العلاج بالتعرض (Exposure Therapy) هو شكل من العلاج السلوكي المصمم لمساعدة المرضى على مواجهة خوفهم. يُعرف هذا العلاج أيضاً بـ علاج التعرض ومنع الاستجابة.
عندما تشعر بالرعب من شيء أو نشاط معينين، فقد تتجنّبهما. على سبيل المثال، إذا كنت تخاف من الأماكن المغلقة، من الممكن أن تتجنب ركوب المصعد خاصة إذا كان مزدحماً. في حين أن التجنب يمكن أن يساعدك على إبقاء خوفك بعيداً على المدى القصير، إلا أنه قد يزيد من الخوف والقلق سوءاً على المدى الطويل.
يساعدك العـلاج بالتعرض في كسر حلقة الخوف والتجنب هذه، وينطوي هذا العـلاج على تعريضك لمصادر الخوف في بيئة آمنة. يهدف العـلاج بالتعرض إلى مساعدتك في التغلب على مخاوفك بحيث لا تسبب الأشياء، النشاطات أو المواقف شعورك بالقلق وتنخرط بها بشكل هادف وذي معنى.
تقول كورتني ديانجيلز (Courtney DeAngelis)، عالمة نفس متخصصة في العلاج بالتعرض: “أحد شعارات العـلاج بالتعرض هو: لنشعر بالارتياح مع عدم الارتياح .”
أنواع العلاج بالتعرض
يمكن أن يساعد العـلاج بالتعرض في علاج حالات نفسية عدة، بما فيها الفوبيا بأنواعها، اضطراب القلق المعمم واضطراب القلق الاجتماعي. لكن، هناك شكل متخصص من العـلاج بالتعرض يُعرف باسم علاج التعرض ومنع الاستجابة (exposure and response prevention therapy) والذي يمكنه المساعدة في علاج اضطراب الوسواس القهري.
وفقاً لـ ديانجيلز، فإن علاج التعرض ومنع الاستجابة (ERP) يساعد الأفراد المصابين باضطراب الوسواس القهري في مواجهة المواقف المزعجة والحد من الدوافع القهرية والتي يمكن أن ينخرطوا بها لتخفيف القلق.
“من خلال منع الدافع أو الطقوس القهرية، تستطيع بناء رؤية أعمق بحيث تتعلم أن الأشياء السيئة لا تحدث، حتى وإن لم تتبع “قواعد” اضطراب الوسواس القهري”.
لاحظت دراسة أجريت عام 2015 نجاحاً كبيراً لهذا العلاج في الحد من أعراض اضطراب الوسواس القهري، وهو حالة نفسية اعتُبرت سابقاً أنها غير قابلة للعـلاج.
تقنيات العلاج بالتعرض
يمكن أن يخطو العلاج بالتعرض خطوات مختلفة نحو التقدم في العملية العلاجية، وفقا لـ ديانجيلز، سوف يرشدك المعالـج باتجاه مواجهة مخاوفك تبعاً لتراتبية أو “سلم” يكون بمثابة خارطة طريق للـعلاج، ويمكنه أيضاً مساعدتك في التأقلم مع ما تنطوي عليه كل خطوة من صدمة و شعور بالقلق.
التعرض المتدرج (Graded exposure)
وينطوي على تعريض الفرد لمصدر الخوف بشكل تدريجي وذلك من خلال صعود السلم درجة كل مرة. على سبيل المثال، إذا كنت تهاب الحقن الطبية، فقد تشمل خطوات التعرض النظر إلى صورة حقنة، وجود حقنة مغطاة بجانبك، حمل الحقنة وغيرها حتى تغدو قادراً على القيام بأكثر شيء تخاف منه، وهو حقنك بهذه الحقن الطبية.
إزالة الحساسية المنهجية (Systematic desensitization)
قد يوظف المعالج تقنية إزالة الحساسية المنهجية لمساعدة المريض على الاسترخاء والشعور بالارتياح مع كل خطوة من خطوات العلاج.
يمكن أن تتضمن هذه الأساليب تمارين الاسترخاء مثل اليقظة، التأمل، التنفس العميق، التخيل الموجَّه واسترخاء العضلات التدريجي.
الغمر (Flooding)
تنطوي هذه الطريقة على تعريض المريض لأعلى مستوى من مستويات سلم الخوف دفعة واحدة. قد يستخدم المعالجون الغمر إذا كانت مخاوف المريض تتداخل مع قدرته على العيش.
في حين أن هذا النهج يمكن أن يساعد في التغلب على الخوف بشكل أسرع، إلا أنه قد يكون تجربة مؤلمة، ومن المحتمل أن يأخذ المعالج هذه الطريقة بالاعتبار فقط عندما يتفاقم القلق بشكل ملحوظ.
قد يلجأ المعالجون المتدربون على العلاج بالتعرض لتقنيات متعددة، والتي بينتها ديانجيلز أدناه.
التعرض للجسم الحي
ينطوي هذا التعرض على الاقتراب المباشر من المحفز أو الموقف في الواقع. على سبيل المثال، إذا كان أحد المراهقين يخاف الابتعاد عن والديه، فإن العلاج هنا يعني التدرب على الانفصال التدريجي عن والديه في مواقف مختلفة ( مع توجيه الطبيب وموافقة الأهل).
التعرض المتخيل
ينطوي التعرض المتخيل على تصوّر أن الموقف المخيف حقيقي بتفاصيل كبيرة. على سبيل المثال، إذا كنت تعاني من رهاب القياء، فقد لا يتم تشجيعك على تناول شيء يدفعك إلى التقيؤ عمداً كنوع من التعرض.
بدلاً من ذلك، قد يطلب منك المعالج كتابة ووصف ما تتخيل أنه يمكن أن يحدث إذا ما تقيأت، ربما في العلن، وقد يطلب منك إعادة قراءة النص المتخيّل الذي كتبته أو الإصغاء إليه بشكل متكرر.
تكمن الفكرة العامة هنا في مساعدتك على تحمل هذه المواقف المخيفة بدلاً من استحضار نفس الدرجة من القلق.
التعرض الإدراكي الداخلي
يمكن أن يساعد التعرض الإدراكي الداخلي على مواجهة إحساس فيزيائي مثير للخوف، إذ يتم استخدامه عموماً عند معالجة نوبات الهلع.
على سبيل المثال، قد يطلب منك المعالج القفز لمدة دقيقة واحدة حتى يزداد معدل ضربات القلب. سوف تتعلم في نهاية المطاف أن ذلك ليس أمراً خطراً أو إشارة على النوبة القلبية.
تعرض الواقع الافتراضي
يعد تعرض الواقع الافتراضي نهجاً مبتكراً يسمح لك بمواجهة ما يخيفك باستخدام الواقع الافتراضي. إذا كنت تخاف الطيران، على سبيل المثال، فقد تستفيد من الفيديوهات التي تحفز الطيران قبل الذهاب في عطلة تشمل السفر في الجو.
بماذا يساعد العلاج بالتعرض؟
وفقاً لـ ديانجيلز، فإن العـلاج بالتعرض مفيد عند معالجة الحالات التي تسبب القلق على وجه الخصوص. إذ تشرح أن القلق يمكن أن يدفعك إلى المبالغة في تقدير تهديد الخطر/ عدم الارتياح والتقليل من تقدير قدرتك على التأقلم مع الخطر/الانزعاج.
“يعمل العـلاج بالتعرض لمعالجة هذين التحديين بحيث تستطيع إدراك أن ما تشعر به من قلق سوف يتلاشى بشكل طبيعي عند مواجهة موقف مخيف أو مثير للانزعاج، وأنك تستطيع التعامل مع ذاك القلق” تقول دي ديانجيلز.
فيما يلي بعض الحالات النفسية واضطرابات القلق التي يمكن أن يساعد العلاج بالتعرض في معالجتها:
فوائد العلاج بالتعرض
بإمكان العلاج بالتعرض التقليل بشكل ملحوظ من أعراض القلق عند الفرد، زيادة قدرته أو رغبته في الانخراط في المواقف التي تزعجه وتشعره بعدم الارتياح، وتقوية تعلم أن الأفراد يستطيعون التعامل مع الأمور الصعبة.
وفيما يلي بعض الفوائد التي يقدمها العلاج بالتعرض:
- التعوّد: بينما يتعرض الفرد بشكل تدريجي ومتكرر لمصدر الخوف، فإن رد فعله تجاهه قد يتناقص بمرور الوقت.
- الزوال أو الانخماد: يوفر العـلاج بالتعرض بيئة آمنة لتعلم أن المواقف التي تثير الخوف لا تشكل تهديداً على الفرد. ويستطيع المساعدة في إضعاف الرابط بين الموقف والنتائج السلبية المتوقعة.
- المعالجة العاطفية: يمكن أن يساعد هذا الشكل من العلاج في استكشاف وفهم مصدر الخوف. واستبدال الاستجابة الفطرية للفرد بأفكار ومعتقدات أكثر واقعية حول المواقف المخيفة ويجعله أكثر ارتياحاً مع الخوف والقلق.
- الكفاءة الذاتية: بمرور الوقت، يمكن أن يساعد العـلاج بالتعرض في إدراك الفرد بأنه قادر على مواجهة المواقف التي تثير الخوف وإدارة ما تسببه من قلق.
فعالية العلاج بالتعرض ومنع الاستجابة
تقول ديانجيلز: ” العلاج بالتعرض هو علاج قائم على الأدلة، ما يعني ببساطة أن الأبحاث قد بينت لنا أنه فعّال” .
وفقاً لدراسة أجريت عام 2015، أظهرت الدلائل العملية أن العلاج بالتعرض يمكن أن يساعد في علاج اضطرابات القلق. بما فيها الرّهاب بأنواعه، اضطراب الهلع، اضطراب القلق الاجتماعي، اضطراب القلق المعمم، اضطراب ما بعد الصدمة واضطراب الوسواس القهري.
وجدت دراسة عام 2016 أن الأشخاص الذين خضعوا للعلاج بالتعرض لمعالجة الرّهاب عانوا من أعراض أقلّ. ليس بعد العلاج مباشرة فقط، بل عقب مرور ثماني سنوات أيضاً، ما يشير إلى أن العـلاج بالتعرض له فوائد طويلة الأمد. أنواع العلاج بالتعرض.
أشياء يجب أخذها في الاعتبار
يمكن أن تكون مواجهة خوفك أمراً صعباً، لذا فقد يكون العلاج بالتعرض (علاج منع الاستجابة) غير مريح وشاقاً.
“عندما تخضع للعلاج بالتعرض من المهم فهم أن هدف الطبيب ليس تعذيبك، والشعور برغبة في تحمل المواقف أو المحفزات المزعجة التي طالما تجنبتها”، وفقاً لـ دي ديانجيلز. فوائد أنواع العلاج بالتعرض.
قد يكون للعلاج بالتعرض سلبيات وعيوب، أهمها عودة ظهور الأعراض، فقد يرى بعض المرضى أن الأعراض قد عادت للظهور بمرور الوقت. ويزداد احتمال ذلك إذا انتهى العلاج قبل الأوان على وجه الخصوص.
كما أن المواقف المتصوَّرة لا تعكس الواقع دائماً. بمعنى آخر، لا تعكس الظروف في العـلاج بالتعرض الواقع دائماً. على سبيل المثال، قد يكون الشخص المصاب باضطراب ما بعد الصدمة قادراً على التعامل مع الحالات المتصوّرة ضمن عيادة المعالج. إلا أنه قد لا يكون قادراً على التأقلم مع الموقف في الواقع.
على الرغم من هذه القيود والمعوقات، إلا أن العلاج بالتعرض يستحق اعتباره كخيار علاجي، نظراً لأن الأبحاث تدعم فعاليته العلاجية. فوائد أنواع العلاج بالتعرض.
في الحقيقة، أحد قيود العلاج بالتعرض أنه لا يُستخدم كفاية. إذ لا يخضع العديد من المعالجين لتدريب رسمي عليه وبالتالي لا يستطيعون ممارسته مع المصابين باضطرابات القلق.
كيفية البدء بالعلاج بالتعرض
إذا كنت ترغب في الخضوع للعـلاج بالتعرض، ابدأ بالبحث عن معالج مؤهَّل، عالم نفس أو طبيب نفسي مدرب على هذا الشكل من العلاج.
يمكنك طلب النصيحة من مقدم الرعاية الصحية خاصك أو البحث عن أحدهم من خلال جمعيات الصحة النفسية المحلية.
حالما تجد الأخصائي المهني، احجز موعداً معه والذي يمكن أن يتضمن ملء أوراق ضرورية يمكن أن تشمل تفاصيل تتعلق بالأعراض التي تعاني منها، التاريخ الطبي، وغيرها.
تعاون مع مقدم الرعاية الصحية النفسية لرسم خطة أهداف العلاج وابذل جهداً في سبيل بناء علاقة وطيدة قائمة على التعاون معه. العلاقة العلاجية مهمة جداً في العـلاج بالتعرض نظراً لحاجتك إلى الشعور بالأمان والدعم وأنت تواجه أسوأ مخاوفك.
خلاصة
إذا كنت تعاني من خوف أو حالة نفسية تقف في طريق عيشك لحياتك اليومية، يمكنك اللجوء إلى العلاج بالتعرض لمساعدتك على علاج ذلك.
إن من يرغبون في ركوب موجة القلق والبدء في الشعور بالتحسن مرة أخرى في حياتهم تنتظرهم مكافأة كبيرة.
في حين أن احتمال مواجهة مخاوفك قد يكون أمراً شاقاً، إلا أن معالجك يمكنه إرشادك خلال العملية العلاجية وتزويدك بأدوات لمساعدتك على التعامل مع القلق الذي تعاني منه.
اقرأ أيضاً: العلاج باستخدام التحليل السلوكي التطبيقي
اقـرأ أيضاً: إزالة الحساسية المنهجية لعلاج اضطراب الهلع
اقرأ أيضاً: علاج اضطراب ما بعد الصدمة PTSD، والأدوية المستخدمة لهذا الغرض
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم