اضطراب ثنائي القطب هو حالة صحية عقلية مُعرَّفة بنوبات اضطراب شديدة في المزاج. إذ يؤثر على حالة الفرد النفسية، أفكاره، وسلوكه.
له نوعان، اضـطراب ثنائي القطب الأول واضـطراب ثنائي القطب الثاني.
وفقاً للدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض العقلية، ينطوي اضطراب ثنائي القطب الأول على نوبات من الهوس الشديد وفي كثير من الأحيان على الكآبة، بينما ينطوي اضطراب ثنائي القطب الثاني على نوبات أخف من الهوس تسمى “الهوس الخفيف“.
الأعراض المشتركة بين نوعي اضطراب ثنائي القطب
على الرغم من الاختلاف الكبير بين النوعين من ناحية الهوس، هناك بعض الأعراض المشتركة بينهما.
نوبات الاكتئاب
تحدث عادةً نوبة اكتئابٍ كبرى واحدة على الأقل في اضطراب ثنائي القطب الأول، لكن حدوثها ليس قاعدةً ثابتة. أما في اضطراب ثنائي القطب الثاني فتحدث نوبة اكتئاب كبرى واحدة أو أكثر.
تشمل نوبة الاكتئاب الكبرى الأعراض الشائعة التالية:
- الأرق أو فرط النوم
- بكاء شديد غير المبرر ولا يمكن السيطرة عليه
- الإرهاق الشديد
- فقدان الاهتمام بالأشياء التي يستمتع بها المريض عندما يكون في مزاج جيد
- أفكار متكررة عن الموت والانتحار
يمكن أن ينطوي نوعا اضطراب ثنائي القطب على نوبات ابتهاج دون أعراض، أو على حالات نفسية “طبيعية“.
الهوس
تستمر نوبات الهوس لمدة سبعة أيام على الأقل. ويعاني الشخص المصاب بنوبة الهوس من:
- مشاعر النشوة والغبطة
- حاجة أقل إلى النوم
- رغبة جنسية متزايدة
- هلوسات وأوهام
- زيادة ملحوظة في الطاقة
يمكن للشخص الذي يمر بنوبة الهوس أن ينخرط في تصرفات متهورة وخطرة. على سبيل المثال، يمكن له أن ينغمس في سلوكيات جنسية خطرة، أو ينفق مبالغ طائلة من الأموال أو يتخذ قرارات مندفعة.
من غير الصحيح افتراض أن نوبة الهوس تجعل من الفرد “مجنوناً“.
من المهم أيضاً ملاحظة أن نوبات الهوس لا تعني دائما أن الشخص سيصبح عدوانياً أو خطراً.
الهوس الخفيف
يمكن للشخص الذي يمر بنوبة هوس خفيف أن يعاني أعراض مشابهة لنوبة الهوس، دون تأثيرٍ ملحوظ على الأداء اليومي له.
إذ إنّ الكثير من الأشخاص الذين يعانون نوبة “الهوس الخفيف” المرتبطة باضطراب ثنائي القطب الثاني، يستمتعون بطاقة زائدة وحاجة أقل للنوم.
لا تتصاعد حدة نوبة الهوس الخفيف لدرجة حاجة الشخص إلى دخول المستشفى كما يحدث في نوبة الهوس، حيث يشكل الفرد خطراً على نفسه وعلى الآخرين.
أسباب اضطراب ثنائي القطب
على الرغم من أن الأسباب الكامنة وراء اضطراب ثنائي القطـب الأول ما زالت غير واضحة، إلا أنّ للعوامل الوراثية دورٌ كبيرٌ في ذلك. وهذا ما وثقته دراسة أجريت على توأم يعاني أحدهما أو كلاهما هذا النوع.
أظهرت هذه الدراسة أن نسبة 40% من التوائم المتطابقة (يملكون نفس الجينات الوراثية) يعاني كلاهما اضطراب ثنائي القطـب، مقارنةً بنسبة أقل من 10% من التوائم الأشقاء (التي لا تتشارك بالجينات الوراثية ذاتها).
تشمل العوامل الأخرى المساهمة في هذا الاضطراب تشوهات في الدوائر العصبية للدماغ، عدم انتظام في الناقلات العصبية، وعوامل بيئية مثل الصدمات النفسية وإساءة المعاملة في مرحلة الطفولة.
تشخيص اضطراب ثنائي القطب
عند تشخيص اضطراب ثنائي القطب بغض النظر عن نوعه، على المعالج أو الطبيب أن يأخذ بعين الاعتبار دور الأمراض النفسية الأخرى. كالاضطراب الفصامي العاطفي، فصام الشخصية، الاضطراب الوهامي والاضطراب فصامي الشكل.
لا يمكن تشخيص اضطراب ثنائي القطـب بذات طريقة تشخيص الأمراض الأخرى، والتي يمكن فيها لاختبار الدم، الصور الشعاعية، أو الاختبار الجسدي تقديم تشخيص نهائي لها.
إذ يستند تشخيص اضطراب ثنائي القطب على مجموعة من المعايير التي يجب أن يستوفيها المريض حتى يتم تشخيصه به.
ينطوي التشخيص المستنير غالباً على اختبارات محددة لاستخلاص الأسباب الجسدية الأخرى له. إذ يمكن أن يتضمن ذلك اختبار العقاقير المخدرة، اختبارات التصوير (الأشعة المقطعية أو التصوير بالرنين المغناطيسي للدماغ)، التخطيط الكهربائي للدماغ ومجموعة كاملة من اختبارات الدم التشخيصية.
سيطرح عليك الطبيب أسئلة أيضاً، وعليك أن تبذل ما بوسعك لتكون قريباً من فرق الرعاية الصحية خاصتك، لتأكيد التشخيص باضطراب ثنائي القطب وإيجاد خطة العلاج المناسبة لك.
علاج اضطراب ثنائي القطب
علاج اضطراب ثنائي القطـب الأول هو علاج فردي للغاية، ويعتمد على طبيعة وشدة الأعراض التي يعاني منها الفرد. تشكل مثبتات المزاج جوهر العملية العلاجية إضافة إلى استخدام:
- الليثيوم (مثبت المزاج)
- مضـادات الاختلاج لتثبيت تقلب المزاج
- مضادات الذهان للسيطرة على الأعراض الذهنية من الأوهام والهلوسات، إضافةً إلى أحدث مضادات الذهان “غير التقليدية” ذو خصائص محددة في تثبيت المزاج.
- مضادات الاكتئاب (لا يتم وصفها كثيرا لأنها تسبب نوبة هوس)
يُستخدم العلاج بالصدمة الكهربائية في الحالات الأكثر شدة لمساعدة الشخص على التخلص من الاكتئاب الشديد.
باعتبار أن الهوس الخفيف أقل شدة من الهوس الذي يحدث في النوع الأول من الاضطراب، فإن الهوس في النوع الثاني يوصف بأنه أخف من الأول، ولكن هذا الوصف ليس دقيقاً للغاية.
من المؤكد أن الأشخاص المصابين باضطراب ثنائي القطب الأول يعانون من أعراض أكثر خطورة خلال نوبة الهوس، لكن الهوس الخفيف يبقى حالة نفسية خطيرة لها عواقب تُغيّر حياة الفرد ويجب معالجتها بشكل مناسب.
إضافةً إلى ذلك، أظهرت الأبحاث أن اضطراب ثنائي القطب الثاني يهيمن عليه نوبات اكتئاب أطول وأكثر شدة.
في الحقيقة، إن احتمال استعادة الأشخاص المصابين بالنوع الثاني لأدائهم الطبيعي الكامل في الفترات بين النوبات، سيصبح أقل مع مرور الوقت.
توصلت دراسة خاصة إلى أن الاضطراب من النوع الثاني يرتبط بحياة صحية أقل مقارنة بالنوع الأول، وينطبق هذا الكلام أيضا على نوبات سوائية المزاج الطويلة.
يشير الخبراء كذلك إلى أن النوع الثاني يسبب عرقلة للأداء على نفس القدر بالنسبة للنوع الأول (إن لم يكن أكثر). لأنه يمكن أن يؤدي إلى أيام طويلة من الاكتئاب دون نشاط بين النوبات.
يجب متابعة العلاج المناسب لكل أنماط هذا الاضطراب، وعليك التعاون مع فريق الرعاية الصحية للوصول إلى العلاج الأفضل لك.
التعامل مع الاضطراب ثنائي القطب
كما هو الحال في جميع الأمراض النفسية الأخرى، فإنّ اضطراب ثنائي القطـب يرتبط بوصمة معينة في المجتمع.
ولعلّ هذا ما يجعل من التعامل مع هذه الحالة أمراً أكثر صعوبة بالنسبة لك أو لشخص تحبه.
كن على علم أن هذه الوصمة غالباً ما تتطور بسبب نقص المعرفة.
فأولئك الأشخاص الذين يبدون تعليقات على المرضى أو يمارسون التمييز، عادةً ما يجهلون أو لديهم خوفٌ قائمٌ على ما يعتقدون أنهم يعرفونه عن هذا الاضطراب.
سواء أكان الشخص المصاب بهذا الاضطراب يواجه وصمة العار بشكل مباشر أم لا، فاعلم أن الطريقة المثلى للتعامل مع هذه الحالة هي التواصل مع الآخرين الذين يعانون والحصول على مساعدة متخصصة.
يمكنك أيضاً محاربة هذه الوصمة، وتعلُّم حقوقك كمريض بهذا الاضطراب لتتأقلم أكثر معه.
اضطراب ثنائي القطب عند الأطفال
يمكن لهذا الاضطراب أن يصيب الأطفال في أيّ سن. لذا من المهم أن يكون الأهل ومقدمو الرعاية الصحية على دراية بالعلامات الفريدة من نوعها لهذا الاضطراب.
إذ إنّ عليهم دائماً الانتباه إلى أداء الطفل، عواطفه وتاريخ العائلة المَرَضي الخاص بهذا الاضطراب.
التشخيص في الوقت المناسب يساعد على التأسيس لخطة أفضل لعلاج الأعراض.
الخلاصة
اضطراب ثنائي القطب هو اضطراب معقد للمزاج.
إذا كنت قلقاً أن لديك أو لدى أحد من أحبابك أعراض نوبات الاضطراب، ابحث عن الرعاية الطبية للحصول على التقييم المناسب للحالة.
على الرغم من أن هذا الاضطراب لا يمكن الشفاء منه، فهو قابلٌ للعلاج.
إذ يمكن السيطرة على الأعراض بالأدوية المناسبة، والدعم النفسي إلى درجة لا تؤثر جوهرياً على حياة الفرد.
المصدر: Bipolar Disorder
تدقيق: محمود خضرة
تحرير: جعفر ملحم