يحتوي اللاوعي على كل أنواع الأشياء والأمور المهمة التي تحتاج أن تبقى خارج الإدراك الواعي، لكن ما هو اللاوعي؟ وما الفرق لبين الللاوعي الفردي واللاوعي الجمعي؟ وماذا يعني العقل اللاواعي والجهاز النفسي؟
يتكون الجهاز النفسي من سلسلة من القوى التي لا نعرفها ولم يكتشفها العلم بعد. كما نعلم جيداً، فإن الدماغ هو أكثر عضو معقد في جسم الإنسان وبداخله يوجد العقل، المكان الذي يطور الفرد فيه ما هو أبعد من المشاعر كالقدرة على التفكير، المحاكمة المنطقية، الربط، ترتيب الأفكار والخواطر.
يشير مصطلح “الجهاز النفسي/psychic apparatus” والذي استخدمه فرويد إلى النفس التي طرحها هو كتعبير مجازي يدل على مقارنة العقل البشري بجهاز علمي. يُستخدم الجهاز النفسي هذا لاستكشاف كيف يربط الفرد العالم الداخلي مع العالم الخارجي.
لشرح وظيفة الجهاز النفسي، كان على فرويد (أب التحليل النفسي) التوفيق بين ثلاث مفاهيم عن العقل البشري موجودة في نظرياته. وهي الـ هو، الأنا والأنا العليا: النموذج الطبوغرافي، النموذج البنيوي والنموذج الاقتصادي.
ما هو العقل اللاواعي؟
اللاوعي (unconscious) هو المكان في الدماغ حيث يقبع مجمل المحتوى العقلي غير الموجود في الإدراك وحيث يجري معظم العمل الذي يقوم به العقل.
يعمل العقل اللاواعي كمخزن للرغبات البدائية (الأولية)، الاندفاعات والقدرات التلقائية مثل المشي والكلام. إنه أيضاً مصدر الحدس، الغريزة والأحلام وهو من يبدأ عملية معالجة المعلومات.
داخل اللاوعي، نحن جزء من التصورات العابرة التي تسجل معظم الوقت دون إدراك أو وعي لها.
وفقاً لـ فرويد (1915)، العقل اللاواعي هو المصدر الرئيسي للسلوك البشري. وقد شبه اللاوعي أيضاً بالجبل الجليدي، نظراً لكونه يُخفي معظم العقل والجزء الأهم منه؛ الذي لا يمكن رؤيته، تماماً مثل الجبل الجليدي.
بالنسبة لـ فرويد، 90% من العقل البشري لاواعي و10% واع.
اكتشف فرويد أن بعض الأحداث والأمنيات كانت مؤلمة جداً لمرضاه أحياناً لدرجة عدم القدرة على إدراكها أو الاعتراف بها. هذا ما مكّنه من الغوص عميقاً وتأكيد أن مثل هذه المعلومات كانت محبوسة في العقل اللاواعي من خلال آليات الدفاع؛ عملية الكبت في هذه الحالة.
في الحقيقة، هدف التحليل النفسي هو معرفة استخدام آليات الدفاع هذه. وبالتالي القيام بعمليات نفسية معينة مفهومة من اللاوعي وتستطيع الوصول إلى الوعي.
آليات دفاع اللاوعي
وفقاً لنظرية التحليل النفسي، آليات دفاع اللاوعي هي ما يلي.
الكبت (Repression)
آلية يقمع من خلالها الفرد العقل، الأفكار والمشاعر اللاوعية والتجارب المزعجة أو غير المناسبة أو يخفيها ضمن السياق الاجتماعي الذي يحيط بالفرد (مبدأ الواقع).
التراجع أو التدهور (Regression)
تسبب آلية الدفاع التي يستخدمها اللاوعي هذه تقهقر جوانب التطور النفسي للفرد، إذ يتخلى عن استراتيجيات التأقلم ويعود إلى أنماط السلوك المستخدمة سابقاً في التطور. يحدث ذلك عندما يتعرض الفرد للضغط نتيجة مواقف مجهدة.
الإسقاط (Projection)
تعمل آلية الدفاع (الإسقاط) هذه من خلال إسقاط جوانب من شخصية الفرد والتي لا تروق له على شخص آخر. تشير هذه الآلية إلى أن الفرد يأخذ مشاعره أو صفاته غير المقبولة وينسبها لأشخاص آخرين.
عادة، تبعث هذه الصفات أو الأفكار التي يسقطها الفرد على الغير نوعاً من الإزعاج اللاواعي، لذا يحاول أن يتخلص منها من خلال إعادة استنساخها في الآخرين.
العزل (Isolation)
تمنع آلية الدفاع هذه الأفكار أو المواقف المؤلمة من إلحاق الأذى بنفسية الفرد. لذلك، يعزل نفسه عن أي موقف يمكن أن يكون صادماً ويسبب له الألم أو عدم الراحة على الصعيد النفسي.
التسامي (Sublimation)
آلية الدفاع التي تسمح للفرد بتحويل الاندفاعات أو السلوكيات غير المقبولة إلى أشكال أكثر قبولاً بما يتوافق مع السياق الثقافي الذي ينتمي له.
بعبارة أخرى، يتم تحويل الاندفاعات أو الأفكار غير المقبولة اجتماعية في العقل اللاواعي إلى سلوكيات مقبولة ثقافياً. يمكن مقارنة هذه العملية بمبدأ اللذة ومبدأ الواقع.
الاستدماج (Introjection)
في آلية الدفاع هذه، يستجلب الفرد صفات وميزات شخص آخر ويعتبرها صفاته الخاصة. إذ يكتسب السلوكيات، المعتقدات، المشاعر والمواقف التي يحملها الأشخاص المهمون في حياته.
الإبطال (Annulment)
ينشأ الإبطال أو الإلغاء عندما يقول الفرد شيئاً وينكره مباشرة. لا يدرك هو نفسه هذه العملية، لكن في هذه اللحظة يتيح له العقل اللاواعي معرفة أن ما يدور في ذهنه أو تصرفه لم يكونا مناسبين.
الإنكار (Denial)
يخلق العقل اللاواعي آلية الدفاع هذه ليتهرب من الواقع، وتنطوي على حجب بعض الأحداث الخارجية التي لا يقدر الفرد على حلها أو التعامل معها من العقل الواعي.
التسويغ (Rationalization)
تنطوي هذه الآلية الدفاعية على شرح السلوك أو الشعور غير المقبول بطريقة منطقية وعقلانية مع تجنب الأسباب الحقيقية وراء السلوك المتبع.
الانقلاب على النفس أو التماهي مع المعتدي (Turning on himself or identifying the aggressor)
تحدث هذه الآلية عندما تكون هناك مواقف خطرة أو متطرفة وترتبط بدافع الموت. من خلالها، يتماهى الفرد، ضحية العنف، مع المعتدي ويتبنى سلوكياته، مقلّداً إياه بهدف التغلب على الخوف منه.
التدريب العكسي (Reactive Training)
تخلق هذه الآلية عند الفرد سلوكاً يناقض أفكاره. وعندما تسيطر على الفرد ويكون تحت تأثيرها، يميل إلى التصرف بطريقة تعاكس ما يفكر فيه أو يشعر به.
ملاحظة: لا تستخدم آليات الدفاع آنفة الذكر طواعية، فهي لا واعية وتعتمد على خصائص الشخصية بشكل حصري.
اللاوعي الفردي واللاوعي الجمعي
على عكس ما اعتقده فرويد بأن اللاوعي هو شيء فردي نظراً لأن كل شخص له تجاربه الخاصة. أكد كارل يونغ أن اللاوعي أكثر من مجرد كونه شيئاً شخصياً ويتعلق بكل فرد لوحده، لذلك، طرح نظريته في اللاوعي الجمعي.
بالنسبة لـ يونغ، هناك نماذج أصلية وراثية (hereditary archetypes)؛ أي تجارب من الأسلاف انتقلت عبر الأجيال وأخرى شائعة تختبرها البشرية جمعاء، وتخلق محتوى نفسياً مشتركاً داخل جميع الأفراد؛ هذا ما نعنيه عندما نتحدث عن اللاوعي الجمعي.
وفقاً لـ فرويد، ما هو مخبأ في العقل اللاواعي يمكن أن يتجلى من خلال الأحلام أو ما نطلق عليه عادة اسم” الفعل الفاشل/ failed act”.
يجب توضيح أن اللاوعي ليس فجوة مظلمة لاندفاعات غير مقبولة تتحيّن فرصة الخروج فجأة، بل ربما هو مصدر المعتقدات والمخاوف والمواقف الخفية التي تتداخل مع الحياة اليومية.
تهدف معظم أشكال التحليل النفسي إلى إدراك ووعي هذه العوائق المستترة والتي تشكل حواجز تعرقل حياة كل فرد؛ لهذا السبب يقرر المعالجون النفسيون فحصها واختيار الطريقة المناسبة للتعامل معها.
يحتوي اللاوعي على كل أنواع الأشياء والأمور المهمة التي تحتاج أن تبقى خارج الإدراك الواعي، نظراً لكونها شديدة التهديد أحياناً إذا ما تم إدراكها بشكل كامل والعيش معها.
لذا، من الأفضل في بعض الأحيان عدم الرجوع إلى الماضي والتنقيب في أحداثه والغوص فيها، فالسبب وراء وجود أشياء، أحداث، مواقف وغيرها في العقل اللاواعي هو وجوب بقائها هناك إلى حد ما.
اقرأ أيضاً: العملية الأولية في الشخصية، كيف تُستخدم وما علاقتها بإشباع الرغبات؟
المصدر: Unconscious: concept, defense mechanisms and collective unconscious
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم