يُعد الاضطراب ثنائي القطب حالةً نفسيةً مُعقَّدة تتلخص بحدوث تغيراتٍ كبيرة وغير مُتوقَّعة في الحالة المزاجية للفرد. ووفق الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA)، هناك أربعة أنواع مختلفة للاضطراب ثنائي القطب، ويُحدَّد كلّ منها تبعاً لحدوث نوبات تغيُّر المزاج، تواترها وشدتها.

ماهي نوبات تغيُّر المزاج؟

يعاني الأشخاص المصابون بالاضطراب ثنائي القطب من نوباتٍ غير مُتوقَّعة من المشاعر القوية. بالإضافة إلى ملاحظة وجود تغيّر في النشاط ومستويات الطاقة وحدوث سلوكٍ غير معتاد، وتسمى هذه النوبات بـ نوبات المزاج.

هناك ثلاثة أنواع رئيسية لنوبات المزاج، وهي:

• نوبات الهوس: قد تشعر خلال نوبة الهوس بنشاطٍ أو سعادةٍ مفرطة. وأحياناً بغضب وانفعالٍ سريع وغير عادي كما لو أنك تملك طاقة كبيرة لاستهلاكها، وتستمر هذه النوبة لمدة أسبوعٍ على الأقل.

• نوبات الهوس الخفيفة: وهي ذات شدةٍ أخف من نوبات الهوس. إضافةً إلى كونها أقلّ حدة، كما تكون أقصر مدةً من سابقتها، وتستمر عادةً لبضعة أيام فقط.

• حالة الاكتئاب: تستمر نوبة الاكتئاب الكبرى لمدة أسبوعين على الأقل. ويعاني المصاب خلالها من خمسة أعراضٍ للاكتئاب أو أكثر، وبشكلٍ يومي تقريباً.

أيضاً، يمكن لبعض الأشخاص أن يواجهوا أعراض الاكتئاب والهوس في نفس الوقت (أو يتعرضوا لإحدى النوبات وتليها الأخرى مباشرةً)، إذ تُسمَّى هذه النوبة بـ النوبة المُختلَطة.

أنواع الاضطراب ثنائي القطب

صّنفت الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA) أنواع الاضطراب ثنائي القطب وفقاً لمدة وشدة نوبات المزاج الثلاثة السابقة. 

حسب الدليل المعياري و التشخيصي للاضطرابات النفسية الخاص بالجمعية (DSM-5). توجد أربعة أنواع مختلفة للاضطراب ثنائي القطب والتي يمكن للطبيب أن يشخصها وهي:

• الاضطراب ثنائي القطب (النوع الأول).
• الاضطراب ثنائي القطب (النوع الثاني).
• اضطراب دورَويّة المزاج.
• ثنائي القطب غير المُحدد بأي نوع (NOS).

الاضطراب ثنائي القطب (النوع الأول)

لكي يتم التشخيص بهذا النوع، يجب أن يعاني الشخص من نوبة هوسٍ واحدة أو أكثر. كما يجب أن تستمر هذه النوبة لمدة سبعة أيامٍ على الأقل أو أن تكون شديدةً جداً بحيث تشكل حالةً طارئة تستدعي الدخول إلى المستشفى على الفور.

بالرغم من وجود الكثير ممن يواجهون نوبات الاكتئاب أو الهوس الخفيف. إلا أن الأمر لايقتصر دائماً على أن يتم تشخيصهم بهذا النوع من الاضطراب، إذ يمكن أن يكون التشخيص مختلفاً تماماً.

الاضطراب ثنائي القطب (النوع الثاني)

يتلخص هذا النوع بحدوث كلّ من نوبات الهوس الخفيف والاكتئاب، وليتم تشخيص إصابتك بالاضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني، يجب ألا تكون قد واجهت أي نوبة هوسٍ متطورة أو كاملة.

لا يعد النوع الثاني مجرّد حالةٍ أخفّ تأثيراً من النوع الأول فحسب، بل اضطراباً مختلفاً تماماً.

اضطراب دورَويّة المزاج

يسمى أيضاً باضطراب المزاج الدوري (Cyclothymia)، ويعتبر أقلّ تأثيراً ومزمناً أكثر من الاضطراب ثنائي القطب.

بخلاف النوع الأول والثاني، فإن الزيادة والنقصان في اضطراب دوروية المزاج ليست بالشدة التي تستدعي أن يتم تشخيصه على أنه أحد نوبات الهوس أو الاكتئاب. لكن، من المُفتَرض أن تستمر هذه الأعراض لمدة سنتين على الأقل. مع عدم وجود فتراتٍ خالية من الأعراض لمدة تزيد عن شهرين.

على الرغم من أن نوبات المزاج أقلُّ شدةً من الاضطراب ثنائي القطب في هذه الحالة، إلا أنها تحتاج لمساعدةٍ أيضاً، إذ إن هذه الأعراض لا تتداخل في حياة الفرد اليومية فحسب، بل تزيد من خطر حدوث الاضطراب ثنائي القطب بنوعيه لاحقاً.

الاضطراب ثنائي القطب غير المُحدَّد بنوع (NOS)

يتم التشخيص بهذا النوع من الاضطراب عندما تعاني من نوبات المزاج أو الاكتئاب. والتي لا تندرج تحت أيّ من تصنيفات الاضطراب ثنائي القطب الأخرى. على سبيل المثال، يمكن أن تعاني من تنقلاتٍ سريعة بين المزاجية والاكتئاب، أو أن تتعرض لنوبة المزاج دون التعرض للاكتئاب.

حالات التشخيص الخاطئ

من ضمن الاضطرابات الصحية العقلية، يُعتَبر الاضطراب ثنائي القطب من أكثر الاضطرابات التي تتعرض لأخطاء في التشخيص. ففي بعض الأحيان. لا يظهر النوع الواضح من أنواع الاضطراب ثنائي القطب بحيث تندرج الحالة ضمنه، 

كما أنه من الصعب تشخيص هذا الاضطراب لكونه يتشابه مع كثيرٍ من الحالات النفسية الأخرى من حيث الأعراض.

إليك بعض الحالات النفسية التي يمكن أن يتم تتقاطع مع الاضطراب ثنائي القطب عند التشخيص وكيفية تمييزها:

▪︎ قصور الانتباه وفرط الحركة (ADHD): يحدث كِلا الاضطرابين بأعراضٍ متداخلة. لكن، بينما يكون قصور الانتباه وفرط الحركة حالةً مزمنة، فإن الاضطرابات ثنائية القطب تعد حالة عَرَضية في المقابل. إضافةً الى أن ثنائي القطب يؤثر على الحالة المزاجية فقط، بينما يتفاقم الآخرُ ليؤثر على الانتباه والسلوك.

▪︎ اضطراب الشخصية الحدّية (BPD): إن الاختلاف الرئيسي هنا هو مدةُ تقلب المزاج. إذ تستمر دورة تقلب الحالة المزاجية في الاضطراب ثنائي القطب لمدة أسابيعٍ أو أشهر، بينما تستمر لبضعة ساعات أو أيامٍ في اضطراب الشخصية الحدية. إضافةً إلى أن تقلب المزاج في اضطراب الشخصية الحدية يعود لسببٍ معين.

▪︎ الاكتئاب السريري أو الأساسي (Clinical Depression):  يتضمن الاضطراب ثنائي القطب عادةً أعراض النوبات المزاجية، إلا أن حالة الاكتئاب السريري تعد أحادية القطب، أي أنه لا توجد نوباتٌ مرتفعة.

يمكن أن يخطئ الأطباء في تشخيص الاضطراب ثنائي القطب. فيعتقدون في البداية أنه اكتئاب سريري إذ من الممكن أن تحدث نوبات الهوس الخفيفة فيه دون أن تُلحَظ عادةً.

▪︎ اضطراب الفصام العاطفي (Schizoaffective Disorder): عندما تعاني من اضطراب الفصام العاطفي، فإن الأعراض النفسية تظهر بشكلٍ مفاجئ، ولا يتعلق الأمر بتغير الحالة المزاجية، في حين تنشأ الأعراض النفسية في الاضطراب ثنائي القطب خلال نوبات الهوس فقط.

يشكل التشخيصُ الصحيح خطوةً مهمة للحصول على العلاج المناسب، وتتمثل الطريقة الأفضل لزيادة فرص الحصول على التشخيص الدقيق في إخبار الطبيب بكل الأعراض التي تواجهها.

علاج الاضطراب ثنائي القطب

يتضمن أي نوع من أنواع العلاج للاضطراب ثنائي القطب بشكل عام العلاجَ الدوائي وبعضاً من أشكال العلاج النفسي.

العلاج الدوائي

يعتبر العلاج الدوائي أساسياً لاستقرار معظم الاضطرابات ثنائية القطب، لكن يعتمد نوع العلاج الدوائي الموصوف على الأعراض ومدى شدتها.

على سبيل المثال، إذا كنت تعاني من نوبات الهوس أو الهوس الخفيف، فيمكن أن يحدد الطبيب العلاج بأحد مثبطات الحالة المزاجية،منها:

• الليثيوم.
• ديباكوت (حمض الفالبرويك – Valproic acid).
• تيجريتول (كاربامازيبين – Carbamazepine).

من ناحية أخرى، إذا كنت تعاني بشكلٍ أساسي من أعراض الاكتئاب، فمن المُحتَمل أن يصف الطبيب أحد أدوية المثبطات الانتقائية لاسترداد السيروتونين (SSRI) للمعالجة، منها:

• زولوفت (سيرترالين – Sertraline).
• بروزاك (فلوكستين – Fluoxetine).
• ليكسابرو (إسكيتالوبرام – Escitalopram).

 يتم وصف مضادات الاكتئاب عادةً بالتزامن مع مثبتات المزاج لأنها تؤدي إلى حدوث نوبات الهوس.

إذا كنت تعاني من أعراضٍ ذهانية خلال نوبة الهوس أو الاكتئاب، فمن المُحتَمل أن يحدد الطبيب العلاج بأدوية مضادات الذهان الغير نمطية. أي أحد مضادات الذهان غير النمطية الأربعة التالية  والتي تمت الموافقة عليها من قبل إدارة الأغذية والعقاقير في علاج الاكتئاب ثنائي القطب:

• رايلار (كاريبرازين – Cariprazine).
• لاتودا (لوراسيدون – Lurasidone).
• سيمبياكس (أولانزابين-فلوكستين – Olanzapine-fluoxetine).
• سيروكويل (كويتيابين – Quetiapine).

إن كلاً من الأدوية (رايلار) و (سيروكويل) العلاجيين هما الوحيدان المُوافَق عليهما من قبل إدارة الأغذية والعقاقير كمضادات ذهان تعالج الأعراض الذهانية التي تحدث بالتزامن مع نوبات الهوس.

يمكن أن يأخذ إيجاد العلاج الدوائي المناسب وقتاً، ونظراً لدورات تقلب المزاج المستمرة، فإن معظم المصابين بالاضطراب ثنائي القطب يتناولون أكثرَ من نوعٍ من الأدوية.

العلاج النفسي

يمكن أن يكون العلاج النفسي ضرورياً أيضاً، وذلك اعتماداً على الحالة، ففي الحقيقة، أظهر الباحثون أن العلاج النفسي المترافق مع العلاج الدوائي عادةً ما يكون أكثر فائدةً من العلاج الدوائي لوحده. إذ يمكن أن يساعد العلاج الدوائي على الشعور بالراحة من الاكتئاب المرتبط بتقلّب المزاج الشديد، ويمكنه أيضاً أن يحسّن من قدرة المصاب على التعامل مع الآخرين في علاقاته الاجتماعية.

تشمل العلاجات النفسية الفعالة في الاضطراب ثنائي القطب مايلي:

• العلاج السلوكي المعرفي (CBT).
• العلاج الأُسَري (Family-focused Therapy).
• علاج الإيقاع الشخصي والاجتماعي المتناسق (Interpersonal and Social Rhythm Therapy).

كما هو الحال في العلاج الدوائي، لا تقتصر طريقة العلاج على حلّ وحيد مفيدٍ لجميع الحالات، وإنما تختلف طرق العلاج من شخص إلى آخر.

الخلاصة

إذا لاحظت بأنك أو أيّ من معارفك يعاني من أعراضٍ تندرج ضمن الاضطراب ثنائي القطب، فمن الضروري التحدث إلى الطبيب المختص. إذ من الممكن أن يعمل طبيبك على استبعاد دور أي حالةٍ جسدية صحية محتملة يمكن أن تسبب ظهور تلك الأعراض، كما يمكنه أن يقترح طبيباً نفسيا آخر أو أي طبيبٍ مختص في الأمراض العقلية لتقييم حالتك.

تحدَّث بوضوحٍ مطلق عن سلوكياتك، حالتك المزاجية، أو أي أمرٍ آخر يتعلق بصحتك النفسية، إذ يشكل التواصلُ المنفتح والصريحُ أساساً في تحديد تشخيص ٍ صحيح و خطةِ علاجٍ مناسبة.

اقرأ أيضاً: اضطراب ثنائي القطب وطرق علاجه

المصدر: Are There Different Types of Bipolar Disorder

تدقيق: رهام شلغين

تحرير: جعفر ملحم