الذكاء الثقافي Cultural Intelligence المكونات كيفية تشكل التدريب عليه الأهمية
إذا نظرنا إلى موضوع العيش والعمل بنجاح عبر الثقافات ككتلة واحدة فإن هذه الكتلة.مكونة من العديد من الجوانب، لكن أحدها عبارة عن مجموعة من القدرات التي تقع تحت مظلة الذكاء الثقافي. إذ يُعد الذكاء الثقافي (Cultural Intelligence) ذكاءً أساسياً في القرن الحادي والعشرين، وهو بنية ديناميكية ومعقدة.
الذكاء الثقافي Cultural Intelligence المكونات كيفية تشكل التدريب عليه الأهمية
منذ عقود من الزمن، بحثت عالمة النفس سون أنغ (Soon Ang) وهي أحد أوائل.العلماء الذين قدموا مفهوم الذكاء الثقافي، في سبب كفاءة بعض الأفراد والمؤسسات.أكثر من غيرهم من ناحية التحكم بالحداثة والتناقض المتأصل في الثقافات المختلفة.
في النهاية ومن خلال رحلاتها المكثفة في معظم بقاع الأرض، لاحظت “أنغ” أن الاختلاف.بين شعوب العالم لا يقتصر على أي قيّم، إنما على تلك القيم التي اتخذناها أساساً في حياتنا، وحقيقة.اختلافاتنا الهائلة هذه تنسجم تماماً مع الإمكانات المتزايدة للذكاء البشري. بالاعتماد على قراراتنا الاجتماعية والعاطفية والأكاديمية، يتيح لنا الذكاء الثقافي إيجاد الحلول والتكيّف مع بيئاتنا والتعلم من بعضنا بعضاً.
المكونات الأربعة للذكاء الثقافي
حددت “أنغ” وزملاؤها أربعة مكونات رئيسية للذكاء الثقافي مع أقسامها الفرعية. فيما يلي ملخص نتائجهم:
1- الذكاء الثقافي التحفيزي (Motivational CQ)
يشير الذكاء الثقافي التحفيزي إلى القدرة على “توجيه الانتباه والطاقة نحو التعلم والعمل” وذلك في المواقف التي تتخلل الثقافات المختلفة. والأفراد الذين يتمتعون بدرجة عالية من الذكاء الثقافي.التحفيزي ينجذبون بدرجة كبيرة إلى التجارب المشتركة بين الثقافات المختلفة، ولديهم الثقة في إدارتها بنجاح. والأقسام الفرعية لهذا النوع من الذكاء الثقافي تشمل:
الذكاء الثقافي Cultural Intelligence المكونات كيفية تشكل التدريب عليه الأهمية
- الاهتمام الداخلي (Intrinsic interest): أي الرضا والقيمة التي يجلبها التفاعل مع الآخرين الذين ينحدرون من خلفيات ثقافية مختلفة. يميل الأشخاص ذو الاهتمامات الجوهرية العالية إلى اكتساب “منافع ذاتية” من تجاربهم عبر الثقافات المتعددة.
- الاهتمام الخارجي (Extrinsic interest): أي أن تكون مدفوعاً بالمنافع.الملموسة والمتغيرة المعتمدة على التجارب عبر الثقافات المتعددة، بما في ذلك الترقيات والفرص الجديدة. وكثيراً ما تعتمد المنظمات هذه المكافآت الخارجية كحوافز للموظفين في المهام دولية.
- القدرة الذاتية على التكيف (Self-efficacy to adjust): الثقة في القدرة على المشاركة والتفاعل والعمل عبر الثقافات.
2- الذكاء الثقافي المعرفي (Cognitive CQ)
يصف الذكاء الثقافي المعرفي النطاق الواسع للمعرفة العامة التي يمتلكها الأفراد حول الثقافات المتعددة. لكن وفي هذه النقطة تحديداً يُعد غوغل (Google) أفضل صديق لنا،.وذلك حسب قول “أنغ” وهناك نوعان من المعرفة يساهمان في نجاح التجارب عبر الثقافات.وهما المعرفة العامة بالثقافة والمعرفة الخاصة بالسياق.
- المعرفة العامة للثقافة: المعرفة الصريحة بجميع العناصر الرئيسية التي.تتكون منها الثقافات (أنظمة القيّم، والتقاليد السياسية والتاريخية والفلسفية، والمعاييّر الاجتماعية والتواصلية، ونظرة عميقة على اللغات المحلية).
- المعرفة الخاصة بالسياق: تمثل “الفهم الداخلي” لمعايير وقواعد السلوك بين.الثقافات الفرعية الديموغرافية المختلفة داخل الثقافة الواحدة (مثل: العمر والجنس والمهنة).
3- الذكاء الثقافي ما وراء المعرفي (Metacognitive CQ)
يشير الذكاء الثقافي ما وراء المعرفي إلى “القدرة العقلية للشخص على اكتساب المعرفة الثقافية وتقييمها”. ومن يتمتع بدرجة عالية من هذا الذّكاء الثقافي.لديهم وعي كبير بالذات وبالآخر وبالوضع ككل،.وأيضاً قدرة عالية على مراقبة وتعديل استنتاجاته استجابةً.لمدخلات التجارب بين الثقافات المتعددة. يتضمن الذّكاء الثقافي ما وراء المعرفي ثلاث عمليات يتم تنشيطها قبل وأثناء وبعد التفاعلات:
- التخطيط: التحضير مسبقاً قبل اللقاءات بين الثقافات المتعددة. بما معناه أن يفكر الفرد في أهدافه وغاياته قبل التفاعل، وأن يتوقع النتائج المحتملة من خلال مراعاة المنظور الثقافي لمحاوريهم.
- الوعي: أن تكون واعياً لحظة بلحظة لتأثير الثقافة على التفكير والشعور والسلوك.
- التحقق: إعادة ضبط التوقعات والافتراضات والمعتقدات.التي تحدث أثناء أو بعد التفاعلات بين الثقافات، وعندما يتم اكتساب معلومات جديدة، ويعدل الفرد خرائطه الذهنية وفقاً لذلك.
4- الذكاء الثقافي السلوكي (Behavioral CQ)
الذّكاء الثقافي السلوكي هو القدرة على وضع المعرفة موضع التنفيذ، وإظهار مجموعة واسعة من السلوكيات اللفظية وغير اللفظية المناسبة ثقافياً. لكن يمكن للأفراد الذين يتمتعون بدرجة عالية من الذّكاء الثقافي.السّلوكي أن يظهروا كمحاورين أكثر فاعلية واحتراماً، وذلك بفضل قدرتهم على ضبط محتوى وهيكل وأسلوب تواصلهم.
الذكاء الثقافي Cultural Intelligence المكونات كيفية تشكل التدريب عليه الأهمية
- السلوك اللفظي: هو القدرة على التعبير عن النفس لغوياً،.قد يشمل ذلك تكييف نبرة صوت المرء، أو سرعة ومودة ورسمية الكلام وفقاً للمعايير.الثقافية المناسبة، ومعرفة الوقت اللازم للصمت وكيفية الاستفادة منه أثناء المحادثات، وكذلك آداب التعامل مع الأدوار. علماً أن جميع ما سبق ينخرط ضمن مفهوم القواعد اللغوية للتواصل.
- السلوك غير اللفظي: هو القدرة على التعبير عن الذات.من خلال الوسائل غير اللفظية المناسبة ثقافياً (الإيماءات وتعبيرات الوجه)، وكذلك قراءة لغة جسد الآخرين.
- الأفعال الكلامية: معرفة التفاصيل الدقيقة الخاصة بالثقافة والتي تُستخدم للتعبير عن الإعتذار والامتنان والتحذير والرفض.
كيفية تشكّل الذكاء الثقافي
وفقاً لرؤية “أنغ”، بأن الاختلاط الثّقافي سوف يؤدي تلقائياً إلى تبلور الذّكاء الثّقافي هو مفهوم شائع وخاطئ. على سبيل المثال، غالباً ما يأخذ أرباب العمل في.الاعتبار تاريخ سفر موظفيهم عند تقييم المرشحين المحتملين للمهام على الصعيد العالمي.
تشير الأبحاث التجريبية إلى أن الموضوع أعقد من ذلك:
أولاً، وكما تشير آنغ، يتفاعل الناس مع الثقافات المحلية بدرجات متفاوتة. كما أن القلق وعدم اليقين المرافقان للتجارب عبر الثقافات، تدفعان.البعض في كثير من الأحيان إلى البقاء بالقرب من نطاق.الراحة الخاصة بهم، لكن حتى في غربتهم عن الوطن، قد يعني هذا التمسك.بأنواع مألوفة من الأشخاص والأطعمة والمواقف، بدلاً من الجرأة وخوض تفاعل أعمق مع الثقافة الجديدة.
الذكاء الثقافي Cultural Intelligence المكونات كيفية تشكل التدريب عليه الأهمية
ثانياً، هناك العديد من الوسطاء المشاركين في ترجمة التواصل بحد ذاته إلى الذّكاء الثقافي. وفقاً لنظرية التعلم التجريبي، فإن اكتساب الخبرة من الثقافات.المختلفة ليست سوى الخطوة الأولى من عملية التعلم المكونة من أربع خطوات ضرورية لتطوير الذّكاء الثقافي. تتضمن الخطوات الثلاث الأخرى: التفكير النقدي في التجارب،.وتحويل الملاحظات الأولية إلى “نظريات أكثر عمومية لتوجيه السلوك المستقبلي”، واختبار السلوكيات الجديدة لتقييم فعاليتها.
التدريب على الذكاء الثقافي
ابتكر الباحثون أنشطة مختلفة لتدريب المكونات الأربعة للذكاء الثّقافي. على سبيل المثال، من أجل تدريب الذّكاء الثقافي ما وراء المعرفي، تستخدم “آنغ” وزملاؤها اختبارات الحكم الظرفية بين الثقافات (SJTs). وتشبه الفرضية التي تتبناها هذه التدريبات نظرية تمارين العقل،.وملخصها أنه بعد مشاهدة مقاطع فيديو قصيرة تُظهِر حالات مختلفة لثقافات متعددة، يُطرح على المشاركين أسئلة لتقييم نظرتهم.عن عقول الشخصيات، مثل سؤال: “ما الذي تفكر وتشعر به الشخصيات في المقطع؟ وما هي نواياهم؟”. توصلت “أنغ” إلى أن الأفراد الذين لا يستطيعون “تشخيص” المواقف.عبر الثقافات بدقة، يميلون إلى تبني آراء مركزية عرقية صارمة تمنعهم من رؤية الأشياء من وجهات نظر أخرى.
أهمية الذكاء الثقافي
بالنسبة لأولئك الذين يعيشون ويعملون في سياقات متعددة الثّقافات،.فإن للذكاء الثقافي فوائد واضحة، بما في ذلك التكيُّف بين الثّقافات، وكفاءة التفاوض بين الثّقافات والقيادة عموماً،.وعلى اعتبار أن القدرة على حل المشكلات هي جوهر الذّكاء البشري، فعندئذٍ كما هو الحال مع الأنواع.الأخرى من الذّكاء، يمكن أن يساعدنا الذّكاء الثّقافيّ في إيجاد الحلول بطرق غير متوقعة.
في هذا الصدد، يقدم ديفيد ليفرمور (David Livermore) الخبير الرائد في الذكاء الثقافي، ثلاثة احتمالات:
1- الذكاء الثقافي، محفز للابتكار
العلاقة بين التنوع والابتكار ليست واضحة وبسيطة كما يُفترض عادةً. في الواقع، تُظهر الأبحاث أنه عندما يتعلق الأمر بالأفكار المبتكرة، غالباً ما تتفوق فرق العمل المتماثلة على الفرق المتنوعة. وفقاً ل “ليفرمور”، يعود ذلك إلى أنه من الأسهل العمل مع الأشخاص الذين يفكرون ويتواصلون مثلنا.
الذّكاء الثّقافي هو الحافز الذي يسهل الابتكار على أساس الثروة من وجهات النظر التي تعززها الفرق المتنوعة. ويسميه “ليفرمور” على أنه عامل مضاعف إذ يقول: “عندما يقترن التنوع مع الذّكاء الثّقافي، فإنه يؤدي بالفعل إلى الابتكار. في الواقع، تنتج الفرق المتنوعة التي تتمتع بدرجة عالية من الذّكاء الثقافي أفكاراً إبداعية أكثر بثلاث مرات من الفرق المتماثلة”.
2- الذكاء الثقافي، لغة مشتركة لمعالجة قضايا التنوع
من خلال العمل مع المنظمات العالمية، لاحظ ليفرمور أنه في.كثير من الأحيان، تتلقى الشركات الأمريكية ملاحظات من مكاتبها الدولية حول أن مبادرات التنوع.والشمول الخاصة بها تتمحور حول الولايات المتحدة جداً (على سبيل المثال، التركز على قضايا العرق).
وفقاً لليفرمور، فإن الذّكاء القافيّ “يتجاوز مجرد الوعي بالاختلافات من أجل تنمية المهارات اللازمة للتعامل مع التنوع”. وبالتالي، يسمح الذّكاء الثقافي للشركات بإيجاد “نهج مشترك.مع السماح لكل منطقة بمعالجة جوانب محددة من التمييز والتحيز في كل المناطف المعنية منها”.
3- يمثل الذكاء الثقافي الجسر الواصل بين الاختلافات مع القاصي والداني
لا تقتصر فوائد الذّكاء الثّقافي على أولئك الذين تتجاوز حياتهم الحدود الثقافية. كما يشير ليفرمور إلى أن “الكفاءات التي تبن الذّكاء الثقافي مناسبة بشكل مثالي.لمساعدتنا في التغلب على الاستقطاب [أي خلاف وتعارض الآراء] الذي.قد يحصل مع الأفراد من نفس بيئتنا، لامتلاكهم وجهات نظر مختلفة تماماً عنا”.
وفقاً ل “ليفرمور”، يعلمنا الذّكاء الثّقافي كيفية تخفيف الإصرار من كوننا على حق،.وكيفية استخدام اختلافاتنا كقوة دافعة، قائلاً: “من خلال تعلم تطبيق نفس الفضول والتفاهم واليقظة.الذهنية مع أحد أفراد الأسرة أو الأصدقاء بمنظور مختلف عما نفعله عند التفاعل مع شخص من بقعة مختلفة العالم،.يمكننا بذلك إيجاد قواسم مشتركة واكتشاف حلول لبعض التحديات التي تواجهنا”.
الاستفادة من اختلافاتنا
بطريقة ما، يشير الذّكاء الثّقافيّ إلى إمكانية تجاوز خلافاتنا بمهارة أكبر. كما تلاحظ “آنغ”، في أي تفاعل يمكن النظر إلى اختلافاتنا على أنها سمات ذات نتائج مُثريّة أو تهديدية. على سبيل المثال، كلما زاد اختلاف الأشخاص زادت إمكانية تعلمهم من بعضهم.
إلى جانب توفير التنوع لفرص تبادل المعلومات، فإنه يحوّل تفاعلاتنا إلى ممارسات في التصنيف الاجتماعي. فنحن نهتم بالدلائل المتاحة، وتقييم مكانتنا في المساحة المشتركة الخاصة بنا.
“هل الموضوع هو أنت وأنا، أم نحن؟ هل أشعر بأنني أنتمي للمكان، أم أشعر أنني لست في المكان المناسب؟”.حسب قول “أنغ”، هذا ما يمثل نقطة الاصطدام بين الإدراك والهوية الاجتماعية، مما يجعل الاستفادة من اختلافاتنا أمراً معقداً للغاية. نصيحتها لتجاوز ذلك: خلالل تعاملك مع الآخرين، قبل الغوص في تبادل المعلومات،.في المقام الأول عليك خلق الإحساس بالأمان لكل منكما، والتواصل مع الإنسانية المشتركة التي تقبع بداخلك.وبداخل الشخص الآخر، فهي بمثابة تعليمات مفيدة للعلاقات الشخصية على اختلافها، سواءً مع شخص من نفس البيئة أو من خارجها.
اقرأ أكثر: الذكاء المرن والذكاء المتبلور، أوجه الشبه والاختلاف
اقرأ أكثـر: ألفريد بينيه واختبارات الذكاء
اقـرأ أكثر: نظرية الذكاء المتعدد، ما هي أنواع الذكاء التي حددها العالم هوارد غاردنر؟