في ولاية نيو جيرسي.
كان هوغو مونستِربيرغ (Hugo Münsterberg) أول من استشعر الخطر العلمي المتعلق بهذا الأمر. وهو عالم نفس مشهور في جامعة هارفرد، إذ حذَّر في عام 1908 من “الاعترافات الكاذبة الخاضعة لقوى التأثيرات القاهرة”.
استدعى ظهور مفهوم الادعاءات الزائفة في نهايات الثمانينات وجودَ عدة قضايا تشمل اعترافات كاذبة صادمة، إضافةً إلى الحاجة لتدخُّل دليل الحمض النووي في نظام القضاء، فضلاً عن وجوب تكرار المرات التي لعبت فيها الاعترافات الكاذبة دوراً في هذه القضايا.
لم تفاجئ صعوبة الأمر آنذاك كاسين، كونه أمضى العديد من السنوات في دراسة أساليب الشرطة في الاستجواب.
كيف ساهمت شخصية “كاسين” في أبحاثه؟
يتمتع كاسين بشخصية دمِثة مع عينين بنيَّتين ثاقبتين، وأسلوب نقاش يـُضفي نوعاً من الإلحاح حتى في الأحاديث الطبيعيّة.
نشأ كاسين في حي ينتمي إلى الطبقة العامِلة في مدينة نيويورك، حصل على شهادته الجامعية من جامعة بروكلين في نيويورك (Brooklyn). وعلى درجة الدكتوراه في علم النفس من جامعة كونيتيكت (Connecticut) في مدينة ستورز.
عمل كباحثٍ في مرحلة ما بعد الدكتوراه في جامعة كانساس (Kansas) في مدينة لورنس. إذ درس كيفية اتخاذ هيئة المحلَّفين للقرارات، وصُدِم بقوة الاعتراف وقدرته على ضمان الحصول على حُكم بالإدانة.
تابع كاسين تساؤلاته حول عدد المرات التي كانت فيها هذه الاعترافات صادقة، وذلك بعد أن عَلم عن تقنية ريد في الاستجواب (Reid interrogation technique). وهي تقنية شبه عالمية يتم تعليمها لعناصر الشرطة.
إذ تم إصدار الدليل التدريبي الأول عام 1962 بواسطة جون ريد (John Reid)، وهو محقق سابق في شيكاغو وخبير في كشف الكذب، بالإضافة للدكتور فريد إنبَاو (Fred Inbau) .وهو أستاذ في القانون في جامعة نورث ويستيرن (Northwestern).
كان لهذا الدليل خمسة إصدارات، تعقيباً على ذلك قال كاسين:
” لقد شعرت بالذعر! إذ أن هذا الدليل يشبه كثيراً اختبارات ميلجرام للطاعة والانصياع للسلطة (Milgram’s obedience studies)، بل أسوأ منها”.
إسهامات “ستانلي ميلغرام” و “ريد” في مجال الاعترافات الكاذبة
أجرى ستانلي ميلغرام (Stanley Milgram)، وهو عالم نفسٍ في جامعة يال (Yale)، ويعد أحد أبطال كاسين. العديد من الدراسات حول هذا الأمر أيضاً في ستينيات القرن الماضي. وتضمنت هذه الدراسات دفع المشاركين فيها إلى توجيه صدمات كهربائية لغيرهم ممَّن لم يتعلموا دروسهم بشكل سريع.
لم يعلم المشاركون أن الصدمات الكهربائية كانت مزيَّفة. ولكنهم كانوا على استعدادٍ مصحوب بالقلق لإلحاق الأذى بغيرهم عندما يطلب من هم أقوى سلطةً منهم ذلك .
بدت طريقة ريد في الاستجواب مختلفة في البداية، إذ بدأت بتقييم سلوكيّ يسأل الضابط خلاله أسئلة عديدة. بعضها لا يتعلق بالموضوع. وبعضها الآخر مستفزّ بشكلٍ ما. وكان يراقب لغة الجسد التي تظهر خلالها علاماتٌ تدل على الخداع. مثل إشاحة النظر بعيداً، التراخي، أو تصالب الذراعين. فإذا اعتقد الضابط أن المُشتَبه به يقدم اعترافات كاذبة. فإنه ينتقل إلى المرحلة التالية والتي تتمثل بالاستجواب الرسمي.
في هذه المرحلة، يقوم عناصر الشرطة بالإكثار من الاستجواب، إذ يتهمون المشتَبه به بشكل متكرّر، ويصرّون على سماع التفاصيل متجاهلين كل الإنكارات.
خلال هذه الأثناء، يـُبدِي المحقِّق التعاطفَ معه مقلّلاً من البُعد الأخلاقي (وليس القانوني) للجريمة. ومنه يقوم بتمهيد الطريق أمام المتَّهم للاعتراف (على سبيل المثال، الاستدراج بالتعاطف بالقول أن الجريمة لم تكن لتحصل لو لم ترتدي ثياباً مغرية لهذه الدرجة).
تـُذكّر هذه المرحلة كاسين، عندما يبدأ شخص ذو نفوذ بتطبيق الضغط النفسي على المشتَبه به، بتجارب ميلغرام الشائنة. لكن، بينما يجعل ميلغرام شخصاً ما “يؤذي” شخصاً آخر. فإن أساليب ريد تدفع الأشخاص إلى إيذاء أنفسهم من خلال اعترافهم بذنبٍ لم يقترفوه.
ومنه، راودت كاسين شكوكٌ بأن هذا الضغط النفسي هو ما يمكن أن يؤدي إلى قول اعترافاتٍ زائفة من الأبرياء.
تجربة “ريد” في الاستجواب في المختبر
لاستكشاف ذلك، قرر كاسين تجربة أسلوب ريد في الاستجواب في المختبر أواخر التسعينيات، مستعيناً بطلاب متطوِّعين. وأطلق على التجربة اسم “نموذج تعطيل الحاسوب”. حيث خضع المتطوعون إلى إملاءٍ كتابيّ سريع على الحاسوب. وحذّر كاسين الطلاب من وجود خلل في نظام الحاسوب، إذ يؤدي الضغط على زر “Alt” إلى تعطُّل الجهاز.
كل ذلك كان عبارة عن خدعة، فقد تمت برمجة الحواسيب على أن تتعطَّل بغضّ النظر عن الزر الذي يتم الضغط عليه. بالتالي يتّهم القائم على الاختبار المتطوعين أنهم ضغطوا على زر “Alt“.
في البداية، لم يصرّح أحد من المشاركين أنه قام بذلك، لكن قام كاسين بعدها بإضافة متغيّراتٍ إلى التجربة. اعتماداً على ما تعلّمه هو وغيره من الباحثين عن أساليب الاستجواب التي يتبعها عناصر الشرطة فعلياً.
على سبيل المثال، يخبر الشرطي المتهم أحياناً (كذباً) بوجود شهودٍ على الجريمة. مما يؤدي إلى شكّ المتَّهم بالأحداث التي يعرفها عن الجريمة (يسمح القانون الأمريكي لعناصر الشرطة بالكذب).
في واحدة من أكثر الأحداث جدلاً، قضية مارتي تانكلِف (Marty Tankleff). وهو مراهق من ولاية لونغ أيلاند، إذ استيقظ ذات صباح عام 1988. ليجد والديه وقد طُعِنا على أرض المطبخ، كانت والدته قد فارقت الحياة بينما والده لا زال في غيبوبة.
إسهامات “كاسين” في اختبار تعطل الحاسوب
لاحظ المحققون أن تانكلف لم يتأثر بالأمر كأي ابن تعرَّض لمثل هذه الصدمة، وبالتالي أصبح هو المشتبه الرئيسي بالنسبة لهم. وبعد عدة ساعاتٍ من الاستجواب دون التوصل إلى نتيجة، أخبر أحد المحققين تانكلِف بأنه قابلَ والده في المستشفى. وأخبره الوالدُ المصاب بأن تانكلف هو من ارتكب الجريمة. ( في الحقيقة، كان والد تانكلِف قد توفي دون أن يستعيد وعيه). وهذا ما أدى لصدمةٍ جعلت تانكلِف يعترف بارتكاب الجريمة تلك.
قضى تانكلِف تسعة عشر عاماً في السجن قبل أن يتم إطلاق سراحه بناءً على مجموعة من الأدلة الواضحة.
يقول ساول كاسين: “يمكن للاعترافات التي تبدو صادقة أن تكون مزيفة، حتى لو كانت مدعومة من قبل المُخبِرين وعلمِ الطب الشرعي”.
لم يستطع كاسين محاكاة (تجربةَ) هذا النوع من الصدمة في المختبر، ولكنه استطاع وضع أشكال مختلفة لاختبار تعطّل الحاسوب. إذ ادّعى خلالها أن أحد شركائه قد رأى طالباً يضغط على زر “Alt“، بالتالي تأثر بعض الطلاب واعترفوا بارتكابهم هذا الذنب. بدرجة مضاعفة عن عدد الطلاب الذين قالوا، مع شهود، بأنهم لم يروا شيئاً.
تحت بعض الشروط والظروف المعينة، اعترف كل الطلاب تقريباً أنهم مذنبون. فقط لأنهم واجهوا شاهدَ زورٍ أوهمهم بأنه رآهم يضغطون الزر “Alt“.
الأساليب المخادعة لعناصر الشرطة وعلاقتها بـ الاعترافات الكاذبة
وبالنتيجة، انتهى الأمر ببعض الطلاب إلى تصديق أنهم ضغطوا على الزر الخاطئ بالفعل. ومبرِّرين تصرُّفهم بالقول “ضغطت على الزر الخاطئ بجانب يدي”. تقبّل المتطوعون فكرةَ أنهم مذنبون إلى درجة أن بعضهم لم يصدقوا كاسين عندما أخبرهم بالحقيقة.
قام محقِّق آخر بإخبار كاسين أنه وخلال الاستجواب لم يكذب فعلياً فيما يخص الدليل الموجود بين يديه، بل قال بأنه يتوقع الحصول على أدلة تحمل معها إدانةَ المُشتَبه به.
على سبيل المثال، يمكن أن يخبر المحقق المشتَبه به بأنهم ينتظرون النتائج المخبرية الخاصة بالحمض النووي من مسرح الجريمة.
يمكن الاعتقاد بأن هذه الطريقة تجعل المشتبه به ينكُر الجريمة بقوةٍ انطلاقاً من إيمانه بأن النتائج ستُعفيه حتماً من الذنب. إلا أن كاسين قد قابل رجالاً تمت تبرئتهم. ممَّن قالوا إن احتمال وجود دليل جديد كان مفاجئاً لهم. إذ اعترف بعضهم بالجريمة فقط في سبيل التخلص من الوضع النفسي المُجهِد الموجود في غرفة التحقيق. معتقدين أن الدليل سيبرّئهم لاحقاً، فقد قال كاسين: “اعتقدوا أن براءتهم بمثابة بطاقة للخروج من الموقف”.
اختبر كاسين تلك الأساليب “المُخادعة” التي يتّبعها عناصر الشرطة، وذلك بأشكالٍ مختلفة لاختبار تعطل الحاسوب.
لكن هذه المرة، إضافةً إلى اتهام الطلاب، قال القائم على الاختبار أن كل عمليات الضغط على الأزرار قد تم تسجيلها في الخادم الرئيسي، وسيتم الاطّلاع عليها قريباً، الأمر الذي أدى إلى مزيد من الاعترافات الزائفة والخاضعة لتأثير الوهم بشكل مفاجِئ.
ومنه، كشف استبيان أُجرِي بعد الاختبار، أن العديد من الطلاب الذين “خـُدِعوا”، مثل الرجال الذين اختبرهم كاسين. قد وقّعوا على ورقة اعترافٍ فقط ليخرجوا من غرفة التحقيق، مفترِضين أنه سيتم تبرئتهم لاحقاً اعتماداً على الدليل المُنتَظر.
في هذه الحالة قال كاسين: “إن الإيمان ببراءة الشخص و بنظام القضاء يمكن أن تشكِّل عوامل خطر بحدّ ذاتها.”
كشف الخداع
قام علماء الاجتماع بإعادة إجراء اختبار تعطل الحاسوب مراراً وتكراراً حول العالم وبأشكال متعددة، وأظهروا نفس النتائج.
لكن، شكَّك النقاد بنتائج كاسين؛ ذلك لأن “الجريمة” التي تم اتهام الطلاب بها يمكن أن تكون أفعالا بسيطة ناجمة عن الإهمال وارتُكِبت من دون قصد، ولأن الاعتراف بها لا يحمل عواقبَ وخيمة.
أضاف جوزيف باكلي (Joseph Buckley) رئيس شركة جون أي ريد وشركاؤه في شيكاغو (.John E. Reid & Associates Inc). التي حصلت على حقوق النشر لـ أساليب ريد في أواخر ستينيات القرن الماضي. أن دراسات كاسين تفتقد المصداقية، ذلك لأنها لم تـُجرَ بواسطة خبراء محترفين في الاستجواب.
وصرَّح باكلي بأن الاعترافات المزيَّفة تحدث فقط عندما لا يتبع المحققون إجراءات الاستجواب بدقة. وقال في تقرير له أن أساليب ريد في الاستجواب لا يـُقصَد بها الإجبار على الاعتراف. وبدلاً من ذلك، فإن الهدف الأساسي منها هو “خَلق بيئة تمهد الطريق أمام المشتَبه بهم لقول الحقيقة “.
بالمقابل، ردَّت دراسات قام بها باحثون آخرون على هذه الانتقادات، إذ صَمّمت عالمة النفس الاجتماعي ميليسا روسانو (Melissa Russano). في جامعة ويليام في بريستول، اختباراً تضمّن الطلب من المتطوعين فيه أن يقوموا بحلّ مجموعةٍ من الإشكاليات المنطقية، بمفردهم أو ضمن مجموعات.
كما اشترط الباحثون في هذا الاختبار ألا تتم مساعدة المتطوعين الذين اختاروا حل المشاكل بمفردهم تحت أي ظرف من الظروف.
لكن، تم تدريب بعض الطلاب مسبَقاً على أن يـُبدوا قلقهم إزاءَ الأسئلة بشكلٍ ظاهر للآخرين. ممّا شجَّع عدداً من زملائهم على مساعدتهم في خرقٍ وانتهاك للقواعد المنصُوص عليها في الاختبار.
في هذه الاختبارات، لم يكن باستطاعة الطلاب المُساعِدين ارتكاب “الجريمة” دون علم الآخرين. وحَمَل الاعترافُ بارتكابها عواقب لهم باعتبار أن الغش هو خرق لقانون الشرف الجامعي.
أساليب الاستجواب المعيارية
بعدها، اختبرت روسانو أيضاً عنصرا آخرا من أساليب الاستجوابات المعيارية، وهو أسلوب “التقليل” الذي يخفّض من الحاجز العاطفي المانع للاعتراف. إذ تقول هي وزملائها أشياء محفِّزة مثل “ربما لم تدركوا هول هذا الفعل!”. ممَّا ساهم (هذا الأسلوب) بزيادة نسبة الاعترافات الكاذبة بمقدار 35 بالمئة.
إضافة إلى ذلك، ظهرت آراء باحثين آخرين، بمن فيهم جيسلي غوجونسون (Gísli Guðjónsson) المحقِّق الأيسلاندي السابق. والذي أصبح عالم نفسٍ بارزاً في جامعة كينغ في لندن(King’s College). إذ قال أن بعض الأشخاص معرّضون بشكلٍ خاص لمثل هذا النوع من الضغط أكثر من غيرهم.
توجد بعض العوامل الخارجية المؤثِّرة، مثل الإعاقة الذهنية، عمر الشباب، وإدمان المواد المخدرة. والتي تجعل بدورها بعض الأشخاص يشكِّكون بذاكرتهم بشكلٍ أكبر، وتؤدي بهم، تحت الضغط، إلى الاعتراف الكاذِب.
ذكر دكتور القانون في جامعة سان فرانسيسكو في كاليفورنيا ريتشارد ليو (Richard Leo) أن ما يقلّ عن 20 بالمئة من المشتبهين في الولايات المتحدة الأمريكية. يستشهدون بحقوقهم فيما يسمى حقوق ميراندا؛ “يحق لك البقاء صامتاً وأي كلمة تقولها ستُؤخَذ كدليل في المحكمة، كما يحق لك توكيل محامٍ، وإن لم تستطع سيتم توفير محامٍ لك”.
إن هذه الحقوق المنصوصة بهذا الشكل تعَد ضد تجريم الذات، وتجعلهم آملين بأن يَظهروا بمظهر المتعاونين بهذه الطريقة.
وفيما بعد، شرح ليو وزميله عالم النفس الاجتماعي ريتشارد أوفشِي (Richard Ofshe) من جامعة كاليفورنيا. ما يسمى باعترافات “الإقناع” والتي تحدث بعد أن يُنهَك المشتبه به. من ساعاتٍ طويلة من الاستجواب فيدخل في حالةٍ من الشرود. ويبدأ بتصديق فكرة أنه هو المذنب. وتَظهر هذه المشكلة بين المراهقين على وجه الخصوص (مثل بورتون). وذلك لسرعة تأثرهم وخوفهم وإذعانهم للسلطة.
أساليب “ريد” في الاستجواب
تتضمّن العديد من أساليب ريد في الاستجواب مراقبة الإشارات اللفظية وغير اللفظية للخداع، والتي يعتقد الكثير من عناصر الشرطة أنهم بارعون في ملاحظتها.
إذ اختبر كاسين هذه الثقة التي يمتلكها عناصر الشرطة منذ أكثر من عشر سنوات، ووظّف أفضل الكاذبين الذين يعرفهم لهذا الغرض، وهم مجموعة من سجناء ماستشُوستس.
حيث طُلب من نصفهم، مقابل مبالغ رمزية، أن يعترفوا بحقيقة ارتكابهم للجرائم المنسوبة في شريط مُصوَّر. بينما طُلِب من النصف الآخر أن يكذبوا بقولهم أنهم ارتكبوا جرائم نُسِبت لغيرهم.
بعد ذلك، تم عرض تسجيلات الفيديو على زملائه وعلى عناصر الشرطة، لم يستطع أحد منهم كشف الخداع في التسجيلات بشكلٍ جيد (فالشخص العادي يكون صادقاً معظم الوقت). إلا أن طلاب كاسين قد تفوقوا على الشرطة في ذلك، وبالرغم من هذا بقي عناصر الشرطة أكثر ثقة وإصراراً على استنتاجاتهم.
قال كاسين: “هذا المزيج رديء، التدريب قد جعلهم أقلّ دقةً وأكثر ثقة بصحة أخطائهم بنفس الوقت”.
قوة الاعتراف
يُظهِر ملصَق معلَّق على حائط مكتب كاسين في جامعة جون جاي (John Jay) .وجوه 28 شخصاً من كلا الجنسين ومن مُختَلف الأعمار وألوان البشرة، ومن أصول إسبانية وغيرها.
يقول كاسين، تعقيباً على الصورة: “انظروا إلى تنوُّع البشر الموجود هنا، إن ما يجمعهم سوياً أنهم قدّموا اعترافات كاذبة. ليس هناك فئة معيَّنة من البشر فقط تقدّم اعترافات كاذبة؛ يمكن أن يحدث ذلك مع أيّ فرد”.
لقد ساعد كاسين العديد منهم، واستعان الكثير من محاميّي الدفاع ومنظَّمات حقوق الإنسان حول العالم بـ كاسين لتحليل الاعترافات. وطُلِب منه ادلاء الشهادة حول طبيعة الاستجواب. كمستشار أو كشاهد سواءً بشكل مأجور أو مجاني.
بالعودة إلى المُلصق على حائط مكتب كاسين، ترجع إحدى الصور لـ أماندا نوكس (Amanda Knox)، وهي طالبة جامعية تدرس في إيطاليا، تم إرغامها بالإكراه على الاعتراف بارتكاب جريمة قتل زميلتها في السكن، فقدَّم كاسين تقريراً إلى محكمة إيطاليا ساعد في تبرئتها من الجريمة المزعومة.
أيضاً، قدّم كاسين شهادته في قضية جون كوت (John Kogut)، وهو رجل يسكن في ولاية لونغ أيلاند، إذ قام بالاعتراف كذباً باغتصاب وقتل فتاة تبلغ من العمر 16 عاماً بعد 18 ساعة من الاستجواب.
أُطلق سراحه بعد 18 عاماً من السجن بناءً على تحليل الحمض النووي. لكن النيابة أعادت محاكمته على أساس الاعتراف، و ساعدته شهادة كاسين عام 2005 على تبرئته.
قضية “لوفمان”
نضيف لذلك، باري لوفمان (Barry Laughman)، وهو رجل ذو قدرات عقلية تعادِل قدرة طفل عمره عشر سنوات. قام بالاعترف زيفاً باغتصاب وقتل جارته المسنِّة عام 1987 بعد أن أخبره عناصر الشرطة كذباً بأنهم وجدوا بصماته في مسرح الجريمة. وبعد اعترافه، تجاهلت الشرطة الأدلة الأخرى، واعتبروا حجة الغياب التي قدمها الجيران مغلوطة.
على الرغم من أن زمرة دمه كانت (B)، والدّم الوحيد الذي وُجِد في مسرح الجريمة كان (A)، أقنع الطبّ الشرعي أنفسهم وأقنعوا القضاء برواية تقول أن تحلُّل البكتيريا قد غيّر زمرة الدم من (B) إلى (A) .
نتيجة ذلك، قضى لوفمان 16 عاماً في السجن إلى أن تمت تبرئته في النهاية بناءً على تحليل الحمض النووي، (أدلى كاسين بشهادته في القضية لصالح لوفمان عندما رفع دعوى قضائية ضد الدولة).
تأثير الاعترافات الكاذبة على قضية “لوفمان”
كانت قضية لوفمان بالنسبة لـ كاسين دليلاً يظهِر أن الاعتراف لا يفوق الأدلة الأخرى فحسب، بل يمكنه أن يُفسِدها أيضاً. فبعد الاعتراف، تتراجع حُجَج الغياب، يغيّر الشهود أقوالهم، يتجاهلُ عناصر الشرطة أدلة البراءة، ويعيد خبراء الطب الشرعي تحليل المواد لاختلاق نظريات جديدة.
بالعودة إلى قضية هيو بورتون على سبيل المثال، فقد ألقت الشرطة القبض على أحد الجيران ممّن لديهم سجل سابق بممارسة العنف، وشوهد وهو يقود السيارة المسروقة للأمّ المقتولة، إلا أنهم لم يعدّوه مشتبها به فقط لأن بورتون اعترف بارتكابه الجريمة.
ظهر مدى تأثير الاعتراف عام 2012، عندما نشر كاسين وزملاؤه تحليلاً لـ 59 قضية اعتراف مزيف مأخوذة من مشروع البراءة. إذ تضمنت تسعٌ وأربعون منها أخطاءً أخرى، مثل هفوات الشهود، وتحاليل جنائية مغلوطة بنسبةٍ أعلى بكثير مما كانت عليه في القضايا التي لم تحتوي على اعتراف المشتبه به.
وكان الاعتراف في ثلاثين قضيةٍ منها هو الدليل الأساسي الذي تم جمعه. بمعنى آخر، بمجرد حصول الشرطة على الاعتراف، فإن الأدلة الدلائل الأخرى تجتمع لدعمه.
إن لهذا الأمر تأثيرٌ عجيب، فحتى لو تبيَّن زيف الاعترافات، تقضِي محاكم الاستئناف بأن الأدلة الأخرى قوية بما يكفي لدعم الإدانة.
يقول كاسين، معلقا على ذلك:” تغفل المحكمة تماماً عن أن الأدلة الأخرى قد تم إفسادها بوهم الاعتراف المزيَّف.”
أظهرت مجموعة أخرى من العلماء، عبر التجارب، كيف يمكن لطريقة سرد أحداث الجريمة أن تشكل دليلاً جنائِياً.
ما مدى تأثير وجود شخص مشتبه به على التحقيق؟
أحد الأمثلة المثيرة للجدل قد حدثت عام 2011 عندما إختبر عالم النفس البريطاني ايتيل درور (Itiel Dror) وخبير الحمض النووي الأمريكي غريغ هامبيكيان (Greg Hampikian) الأشخاص البعيدين كل البعد عن التحيّز، وهم خبراء الحمض النووي.
حصل العالمان على النتائجِ المطبوعةِ لتحليل الحمض النووي الخاص بقضية اغتصابٍ والتي اتُّهم بها رجل ما، إذ تم إخبار محللي الحمض النووي الأساسيين بأن الشرطة تحتجز شخصاً مشتبها به، ونتيجة لذلك، قرر خبراء الطب الشرعي بعدها أن الحمض النووي للمشتَبه به الذي تحتجزه الشرطة كان جزءاً من العيّنة التي أُخِذت من مسرح الجريمة.
ولاختبار مدى تأثير وجود شخص مشتبه به على التحقيق، قدّم العالمان نتائج التحليل التي بحوزتهما إلى 17 خبيراً في الحمض النووي. ممَّن لا تربطهم بالقضية أيّة صلةٍ. كما تم إخفاء ماقيل سابقاً عن وجود أحد المشتبه بهم لدى الشرطة. ظهرت نتيجة واحدة فقط مُطابقة للحمض النووي للمشتَبه به مع العيّنة المأخوذة من مسرح الجريمة من قبل واحد من خبراء الحمض النووي.
إن مثل هذه الاكتشافات تدعم الفكرة التي تزداد شيوعاً يوماً بعد يوم أنه يجب “تعمية” الطب الشرعي الخاص بأي جريمة عن أي شيء يخصُّها، أي يجب أن يقوموا بعملهم دون أدنى معرفةٍ بوجود مُتشتبه بهم في القضية وغيرها من الأمور.
قضية (Central Park Five)
يمكن للاعتراف في بعض الأوقات أن يتجاوز حتى أدلَّة الحمض النووي التي لايمكن التشكيك بها. ففي قضية سينترال بارك فايف (Central Park Five) عام 1989، والتي تم تحويلها إلى مسلسل درامي عُرِض على شبكة (نتفليكس). اعترف خمسة مراهقين بعد ساعاتٍ متواصلة من الاستجواب بضَرب و اغتصاب رياضيّة بطريقة وحشيّة في مدينة نيويورك.
لكنهم سرعان ما تراجعوا عن الاعتراف، إذ لم يكن الحمض النووي الذي وُجِد على الجثة عائداً لأي منهم. بالرغم من ذلك، تمت إدانة المراهقين الخمسة من قبل اثنين من هيئة المحلَّفين بعد أن أوضح المدَّعي العام التناقض الحاصل.
فقد توصلوا إلى نظرية تقول بأن شخصاً سادساً مجهولَ الهوية اغتصب الضحية أيضاً (وذلك بسبب وجود سائل منوي في مسرح الجريمة ليس لأيّ من المراهقين الخمس، وبالتالي يعود له).
بعد مرور ثلاثة عشر عاماً، اعترف الرجل الذي تطابق تحليل الحمض النووي الخاص به مع العيّنة المأخوذة من مسرح الجريمة. وهو مغتصِب وقاتِل متسلسل يقضي عقوبة السجن مدى الحياة، وقال أنه ارتكب هذه الجريمة وحده.
كيف يمكن أن يوجد مثل هذا الظلم؟ نشر كاسين وزملاؤه دراسة عام 2016 استطاعوا من خلالها محاكاة هذه الحادثة بتجربة هيئة محلّفين صُوريّة.
نتيجة ذلك تم الإدلاء بالنتائج التالية: “عند الاختيار بين الاعتراف وتحليل الحمض النووي، يختار الناس تحليل الحمض النووي. ولكن حين يُقدّم المدعي العام رواية حول سبب التناقض بين الحمض النووي والاعتراف. فإن هيئة المحلَّفين تنحاز بأغلبيةٍ ساحقة إلى الاعتراف فوراً” مشيراً بذلك إلى قوة سرد القصة في التأثير على الحكم.
اعتماد طرق جديدة للاستجواب
بدء التغيير بالبروز، فبحلول عام 2010 أصبح الدليل على إمكانية حدوث الخطأ في الاستجواب مقنعة للغاية، إذ كتب كاسين وعدد من زملائه من الولايات المتحدة وبريطانيا كتاباً خاصاً بالجمعية الأمريكية لعلم النفس، وحذّروا من خلاله من خطورة الإجبار على الاعتراف.
كما اقترحوا عدة طرق إصلاحية، مثل منع عناصر الشرطة من الكذب خلال التحقيق، بالإضافة إلى تحديد وقت الاستجواب مع تسجيل جميع الاستجوابات من البداية إلى النهاية وإلغاء أسلوب “التقليل”.
وأضافوا أن السعي للحصول على الاعتراف أمرٌ ضار بطبيعته لدرجة أنه قد يكون من الضروري حقاً “إعادة صياغة تصوّرٍ كامل” للأسلوب المُتَّبع في الاستجواب وابتكار حلول جديدة للأمر.
ظهر نموذج آخر يدعم هذه الاقتراحات في بريطانيا، حيث تخلّت الشرطة عن أسلوب ريد في الاستجواب، وذلك في أواخر التسعينيات بعد انتشار عدة فضائح عن الإدانات الكاذبة.
حالياً، يستخدم عناصر الشرطة في بريطانيا نظاما مُخصَّصا لتحديد الخداع دون الاعتماد على الإشارات المرئيّة للضغط النفسي والعاطفي، بل على أسُس “التحميل المعرفي”، والذي من شأنه أن يقود الكاذبين إلى زلات لسان منهم في محاولتهم لإخفاء الحقيقة والحفاظ على روايتهم بشكل مضبوط.
في هذا الصدد، أجرى عناصر الشرطة البريطانية نوعاً من المقابلات المفتوحة (غير السرِّية) مع المشتَبه بهم، والتي يمكن أن يستخدمها الصحفيون أحياناً، كما تم تشجيعهم على عدم السعي الوحيد للحصول على الاعتراف فقط.
تبنّت العديد من الدول الأخرى المنهجَ الجديد في الاستجواب مثل نيوزيلندا، استراليا، وأجزاء من كندا. وقاموا أيضاً بتسجيل الاستجواب بأكمله في سبيل المحافظة على مصداقية وشفافية عملية التحقيق، كما تبنت 25 ولاية من الولايات المتحدة الأمريكية هذه الطريقة أيضاً.
الأساليب البعيدة عن المواجهة
ومنذ عامين تقريباً، غيّرت إحدى أكبر مؤسسات التدريب على الاستجواب، ومقرها في الولايات المتحدة الأمريكية، ولاية شيكاغو، وهي شركة ويكلاندير وشركاؤه (Wicklander-Zulawski & Associates Inc).
إذ توقفت عن تعليم أسلوب “المقابلات الاتّهامية”، ودعمت “الأساليب البعيدة عن المواجهة” التي أيّدها ودافعَ عنها كاسين وزملاؤه.
كما تأثرت الشركة بانتشار الأبحاث المتعلقة بتشجيع تقليل الاعترافات الزائفة، إذ يقول ديف تومبسون (Dave Thompson) نائب رئيس الشركة للعمليات: “لقد أدركنا أنه توجد طريقة أفضل في التحدث مع الآخرين اليوم بدلاً من تلك التي كنّا تستخدمها خلال العشرين إلى الثلاثين عاماً في الماضي”.
بعد دراسات ومجهود عظيم، استشعر كاسين المزيد من التقدّم في هذا الصدد، إذ خاطب مجموعةً مؤلفة من أربعين محامٍ من مختلف مقاطعات الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت هذه المجموعة قبل وقت قصير معادية للرسالة التي يحملها، لكنهم تعلموا لاحقا كيفية تجنب الإدانات الخاطئة، حيث قال:” تكمن وجهة نظري في أن هؤلاء الأشخاص يمكن أن يتم خداعهم، لأن الاعترافات التي تبدو صادقة يمكن أن تكون مزيَّفة في الحقيقة حتى لو أيّدها الشهود والقضاء والطبّ الشرعي، أردت إخبارهم أن العمل الحقيقي يبدأ عندما يواجهون قضية تنتهي بالاعتراف، فهنا تنطلق أجراس الإنذار، وهنا يجب التفكير بمصداقية الاعترافات”.
اقرأ أيضاً: لغة الجسد وتعابير الوجه بجوانبهما المختلفة، وتأثيرهما على حياتنا اليومية
المصدر: why people confess to crimes they didn’t commit
تدقيق: رهام شلغين
تحرير: جعفر ملحم