يساعد الضحك وحس الفكاهة السليم على مواجهة الأوقات الصعبة، ويمكن أن تبدو الفكاهة بلسماً مهدئاً أو إلهاء خفيفاً، إلا أنها أقوى بكثير من كونها مجرد ذلك. في الواقع، غالباً ما تكون الفكاهة سلاحاً منسياً أثناء معركتنا في الحفاظ على صحة جيدة.
إن الفوائد الصحية للفكاهة والضحك واسعة النطاق. ومن الحكمة أن نلجأ إلى الفكاهة لحماية أنفسنا عندما تنهمر علينا المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والصحية.
بينما يبدو أنك تضحك ببساطة على نكتة صديق أو مشهد كوميدي، إلا أنك في الواقع تحسن من صحتك خلال لحظات المرح هذه. فبدغدغة مركز الضحك لديك، تُظهر الأدلة الطبية أنك لا تستمتع فقط، بل تعزّز أيضا سلامتك الجسدية، النفسية والاجتماعية.
ينوه الأطباء والمتخصصون في مجال الصحة النفسية إلى الكثير من الأبحاث لتذكيرنا بأن الضحك يساهم في تحقيق نتائج صحية إيجابية.
في أبسط مستوياته، يمرّن الضحك الحجاب الحاجز؛ فهو يمكّن من استنشاق المزيد من الهواء المشبع بالأكسجين وتحفيز الرئتين. بالإضافة إلى تخفيف التوتر البدني في العضلات خلال هذه اللحظات التي تضحك فيها بصوت عالٍ.
يعزز الضحك صحة القلب
بينما ترتخي العضلات خلال ما يبدو أنه نشاط بسيط (أي الضحك). يخبرنا اختصاصيو الطب أن أداء الأوعية الدموية يتحسن أيضاً خلال هذا النشاط. فالضحك يزيد معدل ضربات القلب ويخفض ضغط الدم، وبالتالي فإنه يعزز صحة القلب على نحو كبير.
الفكاهة تجلب الراحة وتخفف الألم الجسدي
يقول روبرت بوناكدار (Robert Bonakdar)، مدير معالجة الألم في مركز سكريبس للطب التكاملي، أنه يحب أن يجلب الضحك إلى غرفة العلاج كلما أمكن. ويستخدم شتى الطرق الممكنة للمساعدة في جعل المرضى في حالة من الارتياح ورسم الإبتسامة إلى وجوههم.
هذا نهجٌ هادفٌ، فـ بوناكدار لا يساعد مرضاه على الشعور براحة أكبر من خلال ملء عيادته بالضحكات فقط. بل إنه يساهم أيضاً في تقليل إدراك مرضاه للألم.
يقول بوناكدار: “قد ظهر في الدراسات أن الضحك يزيد القدرة على تحمل الألم. وهذا على الأرجح بسبب التأثير المخدر للاندروفين. المثير في الموضوع أن ذلك يبدو مستقلاً عن مزاجك؛ أي أن له تأثيرٌ إيجابي عليك حتى عندما تكون حزيناً”.
لنفترض أنك تعاني من الصداع النصفي، لكنك تشاهد برنامجاً مضحكاً على نيتفليكس. وفيما تشاهد وتضحك، قد تتشتت إلى حد ما عن ألم الصداع النصفي وعدم الراحة.
لكن الإلهاء وحده ليس ما يقلل من إدراكك للألم؛ إذ أن العمليات التي تجري خلف الكواليس في جسمك تعمل لزيادة تحملك للألم. عندما تضحكُ بقوة، ينتج جسمك مسكنات الألم الطبيعية مثل الأندروفين.
يمكن للضحك أن يحسن النوم ويعزز المناعة
يقول عالم النفس سكوت بيا (Scott Bea) أن الضحك النابع من القلب يحسّن جودة النوم.
إن الضحك المفرط يدعم الجهاز المناعي، ما يجعلك أكثر مقاومة للأمراض. فالضحك يزيد الخلايا المنتجة للأجسام المضادة ويعزز فعالية الخلايا اللمفاوية في جسمك؛ هذه الخلايا تعمل كجيش دفاعٍ لمحاربة الأمراض.
بإيجاز، يمكن أن تشمل الفوائد الجسدية للضحك على تحسين صحة القلب، تعزيز قدرة تحمل الألم ومناعة الجسم، وتحسين النوم.
أما عن الفوائد النفسية للضحك فيمكن أن تخفف الدعابة من التوتر والقلق الذي يعاني منه الفرد في العديد من الأوقات الصعبة.
الضحك يقلل الضغط والإجهاد
تظهر الأدلة السريرية أن الفكاهة تقلل من هرمونات الإجهاد مثل الكورتيزول، وهو هرمون رئيسي ينتشر في جميع أنحاء الجسم عندما تكون مراهقاً. لذا فإن تخفيض مستويات الكورتيزول أمرٌ مهم لأن المستويات العالية منه تضر جهازك المناعي.
عندما تكون مشغولاً بشيء مضحك، لا يمكنك التركيز على السلبية في نفس الوقت، تلك الفواصل الفكاهية يمكن أن تمنحك بعض الراحة من القلق. هذه المساحة وهذا المكان حيث تتحرر من كل شيء وتأخذ نفسا عميقا هي بحد ذاتها مفيدة للغاية.
يمكن أن توفر لك الفكاهة وجهة نظر صحية، ربما بعد الضحك، ستكتشف زاوية جديدة للمشكلة، وتدرك أنك تخطيت سابقاً فترات عصيبة أخرى وتطمئن نفسك، قد تنظر إلى التهديدات مثل التحديات والمشاكل على أنها فرص.
أو قد تجد عمدا الجوانب المضحكة لمشكلتك المجهدة؛ إذا كنت محرجاً من أمر ما أو تحتاج أن تسامح نفسك على خطأ ارتكبته، يمكنك أن تستخدم الفكاهة والضحك كآلية للتغلب على المشكلة.
الدعابة تحسن الذاكرة
قد تشعر بالمفاجأة إذا علمت أن حس الدعابة يحسن قدرة الذاكرة على الاحتفاظ. عندما تقترن الفكاهة مع حقيقة ذات صلة، سيكون لديك فرصة أفضل لتذكر هذه الحقيقة.
في دراسة ركزت على علاقة الفكاهة بالسياسة والأخبار، وجد الباحثون أن فرصة تذكر ومشاركة المعلومات تزداد إذا كان المحتوى يُضحك المشارك.
لا تقتصر فوائد الضحك على الصحة النفسية والجسدية فقط، فللضحك أيضاً فوائد احتماعية.
الضحك يجمع الناس معا والفكاهة تضيف الإيجابية إلى المحادثات
يخلق الضحك المشترك روابط بين الناس، ومعظمنا يتذكر مراتٍ في حياته عندما أصبح الضحك معدياً وانتشر بسرعة من شخصين إلى المجموعة كلها.
وللفكاهة فائدة اجتماعية أخرى مفيدة، فهي تخلق اتصالات أكثر إيجابية بين الناس. إذ يكون الشخص الآخر ميالا أكثر إلى التكلم معك بمجرد مشاركتك أو قولك نكتةً ما. إن استعمال الفكاهة، خصوصا خلال المحادثات أو الخلافات الصعبة، يمكن أن يمهد الطريق لنقاشٍ أفضل. فهو يخفف التوتر ويريح الشخص الآخر.
لا يبثُ سرد القصص المضحكة الفرح والسعادة في نفس صديقك أو قريبك أو زميلك في العمل فحسب، بل يزيد عافيتهم أيضاً. ومن المرجح أن يغادروا وهم في مزاج أفضل وأسعد من ذي قبل أيضاً.
كل ذلك يعمل في صالح أن يعامل الناس بعضهم بطريقة إنسانية. فالضحك على إحدى صفاتك أو السخرية من نفسك بطريقة فكاهية بسبب خطأ ارتكبته يتطلب فهماً مشتركاً للإنسانية.
تقول رودريغز “هناك شيء مقدس في الفكاهة. إذا كنت تستطيع الضحك على نفسك عندها يمكنك أن تسامح نفسك وإذا استطعت مسامحة نفسك، عندئذ يمكنك مسامحة الآخرين.”
الفكاهة تساعدك على فهم نفسك والآخرين
تؤكد الطبيبة المعالجة بيانكا رودريغيز (Bianka Rodrigues) على أن فوائد الفكاهة تتجاوز الحدود الجسمية، النفسية والاجتماعية فهي ترتبط بمستوى فهمنا لأنفسنا وللآخرين. وتقول: “الفكاهة ضروريةٌ للتعاطف والرحمة، لهذا السبب، فإن الغفران مبدأ لكل تقليد روحي.”
لذلك، اتجهوا إلى كل ما يضحككم، خاصةً في الأوقات العصيبة؛ فيديوهات تيك توك المنتشرة والدعابات المضحكة ليست مجرد ملذات لحظية؛ فهي تساعدنا أن نتغلب على القلق، الخوف والحزن ولها الكثير من الفوائد الصحية لكم ولغيركم.
بإيجاز، تشمل الفوائد النفسية للضحك على تقليل الإجهاد، تعزيز الذاكرة وتحسين العلاقات الاجتماعية.
خلاصة
الضحك هو أكثر من مجرد شعور لحظي بالراحة، فهو يعود بفوائد حقيقية على صحتك الجسدية، النفسية والاجتماعية. يمكنك ملء حياتك بالمزيد من الفكاهة عن طريق البحث عن الأشياء التي تجلب الفرح والضحك لها، سواء كانت مسلسلاً هزلياً مفضلاً لك أو فيديو تيك توك خفيف.
اقرأ أيضاً: هل يمكن استخدام غاز الضحك في علاج الاكتئاب؟ وما هي جرعاته وتأثيراته العلاجية؟
المصدر: The Health Benefits of Humor and Laughter
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم