ست طرق للتأقلم مع الاكتئاب المزمن

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي

يشكّل الاكتئاب المزمن (Chronic Depression) صعوبات لوجستية حقيقية، إذ غالباً ما نشعر بحالة من الاكتئاب في اللحظات غير المناسبة على الإطلاق.

ليس بالضرورة أن يمنع الاكتئاب الشخص من أن يعيش حياته بشكل طبيعي. إذ يمكن باستخدام بعض التقنيات العملية، مساعدة المصابين على تجاوز حالة الاكتئاب بأمان.

قد يكون التعايش مع الكآبة مؤلماً ومرهقاً، فمن الصعب جداً المرور بحالة واحدة من الاكتئاب الحاد والتي تنطوي على الحزن، الفراغ، والشعور بأن سحابة رمادية كئيبة قد حلَّت على حياتك. ومن المحزن أن البعض يعودون دورياً إلى حالة الاكتئاب، فتبدو وكأنها مرض مُزمِن (chronic illness) أكثر من كونها حادثة منفردة.

ما الذي يميز الاكتئاب المزمن؟

تتميز هذه الظاهرة، التي غالباً ما يُشار إليها بالاكتئاب المزمن، بحدوث نوبات متكررة من اضطراب الاكتئاب الشديد (major depressive disorder).

قد تمر عليك شهور أو سنوات وأنت مستمر في حياتك وتعمل بشكل طبيعي، ثم فجأة يكبِّلك الاكتئاب من قدميك، فلا تستطيع النهوض من سريرك مدة أسبوعين.

ومن الممكن، بالنسبة للبعض الآخر، أن يتجلّى اضطرابهم المزاجي على شكل اكتئاب خفيف ودائم، وتُسمَّى هذه الحالة بـ اضطراب الاكتئاب المستمر (persistent depressive disorder)، وهي حالة من انخفاض المزاج لا تزول تماماً.

إضافة إلى الصعوبات العاطفية والاجتماعية التي يسبّبها الاكتئاب، يتحوَّل الاكتئاب المزمن إلى مشكلة لوجستية حقيقية أيضاً، فمن غير الطبيعي أن يبقى المرء مكتئباً بشكل دوري، إذ تبقى متطلبات حياته ثابتة ومستمرة بشكل جنونيّ، بالرغم من أن مصادر التأقلم والتكيف مع هذه المتطلبات تُستنفذ تدريجيا.

في الاكتئاب المزمن، يظنّ دماغك بأنه عبارة عن أرض مقفرة قابلة للانفجار، لكن تبقى الواجبات المفروضة عليك مستمرة، كشراء البقالة، و دفع الفواتير، ويتوَقّع الآخرون منك أن تتصرف بطريقة عقلانية أو مِهنيَّة معهم.

إذا كنت تعاني من الاكتئاب المزمن، فإن محاولة التحمُّل والتأقلم العاطفي معه مهارة مفيدة جداً، فهي بمثابة القوة لأن تكون صبوراً حتى تمر هذه العاصفة.

لكن التحمل وحده ليس كافياً كي تشعر بأنك تعيش حياتك على أتم وجه. لذا، إليك بعض الأفكار العملية التي تساعدك على اجتياز الفترة المظلمة المقبلة في حياتك عندما تشعر بالكآبة، مع استمرارك في مزاولة أعمال حياتك اليومية بشكل جيد.

توقف عن مقاومة شعور الكآبة وتقبَّله

من المحزن تقبّل فكرة أن الاكتئاب قد يكون أحد الثوابت الدائمة في حياتك، فلا يوجد شيء أكثر راحة من الرغبة في تلاشي شعور الحزن المزعج، بشكل سريع، وإلى الأبد.

إضافةً إلى ذلك، نحن نعيش في مجتمعات تنتشر وتتغلغل فيها قيم الاكتفاء الذاتي وتطوير الذات، إذ تغريك فكرة أنك إذا استطعت العمل والاستمرار بالمشاعر الإيجابية بما فيه الكفاية، فقد تستطيع التغلب على الاكتئاب للأبد.

لكن، يمكن أن يكون الاكتئاب ظرفياً، بيئياً، فيزيائياً وعصبياً. بمعنى آخر، هناك عوامل خارجة عن السيطرة تساهم في حالتك المزاجية. هذا ليس الوقت المناسب للإيجابية الكاذبة، فعندما تتجاهل مشاعرك فإنك تكثفها وتصرّ هذه المشاعر على البروز والظهور، فما نشعر به هو بوصلتنا الداخلية.

بالحديث عما سبق، هناك اقتباس قديم لـ كارل جونج (Carl Jung) يقول: “ما تقاومه يبقى قائِماً”، لذا، حتى تتخطى اكتئابك، يجب عليك أولاً أن تتقبل فكرة أن شعور الكآبة موجود.

عندما تشعر أنك مـُـنهَك، متوتر وعلى وشك البكاء، تدرَّب على مخاطبة نفسك بالقول: “نعم، أنا مكتئب، وربما ليس ذنبي، لكنني مررت بهذا من قبل ونجوت، لا شك أنه أمرٌ مؤلم، ولكن لا يوجد داعٍ للذعر”.

لا تقل أنك مصاب بـ الاكتئاب المزمن، بل اختر له اسماً

الآن، وبعد أن تقبّلت كآبتك جذريا كزائر دوري، تأتي الخطوة التالية المتمثلة في أن تتعلم كيف تعيشان بتناغم معا.

إحدى أكثر تقنيات العلاج روعة هي المحايلة على الإكتئاب بتسميته من جديد، فـالاكتئاب مصطلح طبي دقيق للغاية، وهو مفيد وصالح في بيئة سريرية. ولكن إذا كنت ستعيش مع الاكتئاب كضيف يتردَّد إليك مراراً وتكراراً، فربّما تحتاج أن تصبح صديقه.

فبدلاً من أن تقول لنفسك أنك تعاني من اكتئاب مزمن، تستطيع أن تعيد صياغة حالتك على أنها طِباع حزين، هذا أمر مدهش! أو حاول أن تسمّي كآبتك اسماً يـُـطلَق على إنسان، مثل كارل أو بيرناديت.

“إن برناديت تزورنا هذا الأسبوع، يا إلهي، هل ستطيل المكوث هنا”.

أو يمكنك تخيُّل الاكتئاب كانفلوانزا موسمية تبعدك عن مهامك لبضعة أيام؛ انفلونزا مزعجة، غير مريحة، ولكنها متوقَّعة.

اعتبر الاكتئاب عاصفة فصلية عابرة مثلاً ، فترة نقاهة، أو إجازة في مركز الصحة النفسية. لذا تدرب على اختيار التسمية التي تناسبك.

سخّر كامل طاقتك في الرعاية الذاتية

عندما تشعر بأنك قد استنزفت طاقتك في الحياة، فإن آخر ما ترغب بفعله هو الطبخ، التنظيف أو الاستحمام. إذ تبدو لك هذه الأمور تافهة وبلا معنى، فلماذا تتعب نفسك؟ لكن الجوع، الجفاف وقلة النظافة لن تحسّن من حالك حتماً.

وإذا كنت مكتئباً، ستحاول استغلال ما تبقى من طاقتك فقط بجعل يومك يمضي، يجب أن تتعامل باستراتيجية مع كيفية صرف طاقتك الجسدية والعاطفية المحدودة.

مبدئيَّاً، يمكنك تخفيض توقعاتك عما تستطيع فعله إلى الحد الأدنى. ركّز إرادتك (التي تلاشت بشكل واضح) على المهام الأساسية في الحياة.

فإذا نهضت من سريرك وارتديت ملابس جديدة وأعددت لنفسك بعض حبوب الفطور لتناولها و شربت كوباً من الماء. فأنت تبلي حسناً ياعزيزي! وإذا استطعت تنظيف أسنانك صباحاً والاستحمام والذهاب إلى العمل، فأنت تستحق التقدير، أحسنت صنعاً!

لزيادة المنفعة الذاتية، استهلِك الرمق الأخير من طاقتك في ضمان عدم وصول الاكتئاب إلى مرحلة يرثى لها.

اضبط المؤقت مدة خمس دقائق، واستغل ذلك الوقت لترتيب المكان حولك. ربما تقوم برمي القمامة، ووضع سروالك الرياضي المفضل في الغسّالة، حاول أن تراقب المؤقت لترى ما يمكنك فعله خلال خمس دقائق.

هناك من يطلق على هذه الطريقة اسم “تنظيف الإعصار/ Tornado Cleanup” أي بسرعة وقدر الإمكان. هذه تسمية عبقرية،  لعبة مسلية وجديدة، ونشاط صحي في نفس الوقت.

استمر في فعل ما يسعِدك حتى لو لم تشعر بذلك 

إن أحد أكثر أجزاء الاكتئاب سوءا هو التلاشي التام لمشاعر الفرح والبهجة، إذ تشعر وكأن كل سعادتك قد سـُـحبت من جسمك، ويصبح قضاء يوم كامل دون أي شعور بالمتعة أمرا محطِّما للنفس والروح.

توجد استراتيجية فعَّالة للغاية، حتى لو كانت غير مريحة كثيرا، تتعلق بالسيطرة على الاكتئاب و تدعى التنشيط السلوكي (behavioral activation).

يعني هذا المصطلح بشكل أساسي إقناع نفسك بالمشاركة في أنشطة ممتعة و صحيَّة. إذ يمكنك فعل ذلك حتى لو مازلت مكتئباً طوال الوقت، فهو مفيد حتى لو كانت النشاطات الممتعة آخر ما تريد فعله.

يمكن أن يخلق الاكتئاب دوامة من العُزلَة، حيث تتجنب الأمور التي يمكن أن تجعلك تشعر بأنك أفضل قليلاً. لأن القيام بأمور كانت تبعث على المتعة سابقا ولا تعني شيئا الآن هو أمر مثير للغضب، ولأن احتمال فعل أي شيء وأنت مكتئب ماهو إلا أمر متعِب للغاية.

للأسف، لن يؤدي بك هذا إلا للانزلاق أكثر في هوة أعمق من الاكتئاب،لأنك ببساطة تصاب بمزيد من الإكتئاب. إذ يصبح الحديث مع الناس مجهدا، فتتجنب أصدقاءك الذين يدعمونك ويحبونك، وحتى تتجاهل اتصالاتهم، وبالتالي، قد يستاؤون من هذه التصرُّفات، ويبدأون في القلق من أنك لم تعد ترغب في الخروج معهم بعد الآن.

تبعاً لذلك، يتوقفون عن دعوتك للخروج برفقتهم لأنهم لا يريدون مضايقتك. ما يرسّخ عزلتك وبعدك عن الدعم الاجتماعي الذي يوفره من هم حولك.

يجبرك التنشيط السلوكي على عكس حلقة العزلة هذه. فعندما تكون مكتئباً، عد بتفكيرك إلى الأمور التي كنت تجدها ممتعة سابقاً. مثل احتساء كوب من القهوة، التحدث إلى الأصدقاء، أو قضاء وقت خارج المنزل.

كـُن نشيطاً واستمتع

الآن، وبعد تحديد ما قد يثير بهجتك، ضع خطة قابلة للتنفيذ لتقوم بهذه الأمور ربما بضع مرات خلال الأسبوع. حتى لو كان مايجعلك سعيداً هو دفن نفسك تحت كومة من البطانيات والبكاء. بهذه الطريقة، أنت تمنع نفسك من زيادة مدى كآبتك من خلال هذه العزلة الخاصة بك.

فكلما مارست النشاطات الممتعة (التي كنت تحبُّها سابقاً) أكثر، سوف تبدأ بالشعور بالمتعة شيئاً فشيئاً بها. وبالتالي أنت تشق لنفسك مساراً عبر نوبة الاكتئاب. ربما تواجه صعوبة في تطبيق هذه العملية، لذا تذكر ألا تقسو على نفسك كثيرا خلالها.

دع حالة الاكتئاب المزمن تعمل من أجلك

حسناً، في نهاية يوم طويل مع الاكتئاب، ربما تكون أنهكت نفسك بممارسة ما سبق من المهارات.

لقد تناولت طعامك، شربت ما يسدّ حاجتك من الماء وحتى أنك قمت بنزهة صحية وإن كان ذلك رغما عنك. في النهاية، إن هذا عمل رائع! الآن كل ما عليك فعله هو انتظار عودة سحابة الاكتئاب الرمادية المُرهِقة حتى تفعل هذه الأمور من جديد.

المهارة الأخيرة التي نريد أن نقترحها هي القليل من فن المصارعة العاطفية (jiu-jitsu). ومعناه ألا تقاوم رغباتك خلال فترة الاكتئاب، اجعل منها شيئا جميلا و دع الأمر يمضي بسلاسة. حوّل طاقة الاكتئاب المُتعِبة إلى نشاط صحي.

إذاً، هل ترغب في البقاء منعزلاً لفترة من الوقت وأن تبكي خلال هذه الفترة؟ عظيم! إنها ليست بمشكلة، إذ يبدو ذلك فرصة رائعة لتنظيف غرفة معيشتك مثلاً، وتهيئة الأجواء الملائمة التي تبعث الطمأنينة في قلبك. وتقوم بمشاهدة مجموعة من أفلامك المفضلة والتي تدفعك إلى البكاء.

أيضاً، ليس لديك شهية لتناول أي شيء سوى المثلجات؟ هذا منطقي! فقط قم بتحفيز نفسك للذهاب إلى متجر البقالة واحصل على بعضٍ مما تفضّل من الأطعمة المغذية المجمدة بشكل بسيط بشكل لا يؤثر على صحتك.

ثم تحايل على رغبة الاكتئاب في تناول المثلجات بأخذ أشهى نكهة مثلجات لم تجربها من قبل. لا يعد هذا اكتئاباً، إنه فن حسن الأكل لاغير!

لقد قمت بما يكفي من العمل المُتعِب لليوم. الآن، اجعل حياتك أسهل بإعادة توجيه رغبات الاكتئاب نحو الأنشطة التي يمكن أن تبدو ممتعة بعض الشيء إذا كنت تأمل بكمّ كبير من البهجة.

كن صريحاً مع نفسك عندما تحتاج إلى مساعدة

عندما تعاني من الاكتئاب مراراً وتكراراً، تغدو جيداً في المُضي بحياتك و سحابة الاكتئاب الرمادية فوق رأسك.

أنت تتمرن على جميع مهارات التأقلم الممكنة، إذاً هي بمثابة مظلة ومعطف يقيك من أمطار هذه السحابة (تبعات الاكتئاب). إذا كنت محظوظاً ولطيفا في التعامل مع ذاتك، قد تكتشف أنك ماهر في التأقلم مع الاكتئاب.

ربما تجد نفسك خبيرا في كيفية التعايش مع الاكتئاب، وتستحق أن تشعر بالثقة بذلك. ولكن لا تدع ثقتك واطلاعك على الاكتئاب تعميك عن حاجتك للدعم. فاعتيادك على الاكتئاب لا يعني أنه لم يعد مؤلماً البتَّة.

لذا، كن صادقاً مع نفسك دون تردُّد عندما تحتاج إلى بعض المساعدة.

لنفترض أنه قد مضى أسبوعان وما زلت تنام 12 ساعة يومياً وتستمع إلى ألبوم سوفجان ستيفنز (Sufjan Stevens) مراراً وتكراراً.

هذا يعني أن الوقت قد حان لتواجه نفسك وتلجأ إلى العلاج، وربما من الأفضل أن تحدّد موعداً مع أخصائي ليصف لك الدواء إن لزم الأمر.

كن على ثقة أن هذا لا يعد فشلاً في التعامل والتأقلم مع الاكتئاب. بل هي مهارة تتجسد في إدراك متى تحتاج دعماً إضافياً. حتى لو كنت محترفاً في التأقلم مع الاكتئاب، هذا لا يعني بالضرورة أنه يمكنك القيام بذلك وحدك، هناك مساعدة موجودة من أجلك.

اقرأ أيضاً: هل يمكن لـ الاكتئاب أن يسبب تساقط الشعر؟ وما دور مضادات الاكتئاب في ذلك؟

المصدر: Ways to Live Better With Chronic Depression

تدقيق: هبة مسعود

تحرير: جعفر ملحم

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي
Related Posts

مقالات ذات صلة

error: