كيف تتشكل المواقف والآراء؟ وما هو دور العامل الوراثي فيها؟

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي

ما هي وجهة نظرك إزاء الموت بسبب المهر، التحرش الجنسي، التفرقة العنصرية والخرافات؟ بالتأكيد لديك رأيك الخاص تجاه كل ذلك. لكن هل تساءلت يوماً عن نشأة هذه المواقف؟ هل ولدت وأنت تحملها أو اكتسبتها من خلال تجاربك السابقة؟ 

في هذا المقال سنحاول فهم كيف تشكلت هذه المواقف.

مصطلح تشكل المواقف

يشير مصطلح تشكّل المواقف (Attitude Formation) إلى الانتقال من مرحلة عدم اتخاذ موقف تجاه موضوع ما إلى مرحلة حمل بعض المواقف الإيجابية أو السلبية إزاءه. تلعب كيفية اكتساب الموقف دوراً مهماً في طريقة رؤيتك له. يُجمع علماء النفس الاجتماعي على أن المواقف يمكن أن تتشكل من خلال التعرض البحت، التعلم، المقارنة الاجتماعية والوراثة.

التعرُّض البحت

يمكن أن تتكون بعض المواقف وتتبلور من خلال ما أطلق عليه زاجونك (1968) تسمية التعرض البحت، والذي يعني أن التعرض ببساطة لشيء ما يزيد شعورنا الإيجابي عادةً تجاه هذا الشيء. يظهر تأثير التعرض البحت مع نطاق واسع من المحفزات، بما فيها الطعام والصور والكلمات والشعارات الإعلانية.

يعني ذلك عموماً أن الألفة في الحقيقة يمكن ألا تولد الازدراء. فالوجوه والأفكار والشعارات المألوفة تغدو بمثابة أصدقاء قدامى نرتاح لوجودهم. في الواقع، يعمل التعرض المتكرر أحياناً بشكل جيد في الإعلان. فمثلاً رجل سجائر مالبورو، الذي تم ابتكاره لإقناع المدخنين الذكور، أن تدخين سيجارة مفلترة من شأنه أن يعزز رجولتهم استمر عبر جيل من المدخنين.

تظهر الأبحاث أيضاً، أن التأثير الأقوى للتعرض البحت يظهر عندما يحدث بشكل عشوائي عبر الوقت، وأن التعرض المفرط سوف يقلل من التأثير فعلياً. التصويب المستمر لشيء ما باتجاه محدد لا يؤتي ثماره بشكل جيد. لذا فإن التعرض المتكرر يزيد من الإعجاب، عندما يكون المحفز محايداً أو إيجابياً.

إذا كان الأمر كذلك مع المثير الإيجابي فيبدو أن التعرض المستمر للشيء مع المثير السلبي والذي كان غير محبب في البداية يزيد هذا الشعور السلبي.

يمكن أن تؤدي المشاعر السلبية التي لا يدركها الفرد بسهولة، مع التعرض المتكرر للشيء المسبب لهذه المشاعر إلى مشاعر سلبية متفاقمة وإلى نظام معتقدات يدعم هذه المشاعر في نهاية المطاف. إذ تعمل المحفزات والأفكار والقيم التي نتعرض لها على تشكيل وقولبة ما نحن عليه بطرق لا تبدو جلية دائماً لنا.

تشكل المواقف عبر التعلم

جادلت النظريات الأولى المتعلقة بتشكيل المواقف بأن المواقف يتم تعلمها وفقاً لنفس مبادئ تعلم الاستجابات الأخرى. بمعنى أن استجابات المواقف تتعزز تلقائياً من خلال عملية الإشراط الكلاسيكي و الإشراط الإجرائي.

لكن بدأت نظريات التعلم الاجتماعي الحديثة تقترح أن تأثير التعزيز على السلوك يتم بواسطة وظائفه التكوينية والتحفيزية. وهنا يبدو من المرجح أن المواقف يتم اكتسابها أو تعلمها بطريقة ما من خلال تفاعلات الفرد مع الآخرين ومع بيئتهم.

الإشراط الكلاسيكي

من خلال الإشراط الكلاسيكي، يحب الفرد أو يكره الأشياء أو الأحداث الجديدة لمجرد أنها ترتبط بأشياء أو أحداث يحبها أو يكرهها مسبقاََ. مثلاً عندما يربط الناس شخصاً ما مع شيء إيجابي، إيصال خبر جيد على سبيل المثال، يحبون هذا الشخص أكثر على الرغم من أن لا علاقة له بحدوث الخبر الجيد.

وبشكل مشابه، عندما يربطون شخصاً ما بشيء سلبي. مثلاً، أن يكونوا سوية في غرفة رطبة وحارة، فيقل حبهم له. ويمكن لهذا الرابط الذي لا يدركه الأفراد، أن يشكل مواقفهم تجاه ذلك الشخص.

على سبيل المثال إذا كان عليك الاختيار بين دراسة في كلّيتين أو اختيار عملين. وكل خيار يتسم بخصائص مرغوبة وغير مرغوبة بالنسبة لك ما يسبب صراعاً لك. لكن بمجرد اتخاذك القرار، تقوم فوراً بجعل موقفك أكثر تطابقاً مع هذا الالتزام.

بمعنى آخر بعد أن تتخذ الخيار تؤكد السمات السلبية للخيار الذي رفضته، والذي يطلق عليه عادة اسم تسويغ “العنب الحامض“. وتؤكد أيضاً السمات الإيجابية للخيار الذي ألزمت نفسك به ويطلق عليه اسم تسويغ “الليمون الحلو”.

وهكذا فإن اقتران محفز محايد مع شيء يحث على استجابة موقف يمكن أن يؤدي إلى أن يصبح الشيء المحايد محرضاً على نفس استجابة الموقف.

يمكن أن يلعب الإشراط الكلاسيكي دوراً في تأسيس بعض المكونات العاطفية للمواقف والتحيزات. على سبيل المثال، يرى أحد الأطفال والدته وهي تُظهر إشارات عدم الرضا والانزعاج كل مرة تقابل بها فرداً ينتمي إلى مجموعة عرقية معينة.

في البداية يكون الطفل محايداً إزاء أعضاء هذه المجموعة وخصائصها المرئية الواضحة منها البشرة واللون واللباس واللكنة وغيرها من السمات.

بعد إقران هذه الإشارات مع ردود فعل الأم العاطفية السلبية عدة مرات، يحدث الإشراط الكلاسيكي فتصبح ردة فعل الطفل سلبية حيال هذه المثيرات وحيال أعضاء المجموعة العرقية تلك.

وتكون النتيجة كالآتي، يكتسب الطفل موقفاً سلبياً تجاه هذا الشخص فهذا الموقف من الممكن له أن يشكل جوهر تحيز عرقي كامل.

من المثير للاهتمام، أن الإشراط الكلاسيكي يمكن أن يحدث دون مستويات الإدراك الواعي؛ أي حتى عندما لا يكون الأشخاص واعين للمحفز الذي يخدم كقاعدة لمثل هذا النوع من الإشراط.

الإشراط الإجرائي

تلعب عملية التنشئة الاجتماعية دوراً مساوياً في الأهمية في تطوير المواقف. خلال المراحل المبكرة من الحياة، نتعلم عن طريق تعزيز ما نقوم به من سلوك وأيضاً يتعلم الأطفال هذه المواقف المقبولة من قبل الأهل. إذ يتعلمون ممارسة هذه السلوكيات والتي تسفر عن نتائج إيجابية وتجنب تلك التي تعود بعواقب سلبية، تُعرف عملية التعلم هذه باسم الإشراط الإجرائي.

التعلم من خلال الملاحظة

يحدث في بعض الأوقات أن لا يكون للأهل نية على الإطلاق في نقل أي وجهة نظر إلى أطفالهم، لكن يبدي الأطفال السلوك ووجهة النظر من خلال مراقبة كل من حولهم فقط. تدعى هذه العملية بـ “التعلم بالملاحظة”. وعندما يكون الأمر متعلقاً بتكوين الموقف، يبدو التعلم بالملاحظة ذا دور مهم حينها.

يتعلم الأطفال أحياناً أن يتصرفوا كما يتصرف ذويهم وليس ما يطلبون منهم القيام به دائماً. تتشكل الكثير من مواقفنا والأشياء التي نتعلمها من تعرضنا لوسائل الإعلام والتلفاز والمجلات والأفلام وغيرها، ويلعب ضغط الأقران أيضاً دوراً في اكتساب الموقف.

تشكل المواقف من خلال المقارنة الاجتماعية

لا تتشكل المواقف من خلال التعلم الاجتماعي فحسب بل من خلال آليات أخرى أيضاً، وتمثل المقارنة الاجتماعية إحدى هذه الآليات. في بعض الأوقات، نقارن آراءنا مع الآخرين بهدف تحديد ما إذا كانت هذه الآراء ووجهات النظر تتوافق مع آراء ووجهات نظر الآخرين.

عندما يحدث ذلك نستنتج أن أفكارنا صحيحة ومناسبة. لذلك فإن طريقة تشكيل الموقف هذه تعتمد على فكرة أنه إذا حمل الآخرون نفس الآراء؛ فلا بد أنها صحيحة.

 يمكن أن نغير مواقفنا غالباً بسبب هذه العملية ونعمد إلى أن تكون أقرب لتلك التي يتخذها الآخرون. في بعض الأوقات، تساهم المقارنة الاجتماعية في تشكيل مواقف جديدة وخاصة إذا كان الأشخاص الذين نحبهم يعبرون عن هذه الآراء وتكون محط إعجابهم واحترامهم.

باختصار، تتشكل مواقفنا من خلال المعلومات الاجتماعية التي نأخذها من الآخرين. والمترافقة مع رغبتنا الذاتية بأن نُشبه الأشخاص الذين نحبهم ونحترمهم.

دور العامل الوراثي في تشكيل المواقف

عبر تاريخ دراسة المواقف عموماً، افترضت النظريات أن المواقف تتطور من خلال عملية التعلم حصراً. على الرغم من أن التجربة تلعب دوراً في ذلك، إلا أن الأدلة الحديثة تشير لوجود مكون وراثي لا يتم تعلمه في العديد من المواقف مثل تلك التي تنطوي على القضايا السياسية والدينية.

على سبيل المثال، المواقف إزاء عقوبة الإعدام أو الرقابة أكثر عرضة للتأثر بالوراثة من المواقف تجاه قيادة المراهقين للسيارات أو الحكمة من تعلم اللغة الإيطالية. هذه المواقف التي تتأثر بالعامل الوراثي تكون قوية ومؤثرة على وجه الخصوص في الحياة الاجتماعية. 

لا يستطيع الأفراد قول ما يفضلونه من هذه القضايا بسرعة فحسب. بل هم أكثر عرضة لمقاومة محاولات تغييرها وسوف يشعرون بالكُره أكثر تجاه الأشخاص الذين يتخذون موقفاً معارضاً إزاء هذه الأمور.

اقرأ أيضاً: تجارب آش للامتثال، هل تتفق مع رأي الجماعة حتى لو كان خاطئاً؟

المصدر: ATTITUDE FORMATION

تدقيق: هبة محمد

تحرير: جعفر ملحم

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي
Related Posts

مقالات ذات صلة

error: