العقاقير المهلوسة أو المهلوسات (Psychedelics) هي فئة من الأدوية التي تسبب خوض الفرد لتجارب هلوسة تمتد فترتها لساعات في المرة الواحدة لتناول هذه العقاقير. يتطرق هذا المقال بمزيد من التفصيل إلى ماهية الأدويـة المهلوسـة، وسبب أخذ الناس لها، ولماذا تلازمها هذه السمعة السيئة وكيف بدأت وصمة العار حول العقاقير المهلوسة.
تاريخ استخدام العقاقير المهلوسة
غالباً ما ترتبط العقاقير المهلوسة بالثقافة المضادة خلال فترة السبعينيات، وبالعودة إلى تلك الأيام التي تناول فيها الفنانين والموسيقيين هذه الأدوية بغرض الإلهام الإبداعي.
في بداية تلك الفترة، تغلغل مخدر ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك (LSD) الثقافة الشعبية. عندها بدأ الفنانون والناشطون على حد سواء في استكشاف آثاره، وذلك كنتيجة لانعدام الثقة في المواد الطبية، وأيضاً بسبب المناقشات المتزايدة حول الصحة النفسية.
الدكتور رونالد لينغ (Ronald Laing) وهو طبيب نفسي تحيطه الكثير من الأسئلة والشكوك، ومعروف بانتقاده الشديد لقطاع الصحة النفسية. وهو من أوائل من اكتشفوا عقار LSD كعلاج للاضطراب ثنائي القطب وتعاطي المخدرات. وقد تشوهت سمعته إثر أبحاثه وانتقاداته للطب النفسي خلال السبعينيات والثمانينيات.
رغم التصور العام المعقد حول الدكتور لينغ، إلا أنه برز في المجلات السائدة، حتى أنه قدم الإرشاد لفريق الروك المسمى بيتلز، مع تمجيد العديد لآرائه حول الصحة النفسية وخيارات الأدوية البديلة.
انقسم الرأي العام حول موضوع استخدام العقاقير المهلوسة، لكن ظهور الدليل التشخيصي الإحصائي للاضطرابات العقلية بإصداره الثالث DSM-III في الثمانينيات حفز لظهور اهتمام متجدد بتشخيص الأمراض النفسية، وتقديم الحلول الدوائية التقليدية.
غذت الدعاية للحرب على المخدرات وصمة العار المحيطة بالعقاقير المهلوسة
تأثر الرأي العام المنقسم حول استخدام المهلوسات بفعل “الحرب على المخدرات”. وهي عبارة تشير إلى قوانين وإجراءات الرئيس نيكسون الصارمة لمعاقبة أولئك الذين باعوا واستعملوا المخدرات طوال فترة وجوده في منصب الرئاسة.
وقد تم ذلك من خلال تكتيكات مختلفة، بما في ذلك زيادة حجم وكالات مكافحة المخدرات الفيدرالية، وإصدار أحكام إلزامية. واعترف أحد مساعدي الرئيس نيكسون أن الحرب على المخدرات كانت محاولة من الحكومة لتفكيك سلطة مجتمعات ذوي البشرة السوداء وأولئك الذين عارضوا الحرب.
وقد حققت مساعيها من خلال ربط تعاطي المخدرات بكل من هذه المجتمعات كذريعة لمعاقبة ووقف تقدم هؤلاء الأفراد في نهاية المطاف.
تصاعدت هذه التكتيكات خلال الثمانينيات عندما تم انتخاب رونالد ريغان (Ronald Reagan) لمنصب الرئاسة. ونتيجةً لمخاوف أولياء الأمور حول تعاطي المراهقين للماريجوانا، أصدرت حكومة ريغان أحكام أكثر صرامة فيما يتعلق بجرائم المخدرات غير العنيفة.
إتُخذ أيضاً موقف عدم التسامح مطلقاً مع جميع جرائم المخدرات، وكثيراً ما صورتهم وسائل الإعلام الخاصة بالأقلية من ذوي البشرة السوداء على أنهم يتعاطون الكوكايين. حقبة الزمن هذه كانت مدمرة بما تحمله الكلمة من معنى، إذ أنها سببت تفكك الأسر والمجتمعات بسبب سياسات حفظ الأمان المفروضة.
وفيما يلي إحصائية بسيطة توضح مدى خطورة حركة “الحرب على المخدرات”: تم سجن 50.000 شخص بسبب جرائم المخدرات غير العنيفة. وبحلول عام 1997، سُجن أكثر من 400.000 شخص لنفس النوع من الجرائم.
العقاقير المهلـوسـة الأكثر شيوعاً
كما سبق وذكرنا، تسبب المهلوسات خوض الفرد لتجارب تقوده نحو الانفصال عن واقعه لدرجة ما.
تشمل العقاقير المهلوسة الشائعة ما يلي:
- الكيتامين.
- MDMA (إكستاسي).
- ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك LSD.
- آياهواسكا (Ayahuasca).
- السيلوسيبين (Psilocybin).
- ايبوجين (Ibogaine).
لهذه المواد تأثيرات شديدة يمكن أن تكون إيجابية أو محفزة، ولكنها تؤدي في بعض الأحيان إلى تجارب سلبية، غالباً ما يشار إليها باسم “رحلة سيئة”.
لماذا يتعاطى الناس المهلوسات؟
هناك العديد من الأسباب التي قد تدفع الشخص لتناولها.
- بغرض الترفيه
تركز اهتمامات البعض في استخدام العقاقير المهلوسة لأسباب ترفيهية، منها الانفصال عن الواقع أو تعزيز إبداعهم. لكن الرغبة في الانفصال عن الواقع ترتبط ارتباطاً مباشراً بمشكلات الصحة النفسية، فمن المألوف جداً أن يلجأ الأشخاص الذين يواجهون مشكلات عاطفية إلى العقاقير المهلوسة لتخفيف آلامهم.
- بغرض العلاج
أحد الأسباب الأخرى التي تثير اهتمام الشخص بالعقاقير المهلوسة هو العلاج النفسي بمساعدة هذه العقاقير. وهو شكل من أشكال العلاج النفسي الذي قد يقلل من أعراض اضطراب الوسواس القهري واضطراب ما بعد الصدمة واضطرابات تعاطي المخدرات. وحتى أنه يمكن أن يكون داعماً في تقليل أعراض الصحة النفسية السلبية لدى الأفراد المصابين بأمراض مميتة.
من الجدير بالذكر، أن تناولها في بيئة علاجية لا يشبه نهائياً تناولها بغرض الترفيه. فعند المشاركة في العلاج النفسي بمساعدة المواد المخدرة، تدار الأدوية في بيئة خاضعة للرقابة. هذا يعني أنه يتم إعطاء جرعة دقيقة جداً من المادة للمريض الموجود وضمن مكان هادئ ومريح.
يلازم المريض مختص صحة نفسية مدرب طوال مدة العلاج. وعندما تبدأ بوادر الراحة وآثار المواد بالظهور على المريض، يُطلب منه مشاركة أفكاره والتحدث بحرية في أي وقت مع المعالج، ثم يبدأ مرحلة العلاج بالكلام عندما يشعر بأنه مستعد لها.
لماذا ترتبط وصمة العار بالعقاقير المهلوسة؟
تُجرم هذه العقاقير حالياً من قبل حكومة الولايات المتحدة، كما تلتصق بها وصمة عار شديدة. ونتيجة لذلك، يخفي الكثيرون أمر استخدامهم لها لتجنب انتقادهم من قبل المجتمع المحيط.
حالياً يتم النظر في الفوائد العلاجية لهذه العقاقير، مع ذلك ما تزال المعلومات الخاطئة المتعلقة بها والوصمة حولها قائمة.
أحد أسباب ارتباط وصمة العار بالعقاقير المهلوسة هو المخاطر التي ينطوي عليها تناول هذه العقاقير. فحتى مع فوائدها العلاجية، يشعر بعض المتخصصين في الصحة النفسية بالقلق من آثارها المحتملة.
شعور الأفراد بالقلق إزاء مخاطرها المحتملة
وجدت دراسة أجريت عام 2021 حول المواقف والمعتقدات بشأن الاستخدام العلاجي للعقاقير المهلوسة بين علماء النفس، أنه رغم دعم علماء النفس عادةً لهذا العلاج، فإن القلق بشأن المخاطر المعرفية المحتملة ما يزال يراودهم.
ترتبط العديد من مخاطر تناول هذه الأدوية بالاستخدام الترفيهي لها. على سبيل المثال، عند استخدامها بانتظام لأغراض غير علاجية، يرتفع خطر الإصابة بالهلوسة المصحوبة باضطراب إدراكي مستمر (HPPD). وأولئك الذين يعانون من هذا الاضطراب يعانون بشكل أساسي من آثار المخدر على مدى فترة طويلة من الزمن، وقد تكون دائمة في بعض الأحيان.
في الواقع، يمكن أن تشير التصورات النمطية المتعلقة بمن يسيئون استخدام العقاقير المهلوسة في كثير من الأحيان إلى هذه الحالة.
يخاف الناس ما قد يحدث وهم تحت تأثير العقاقيـر المهلـوسة
إحدى المخاطر الأخرى هي التهديد بإلحاق الأذى بالنفس أو بالآخرين عندما يكون الشخص تحت تأثير هذه الأدوية.
لكن في حال كانت تؤخذ للأغراض العلاجية، فإنها أقل خطورة. وذلك لأن أخذها يتم في بيئة خاضعة للرقابة تحت إشراف دقيق، ما يضمن معالجة أي رد فعل سلبي فور ظهوره تحت رعاية مهنية.
لماذا تحيط بالعقاقير المهلوسة سمعة أسوأ من تلك الخاصة بالكحول؟
رغم الأدلة التي تشير إلى أن الأدوية المهلوسة لها خصائص علاجية، فإنها موصومة أكثر بكثير من تناول الكحول. ويبدو الأمر أكثر غرابة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن للعقاقير المهلوسة مخاطر منخفضة مقابل المجموعة الواسعة من المخاطر المرتبطة بإدمان الكحول. على سبيل المثال، هناك معدل أقل لاضطرابات الصحة النفسية والانتحار بين أولئك الذين استخدموا عقار LSD.
وفي عام 2019، يُعزى سبب 28% من إجمالي وفيات حوادث المرور في الولايات المتحدة إلى القيادة تحت تأثير الكحول. إضافةً إلى ذلك، تُعد الكحوليات السبب الثالث للوفاة الذي يمكن الوقاية منه في الولايات المتحدة.
الاستخدام القانوني للعقاقير المهلوسة
الظرف الوحيد الذي يكون تحته استخدام العقاقير المهلوسة قانونياً هو ضمن قيود التجربة السريرية. وأي استخدام ترفيهي لها يمكن أن يؤدي إلى عقوبة السجن.
يعد شرب الكحول نشاطاً ترفيهياً
في الوقت نفسه، يرتبط استخدام الكحول بالترفيه وحتى الاحتفال. ويعد تناولها قانونياً تماماً بعد سن 21، وهناك الكثير من الساحات العامة التي يتمحور النشاط الأساسي فيها حول تعاطي الكحول.
أما إذا كان على المرء أن يأخذ أياً من العقاقير المهلوسة خارج التجربة السريرية، فمن المحتمل أن يفعل ذلك في بيئة خاصة لتجنب الانتقاد والتداعيات القانونية، وهذا يعكس تماماً الاختلاف في الرأي العام تجاه هذه المواد.
الخلاصة
هناك العديد من الطرق للتعامل مع رحلة الشفاء، بما في ذلك استخدام العقاقير المهلوسة. ورغم التصور العام المنحرف لتأثيراتها، لكن هناك أدلة طبية متزايدة تؤكد أنه يمكن أن توفر هذه العقاقير أحياناً راحة نفسية هائلة عند استخدامها وفقاً لبروتوكول علاجي يتم التحكم فيه بعناية.
في حال كنت مهتماً باستكشاف كيف يمكن أن تساعدك الأدوية المهلوسة عند استخدامها في بيئة علاجية، فانظر إلى الجمعية متعددة التخصصات لدراسات العقاقير المهلوسة MAPS.
تقود هذه المنظمة أبحاث حول العلاج بمساعدة المهلوسات وترعى التجارب السريرية. وإذا كنت تشعر بالحماس تجاه الموضوع، فلديهم أيضاً موارد تتيح المشاركة للمساعدة في جعل العلاج بمساعدة المخدر متاحاً بسهولة أكبر للعامة.
اقـرأ أيضاً: المهلوسات، تاريخ استخدامها، أنواعها وآثارها
اقرأ أيضـاً: الأنواع المختلفة للهلوسة وطرق العلاج
اقـرأ أيضاً: 4 عقاقير غير مشروعة قد تكون أدوية
المصدر: psychedelics-and-stigma
تدقيق: لبنى حمزة
تحرير: جعفر ملحم