ليلة رأس السنة الجديدة، ما الذي يميّز هذا اليوم عن غيره من الأيام؟

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي

في ثانيةٍ واحدة بعد منتصف ليل الأول من كانون الثاني، يتغيّر اليوم من الجمعة إلى السبت؛ إنه انتقالٌ طبيعيّ عادةً ودون أي أهمية خاصة. لكن بطريقة ما؛ قررنا أن هذا التغيير الذي سينتهي في سنة ويبدأ في السنة التالية والذي أطلقنا عليه ليلة رأس السنة، مختلفٌ عن غيره.

دقات عقارب الساعة في هذه اللحظة فريدةٌ من نوعها ولطالما كانت تدفعنا للاحتفال والخروج من نشاطنا اليومي، الذي يشغل تفكيرنا على الدوام وللتأمل بما مررنا به خلال عام كامل. ربما لا توجد لحظة أخرى في أيام السنة كلها تحصل على هذا النوع من الاهتمام، باستثناء أعياد ميلادنا.

لكن، لماذا تحمل بداية العام الجديد مثل هذه الرمزية الخاصة؟ ولماذا نحتفل بليلة رأس السنة الجديدة في جميع أنحاء العالم على الأقل منذ أن وُجِدَت التقاويم؟ 

ما علاقة احتفالنا بليلة رأس السنة بغرائزنا القديمة؟

لا بد أن هذا السلوك الواسع الانتشار مرتبطٌ بشيء جوهري متأصّل في الجنس البشري، شيء ذو معنى عميق و أهمية بالغة، وذلك بالنظر إلى كل الطاقة والموارد التي نستثمرها ليس فقط في الاحتفال. ولكن أيضاً في جهودنا لتنفيذ مجموعة جديدة من القرارات. على الرغم من أننا في الغالب نُخفق في الحفاظ عليها. 

ولعلّ الرمزية التي نعطيها لهذه اللحظة تمتد جذورها إلى واحدٍ من أكثر الدوافع قوة على الإطلاق؛ دافع البقاء والاستمرار في الحياة.

الجزء الاحتفالي بهذه اللحظة واضحٌ وجليّ. كما هو الحال في أعياد ميلادنا. إذ يوفر لنا يوم رأس السنة الجديدة الفرصة للاحتفال بأننا نجحنا في إكمال 365 يوماً آخر. وهي الوحدة الزمنية التي نحتفظ بها بالتسلسل الزمني لحياتنا. 

وأخيراً! سنة أخرى، ونحن ما زلنا هنا! حان وقت رفع كؤوسنا وشرب نخب نجاتنا (ويتجلى الجانب الآخر من هذا في ملخص النعوات نهاية العام لأولئك الذين لم ينجحوا في تحقيق هذه الغاية / البقاء/. والذي يبعث الاطمئنان في قلوب من نجحوا في ذلك).

و ماذا عن تلك القرارات؟ أليست من أجل البقاء، العيش بصحة أفضل، ولمدة أطول؟ الواقع أن قرارات العام الجديد تشكل أمثلة للرغبة الإنسانية العالمية في فرض بعض السيطرة على ما ينتظرنا في المستقبل.

لا يمكن معرفة المستقبل على الإطلاق؛ ولكن عدم معرفة ما تضمره لنا الأيام لا يعني أننا نجهل ما نحتاج إدراكه للحفاظ على سلامتنا.

ولمواجهة هذا العجز المقلق، نفعل ما بوسعنا لنسيطر على الأمر؛ هذا ونعقد العزم على اتباع نظام غذائي وممارسة التمارين الرياضية، والإقلاع عن التدخين، والبدء في الادّخار.

لا يهم حتى ما إذا كنا نحافظ على هذه الوعود أو نفي بها، فالالتزام بها، ولو للحظة واحدة على الأقل، يمنحنا شعوراً بالسيطرة على الأيام الغامضة المقبلة.

ليلة رأس السنة تاريخياً

وجدت دراسة أجراها عالم النفس البريطاني ريتشارد وايزمان (Richard Wiseman) عام 2007  أن ما غنّته فرقة “you too” صحيحٌ بالنسبة للعديد منا: “لا شيء يتغير في يوم رأس السنة الجديدة”.

ومن بين 3000 شخص تمت متابعتهم خلال عام كامل، فشل 88% في تحقيق أهداف قراراتهم. على الرغم من أن 52% كانوا واثقين من أنهم سوف يحققون ما هدفوا له عندما عزموا العقد على ذلك.

من المثير للاهتمام أن قرارات العام الجديد تتضمن عادة أشياء مثل معاملة الناس بشكل أفضل، وتكوين صداقات جديدة، وسداد الديون.

لطالما كان الأمر كذلك على مرّ التاريخ؛ فقد كان البابليون يُعيدون الأشياء المستعارة. ويطلب اليهود ويعرضون الغفران ويبادر الاسكتلنديون بـ “الخطوة الأولى”، فيزورون الجيران ويتمنون لهم الخير. 

إذا، كيف يرتبط كل هذا “الحلّ الاجتماعي” بالبقاء؟ ببساطة، نحن حيوانات اجتماعية تطوّرنا لنعتمد على الآخرين حرفيّاً، في صحتنا وسلامتنا ومعاملة الناس معاملة حسنة .        

“عامل الآخرين كما تريد أن يعاملوك”، فقد تبين، أنها استراتيجية عظيمة للبقاء.

الطقوس المختلفة للاحتفال بليلة رأس السنة

من جهة أخرى يعقد الكثير النيّة للصلاة أكثر؛ وهذا منطقي أيضاً من حيث القدرة على البقاء. صلّ أكثر والقدير بدوره سيمدّك بالأمان ويضعك نصب عينيه. 

يصلي اليهود في بداية عامهم الجديد ليُسجّلوا في “كتاب الحياة” لسنة أخرى. ومع أن الموت أمرٌ لا مفرّ منه، تعاطى البشر على مر التاريخ مع الخوف من الموت عن طريق اعتناقهم أدياناً تَعِدُ بنهاية سعيدة. صلّوا أكثر، ليكون الموت أقلّ رعبا.

هناك المئات من الطقوس لجلب الحظ السعيد والتي تُمارَس في احتفالات رأس السنة، وأيضاً تحت اسم “القليل من السيطرة على القدر”.

فالهولنديون، الذين تمثل الدائرة بالنسبة لهم رمز النجاح، يأكلون الدونات. ويخبز اليونانيون كعكة “فاسيلوبيتا” الخاصة ويضعون بداخلها عملة معدنية، ويمنحون الحظ السعيد في العام القادم لكل من يجدها في حصته. 

بدأت الألعاب النارية في ليلة رأس السنة الجديدة في الصين قبل آلاف السنين كوسيلة لطرد الأرواح الشريرة. ولتوديع المشاكل والمخاوف التي سادت في العام الماضي والاستعداد لسنة جديدة أفضل يُقيم اليابانيون حفلة “بونكاي” بمناسبة العام الجديد. ولحل الخلافات وسوء الفهم بين الناس، و تنحية الضغائن جانباً أيضاً.

في طقوس رأس السنة في حضارات كثيرة، تُنظّف البيوت لمسح المشاعر السيئة وفسح المجال لمشاعر أفضل.

من المذهل حقاً أن نرى كمية الأمور الشائعة في احتفالات رأس السنة، كالألعاب النارية و طقوس جلب الحظ و اتخاذ قرارات للتظاهر بالسيطرة على المستقبل.

ضرورة البقاء

في كل مكان، تكون السنة الجديدة مناسَبةً لنتأمل نقاط ضعفنا وكيف يمكننا التغلب عليها و فعل شيئ حيال العجز المخيف الناجم عن التفكير في غموض ما يكمن أمامنا مستقبلاً.

وعلى الرغم من انتشار هذه السلوكيات المشتركة عبر التاريخ والثقافة، إلا أنه من المدهش أن ندرك أن الطرق التى يتعامل بها الناس مع هذا الانتقال الفريد من يوم إلى آخر.

قد تكون جميعها تجليّات لهذه الضرورة الأساسية التي يتحتم على الجنس البشري أن يتمسّك بها ألا وهي البقاء

إذاً، كيف تطمئن نفسك حيال ما يخبئه لك المستقبل؟ الشيء الذي ينتظرك؟ الحقيقة التي لا مفر منها بأنك ستموت يوماً ما؟ “مرّروا الدونات، كعك الفاسيلوبيتا وعناقيد العنب، أشعِلوا الألعاب النارية، و ارفعوا كأس نخب” البقاء!”. 

اقرأ أيضاً: متلازمة الأمل الكاذب، لماذا نفشل في تحقيق بعض أهدافنا كل عام؟

اقرأ أيضاً: ما هي الكفاءة الذاتية؟ ولماذا يعد الإيمان بالنفس أمراً مهماً؟

المصدر: Why We Really Celebrate New Year’s Day

تدقيق: هبة مسعود

تحرير: جعفر ملحم

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي
Related Posts

مقالات ذات صلة

error: