إزالة الحساسية المنهجية (Systematic Desensitization) هي مقاربة علاجية قائمة على الأدلة وتجمع بين تقنيات الاسترخاء والتعرّض التدريجي وذلك لمساعدة الفرد في التغلب على الرهاب ببطء.
خلال هذا العلاج، والذي يسمى أيضاً العلاج بالتعرض التدريجي، تتدرج في مراحل تصاعدية من الخوف، بدءاً من أقل مستوى من التعرض. ينطوي هذا العلاج أيضاً على استخدام تقنيات الاسترخاء.
ذلك ما يميز هذه المقاربة العلاجية عن غيرها من تقنيات إزالة الحساسية، مثل الغمر (Flooding).
كيف تتم إزالة الحساسية المنهجية؟
تنطوي إزالة الحساسية المنهجية على ثلاث خطوات. الأولى، يتعلم فيها المريض تقنيات استرخاء العضلات. بعد ذلك يقوم بكتابة قائمة بالأمور التي تثير خوفه حسب شدتها وأخيراً يبدأ بتعريض نفسه لها.
الإشراط الكلاسيكي، وفي بعض الأوقات مبادئ التعلم الترابطي هي النظريات الكامنة وراء هذه العملية.
الهدف من هذه المقاربة العلاجية هو التغلب على الرهاب من خلال استبدال مشاعر الخوف والقلق بحالة من الهدوء.
ومع الانتقال من خوف إلى آخر (حسب القائمة)، سيستمر الفرد بالتركيز على الاسترخاء عند مواجهة كل موقف جديد إلى أن يصل لمرحلة لا يشعر بالانزعاج وعدم الراحة بعدها.
تعلُّم مهارات الاسترخاء
قد تتعلّم بعض تمارين الاسترخاء المختلفة خلال هذا الأسلوب العلاجي. ويمكن أن تستخدم تمريناً واحداً أو تجمع عدة تمارين. وتتضمن:
تنفس الحجاب الحاجز (Diaphragmatic Breathing)
سوف تتعلم من خلال هذه التقنية أن تنظم تنفسك وأن تتنفس ببطء وعمق عن طريق الأنف، وحبس النفس لمدة ثانية أو ثانيتين، ثم إخراجه عبر الفم.
التصور (Visualization)
سوف تركز على مشهد يبعث على الاسترخاء، إذ تتخيله في عقلك وتصب تركيزك على التفاصيل الحسية، مثل المناظر والروائح. يتضمن ذلك التخيل أو التصور الموجه والذي ينطوي على شخص ما يقوم بشرح المشهد لك.
استرخاء العضلات التدريجي (Gradual Muscles Relaxation)
سوف تتعلم فيها تخفيف تشنج العضلات واسترخائها في كامل جسدك. يمكن أن تحد هذه التقنية من تشنج العضلات وتساعدك في التعرف على الاختلاف بين انقباض واسترخاء العضلات. بهذه الطريقة، ستكون قادراً على إدراك متى تبدأ عضلاتك بالتشنّج والانقباض كاستجابة للقلق والخوف.
تقنيات التأمل واليقظة الذهنية (Meditation and mindfulness techniques)
يساعدك تعلم التأمل على أن تكون أكثر وعياً بأفكارك ومشاعرك عندما تواجه موقفاً مخيفاً، وتساعدك اليقظة الذهنية على ملاحظة ما تختبره في اللحظة الحالية والتي يمكن أن تحدّ من الأفكار التي تبعث على القلق.
إنشاء تسلسل هرمي من الأشياء التي تبعث على الخوف
بعد تعلم تقنيات الاسترخاء، سوف تشكل هرماً من الرهاب والمواقف المخيفة. ويتضمن هذا الهرم عشرة مستويات:
- أولاً، ستحدد أعلى مستوى من الخوف، أو المستوى العاشر من الخوف.
- ثم تحدد أقل مستوى من الخوف أو المستوى الأول منه.
- بعد ذلك، تكتب قائمة من المستويات بينهما وترتّبها وفق مقدار الخوف الذي تثيره. على سبيل المثال، رؤية صورة لما يثير خوفك قد يكون المستوى الثالث، لكن فعلياً لمس الشيء المخيف قد يكون في المستوى الثامن أو التاسع.
- ثم ستطور طرقاً تعرض نفسك من خلالها لكل مستوى من مستويات الخوف، ويكون ذلك بمساعدة معالج نفسي.
- أخيراً، تبدأ بتعريض نفسك لما يخيفك، بدءاً من أقل العناصر خوفاً في القائمة.
تعريض نفسك للخوف ببطء
بمجرد امتلاكك لتقنيات الاسترخاء والتسلسل الهرمي لمخاوفك، يمكن أن تبدأ بتعريض نفسك لما يخيفك تدريجياً.
تتمثل الخطوة الأولى عادة بالتفكير في الأشياء المخيفة بالنسبة لك. حالما تبدأ بالشعور بالخوف أو القلق، استخدم تقنيات الاسترخاء حتى تستعيد الإحساس بالهدوء. كرر العملية حتى تصل لمرحلة لا تشعر بالقلق بعدها.
عندما تستطيع مواجهة مستوى معيناً من الخوف براحة ودون انزعاج، انتقل إلى المستوى الثاني. يمكنك العمل من خلال التسلسل الهرمي الذي أنشأته أثناء العلاج النفسي أو بمفردك.
أمثلة على إزالة الحساسية المنهجية
تختلف عملية إزالة الحساسية المنهجية من شخص لآخر، إذ يتجاوز البعض المستويات المنخفضة بسرعة ويواجهون صعوبة في التغلب على المستويات الأعلى. في حين قد يستغرق البعض فترة أطول للانتقال من مستوى إلى الأعلى، إلا أنهم يجدون الخوف أسهل مواجهةً بمجرد نجاحهم في تجاوز المستويات الأخفض.
يمكن أن تكون أكثر التقنيات إفادة مختلفة أيضاً، إذ يمكن أن تجد التصور هو أكثر ما يساعدك على الاسترخاء.
بغض النظر عن الخوف الذي تشعر به والوقت الذي تستغرقه لتجاوز كل مستوى، فإن المبدأ يبقى ذاته. فيما يلي شرح لعمل إزالة الحساسية المنهجية في حالات مختلفة.
القلق الاجتماعي
لنفترض أنك طالب جامعي يعاني من القلق الاجتماعي (SAD). عندما تفكر في قول إجابة خاطئة في الصف أو طلب الذهاب إلى المرحاض، تشعر بعدم الارتياح وازدياد ضربات قلبك، فتتجنّب الحديث في الصف أو المشاركة في النشاطات الجماعية تفادياً للمواقف الحرجة.
عندما تقرر تجربة إزالة الحساسية المنهجية، ستحدد أن الحديث مع شخص ما لا تعرفه يقع في المستوى الأول من الخوف، وتبدأ بتخيل نفسك تلقي التحية على الآخرين شفهياً، مع التنفس العميق عندما تشعر بالقلق إلى أن تستعيد هدوءك.
بعد ذلك، تنتقل إلى الخوف التالي، مع التواصل البصري خلال الحديث، وتنتقل من مستوى إلى آخر وفي النهاية تعرّف عن نفسك وتومئ برأسك أمام الصف. تستمر باستخدام التنفس العميق واسترخاء العضلات حتى يساعدانك على تجاوز فترات عدم الراحة.
ينطوي المستوى الأخير من الهرم على المشاركة في الصف. قد يستغرق الأمر محاولات عدة، لكن في النهاية ستغدو قادراً على الإجابة أمام الصف، على الرغم من أن ضربات قلبك قد تبدأ بالتسارع حالما ترفع يدك للإجابة. خذ نفساً عميقاً، وحاول أن تخفف تشنج العضلات وابدأ بالحديث.
رهاب الكلاب
عندما ترى كلباً يتجه نحوك، تبدأ راحتا يديك بالتعرق وتزداد ضربات قلبك وتشعر بصعوبة في التنفس. يرتبط رهابك هذا بالخوف من أن تتعرض للعضّ على وجه الخصوص، لكن وجودك بالقرب من الكلب يشعرك بالخوف والقلق.
حتى تبدأ بالتسلسل الهرمي لمخاوفك، تخيل بداية أنك بالقرب من كلب في سيارة عابرة. في اليوم التالي، قُد سيارتك بجوار حديقة للكلاب عدة مرات؛ لا يبدو أنه يؤثر عليك كثيراً، لذلك يمكنك الوقوف في مكان ما يكون لديك فيه منظر كامل للحديقة.
تشعر بالتوتر في كل مرة يبدأ الكلب فيها بالنباح. وللتغلب على ذلك، تركز على استرخاء عضلاتك وتخيل نفسك على شاطئ جميل لا وجود للكلاب فيه. تفتح عينيك وتعيد هذه العملية بعد 30 .
ثم بعد ذلك تقضي وقتاً مع صديقتك التي تملك كلباً وتضعه في غرفة أخرى من منزلها خلال زيارتك لها. تتدرب على تمارين الاسترخاء في كل مرة تراودك فكرة أنه سيخرج من الغرفة.
مع تكرار التغلب على مستوى الخوف العاشر – السير في حديقة للكلاب – تقرر أن تقضي بعض الوقت في المكان المخصص للجراء في محمية الحيوانات في منطقتك.
أخيراً، بعد أشهر من المحاولة، تتوجه إلى حديقة الكلاب، وفي هذه المرة تمشي باتجاه البوابات، تجلس على مقعد وتمارس التنفس العميق بينما تشاهد الكلاب وهي تلعب. على الرغم من شعورك بالخوف إلى حد ما، إلا أنك تركز على حقيقة أنك تواجه مخاوفك.
كيف يمكن تجربة هذا الأسلوب العلاجي بمفردك؟
من الممكن أن تجرب إزالة الحساسية المنهجية بمفردك، لكن تذكر بأن التعرض التدريجي والبطيء هو مكون أساسي من هذه المقاربة. إذا كان التعرض للمستوى المنخفض من التسلسل الهرمي يشعرك بالقلق، استمر بالتدرب على تقنيات الاسترخاء والعمل على تجاوز مخاوفك.
ليس هناك تواتر محدد في الانتقال من مستوى لآخر في التسلسل الهرمي للخوف، إذ قد تستغرق أشهراً وأنت تواجه مستوى واحداً فقط. في المقابل، قد تتجاوز المستويين التاليين على مدار بضعة أسابيع فقط.
خذ ما تحتاجه من الوقت. إذا انتقلت من مستوى إلى آخر بسرعة، فقد تضع نفسك في مواقف غير مريحة.
إذا أردت أن تجرب هذا النهج العلاجي بمفردك، يمكن أن تساعدك النصائح التالية:
حاول أن تتأقلم مع تقنيات الاسترخاء، فإذا كنت تشعر للتو بالتوتر والقلق، يمكن أن يكون التفكير بالاسترخاء أصعب، لذا من المهم أن تتعلم هذه التقنيات بداية.
اكتب قائمة من شيئين على الأقل في كل مستوى من مستويات الخوف في الهرم الخاص بك، إذ يتيح لك ذلك التعرض أكثر لما يحفز الرهاب. وتدرب على تعريض نفسك لما يثير خوفك يومياً حتى لو كان ذلك لمدة دقائق معدودة فقط، فهي مفيدة.
تذكر أن تتوقف قليلاً وتستخدم تمرين استرخاء عندما ينتابك القلق. الهدف من ذلك هو استبدال المشاعر القلقة بحالة من الاسترخاء والهدوء. قد تضطر إلى تجربة كل خطوة من خطوات الاسترخاء مرات عدة؛ ولا بأس في ذلك.
حاول أن تستمر في تمارين التعرض إلى أن ينخفض شعور القلق والخوف لديك إلى النصف تقريباً مقارنة بما تشعره عادة. يمكن أن يكون ذلك صعب القياس، لكن من المرجح أن تصبح أكثر قدرة على تعقب مقدار الخوف والقلق عندما تصبح أكثر دراية بالتعرض.
إذا كنت غير متأكد من تجربة إزالة الحساسية المنهجية بمفردك، بإمكان المعالج الإجابة على أسئلتك وتقديم الدعم لك. إذا لم يجد هذا النهج نفعاً، يمكنك تجربة غيره.
اقرأ أيضاً: إزالة الحساسية المنهجية لعلاج اضطراب الهلع
المصدر: How Systematic Desensitization Can Help You Overcome Fear
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم