ما هي الصدمة (Trauma)؟ ما أسبابها؟ وهل يمكن التأقلم معها؟

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي

يستخدم الناس مصطلح “الصدمة (Trauma) عموماً عند وصف أحداثٍ حياتية مـُجهِدة. على سبيل المثال، تعرّف الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA) الصدمة بأنها الاستجابة العاطفية للأحداث السلبية الصعبةِ والمؤلمة.

لكن، يشرح أخصائيو الصحة العقلية الأحداث الصادمة بطرقٍ دقيقة للغاية. إذ تغيرت المبادئ التوجيهية التي يعتمدونها في التوصيف واستمرّت بالتطور تدريجياً بالتوازي مع ازدياد فَهمهم للعوامل المسببة للحدث الصادم.

تكمن أهمية مفهوم الصدمة بشكلٍ خاص عند محاولتهم معرفة ما إذا كان الفرد مصاباً بـ اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) أم لا.

تعريف الحدث الصادم وفقاً للدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية (DSM-5)

عند مقارنة النسخة الخامسة من الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية (DSM-5) مع سابقاتها من النُّسخ. نجد أن هذه النسخة قد فصّلت بشكلٍ أكثر وضوحاً العناصرَ المُكوّنة للحدث الصادم ضمن الإطار التشخيصي لاضطراب ما بعد الصـدمة على وجه التحديد.

تـُعرّف النسخة الخامسة من الدليل “مُحفّزات” الإصابة باضطراب ما بعد الصـدمة بأنها التعرُّض الحقيقي أو تلقّي التهديد بما يلي:

  • الموت.
  • الإصابات الخطيرة.
  • العنف الجنسي.

إضافةً إلى ذلك، يجب أن يكون التعرض للصدمة (التعرض لحدث صادم) ناجماً عن واحدٍ أو أكثر من المواقف التالية، والتي يكون فيها المُتلقّي للصـدمة قد:

  • تعرَّض للحدث الصادم مباشرةً.
  • كان شاهداً حيّاً على الحدث الصادم.
  • كان مقرَّباً ممن تلقوا الحدث الصادم.مثل أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء (مع حدوث الموت الفعليّ أو التهديد به سواء كان مقصوداً أو عرَضياً)
  • تعّرض مباشرةً وبشكلٍ متكرر لتفاصيل مزعجةٍ ومؤلمةٍ للحدث الصادم. (وليس لأحد الأحداث غير المباشرة ، أيّ عبر وسائل الإعلام، الصور، التلفاز أو الأفلام، ماعدا الأحداث المتعلقة بالعمل).

العلامات الدالَّة على التعرض لحدث صادم

يـُعد الأمر نسبياً ويختلف من حالة لأخرى، فحتى لو كنت مقرباً للغاية ممّن تلقّى الصـدمة، فمن المحتمل ألا تبدو الأعراض الشائعة للإصابة بالصـدمة جليّة بالنسبة لك. والتي من الممكن أن تشمل رؤيته يرتعش، ويبدو عليه القلق والحيرة.

كما من الممكن لهذا الشخص أن ينعزل وينفصل اجتماعياً عن الآخرين فيتجاهل مثلاً أسئلتك وحديثك معه؛ وكأنه غير موجود.

مع ذلك، هناك علاماتٌ إضافيةٌ أكثر وضوحاً تمكّنك من استشعار ملامح إصابة الشخص المقابل لك بصدمةٍ ما:

  • القلق، والذي يمكن أن يظهر على شكل مزاجٍ حادّ، انفعالٍ مفرط، تشتُّت، تقّلب في المزاج، “رعب ليلي”، أو نوبات الهلع.
  • انفعالات عاطفية ومزاجية كالغضب أو الحزن.
  • أعراض جسدية تتمثل بتسارع ضربات القلب، الوهن، شحوب اللون، والخمول.

عوامل الخطر لاضطراب ما بعد الصدمة

يـُعد التعرض للصـدمة العاملَ الأول والأساسي لحدوث اضطراب ما بعد الصـدمة؛ لكن، هناك عوامل أخرى مؤثرة يجب أخذها بعين الاعتبار.

ليس بالضرورة أن كل شخص مرَّ بتجربةٍ صادمة سيتكوّن  لديه اضطراب ما بعد الصدمة.

بالرغم من أن التمييز الدقيق للشخص المصاب باضطراب ما بعد الصـدمة أمرٌ شبه مستحيل. إلا أنه بالإمكان الأخذ بعين الاعتبار عوامل الخطر التالية الذّكر. والتي من الممكن أن تساهم في احتمال تطور اضطراب ما بعد الصدمة وهي:

العوامل الوراثية

مازالت الأبحاث مستمرةً بهدف اكتشاف الدور الذي تلعبه الجينات الوراثية في نشوء وتطور اضطراب ما بعد الصـدمة. إذ جرت العديد من الأبحاث التي أظهرت تأثير الجينات الوراثية على وجود حالاتٍ صحية نفسية. مثل الفصام، الاضطراب ثنائي القطب، واضطراب الاكتئاب الحاد

بالإضافة إلى ما سبق، وجد الباحثون أن للجينات الوراثية تأثيرٌ على الإصابة باضطراب ما بعد الصـدمة أيضاً.

تـُعد النساء أكثر عرضةً للإصابة باضطراب ما بعد الصـدمة من الرجال. إذ وُجِد أن نسبة انتشار هذا الاضطراب خلال حياة الإنسان تتراوح من 10% إلى 12% بين النساء، ومن 5% إلى 6% بين للرجال.

تعقيباً على ما سبق، وجد الباحثون عقب دراسةٍ أُجرِيت على نساء أوروبا وأمريكا على وجه التحديد. أنّ ما يقارب الثلث (29%) من خطر الإصابة باضطراب ما بعد الصـدمة. بعد التعرّض لها، ناجمٌ عن عوامل وراثية، وأن معدل الخطر الناجم عن العوامل الوراثية عند الرجال أقلّ بكثير منه عند النساء.

وجدت أوّل مؤلفةٍ للدراسة التي تتناول دور الجينات، الدكتورة لارامي دنكان (Laramie Duncan). أن “اضطراب ما بعد الصـدمة يمكن أن يكون أحدَ أكثر الاضطرابات النفسية التي يمكن الوقاية منها”.

انطلاقاً من إدراكها أن التعرّض للصـدمة لا يعني نشوء اضطراب ما بعد الصـدمة بالضرورة. شاركت الدكتورة دنكان أهمية هذه الدراسة التي تتمحور حول دور الجينات الوراثية. بالتالي المساعدة في التدخل السريع بعد الصـدمة، خصوصاً بالنسبة للأفراد الذين تم تصنيفهم بأنهم الأكثر عرضةً لخطر الإصابة وراثياً.

الأبحاث الحالية المتعلقة بدور الجينات في الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة

في الوقت الحاضر، تجري أبحاثٌ عدة تتناول العلامات الوراثية بهدف تحديد دورها في التأثير على نشوء اضطراب ما بعد الصـدمة؛ وتشمل الجينَ الناقل للسيروتونين والجينات المرتبطة بالمحور الوطائي – النخامي – الكظري.

إضافةً إلى ذلك، أُجري بحثٌ آخر يتناول دراسة بروتين مستقبلات ألفا اليتيم المرتبطة بالريتينويد (RORA). وذلك نظراً للدور الذي يلعبه هذا البروتين في آلية الحماية العصبية، إذ يساعد على حماية الخلايا العصبية والخلايا الدبقية من الآثار التنكسية للإجهاد التأكسدي. أي الأثرِ المرتبط بالتعرض للإجهاد الناجم عن الصـدمة.

العوامل الاجتماعية

للدعم الاجتماعي أو للافتقار لوجوده في حياة البعض دورٌ أساسيّ في خطر الإصابة باضطراب ما بعد الصـدمة. فأولئك الذين يمتلكون خياراتٍ محدودة من الدعم الاجتماعي هم أكثرُ عرضةً لخطر الإصابة به.

وبالتالي، تـُعد الحاجة إلى مصادر الأمان والدعم النفسيَّين، بعد التعرض لصدمةٍ مؤلمة، من الأمور الضروريةِ تأمينُها. إذ تساعد الأشخاص المصابين بالصـدمة على معالجة ما يمرّون به بطريقةٍ صحيّة وعلى استعادة الأمل عبر التواصل العاطفي الآمن والمأمون.

إن الأشخاص الذين يتّبعون استراتيجيات تأقلم مع هذا الاضطراب قائمة على العزلة والتهرّب. هم أقل احتمالاً للجوء إلى وسائل المساعدة أو لطلب اتصالاتٍ صحية بعد التعرض للصـدمة. إذ أن الأشخاص الذين يحاولون عموماً مواجهة التحديات الحاصلة بالانطواء والعزلة يـُحدق بهم خطر نشوء اضطراب ما بعد الصـدمة أكثرَ من غيرهم.

لا يكفي دائماً وجود الدعم حولك لكبح جماح تطور اضطراب ما بعد الصـدمة.

العوامل البيولوجية والعصبية

أظهرت الدراسات احتمالَ تأثير عاملَي خطورةٍ إضافيين على تطور اضطراب ما بعد الصدمة، وذلك بعد التعرّض لها، هذان العاملان هما معدل الذكاء والعصابية (neuroticism)، فأولئك الذين لديهم معدلٌ منخفضٌ من الذكاء هم أكثر عرضةً للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة، إضافةً إلى أن احتمال إصابة الأشخاص الذين لديهم عصابية متفاقمة يكون أكبر.

يشير مصطلح العصابية إلى وجود سمةٍ فريدةٍ عند البعض تزيد من احتمال معاناتهم من مشاعر القلق، الذنب، الارتباك، الخوف، الغضب، ومشاعر الإحباط والحزن.

كما ذُكِر سابقاً، هناك المزيد من الأبحاث والدراسات التي تستقصي دور العوامل الوراثية في اضطراب ما بعد الصدمـة.

وبما أن التعرض لتجربةٍ صادمـة ليس شرطاً لحدوث اضطراب ما بعد الصدمـة، فإن استمرار وجود نتائج هذه الدراسات يساعد على تصنيفٍ أكثر دقة للفئة الأكثر عرضةً من غيرها للإصابة بهذا الاضطراب، وبالتالي ستصبح التدخلات الفورية والعلاجات مفيدةً وفعالةً بشكل أكبر.

إن اضطراب ما بعد الصدمـة، وغيره من الحالات النفسية كالاكتئاب الحاد، مرتبطٌ بـ تقلّص حجم الدماغ لدى المصاب، وخاصةً منطقة الفص الجبهي، إذ أظهرت الدراسات ازدياد مشاعر القلق لدى الأفراد ذوي الحجم الضئيل للدماغ. 

إدراكُ أن الأثرَ العاطفي للصـدمة يمكن أن يكون تراكمياً يجعل من السهل فَهم كيف يمكن للتجارب الصادمة الماضية أن تشكل عاملَ خطرٍ في نشوء اضطراب ما بعد الصدمة لدى شخصٍ تعرّض لحدثٍ صادم آخر .

عوامل الخطر الأخرى لاضطراب ما بعد الصدمة 

كما ذُكر سابقاً، أثرُ الصدمة هو أثرٌ تراكميّ، إذ يشكّل تعرض الشخص لصدمةٍ أخرى في الماضي عاملَ خطورةٍ آخر في نشوء اضطراب ما بعد الصـدمة، ما يعني أن الناجيَ من صدمةٍ سابقةٍ ولم تنشأ لديه أعراض اضطراب ما بعد الصـدمة هو أكثر عرضةً للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة؛ وذلك بعد الصـدمة اللاحقة.

أيضاً، وجود تاريخٍ طبيّ من الصراع مع حالاتٍ صحية ونفسية تسبق وقوع الحدث الصادم يمكن أن يشكّل عامل خطورةٍ في تطور اضطراب ما بعد الصـدمة، إذ تبين أن وجود الاضطرابات المزاجية، الاضطرابات المتعلقة بالقلق والاضطرابات السلوكية يشكل عامل خطرٍ للإصابة. 

تـُعتبر ضغوطات الحياة عوامل خطورةٍ إضافية، كالطّلاق ، أو الضغوطات المالية أو ضغط العمل، وبالنسبة للأطفال، معاناتهم من تحديات عاطفية ممكنة  في المدرسة أو المنزل؛ ففي هذه الحالات، تتفاقم احتمالية الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة.

يجب الأخذ بعين الاعتبار أن طبيعة محفّزات الصدمة هي عاملٌ مؤثّر أيضاً، إذ تبين أن ازدياد قسوة الأحداث كمشاهدة موت أحدهم، أو التعرض للعنف الشديد، أو لإصابة جسيمة خلال الحدث الصادم يمكن أن يكون عاملَ خطرٍ أيضا.

عندما يعاني أحدهم من ألمٍ جسدي ناجمٍ عن “صدمة” كالعنف الجنسي أو غيرها، فإن خطر الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة يتفاقم أكثر لأنّ الألم الجسدي يُذكّر الفرد بالحدث الصادم.

مساعدة المصاب بالصدمة على التأقلم معها

من الصعب جداً محاولة المساعدة عندما يمتنع صديقك أو قريبك عن الحديث عما يحدث له، كما أنه من الصعب أيضاً الاستمرار في الإلحاح للحصول على استجابةٍ منه خاصةً إذا شعرت أنه غير مرغوب بك، ولكن يمكنك أن تقدم العون لهؤلاء الأشخاص بشكلٍ أكبر عندما تكون:

  • مـُدركاً  لمفهوم الحدث الصادم.
  • قادراً على  تحديد العلامات المرتبطة به.
  • مُصرّاً على تقديم المساعدة للمصاب حتى لو لم يكن مُرحَّباً بها في البداية.

تذكّر، إن مساعدتك واهتمامك بشخصٍ تَعلَمُ أنه ضحيةُ صدمةٍ مؤلمة يمكن أن تُحدث فرقاً كبيراً في مدى تحسّنه وسرعة شفائه.

اقرأ أيضـاً: نمو ما بعد الصدمة، فوائده، وكيفية بلوغه

اقـرأ أيضاً: الصدمة الثانوية، أعراضها، أسبابها، علاجها وكيفية التأقلم

اقرأ أيضـاً: علاج اضطراب ما بعد الصدمة

المصدر: Causes and Risk Factors of PTSD

تدقيق: رهام شلغين

تحرير: جعفر ملحم

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي
Related Posts

مقالات ذات صلة

error: