هل كنت تعطي الأولوية للآخرين على حساب نفسك دائماً؟ هل أنت مشغول جداً بالاعتناء بالآخرين ولا يوجد وقت أو طاقة للاعتناء بنفسك؟ حسناً، أنت لست وحدك! العناية الذاتية ليست أمراً اختيارياً.
ربما تغمرك السعادة عندما تتولى احتياجات الآخرين (أطفالك، زوجك / زوجتك، أصدقائك، والديك، حتى حيوانك الأليف.) أو تشعر بتزايد الإرهاق والإنهاك والاستياء لأن احتياجاتهم تستهلك الكثير من وقتك وطاقتك فلا يتبقى منها شيء للاهتمام بنفسك.
لدينا جميعاً احتياجات جسدية، عاطفية، روحية، علائقية، وما إلى ذلك. لذا، فإن إعطاء الأولوية باستمرار لاحتياجات الآخرين وإهمال احتياجاتك الخاصة أمرٌ لا يجب المداومة عليه.
أيُعد هذا نوعاً من الاعتماد المفرط؟
يعد الاعتناء بالآخرين على حساب الاعتناء بنفسك أحد أعراض الاعتماد المفرط. ومع ذلك، لا يعد ما يعطيه جميع مقدمي الرعاية شكلاً من الاعتمادية أو الاتكالية. وقد تساعدك قائمة الأسباب أدناه على تحديد ما إذا كان اعتناؤك بالآخرين نابعٌ من الاعتماد المفرط:
- علاقاتك غير متوازنة؛ تعطي لكن تنال القليل من الرعاية في المقابل.
- تعتقد أن احتياجاتك أقل أهمية من أي شخص آخر.
- تشعر بالمسؤولية عن سعادة ورفاه الآخرين.
- لديك معتقدات غير واقعية عن نفسك وتشعر بالذنب أو الأنانية عندما تولي الأولوية لنفسك.
- تستند قيمتك الذاتية إلى قدرتك على الاعتناء بالآخرين. إذ أن الاعتناء بالآخرين يجعلك تشعر بأنك مهمّ و ذو قيمة و محبوب.
- تشعر بالغضب أو الاستياء من الاعتناء بالآخرين لأن مساعدتك لا تحظى بالتقدير أو المعاملة بالمثل.
- تشعر بأنك مجبر على المساعدة والإصلاح والإنقاذ.
- غالباً ما تقدم النصائح في وقت غير مرغوب فيه أو عندما يصعب عليك الامتناع عن إخبار الآخرين بما يجب القيام به أو كيفية حل مشاكلهم.
- تشعر بعدم الأمان والخوف من الانتقاد، لذلك تفعل كل ما في وسعك لإرضاء الآخرين.
- كطفل، تعلمت أن حاجاتك ومشاعرك لا تهم.
- تعتقد أن عليك القيام بكل شيء لوحدك.
- لا تعتقد أنك تستحق الرعاية.
- لا تعلم كيف تعتني بنفسك فلم يقدم لك أحد الرعاية الذاتية ولم يعلمك عن أمور مثل المشاعر، والحدود، والعادات الصحية.
- لست متأكداً لماذا تحتاج، كيف تشعر، أو ماذا تحب أن تفعل.
قد يصبح الاعتماد تمكيناً سلبياً
من المهم التوقف هنا و التمييز بين الاعتماد والتمكين أو التشجيع السلبي. فالتمكين السلبي هو القيام بشيء يمكن للشخص الآخر القيام به لنفسه إلى حدّ معقول.
لذا، إيصال طفلك البالغ من العمر 10 سنوات إلى المدرسة بسيارتك لا يعني التمكين السلبي. وبالعكس فإن إيصال ابنك البالغ من العمر 20 عاماً إلى المدرسة أو العمل هو تمكين سلبي.
بوسع معظم الأبناء في سن العشرين أن يذهبوا بأنفسهم إلى العمل مستقلين سياراتهم، لذا يتعين علينا أن نستكشف الوضع أكثر كي نقرر ما إذا كان ذلك تشجيعاً سلبياً أم لا.
هل يعد إيصال ابنتك البالغة الى العمل إذا كانت تخشى القيادة وتعمل مع اختصاصي في المعالجة للتغلب على قلقها تعزيزاً للسلوك السلبي؟
في هذه الحالة، من المحتمل أن الأمر مفيدٌ لمساعدتها في التنقل على المدى القصير، ولكن في سيناريو آخر، ماذا لو كانت تشعر بقلق شديد حيال القيادة، لكنها ترفض فعل أي شيء لتتغلب عليه؟
في هذه الحالة، أن تقلّها بسيارتك إلى عملها ربما يكون تمكيناً سلبياً. أي تشجيعها نحو الاتكال على الغير و عدم معالجة قلقها.
وعلى الأرجح، فإن رعاية أبنائك الصغار أو والديك المسنين لا تعد تعزيزاً للسلوك السلبي لأن قدرتهم على الاعتناء بأنفسهم محدودة.
ومع ذلك من المفيد أن تسأل نفسك من حين لآخر: هل بإمكان أبنائي أو والديّ أن يفعلوا المزيد لأنفسهم؟ ينطبق هذا على الأطفال خاصة الذين يكتسبون المزيد من المهارات والكفاءة خلال مراحل نموهم بوجه عام.
يُعد التمكين أو التعزيز السلبي جزءاً من نمطٍ أكبر لفعل الأشياء للآخرين بدافع الذنب أو الالتزام أو الخوف. لا ضير في طهي العشاء لشريك حياتك (على الرغم من قدرته تماماً على القيام بذلك بنفسه) إذا كان هناك تبادل للأخذ والعطاء في العلاقة، لكن تحدث المشكلة إذا كنت تعطي و تعطي دون تلقي تقدير أو اعتناء بالمقابل.
العناية الذاتية ليست أمراً اختيارياً
لذلك، سواء كنت عالقاً في نمط الاعتماد المفرط في الرعاية أو ببساطة إن كنت تواجه الكثير من مسؤوليات الرعاية في مرحلة من حياتك، فإن إعطاء الأولوية للرعاية الذاتية سيساعدك على الاهتمام بالآخرين والبقاء سعيداً و بصحة جيدة.
تشبه الرعاية الذاتية الحساب المصرفي؛ إذا سحبت أكثر مما أودعت، ستتجاوز حسابك و سيفرض عليك البنك رسماً ضخماً، وينطبق الشيء نفسه على الأفراد؛ إذا كنت تستهلك وتستنزف وقتك وطاقتك باستمرار دون تجديدهما، سوف يؤدي هذا في نهاية المطاف إلى إجهادك وشعوركَ بالاستياء وسيكون هناك ثمن كبير لدفعه؛ إذ ربما تمرض، تتعب، تقل إنتاجيتك، ترهق، تستاء وغيرها الكثير.
إيلاء الأولوية للعناية الذاتية عند الانشغال بالاعتناء بالآخرين
أعط نفسك الإذن، يجب عليك البدء بإخبار نفسك أن القيام بأنشطة الرعاية الذاتية أمرٌ مهم. قد ترغب في كتابة بطاقة إذن حقيقية (كما كانت والدتك تفعل عندما كنت طفلاً وتضطر إلى التغيب عن المدرسة). وإليك مثالين على ذلك:
- يُسمح لـ شارونالذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية اليوم.
- يُؤذن لـ شارون البقاء في المكتب في وقت متأخر لأنها تحتاج إلى الاستحمام.
قد يبدو هذا مضحكاً، ولكن بالنسبة لبعض الناس فإن بطاقة الإذن (حتى تلك التي تكتبها بنفسك) تضفي الشرعية على الرعاية الذاتية.
جدوَلةُ العناية الذاتية، ينبغي وضع العناية الذاتية ضمن تقويمك، فإذا لم تخطط لها، فمن المحتمل ألا تقوم بها أبداً!
ضع حدوداً، يجب أن تحمي وقتك بوضع حدود إن كان جدول مهامك مزدحماً، ولا تقم بأي التزامات جديدة و عندما يُطلب منك المساعدة اكتب لنفسك تصريحاً بأن تقول لا.
تفويض المهام، بالإضافة الى عدم القيام بأي شيء جديد، قد يلزمك تفويض بعض مسؤولياتك الحالية أو طلب المساعدة حتى تخصص الوقت للعناية بنفسك، على سبيل المثال، قد تحتاج أن تطلب من أخيك أن يعتني بوالدكما لكي تذهب إلى طبيب الأسنان أو تطلب من شريكك طهي العشاء بضع ليال في الأسبوع كي تتمكن من الذهاب الى صالة الرياضة.
ـ إدراك بأنّك لا تستطيع مساعدة كلّ شخص: في بعض الأحيان قد تشعر بالإرهاق إزاء محاولتك لحل مشاكل الآخرين أو المساعدة في قضايا لا تعد من مسؤولياتك أو إصلاحها، عندما ترى شخصاً يكافح ويعاني، قد يكون دافعك الأول أن تسرع في إيجاد الحلول له، ومع ذلك، نحن بحاجة إلى التأكد من أن مساعدتنا مطلوبة ومفيدة حقاً (غير مُمكّنة سلبياً، أو لتهدئة قلقنا).
بعض الرعاية الذاتية أفضل من لا شيء
ليس من الضروري أن نمارس العناية الذاتية بشكل مثالي (ولهذا يُطلق عليها مسمى الممارسة). من السهل الوقوع في فخ نمط تفكير “كل شيء أو لا شيء” أي إذا لم تتمكن من القيام بكل شيء أو القيام به بشكل كامل، لماذا تتكبد العناء؟
ولكن من الناحية المنطقية، نعلم جميعاً أن خمس دقائق من التأمل أفضل من لا شيء. لذا، لا تسرع في تجاهل التأثيرات الإيجابية للتصرفات الصغيرة المتعلقة بالرعاية الذاتية (وجبة خفيفة صحية، أو جولة حول الحي، أو مكالمة سريعة مع أعز أصدقائك، وما إلى ذلك).
إيجاد التوازن الصحيح بين الرعاية الذاتية ورعاية الآخرين هي عملية مستمرة وغالباً ما تساعد على تذكر أن القليل من الرعاية الذاتية أفضل من لا شيء.
الاعتناء بالآخرين هو عمل مهم وذو معنى، ولا يعني الاهتمام بالذات التوقف عن الاهتمام بالآخرين، فقط التشجيع على إعطاء نفسك نفس الحب والرعاية التي تقدمها للآخرين؛ اجعل العناية بالنفس من أولوياتك لتعيش حياة مديدة وسعيدة وصحية.
اقرأ أيضاً: كيف تتشكل المواقف والآراء؟ وما هو دور العامل الوراثي فيها؟
المصدر: How to Take Care of Yourself When You Are Busy Taking Care of Everyone Else
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم