يمكن أن تؤثر التربية الرافضة (Dismissive parenting) على نظرتك إزاء نفسك، الآخرين والعالم عموماً. سيساعدك تحديد علامات وآثار تربية الأم الرافضة على التعافي والشفاء. ماذا يمكن أن تفعل إذا كانت الأم ترفض تربية الطفل؟
يشكل شعور الطفل بعدم الحب والرفض من قبل الأم أو الأب في أي مرحلة عمرية حالة مؤلمة بشدة. وإذا لم يتم معالجتها، يمكن أن ينتقل هذا الألم إلى علاقاته الأخرى، خاصة إذا كان هذا هو الحال مع الأم؛ الرابط الاجتماعي الأول للكثير من الناس.
يمكن أن يؤثر شعور الطفل بأنه غير محبوب على طريقة خوضه لتجارب الحياة فيما بعد. إلا أن التعافي ممكن؛ فهو عملية تبدأ بإدراك كيف أثر سلوك والدتك عليك.
لا يمكنك تغيير هذا السلوك، لكن باستطاعتك العمل على شعورك تجاهه وعلى طريقة مقاربة العلاقات مستقبلاً.
علامات على أن أسلوب الأم في التربية قائم على الرفض
التربية الرافضة هي نمط من السلوكيات والمواقف تشير إلى الرفض، الازدراء والاستخفاف تجاه الطفل. له تجليات عدة ويمكن أن يعتمد على السياق، الثقافة وأسلوب التفاعل.
لا ينحصر هذا السلوك بالأمهات فقط، إذ يمكن أن ينخرط غيرهنّ من مقدمي الرعاية والأهل في هذه الأنماط السلوكية. ليست كل العلامات الدالة على أن الأهل رافضون في التربية ممكنة التحديد بسهولة.
قد لا تستجيب الأم الغائبة عاطفياً أو باردة المشاعر لاحتياجات طفلها، ويمكن أن تتفاعل بطريقة مشتتة ودون اهتمام معه، أو ترفض أي محاولات للتقرب منها، ومن المحتمل أن يستمر أسلوب تربية الأم الرافضة عند بلوغه أيضاً.
تشرح كيمبرلي برلين (Kimberly Perlin)، أخصائية اجتماعية سريرية في تاوسن، ماريلاند ذلك بالقول:” الأم الرافضة هي غير القادرة على الاستجابة بتعاطف لاحتياجات طفلها. وتشعره بأنه متطلب أو متعلق جداً حين يعبر عن احتياجاته التي تناسب تطوره ونموه.”
يمكن أن يكون سلوك الأم الرافضة مع طفلها البالغ ناقداً بشكل حاد ويشير إلى أنه “غير جدير باهتمامها”.
العلامات الرئيسية الدالة على أسلوب تربية الأم الرافضة
وفقاً لـ أفيجيل ليف (Avigail Lev)، عالمة نفس سريري في سان فرانسيسكو، فيما يلي العلامات الرئيسة الدالة على تربية الأم الرافضة:
- الانتقاد الدائم: تشير دائماً إلى النقص، التقصير والصفات السلبية لدى الطفل.
- توقعات غير واقعية: تضع معايير بعيدة عن المنطق لأطفالها حتى في الأحداث الأقل بساطة.
- إلقاء اللوم: من الممكن أن تلقي اللوم على النتائج السلبية أو السلوكيات المحددة التي ينخرطون فيها.
- عدم التواجد: يمكن أن تكون غائبة، رافضة جسدياً أو منشغلة ومشتتة على الدوام أثناء تفاعلها مع أطفالها.
- التلاعب النفسي: يمكن أن تستخدم أساليب التلاعب لتثير شكوك الطفل حول نفسه وتصوره للواقع.
- التقليل من الشأن: يمكن أن تراودها شكوك إزاء نية الطفل وشخصيته.
- التناقض: يصعب التنبؤ بسلوكها ويتأرجح بين التواجد، الحب والدعم وبين البعد، الانتقاد والرفض.
- الاتهامات: يمكن أن تتهم أطفالها بأشياء تعلم جيداً أنها لم تحدث، بما فيها الكذب.
- التحجيم: يمكن أن توجه انتقادات أو تسخر من قرارات وخيارات أطفالها.
- التهرب العاطفي: تواجه صعوبة في التعبير عن المشاعر الجياشة أو تقبلها.
كيف يمكن أن تؤثر الأم الرافضة على حياة الطفل عند البلوغ؟
تختلف طبيعة وشدة تأثير تربية الأم الرافضة من شخص لآخر. لكن يمكن أن تؤثر جودة الروابط الاجتماعية الأولى على علاقاتك في مرحلة البلوغ وكيف تنظر إلى نفسك.
“يحتاج الأطفال إلى التواصل الجسدي، الثناء والتعزيز الإيجابي للنمو وإلى الإصغاء لهم والشعور بأنهم مهمون”، تشرح نانسي بي إيروين (Nancy B. Irwin)، عالمة نفس سريرية في ويست لوس آنجلوس. وتضيف:”عندما تبقى هذه الاحتياجات دون تلبية، تنشأ مجموعة كاملة من السلوكيات لاحقا”.
شرحت أفيجيل ليف بعض الآثار العامة المترتبة على نشأة الفرد بوجود والدة رافضة:
- انخفاض تقدير الذات.
- الشك بالنفس.
- ميول ارتيابية.
- صعوبة في اتخاذ القرارات.
- سمات اعتماد مفرط على الفرد وتضحية بالنفس.
- حمل المسؤولية عن الآخرين.
- لوم الذات والعار.
- نمط تعلق غير آمن.
- صعوبة في منح الثقة للآخرين.
- صعوبة في تمييز الأشخاص أو العلاقات السامة.
- الدخول في علاقات غرامية متكررة مع أفراد مهملين عاطفياً.
- مشقة في إنهاء العلاقات غير الصحية أو المسيئة.
التأثير على الأنماط العلائقية
يتفق العلماء على أن أحد الآثار الرئيسية للنشوء ضمن نمط تربية رافض (الأم ترفض تربية الطفل) هو انعكاسها على جودة العلاقات الاجتماعية في فترة البلوغ.
“في سن البلوغ، يمكن أن نجد أن علاقاتنا بعيدة أو أن الآخرين يشعرون بأننا بعيدون عنهم وكأن هناك حاجز غير مرئي يمنعنا من الاقتراب أكثر منهم”.
يقول رونيه دوس (Ronnie Dose)، عالم نفس سريري في أوكلاند، كاليفورنيا، ويتابع: “من الممكن ألا نشعر بأي اتصال عميق لأن ذلك يقتضي مستوى من قابلية التأثر نراه خطيراً”.
وبنفس الطريقة، شرح إيروين أن بعض الأشخاص يمكن أن ينتهي بهم الأمر مع تكرار نمط التربية ذاته بمجرد إنجابهم لأطفالهم، إذ يمكن أن يصبحوا رافضين أيضاً في علاقاتهم العاطفية أو العكس تماماً؛ إذ يقول: “هذا الأساس المتضعضع للذات يمكن أن يبرز في علاقات مرحلة البلوغ الحميمة، الحاجة المفرطة، السلوكيات العدوانية السلبية، التجنب، التمنّع والاكتئاب”
من الشائع أيضاً أن يغدو الأطفال الذين تربّوا مع والدة رافضة بالغين متطلبين” يتطلعون دائماً لتلبية رغباتهم من الآخرين، لكن لا يثقون أن الآخرين سيقومون بذلك.”
التأثير على صورة الذات وأنماط التفكير
إذا كانت الأم ترفض تربية الطفل، واستمر الطفل في النشوء في هذا الجو الأسري، فقد يميل إلى الشك في نفسه وفي دوره ضمن العلاقات الاجتماعية، ومن الممكن أن يلقي اللوم على نفسه على كل شيء خاطئ أو يشعر بأنه لا يستحق الأفضل.”
يشرح ليف: “إذا كانت والدتك رافضة أو غير موجودة بجانبك، ستجد صعوبة في الثقة بحدسك، تصورك للواقع وقراراتك، وتلقي اللوم على نفسك إزاء الظروف الخارجة عن إرادتك. ستراودك الشكوك في كل ما تمر به، ولن تمنح نفسك المصداقية اللازمة.”
“عندما لا توجد بجانبنا أم تكون بمثابة مرآة لتجاربنا وإثبات على صدق وحقيقة عواطفنا، لن نتعلم أبداً مهارات تنظيم المشاعر وتحمل الإجهاد ولن ندرك أبداً كيف نتعامل مع العواطف الصعبة بشكل فعال أو أن نهدئ من أنفسنا في لحظات الغضب.”
هذا ما يمكن أن يؤدي إلى المعاناة من أعراض القلق والحالات النفسية الأخرى، وتقودك تجربتك هذه إلى تعلم وتشرّب ما أخبراه به والداك ومستوى تقديرهما لشخصيتك.
على سبيل المثال، إذا تكرر قولهما بأنك لا تستطيع عمل أي شيء صحيح، فمن الممكن أن تواجه الآن صعوبة في رؤية نفسك كشخص قادر على بلوغ وتحقيق أهدافك.
يقول دوس: “يمكن أن نكرر، بلا وعي، نمط علاقتنا وتفاعلنا مع مقدمي الرعاية الأولية، رفض أو إهمال أو الغضب من أنفسنا أو الآخرين الذين يظهرون ضعفاً وقابلية للتأثر.”
لكن العكس لما سبق ممكن الحدوث أيضاً؛ وجود والدة رافضة يمكن أن يؤدي بك إلى المحاولة الدائمة لإثبات أنك قادر على تحقيق مبتغاك.
يضيف دوس بالقول: “يمكن أن يتجلى تأثير الأم الرافضة في ولادة ناجحين عظماء ممن يعتمدون بشكل كبير على ذاتهم إلى درجة يعتقدون بها أن الآخرين لا يمكن الاعتماد عليهم أو أنهم لا مبالون.”
السير في طريق التعافي
الشفاء والتعافي عملية تختلف من شخص لآخر، إذ يمكن أن تجد أنه من المفيد لك بشكل خاص التعاون مع معالج صحي نفسي مرخص له؛ فهو مستعد للسير بك وإرشادك في كل خطوة تخطوها لتخليصك من آثار تربية الأم الرافضة.
تقترح ليف أيضاً:
- أسس حدوداً واضحة
- إذا كان التفاعل مع الآخرين مؤلماً لك، قلل احتكاك مع الآخرين واطلب الدعم من الأحباء للمضي قدماً باتجاه إنهاء هذا الشعور.
- ركز على الاعتناء بالذات
- طور مهارات طمأنة النفس بالإضافة إلى التعاطف الذاتي.
- جرب عملية إعادة التربية المحدودة (إعطاء ذاتك عند البلوغ ما لم تحصل عليه في الطفولة) وذلك عن طريق الحديث مع نفسك بالطريقة التي تحتاج أن تحدثك والدتك بها.
- تمرّن على تمييز الأشخاص الذين يستحقون الثقة عن غيرهم وأنماط العلاقات أيضاً.
- ضع نهاية للعلاقات المؤذية
- طور مهارات تواصل للتعبير عن احتياجاتك العلائقية
- اختر قضاء وقت أكثر مع الناس الداعمين والصادقين معك
- حدد المعتقدات الجوهرية التي حملتها من طفولتك وحاول معرفة كيف أثرت على علاقاته الحالية
- أسس قيمك الخاصة وما تريده تماماً من علاقاتك الاجتماعية.
تضيف ليف: “يمكن أن تحتاج إلى أن تعالج الحزن والألم الناجمين عن فقدان الدعم العاطفي الذي كنت بحاجة إليه وتستحقه.”
التغلب على التوقعات السلبية
يمكن أن يكون الإنجاز صعباً لكن عدم توقع الاهتمام والحب من الأم يمكن أن يشعرك بالحرية.
إذا كنت غير مستعد لكسر العلاقة، يمكنك محاولة إيجاد أرضية مشتركة تسمح لكما بقضاء بعض الوقت مع بعضكما دون توقعات إضافية.
” اسمح لتوقعات والدتك أن تكون مختلفة”، تنصح برلين، “يحتاج الفرد إلى تقبل والدته كما هي والكفاح للتواصل معها من خلال الاهتمامات والنشاطات المشتركة.”
أسس علاقات جديدة صحية
تشرح ليف: “عندما تستخدم تقنيات التأقلم ذاتها التي تعلمتها في طفولتك في علاقات مرحلة البلوغ، فإن ذلك من أجله أن يخلق نبوءة ذاتية التحقق تعكس علاقتك مع والدتك.
الجزء الأكثر أهمية في الشفاء والتعافي يتمثل في مساعدة الفرد على كسر النمط القائم على الانخراط في ديناميكيات علائقية سامة.”
أنت تستحق الحب، الدعم والقبول ومن الممكن أن تختبر ذلك في العلاقات الرومانسية والصداقات.
تضيف ليف: “بداية، تحتاج إلى تعلم منح المصداقية والتأكيد لذاتك، ثم باستطاعتك إدراك الشركاء المتوفرين عاطفياً.”
فكر بالعلاج النفسي
تقول برلين: “اتبع العلاج الذي يركز على العمل على أنماط التعلق. يمكن أن ترغب في استكشاف العلاج بتقنية إزالة الحساسية وإعادة المعالجة من خلال حركة العين أو نقاط الدماغ وذلك لتقليل مشاعر الفقد والتخلي.”
تقول إيروين أن هناك نماذج علاجية أخرى يمكنها المساعدة في التعافي من صدمة الطفولة وتحديات التعلق:
- العلاج النفسي الديناميكي
- العلاج المعرفي السلوكي
- علاج التقبل والالتزام
- العلاج السلوكي العاطفي العقلاني
تطلعات مستقبلية
يمكن أن تكون تجربة نشأتك مع أم رافضة تجربة مؤلمة، لكن يجب ألا تدوم آثارها عليك. لقد اتبعت أفضل طرق التأقلم الممكنة؛ قمت بحماية نفسك، ولكن حان الوقت الآن لترك ذلك يمضي.
يقول دوس: “من المهم الانتباه أن تركيبتنا كبشر تنحو باتجاه تجنب الألم وحماية أنفسنا للبقاء، لذا حاول أن تكون متعاطفاً مع ذاتك”. لا يجب أن تحدد تجربتك في الماضي حاضرك أو مستقبلك.
يضيف دوس: “هل محكوم علينا بالفشل بسبب والدينا وطفولتنا؟ لا ! أفضل ما يمكن الخروج به من هذه المعرفة أنها تستطيع مساعدتنا على التغيير”.
اقرأ أيضاً: التربية المهملة، خصائصها، أسبابها وتأثيراتها على الطفل والوالدين
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر الشجار الأسري على الطفل؟ وكيف تتخلص من آثاره السلبية؟
المصدر: Tips to Heal After Growing Up with a Dismissive Mother
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم