تتضمن الرجولة السامة ضغوطاً ثقافية على الرجال للتصرف بطريقةٍ محددة، ومن المُحتَمل أن يؤثر هذا على جميع الأولاد والرجال بطريقةٍ ما.
تشير الرجولة السامة إلى ملاحظة أن فكرة بعض الناس عن “الرجولة” تؤدي لديمومة الهيمنة، ورهاب المثلية، والعدوانية. فإنّ فكرة “الرجال يحتاجون للتصرف بحزم وبشدة وتجنب إظهار جميع المشاعر” قد تضر بصحتهم العقلية. كما يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة على المجتمع، وهو ما أصبح معروفاً بإسم “الرجولة السامة”.
ماهي الرجولة السامة؟
إن الرجولة السامة لا تعني فقط التصرف كرجل، بل بدلاً من ذلك تنطوي على الضغط الشديد الذي قد يشعر به بعض الرجال للتصرف بطريقة قد تكون ضارة بالفعل.
هناك عدّة تعريفات لمصطلح “الرجولة السامة” والتي تظهر في الأبحاث وكذلك الثقافة الشعبية أيضاً.
وقد اتفق بعض الباحثين على أن الرجولة السامة لها ثلاثة مكونات أساسية:
الصلابة والصرامة
تعني أن الرجال يجب أن يكونوا أقوياء جسدياً، وقاسيين عاطفياً، وأن يكونوا عدوانيين من الناحية السلوكية.
مكافحة الأنثوية
وهذا يتضمن فكرة أن الرجال يجب أن يرفضوا أي شيء يعتبر أنثوياً، مثل التعبير عن المشاعر أو قبول المساعدة.
السلطة
وهذا يعني الافتراض بأن الرجال يجب أن يعملوا من أجل الحصول على السلطة والمكانة (الحالة الاجتماعية والمالية) حتى يتمكنوا من كسب احترام الآخرين.
الرجولة السامة تمجّد العادات غير الصحية
إن الرجولة السامة تمجّد العادات غير الصحية، فهي الفكرة بأن “الرعاية الذاتية هي للنساء فقط”.
وأن على الرجال معاملة أجسادهم كالآلات عن طريق التقليل من النوم وممارسة التمارين الرياضية، حتى وإن كانوا مُعرَّضين للإصابة ودفع أنفسهم إلى أقصى حدودهم الجسدية.
وبالإضافة إلى الضغط على أنفسهم جسدياً، فإن الرجولة السامة لا تشجع الرجال على زيارة الأطباء.
إذ وجدت دراسة أجرِيت في عام 2011، أنّ الرجال ذو المعتقدات الأقوى حول الرجولة كانوا بنصف نسبة الرجال الذين لديهم معتقدات أكثر اعتدالاً حول الرجولة بخصوص تلقي الرعاية الصحية الوقائية.
فعلى سبيل المثال، إن رؤية طبيب فيزيائي كزيارة سنوية تتعارض مع بعض معتقدات الرجال حول المتانة والقوة.
وبالإضافة إلى تجنب العلاج الوقائي، إن الرجولة السامة تشجع أيضاً على السلوكيات غير الصحية.
وجدت دراسة أخرى أجرِيت عام 2007، أنّه كلما زاد عدد الرجال الذين يمتثلون للمعايير الرجولية، زادت احتمالية مشاركتهم في سلوكيات محفوفة بالمخاطر. كالإفراط في شرب الخمر، وتعاطي التبغ (تدخين السجائر)، وتجنب تناول الخضار.
بالإضافة إلى ذلك، كانوا أكثر عرضَة للنظر إلى مثل هذه الخيارات المحفوفة بالمخاطر على أنها “أمرٌ طبيعي”.
الشعور بالعار من العناية بالصحة العقلية
إن الرجولة السامة تحول الرجال أيضاً دون الحصول على العناية بالصحة العقلية.
فقد يُنظَر إلى الاكتئاب والقلق وحالات تعاطي المخدرات ومشاكل الصحة العقلية على أنها ضعف.
وجدت دراسة أجرِيت عام 2015، أن الرجال الذين اقتنعوا بالمفاهيم التقليدية للذكورية اتخذوا موقف سلبي أكثر بشأن البحث عن خدمات الصحة العقلية مقارنةً بأولئك الذين لديهم مواقف أكثر مرونة من الناحية الجنسية.
وقد تؤكد الرجولة السامة أيضاً أنه من غير اللائق للرجال التحدث عن مشاعرهم. فيؤدي تجنب المحادثات حول المشاكل أو المشاعر إلى زيادة الشعور بالوحدة والعزلة.
هذا يزيد حقاً من الشعور بالوحدة، ويقلل أيضاً من رغبة الرجال بالتواصل والحصول على المساعدة عندما يواجهون مشكلة تتعلق بالصحة العقلية.
الأصل، العِرق، والجنسية
قد يلعب أصل الرجل وعِرقه دوراً في كيفية رؤيته للرجولة، وكذلك كيفية نظرة الآخرين له.
حيث وجدت دراسة أُجرِيت عام 2013 أنه من بين طلاب الجامعات البيض. ينظَر إلى الرجال الأمريكيين من الأصل الآسيوي على أنهم أقل رجولة من الرجال الأمريكيين البيض أو السود.
فالمتطلب الذكوري للبقاء منتمياً وليكون مقدِّماً جيداً يمكن أن يعطي حالة “متلازمة جون هنري” بين الرجال الأمريكيين من الأصل الأفريقي.
إن هذا المصطلح يستخدَم لوصف الرجال الذين يبذلون جهداً كبيراً للتعامل مع المشكلات، حيث يستمروا في ذلك بصدد مواجهة التوتر المزمن والتمييز.
وربطت دراسة أجرِيت عام 2016 حالة “متلازمة جون هنري” بزيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم والاكتئاب.
كما قد يتعرض الأولاد من جميع الأُصول والخلفيات العِرقية والذين لا يتصرفون “بالرجولة بدرجة كافية” للمضايقات في المدرسة.
أيضاً، وجد المسح الوطني للمناخ المدرسي لعام 2015 أن نسبة 85 بالمائة من طلاب فئة المثلية الجنسية (LGBTQ +). أفادوا بتعرضهم للتحرش اللفظي في المدرسة بسبب تعبيرهم الجنسي أو توجهاتهم الجنسية.
واشتكى الطلاب غير المطابقين لجنسهم بمعاملة أسوأ من الأطفال الذين يتوافقون مع المعايير الجنسية التقليدية. حيث تم تحديدهم أيضاً على أنهم من الفئة (LGBTQ+).
الرجولة السامة وسلوك المساعدة
إن الرجال الذين يعتبرون أنفسهم أكثر رجولة هم أقل عرضة للانخراط فيما يسميه الباحثون “السلوك المساعد”. وهذا يعني أنه من غير المحتمل أن يتدخلوا عندما يشهدوا تنمراً أو عندما يرون شخصاً يتعرض للاعتداء.
ووجدت دراسة أُجرِيت عام 2019 أن الرجولة السامة يمكن أن تمنع الرجال من مواساة الضحية أو طلب المساعدة أو الوقوف في وجه الجاني.
والرجال الذين أيدوا الاعتقاد بأن الرجال يجب أن يكونوا أقوياء وعدوانيين كانوا أكثر عرضة لإدراك العواقب الاجتماعية السلبية المرتبطة بالتدخل، كمتفرج يقوم بفعلٍ ما.
على سبيل المثال، في حالات الاعتداء الجنسي، كان الرجال الأكثر تميزاً بالسلوك الذكوري أقل عرضة للتدخل لوقف الاعتداء.
كما وجدت الدراسات أنه من الممكن أن يتدخل الرجال في أي صراع إذا اعتقدوا أن سمعتهم حول رجولتهم التقليدية قد تتعرض للخطر.
إرشادات جمعية علم النفس الأمريكية (APA)
على مر السنين، بدأت جمعية علم النفس الأمريكية (APA) في الاستنتاج أن الضغوط المجتمعية المفروضَة على الرجال يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة على الأفراد وكذلك المجتمع.
وأنشأ أعضاء APA إرشادات جديدة للممارسات النفسية التي تتعامل مع الأولاد والرجال للمساعدة في معالجة بعض المشاكل المرتبطة بالرجولة السامة. وبالاعتماد على أكثر من 40 عاماً من البحث، اقترحوا بأن الرجولة التقليدية ضارة نفسياً.
كما أفادوا أن التنشئة الاجتماعية للأولاد لقمع مشاعرهم تخلق ضرراً داخلياً وخارجياً.
وجدت الأبحاث أنه عندما تخلصوا من الصور النمطية والتوقعات الثقافية، لم تكن هناك اختلافات كثيرة في السلوكيات الأساسية بين الرجال والنساء.
فأظهرت دراسات اليوميات (الدراسات التي قام المشاركون فيها بتسجيل مذكرات عن أنشطتهم) أن الرجال يستمتعون برعاية الأطفال تماماً مثل النساء.
وإن الاختلافات في التعبيرات العاطفية بين الفتيان والفتيات صغيرة نسبياً، وليست دائماً بطريقة نمطية.
على سبيل المثال، وجدت دراسة أُجرِيت عام 2013 أن المراهقين في الواقع يظهرون مشاعر خارجية أقل مثل الغضب مقارنةً بالمراهقات.
إن إرشادات APA الجديدة قد وُضِعت لمساعدة علماء النفس في دعم الرجال في كسر قواعد الرجولة التي تُضِر أكثر مما تنفع.
الخلاصة
إن كنت تشعر أنك تعاني من الآثار السلبية للرجولة السامة، تواصل مع شخصٍ ما. يمكن أن يساعدك اختصاصي الصحة العقلية في التعرف على كيفية تأثيرها على حياتك، وعلى التحرر من الطباع غير الصحية التي قد تجعلك عالقاً.
كلما زاد عدد الأشخاص الذين اطلعوا عن الرجولة السامة، ازداد عدد الأشخاص الذين يحصلون على المساعدة من أجلها. بالتالي يزداد احتمال رؤيتنا للتغييرات على مستوى أكبر، مما يضع المجتمع ضغطاً أقل على الرجال لكي يتصرفوا بطريقة معينة.
اقرأ أيضاً: ما هو الشعور بالذنب؟ وكيف يمكننا التخلص منه بخطوات بسيطة؟
المصدر: Toxic Maculinity