نظام المكافأة في الدماغ، وعلاقته بالإدمان بشكل رئيسي

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي

نظام المكافأة في الدماغ، هو عبارة عن مجموعة من البنى الدماغية التي تتنشط كلما جرّبنا شيئاً مكافِئاً أو مُجزياً، مثل تناول طعام لذيذ، ممارسة الجنس أو تعاطي العقاقير المخدرة.

via GIPHY

المسالك العصبية لـ نظام المكافأة في الدماغ

وُجدت البنى الدماغية والتي تعتبر جزءاً من نظام المكافأة هذا على طول مسارات الدوبامين الأولية في الدماغ.

عندما تتعرض هذه البنى لمحرّض مجزٍ (يؤدي إلى الحصول على مكافأة)، يستجيب الدماغ له بتحرير كمية متزايدة من الدوبامين. وهو الناقل العصبي الرئيسي المرتبط بالمتعة والمكافآت.

يُنتج الدوبامين غالباً في منطقة من الدماغ تدعى “سقف البطين” (المنطقة الغشائية البطنية VTA) والموجودة ضمن الدماغ المتوسط.

عند إنتاج الدوبامين في سقف البطين، يُنقل إلى مناطق أخرى من الدماغ عبر مسارات مختلفة.

المساران الرئيسان هما المسار العامشي الأوسط (الميزوليمبي / Mesolimbic) والمسار القشري الأوسط (Mesocortial).

يعتبر مسار الدوبامين الميزوليمبي أهم المسارات المتعلقة بالمكافأة في الدماغ. عند تجربة شيء مجزٍ، يتنشّط الدوبامين في سقف البطين (المنطقة السقيفية البطنية)، ثم يتم دفع الدوبامين بعد ذلك إلى منطقة تسمى النواة المتكئة (Nucleus Accumbens) وذلك عبر المسار الميزوليمبي.

النواة المتكئة (Nucleus Accumbens)

هي منطقة موجودة في الجسم المخطط البطني (Ventral Striatum)، والذي يرتبط بقوة بالتحفيز والمكافأة ويشكل جزءاً من ارتباطات عصبية معقدة، تشمل اللوزة الدماغية (Amygdala) والحصين (Hippocampus).

يؤدي تنشيط النواة المتكئة إلى ارتفاع في مستوى الدوبامين في هذه المنطقة.

بشكل أساسي، إنّ تنشيط مسار الدوبامين الميزوليمبي يدفعنا إلى تكرار ما حدث للتو (التجربة المُجزية أو المكافِئة) في سبيل الشعور بإحساس المكافَأة مرة أخرى.

نظرا لأن النواة المتكئة ترتبط مع اللوزة الدماغية عن طريق ارتباطات عصبية معقدة، يساهم هذا الأمر في إسناد المشاعر الإيجابية الناتجة إلى المكافأة التي تم الحصول عليها. (اللوزة الدماغية هي منطقة من الجهاز الحوفي ترتبط بالعواطف).

على سبيل المثال، بعد تناول طعام لذيذ ، تساهم اللوزة الدماغية في شعورنا بالمتعة والسعادة كنتيجة لذلك.

تساهم الارتباطات العصبية بين النواة المتكئة والحصين في عزو الذاكرة والتعلم إلى المكافأة وربطهم ببعض. (الحصين منطقة في الدماغ تشترك في عملية الذاكرة).

بالتالي وبعد تناول طعام لذيذ، يساعدنا الحصين في تذكر المكان الذي اشترينا منه هذا الطعام، وسيذكرنا بالمتعة التي عشناها أثناء تناوله.

لذلك تعمل كل مناطق الدماغ هذه سوية لتشجيع تكرار السلوكيات المجزية والمكافِئة.

مسار القشرة الوسطى للدوبامين

يُعتبر مسار القشرة السطى للدوبامين (Mesocortial) مساراً آخر مرتبط بالمكافأة، ولكن لم تتم دراسته بشكل كبير بعد. وهو مسار آخر ينبع من منطقة سقف البطين (المنطقة الغشائية البطنية).

خلال تجربتنا لمواقف نُكافأ عليها أو تتضمن مكافأة، يتم تنشيط الدوبامين في هذه المنطقة السابقة. والتي ينتقل منها مباشرة إلى القشرة الدماغية، الفص الأمامي على وجه الخصوص.

via GIPHY

الفص الأمامي هو المسؤول عن الوظائف الإدراكية عالية المستوى، التفكير، التخطيط والتحفيز. لذلك فإن تنشيط هذا المسار يستحضر التجربة الشعورية للمتعة والمكافأة التي مررنا بها.

الدراسات القديمة حول الرغبة ونظام المكافأة

أجرى “أولدز” و”ميلنر” عام 1954 تجارب على الفئران، لاستقصاء أي من مناطق الدماغ يمكن أن تشترك في نظام المكافأة.

قاموا بزرع أقطاب كهربائية في نقاط مختلفة من أدمغة الفئران الذين تم وضعهم لاحقاً في “صندوق سكينر”.

“صندوق سكينر” هو عبارة عن اختراع مكون من غرف صغيرة لإجراء أبحاث ذات شروط وظروف خاصة على الحيوانات، مع وجود ذراع في داخلها.

عندما يضغط الفئران على الذراع يحصلون على موجة خفيفة من التحفيز الكهربائي لأدمغتهم.

أشارت النتائج إلى وجود مناطق مختلفة من الدماغ حيث تتم مكافأة التحفيز الكهربائي فيها. بالتالي سوف يضغط الفئران على الذراع بشكل متكرر وذلك للشعور بإحساس المكافأة.

قام أحد الفئران في هذه التجربة بالضغط على الذراع 7500 مرة خلال  12 ساعة وذلك للحصول على التحفيز الكهربائي.

منطقة المكافأة التي بدت الأكثر وضوحاً ملاحظة عندما تم رزع الأقطاب الكهربائية فيها كانت المنطقة الحاجزية (Septal region). وهي منطقة في السطح الأُنسي السفلي للفص الجبهي، ولها اتصالات عصبية مع كل من الحصين، اللوزة الدماغية والمهاد، بالإضافة لمناطق أخرى. 

في النهاية فضلت تلك الفئران في بعض الأحيان الحصول على التحفيز الكهربائي على تناول الطعام.

via Gfycat

في تجربة أخرى وضمن ظروف أكثر سهولة، تأكل الفئران مقداراً كافياً من الطعام للبقاء. ولكن ستمضي بعد ذلك المدة الأكبر من الوقت المتبقي في الضغط وبشكل مفرط على الذراع للحصول على التحفيز الكهربائي.

استطاع علماء آخرون الوصول لنتائج مشابهة لتلك المجراة على الفئران، من خلال تجاربهم على القرود والإنسان.

وظيفة الدوبامين

هو ناقل عصبي مثير ومثبط، إضافة إلى كونه مُعدِّل عصبي، يشترك في المكافأة، التحفيز والإدمان.

يرتبط الدوبامين بخمسة أنواع فرعية من مستقبلات الدوبامين، وهي D1-D2-D3-D4-D5.

ارتباط الدوبامين بهذه المستقبلات، يحفز على بدء عملية تدفق الإشارات المسؤولة عن تنشيط المهام والوظائف في مناطق الدماغ المرتبطة بها. حيث يهيمن كل نوع من المستقبلات على منطقة معينة بشكل مطلق.




في المسارات المرتبطة بالمكافأة، خاصة المسار الميزولمبي (Mesolimbic pathway)؛ يتم تحرير الدوبامين من خلال معايشة تجارب ممتعة. ليرتبط بعدها بمستقبلات دوبامينية موجودة في النواة المتكئة (Nucleus accumbens).

وُجد في التجربة المذكورة سابقاً والتي أجريت على الفئران، أنه تم تحرير الدوبامين خلال التحفيز الدماغي المتعلق بالمكافأة.

ومع تدفق الدوبامين ووصوله إلى مناطق الدماغ المشترِكة في مشاعر المتعة والمكافأة، أظهرت الفئران ميلاً إلى استمرار طلب هذا المحفز.

تغير مفهوم دور الدوبامين قليلاً، إذ تم اعتباره مرة على أنه ناقل عصبي مسؤول عن التسبب المباشر في خوض التجارب الممتعة. بينما يعتبر الآن عنصراً مشاركاً في المكافأة أكثر من التجربة الممتعة.

على سبيل المثال، تبين أن الدوبامين يشترك في تشفير الذكريات المرتبطة بالمكافأة. مثل فهم كيف من الممكن الحصول على ذات التجربة الممتعة مرة أخرى.

يمكن تحديد أهمية الدوبامين في هذه التجارب، إذ استطاع العلماء قياس التحرير المتزايد للدوبامين في المسارات المتعلقة بالمكافأة وذلك بعد حصول الفئران عليها.

وجدوا أيضاً أن بإمكانهم منع الفئران من طلب المحفزات الدماغية عبر إيقاف تحرير الدوبامين.

تم ذلك إما عن طريق الأدوية المضادة للدوبامين والتي تمنع تأثيره أو عن طريق تدمير المسارات المتعلقة بنظام المكافأة.




بعد فعل ذلك، توقفت الفئران عن السعي لتحفيز دماغها. واستطاع العلماء من خلال هذه التجربة تحديد مناطق الدماغ الخاصة بنظام المكافأة. إضافة إلى تحديد أن الدوبامين يشترك في المسارات المتعلقة بهذا النظام.

كيف يحدث الإدمان من الناحية الطبية؟

كما هو مبيّن، فإن الدوبامين الذي يفرزه الدماغ خلال العديد من النشاطات التي تبعث على الشعور بالمتعة. ينشّط بدوره مسارات الدوبامين المتعلقة بنظام المكافأة.

تحفز العقاقير المخدرة كالمنشطات، الأفيون، الإيثانول والنيكوتين إفراز المزيد من الدوبامين في الدماغ. ويزيد كل من الأفيون والإيثانول (الكحول) أيضاً من معدل استقطاب الخلايا.

ترتبط هذه العقاقير عادة مع مستقبلات في الدماغ في مناطق مرتبطة بنظام المكافأة. مثل المنطقة الغشائية البطنية VTA (سقف البطين) و النواة المتكئة.

لكن مع استخدام العقاقير المخدرة، تجبر هذه المناطق الدماغ على إطلاق كمية كبيرة من الدوبامين أكبر من التي يتم إطلاقها خلال الأنشطة الصحية الاعتيادية. وتمنع الدماغ بدورها أيضاً من إعادة امتصاص الدوبامين، وتجعل التجربة الممتعة تمتد لفترة أطول بشكل غير طبيعي.

يمكن أن يؤدي التحريض الزائد للأنظمة المتعلقة بالمكافأة في الدماغ إلى الإدمان في النهاية.

يكون الإدمان نتيجة تقوية أو مكافأة السلوكيات التي يتم تنفيذها بشكل قهري، دون الاكتراث لأي عواقب سلبية. السمة الرئيسية هنا هي فقدان السيطرة على كمية واستهلاك المادة الإدمانية.




في دراسات أخرى على الفئران، تم حرمانها من الكوكايين في حال دفعهم للذراع الموجود في “صندوق سكينر”.

تأقلمت الفئران بسرعة مع الوضع الراهن وأصبحت تدفع الذراع بشكل متتالي للحصول على المزيد من الكوكايين، وانخرطوا في سلوكيات طلب المخدرات، إذ كان بإمكانهم تناول جرعة زائدة منها في حال سنحت الفرصة لذلك.

بمرور الوقت، وبالاستخدام المتكرر للمواد التي تؤدي إلى الإدمان، يصبح الفرد معتمداً على هذا الأمر لضمان استمرارية الشعور بالإحساس المتعلق بالمكافأة.

النتيجة السلبية التي لاحظها العلماء، أن تحفيز الكثير من الدوبامين في مناطق الدماغ المختلفة، إضافة إلى الشعور القوي بالبهجة. إلا أن هذا الأمر يؤدي إلى انخفاض في مستوى السيروتونين. (السيروتونين هو ناقل عصبي رئيسي يرتبط بمشاعر السعادة).

بسبب المواد المدمنة كالعقاقير التي تؤثر على مستويات السيروتونين. يمكن أن يصل الفرد إلى مرحلة تصبح فيها الأنشطة الممتعة سابقاً غير ممتعة، وتؤدي الى الشعور بمزاج سيء مع استمرار تعاطيها.

يمكن أن يكون السبب أيضاً هو أن هذه الأنشطة لا تنتج الكمية ذاتها من الدوبامين التي اعتادوا عليها الآن.

الدراسات الجديدة حول الرغبة ونظام المكافأة

كما ذكرنا سابقاً، تُنشّط العديد من مناطق الدماغ والمسارات المتعلقة بالمكافأة عند معايشة محفّز ما يبعث على المتعة.

توسّع العلماء منذ ذلك الوقت في الأبحاث بهدف دراسة ما إذا كان المحفز بحاجة إلى أن يتم تجربته فعلياً حتى تتنشط المراكز العصبية المتعلقة بالمكافأة هذه، أو أن توقُّع الحصول على المكافأة يحفز تلك المناطق.

استخدم “سبيركيل ماير” وغيره التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (FMRI)، لتقصي ما إذا كان لتوقّع الحصول على مكافأة مالية الأثر الملحوظ على الدماغ.




وجدوا من خلال معطيات صور الرنين المغناطيسي الوظيفي (FMRI) وجود نشاط للهياكل الدماغية العصبية المتعلقة بنظام المكافآت عند توقع الحصول عليها.

وتوصلوا أيضاً إلى أنه كلما كانت المكافأة المحتملة أكبر (الحصول على مال أكثر) كلما ازداد نشاط الدماغ في المناطق المتعلقة بالمكافأة.

تقدم هذه النتائج فهماً أوسع لآلية عمل أنظمة المكافأة في الدماغ، وأن مناطق الدماغ يمكن تحفيزها على الاستجابة للمكافأة دون المرور بتجربة المكافأة في الواقع.

تقصّى كل من “شيرمان”، “هيرنانديز”، “غرين فيلد” ودابريتو عام 2018 الهياكل العصبية التي تتنشط عندما يتعلق الأمر بمكافآت وسائل التواصل الاجتماعي.

على سبيل المثال، يُعتبر خيار “أحببته” (Love React) المنتشر بشكل كبير على الكثير من منصات التواصل الاجتماعي، قادراً على منح مكافآت اجتماعية للأشخاص الذين يتلقونه.

توصل الباحثون إلى هذه النتيجة بعد انتهاء المشاركين من اختبار تم وضعهم خلاله في جهاز الرنين المغناطيسي (MRI). إذ تم تصميم هذا الاختبار ليحاكي التطبيق الخاص بتبادل الصور (انستغرام).

وعند فحص الارتباطات العصبية، تبين وجود نشاط في الدارات العصبية الدماغية الخاصة بالمكافأة. وبالأخص في المنطقة الغشائية البطنية عند تلقّي المشاركين لـ تفاعل “أحببته”.

وعلى نحو مماثل، وجدوا أن المشاركين عندما يقدمّون ردود فعل إيجابية مثل التفاعل بـ “أحببته” خلال هذا الاختبار، أدى ذلك إلى تنشيط الدوائر العصبية المرتبطة بالمكافأة في الدماغ.

اقرأ أيضاً: الإدمان (الاعتماد)، تعريفه، آلية تطوره، أنواعه وطرق معالجته

المصدر: Brain Reward System

تدقيق وتحرير: محمود خضره

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي
Related Posts

مقالات ذات صلة

error: