ربما تبادر إلى مسمعك مصطلح ” النوع A ” أو سمعت أحداً يصف نفسه به. في الحقيقة، أصبح هذا المصطلح شائعاً بين العامة منذ أن بدأ الباحثون في دراسة الشخصية من النوع (A)، بداية مع أخصائيي أمراض القلب ماير فريدمان (Meyer Friedman) و راي روزنمان (Ray Rosenman) في الخمسينيات من القرن الماضي. سنتعرف في هذا المقال على أنواع الشخصية وسمات صاحب الشخصية من النوع (A) و(B) و(C) و(D).
يتصف صاحب الشخصية من النوع (A) بأنه موجه نحو الإنجاز، شديد التنافس، سريع الخطى ونافذ الصبر.
معظم الناس الآن على علم بأن خصائص الشخصية من النوع (A) لها علاقة بالمنافسة والهوس بالعمل، وأنها يمكن أن تزيد من مخاطر المشاكل الصحية. لكن، ليس مفهوماً دائماً ما هي بالضبط السمات التي تشكل سلوك النوع (A). أو كيف تؤثر هذه السمات بدقة على الصحة والرفاهية.
يمكن أن يكون فهم ما يعنيه امتلاك شخصية من النوع (A) أمراً متغيراً. وقد يساعد في إدارة التوتر والتعرف على الأشخاص الذين ربما يكونون من النوع (A) والتفاعل معهم.
الشخصيات من النوع (A) ، والنوع (B)، والنوع (D)
يمكن اعتبار سمات الشخصية من النوع (A)، بما في ذلك التنافس، الاستعجال والميل نحو إدمان العمل مفيدة للنجاح الوظيفي. في المقابل، يولي أصحاب الشخصية من النوع (B) تركيزاً واهتماماً أقل للمنافسة وأكبر للاستمتاع بوقتها أكثر.
لكن هذا لا يعني أن صاحب الشخصية من النوع (B) لا يملك هدفاً يصبو إليه أو لا يحب تحقيق أي شيء، بل قد يعمل بجد ويفخر بإنجازاته. لكن الفرق هو أن صاحب الشخصية من النوع (B) لا يشعر بالضغط أو التوتر حيال ما أنجزه إذا لم يحل بالمرتبة الأولى أو لم يحقق أكثر من غيره، وهو الأمر الذي يخلق توتراً كبيراً لشخصية النوع (A).
كما يميل ذو الشخصية من النوع (B) إلى أن يكون أكثر إبداعاً وأقل توتراً بطبيعته. والأمر الجيد هو أنه يمكن تعلم بعض من نواحي الاسترخاء، هدوء البال والراحة هذه وتطويرها مع الوقت. ويختلفون عن أصحاب الشخصية من النوع (D).
أما بالنسبة للأشخاص ذوي الشخصية من النوع (D) فهم أكثر سلبية. إذ يضع الشخص ذو الشخصية من النوع (D) احتياجات الآخرين قبل احتياجاته ويقمع أي مشاعر سلبية.
يرمز الحرف (D) في هذا النوع من الشخصية إلى “البائس/distressed”. يتصف حامل هذه الشخصية بالعواطف السلبية مثل الهمّ، ومحاولة كبت هذه العواطف بينما يتجنب التفاعل الاجتماعي.
إن صاحب الشخصية من النوع (A) والشخصية من النوع (B) والشخصية من النوع (C) والشخصية من النوع (D) يكون عرضة لمواجهة تحديات فريدة تسبب له التوتر، ومن المحتمل أن يكون لها تأثير سلبي على الصحة.
لكن، بالتأكيد هناك طرق فعالة للتعامل مع سمات مثل السلبية، القلق المفرط وكبت المشاعر وتثبيطها.
سمات سلوك النوع (A)
يُستخدم مصطلح “النوع A” بشكل شائع، لكن الخصائص المحددة التي تشكل شخصية هذا النوع ليست معروفة تماماً على الدوام؛ حتى بين الخبراء.
بالنسبة للبعض، يرتبط هذا المصطلح بالأشخاص الفظّين وعديمي الصبر. بينما يربطه آخرون بمدمني العمل، ويرى العديد منهم أن التنافسية الشديدة هي السمة الرئيسية لهذا النوع.
فيما يلي الخصائص المميزة لنمط سلوك النوع (A)، وذلك وفقاً لما أظهرته الأبحاث.
العجلة وقلة الصبر: وهو ما يظهر على الأشخاص الذين يشعرون بالإحباط أثناء الانتظار في الطابور، يقاطعون الآخرين كثيراً، يمشون أو يتحدثون بوتيرة سريعة ويقلقون دائماً حيال الوقت ومتسع الوقت الإضافي الذي يملكونه.
العداء أو العدوان المطلق: قد يظهر ذلك على شكل نفاد صبر، وقاحة، انزعاج بسهولة من الأشياء الصغيرة أو “الانفجار غضباً في أي لحظة”.
التنافسية: يشعر الأشخاص ذوو سلوك النوع (A) بحاجة ملحة للفوز في كل شيء، ابتداءً من العمل وصولاً إلى العلاقات. حتى لو لم تكن الأنشطة التي يحاولون الفوز بها تنافسية بطبيعتها.
الاهتمام القوي بالإنجاز: يستمد الأشخاص من النوع (A) مشاعر جدارة الذات مما يحققونه.
الحاجة للهيمنة:يحاول العديد من النوع (A) إظهار الهيمنة في العمل والتفاعلات الشخصية، متجاهلين رغبات واحتياجات الآخرين لصالح رغباتهم الخاصة.
الخصائص البدنية: يمكن أن تؤدي سنوات من اتباع سلوك النوع (A) والتوتر الذي يخلقه إلى إحداث تغييرات في الخصائص الجسدية. بما في ذلك تشنج الوجه (زم الشفتين، إطباق الفكين، إلخ)، طقطقة اللسان أو صرير الأسنان، الهالات السوداء تحت العينين وتعرق الوجه (على الجبهة أو الشفة العليا).
كيف تؤثر المواقف على سلوكيات النوع (A)
في حين تعتبر العديد من سمات الشخصية فطرية، كالانبساط، إلا أن معظم الباحثين يرون أن خصائص الشخصية من النوع (A) هي رد فعل على العوامل البيئية وميل نحو سلوكيات معينة، كما أنها تتأثر بالمواقف، بما في ذلك الثقافة وهيكلية العمل.
على سبيل المثال، تضع العديد من الوظائف مطالب صعبة إلى حد ما وترهنها بأوقات محددة، وهذا ما يلزم العاملين بإنجاز الأمور بسرعة في العمل. وبالمثل، فإن بعض أماكن العمل تفرض عقوبات قاسية على الأخطاء، وبذلك تصبح كل من الكفاءة والإنجاز في غاية الأهمية. كما أن المهام الإضافية تخلق المزيد من الضغط، مما يجعل الناس أقل صبراً وأكثر توتراً وعرضة بشكل أكبر لاتباع سلوكيات النوع (A).
هل تشعر الشخصيات من النوع (A) بالقلق؟
بالطبع، حتى أن لديها مستويات قلق أعلى من أنواع الشخصيات الأخرى، خاصة في حالة الارتباك. كما أن العمل أو الوظيفة التي يشغلها حاملوها تعرضهم لمقدار أكبر من الضغط، وذلك لأنهم يحمّلون أنفسهم فوق طاقتها من أجل تحقيق أهداف معينة ضمن العمل. ومع ذلك، يظلون غير راضين تماماً عن النتائج.
يكون بعض الناس ميالين بشكل طبيعي إلى الحدة بشكل أكبر، ويُفاقم التوتر من البيئة حولهم هذا الميول، ويمكن تقليله عن طريق الجهد الواعي وتغيير نمط الحياة.
التحديات الصحية المحتملة لسلوك النوع (A)
هناك خصائص معينة مرتبطة بالشخصيات من النوع (A) لها تأثير على الصحة ونمط الحياة. تشمل التحديات التي يمكن لشخصيات النوع (A) مواجهتها ما يلي:
ارتفاع ضغط الدم (فرط التوتر الشرياني): على الرغم من أن العلاقة بين أنواع الشخصية وارتفاع ضغط الدم معقدة، فهناك بعض الارتباط بين فرط التوتر الشرياني وقابلية التأثر بالضغط التي يعاني منها الأشخاص من النوع (A).
أمراض القلب: تظهر بعض الأبحاث أن الخصائص المميزة لنمط سلوك النوع (A) (تحديداً الغضب والعداء) قد تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب التاجية. لكن، لم تنجح التحليلات الحديثة في تأكيد ذلك.
ضغوط العمل: يعمل الأشخاص من النوع (A) غالباً في وظائف مرهقة ومتطلبة (وفي بعض الأحيان الوظائف نفسها هي من تخلق سلوك النوع A)، مما قد يؤدي إلى مشاكل صحية مرتبطة بالتوتر.
العزلة الاجتماعية: قد ينفر من يعاني من سلوك النوع (A) من الآخرين، أو يقضي الكثير من الوقت في العمل ويولي تركيزاً قليلاً جداً للعلاقات، مما يعرضه لخطر العزلة الاجتماعية والضغط المتزايد الذي يرافقها.
مثال على الشخصية من النوع (A)
قد يكون ذو الشخصية من النوع (A) ناجحاً للغاية ويحقق الكثير في الحياة، ومنظماً وماهراً أيضاً في عمله وفي حياته الشخصية. لكن، بمجرد أن تصبح الأمور فوضوية، فإنه يتوتر بسهولة. يعطي هذا الشخص تحقيق الأهداف أولوية قصوى مفضلاً إياه على الرعاية الذاتية.
دحض أنواع الشخصية
تشير الأبحاث من جامعة تورنتو المنشورة في مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي Journal of Personality and Social Psychology إلى أن تصنيف شخصيات الناس إلى الأنواع (A) أو (B) أو (C) أو (D) يُعتبر ممارسة قديمة عفا عليها الزمن. إذ يقترحون أنه من المفيد أكثر النظر إلى الشخصيات كمجموعات من السمات التي يمتلكها الناس، بدلاً من اعتبارها “أنواعاً” منفصلة.
من المفيد أكثر اعتبار الشخصيات مكونة من خصائص متباينة، بدلاً من حشد الناس على أساس أنواع الشخصية. يساعد هذا في رسم صورة أكثر دقة لنقاط القوة والضعف في السمات المنفصلة، بدلاً من النظر إلى أي نوع شخصية على أنه “جيد” أو “سيء”.
على سبيل المثال، القول بأن الشخصيات من النوع (A) معرضة بشكل أكبر لمشاكل صحية ليس دقيقاً. بل الأدق هو أن سمات محددة مرتبطة بشخصيات من النوع (A)، مثل قلة الصبر، تؤدي إلى مستويات أعلى من التوتر، وبالتالي تعرض الشخص لخطر مشاكل صحية أكبر.
ولننظر إلى الجانب الجيد، فالشخصيات من النوع (A) تملك في المقابل الكثير من السمات التي تعزز الصحة الجيدة، مثل الاهتمام القوي بالإنجاز، والذي يمكن أن يؤدي إلى مستويات أعلى من النجاح والسعادة.
كيفية التأقلم مع خصائص النوع (A)
لا ضير في أن تتبع سلوك النوع (A)، في الواقع، هناك الكثير من الفوائد لامتلاك شخصية من هذا النوع. لكن، إذا وجدت أنك عرضة للإرهاق والإجهاد المفرط بسبب جوانب معينة من شخصيتك، ستساعدك النصائح التالية في اكتساب نهج جديد يخدم صحتك العامة بشكل أفضل.
غير حياتك المهنية
بدّل عوامل معينة في حياة العمل خاصتك لجعل ما تقوم به أقل إرهاقاً وتطلباً ومجزياً أكثر. على سبيل المثال، ابذل جهدك في الاستمتاع بقيمة عملك بدلاً من التركيز بشكل أساسي على النتائج.
إذا كانت وظيفتك مرهقة للحد الذي يجعلها تؤثر على صحتك، فتحدث إلى رئيسك في العمل حول ما يتوقعه منك للتأكد إذا كانت هناك إمكانية لتحقيقه بمستوى معقول من العمل.
غيّر أنماط التفكير
على الرغم من أن الأمر يتطلب ممارسة، فيمكنك تغيير نمط تفكيرك إلى نمط أكثر إيجابية. يساعدك هذا على زيادة ثقتك بنفسك وبمن حولك، حتى أنه قد يخفف من حدة سلوكيات النوع (A) وغيرها من أنواع الشخصية.
عندما تشعر أنك غير كفء نتيجة ارتكاب خطأ ما، حوّل تركيزك بشكل أكبر على ما تبلي به حسناً. وعندما تجد نفسك تتحدث بشكل سلبي مع ذاتك وتؤنّبها، ركز على التحدث إليها بالطريقة التي تخاطب بها صديقاً عزيزاً.
تظاهر بالأمر إلى أن تتمكن منه
في بعض الأحيان، يمكنك التظاهر بأنك تقوم بعادات جديدة. حتى إذا كنت لا تشعر دائماً بالهدوء والسكينة، إذا اتخذت قراراً واعياً لمحاولة التحكم بنفسك والتحلي بالصبر أكثر مع الناس، فمن المرجح أن يصبح هذا السلوك عادة لديك ويظهر بسهولة أكبر عليك.
هذا لا يعني أن تنفصل تماماً عن مشاعرك، أو تكبتها حتى تنفجر في النهاية. بل ركز على إجراء تغييرات في سلوكك جنباً إلى جنب مع الاستراتيجيات الموجهة نحو العاطفة، وعندها بإمكانك أن تحرز تقدماً فعلياً.
ابدأ بكتابة يومياتك
كتباتك ليوماتك له العديد من الفوائد المثبتة التي تقلل مستوى التوتر لديك وتحسن الصحة العامة. وقد تكون عادة جيدة أيضاً في تخفيف حدة سلوك النوع (A)، خاصةً إذا تم القيام بها بشكل صحيح.
من أجل استخدام دفتر يومياتك كأداة للتغيير على اختلاف أنواع الشخصية؛ اتبع ما يلي:
احتفظ بسجل لعدد المرات التي تفقد فيها أعصابك في اليوم الواحد، تعامل الناس بفظاظة، أو تشعر بالإرهاق بسبب الإحباط. أن تصبح أكثر وعياً بميولك وما يثير ردود الفعل لديك يمكن أن يكون خطوة قيمة في تغيير نمط سلوكك وتفكيرك.
اكتب عن مشاعرك: يساعدك هذا في معالجتها ويقلل من حدتها أيضاً، بحيث تكون أقل عرضة لاستنزافك.
دوّن الحلول الممكنة: يمكن أن يساعدك حل المشكلات على الورق (بدلاً من تخبطها في رأسك) على تقليل الشعور بالإرهاق منها. يمكنك أيضاً مراجعة دفتر يومياتك لتذكر الأفكار القديمة التي قد تساعد في حل المشكلات الجديدة.
واجه مخاوفك
قد يبدو هذا جنوناً نوعاً ما، لكن الطريقة الجيدة للتغلب على سلوكيات النوع (A) هي منح نفسك جرعة إضافية مما يسبب لك الإحباط لتثبت لنفسك أن الأمر ليس بالسوء الذي تتصوره.
على سبيل المثال، يوصي بعض المعالجين باختيار الطوابير الطويلة في متجر البقالة. فقط لتظهر لنفسك أنه يمكنك التغلب على الإحباط الناجم عن الانتظار. وحتى مجرد التفكير بالانتظار في طابور أطول سيساعدك على أن تكون أكثر صبراً.
اجعل من الأمر لعبة
عندما تشعر بالإحباط إذا كنت عالقاً في زحمة المرور، اجعل من الموضوع لعبة صغيرة وعدّ الأشخاص في الطابور مثلاً.
ويمكن فعل الشيء نفسه مع أي موقف مشابه بشكل عام. إذا أدركت مقدار الأشياء المحبطة التي يمكنك التعامل معها بشكل فكاهي، فسيروق لك التعامل مع تصرفات الآخرين الغريبة.
خذ نفساً عميقاً
في المرة القادمة التي تكون فيها على وشك الصراخ، خذ نفساً عميقاً، ثم اطرده خارجاً. يمكن لبعض الأنفاس العميقة والبطيئة أن تصنع المعجزات عندما تكون على وشك الانفجار، إذ تعتبر تمارين التنفس وسيلة رائعة لتخفيف التوتر ويمكنك استخدامها في أي مكان.
أَحبّ حيواناتك الأليفة
للحيوانات الأليفة العديد من الفوائد الصحية فيما يتعلق بالتعامل مع التوتر والإجهاد، وتساعد في زيادة الهدوء والراحة النفسية. فمثلاً خروجك بنزهة للمشي مع كلبك أمر مريح للغاية بل ويجعلك اجتماعياً كونك ستصادف العديد من الناس أثناء نزهتك، ويخرجك إلى الطبيعة (أو على الأقل خارج المكتب)، ويوفر أيضاً تمريناً بدنياً لك والذي يُعتبر مسكناً آخر للتوتر وهو المشي.
رعاية الحيوانات الأليفة والشعور بمدى حبها غير المشروط يقرّبك أكثر من جوانب إنسانيتك. حتى أن مشاهدة أسماك الزينة يمكن أن يكون لها تأثير ملموس على ضغط الدم.
اهتم بحديقتك
جميع ممارسات البستنة بما في ذلك التعرض لأشعة الشمس والاعتناء بحديقتك وتقوية اتصالك وعلاقتك بالطبيعة تمنحك راحة نفسية رائعة. يمكن لأداة تسكين التوتر هذه أن تقلل من الضغط الكلي وتعلمك أن تأخذ الأمور ببساطة أكثر قليلاً، مما يخفف من حدة سلوكيات النوع (A).
خلاصة
عندما تقرر تعديل بعض سمات النوع (A) لديك، تذكر أنه لا توجد أنواع شخصية جيدة أو سيئة. إذا كنت ترمي إلى تخفيف حدة بعض هذه السمات، فقد يعني ذلك تقليل التوتر والاستمتاع بحياتك أكثر. لا تقلق، لا يزال بإمكانك تحقيق أهدافك.
اقرأ أيضاً: الشخصية والطبع، المفاهيم والاختلافات بينهما
اقرأ أيضاً: عوامل الشخصية الـ 16 لكاتيل
اقرأ أيضاً: ما هو عدد سمات الشخصية الموجودة؟
المصدر: What It Means to Have Type A Personality Traits
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم