المطاردة من وجهر نظر علم النفس والقانون، والطرق المتبعة لعلاج المطارِدين

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي

يختلف التعريف القانوني للمطاردة بين السلطات القضائية. إلا أنه ومن الناحية السلوكية، ينظر إليه عموماً على أنه يشمل أية مجموعة واسعة من الأفعال المتكررة التي إما تهدد الضحية، أو يقصد بها التسبب في الخوف الأذى، أو الضيق. أو تكون غير مرغوب فيها من قبل الضحية.

قبل حظره في القانون الجنائي، كانت حوادث المطاردة تُعالَج في بعض الأحيان بواسطة قوانين جنائية أخرى (مثل التهديدات) أو بواسطة نظام الصحة النفسية. أُجريَت معظم الأبحاث الأولية حولها مع مُطارِدين كانوا على اتصال بنظام الصحة النفسية.

ونظراً إلى تجريم المطاردة، توسع البحث ليشمل تجارب ومشاعر ضحايا المطاردة بالإضافة إلى فحص مجموعة أكبر من المُطارِدين.

وتضمنت الأبحاث الإضافية الطريقة التي ينظر بها المجتمع إلى سلوكيات المطاردة، والعوامل التي تؤثر على حدوثها وعنفها، والاستراتيجيات الفعالة لعلاج المُطارِدين.

يُعبّر عن المطاردة (stalking) باستخدام مصطلحات عدة مثل الملاحقة، التعقب والترصد. لذا سنستخدم في هذا المقال جميع هذه المصطلحات بالتناوب وتبعاً للسياق. 

المطاردة كفعل إجرامي

على الرغم من أن ظاهرة المطاردة قد تبدو جديدة، إلا أن سلوكياتها كانت موجودة بشكل ما لمئات السنين. وقد تم الاعتراف بسلوكيات المطاردة على أنها إجرامية في السنوات الـ 17 الماضية فقط.

قبل تجريمها، كان المتخصصون في الصحة النفسية هم من يتعاملون مع حالات التعقّب وخاصة تلك التي لفتت الانتباه الرسمي إليها.

تم تشريع أول قانون للتعقّب في ولاية كاليفورنيا عام 1990 .إذ اعتُقدَ أن ما دفع إلى ذلك هو عدد من الحالات التي تَعرَّض فيها المشاهير للتعقّب والمطاردة، وفي بعض الحالات للقتل من قِبَل المعجبين المهووسين. ومع ذلك، تم الاعتراف بالمطاردة على أنها تحدث ضمن مجموعة من الظروف، بما في ذلك العلاقات الحميمة.

 بعد ذلك، سَنّت جميع الولايات الأمريكية الأخرى قوانين من أجل المطاردة (أو قوانين تحظر التحرش أو المضايقة). كما تبعتها دول أخرى مثل انجلترا وأستراليا وكذلك في العديد من دول أوروبا الغربية. ومع ذلك، يتم التعامل مع بعض المتعقّبين من قِبَل نظام الصحة النفسية في نهاية المطاف.

نظام الصحة النفسية والمطاردة

كان الرد الرسمي على أولئك الذين مارسوا المطاردة هو معالجة سلوكهم داخل نظام الصحة النفسية، وذلك قبل الاعتراف بالمطاردة على أنها جريمة. إذ قامت بعض دراسات المطاردة الأولى باختبار المُطاردين الذين كانوا على اتصال بهذا النظام. فأنتجت مثل هذه الأبحاث عدداً من التصنيفات أو الأنماط المختلفة للمُطارِدين والتي هدفت إلى توجيه الأساليب لعلاج المطارِد. 

وكان أحد تلك الأمثلة على نظام التصنيف المستخدم لتصنيف المتعقّبين وسلوكياتهم هو ذلك الذي ابتكره بول مولن (Paul Mullen) وزملاؤه. إذ يُصنفون على أنهم: 

  • مرفوضون ( الذين تورطوا بأفعال ضد الضحية في نهاية علاقة)
  • الساعيون وراء الحميمية (يحاولون  إقامة علاقة رومانسية مع الضحية)
  • المتقدمون للخطبة و غير أكفاء اجتماعياً (يحاولون إقامة علاقة مع  الضحية ولكن افتقارهم إلى المهارات الاجتماعية يؤدي في النهاية إلى رفضهم) 
  • المستاؤون (يشعرون أن الضحية قد ظلمتهم ويريدون أن يُشعروها بالخوف)
  • المفترسون (يستمتعون بالسلطة التي يحصلون عليها على الشخص الآخر وقد يلجؤون إلى الاعتداء الجنسي على الضحية).

قد يتيح استخدام هذا النظام الفرصة أمام التنبؤات المتعلقة بالمسار المحتمل للمطاردة وإلى اقتراحات للعلاج. ومع ذلك، فإن معظم التصنيفات لم يتم دعمها تجريبياً إلى الآن بعدد كافٍ من الدراسات. لذلك، هناك حاجة إلى البحث المستمر في هذا المجال. 

تعاريف المطاردة

عندما تم تجريم المطاردة، كان لابد من صياغة تعريفات قانونية للسلوكيات التي تشكلها. سابقاً، كان من الممكن استخدام سبل الإصلاح القانونية فقط عندما يعمد المُلاحِق إلى العنف ضد الضحي. هذا الأمر كان يترك العديد من الضحايا المُلاحَقين دون اللجوء إلى القانون.

وتختلف السلوكيات والمتطلبات المشمولة في التعريفات القانونية للمطاردة والتعقب تبعاً للسلطات القضائية. وتُعتبر ممارسات سلوكيات المطاردة، و التهديد الذي تواجهه الضحية ونية المُطارِد في تعقب الضحية من أهم  المبادئ الرئيسية التي يغطيها قانون المطاردة في كاليفورنيا .

بينما تتضمن قوانين المطاردة الأخرى واحداً أو بعضاً من هذه العناصر، فإن أحد المكونات الأساسية الشائعة للمطاردة هو أنها مسارٌ سلوكي يتم الالتزام به على مدى فترة من الزمن. وهذا السلوك غير مرغوب فيه من قبل الضحية.

تختلف التعريفات تبعاً إلى عدد المرات التي يجب أن تُمارَس فيها سلوكيات المطاردة وأي سلوكيات يجب إظهارها.  وهناك فروق أيضاً فيما إذا كان المطارِد بحاجة إلى التسبب للضحية بنوع من الأذى عمداً وما إذا كان الشخص العاقل سيشعر بالخوف أو بنوع آخر من الأذى كنتيجة للمطاردة.

تميل التعريفات السريرية للمطاردة (أو المضايقة الوسواسية، كما هو معروف أيضاً في هذا المجال.) إلى التركيز على طبيعة سلوك المطاردة المتكرر وحقيقة أنه غير مرغوب فيه ويضايق الضحية. كما أن عنصر النية للتسبب في الخوف أو الأذى غائب بشكل عام في مثل هذه التعريفات. لذلك، يوجد اختلاف بين بعض التعريفات القانونية والسريرية للمطاردة. 

وقد أدى ذلك إلى تطوير نهج مختلفة للحد من السلوكيات الإشكالية التي يبديها المُطارِدون. وقد قاد هذا التباين أيضاً إلى الاهتمام بالبحث في مجالات مثل سجلات المُلاحِقين والضحايا، تصورات المجتمع، عوامل الخطر، وفعالية أساليب العلاج.

المُطارِدون (Stalkers)

يختلف توصيف المطارِد اختلافاً كبيراً عن توصيف المجرم النموذجي. إذ عادةً ما يكون المطاردون أكبر سناً من المجرمين العاديين ويحصلون على درجات أعلى منه في مقاييس الذكاء، ومعروفون للضحية.

وتكون نسبة كبيرة منهم شركاء حاليين أو سابقين لها على عكس التصور الشائع في كثير من الأحيان بأن ضحايا المـطاردة هم أكثر عرضة للملاحقة من قبل الغرباء.

بيّن استطلاع أجرته باتريشيا تجادن (Patricia Tjaden) وزملاؤها شمل 16000 مستجيب في الولايات المتحدة، أن الأكثرية الساحقة من المطاردين هم ذكور، إذ تعرض حوالي 5% من هؤلاء المستجيبين للمطاردة. وقد أفادوا أن ما يقارب الـ 90% من الضحايا في تلك العينة قد طاردهم ذكور.

ضحايا المطاردة

بما أن المطاردين أكثرهم من الذكور، فمن المرجح أن تكون النساء هنّ الضحايا. إذ وجدت باتريشيا تجادن وزملاؤها في الاستطلاع الذي أجروه، أن ما يقارب الـ 80% من الضحايا كانوا من الإناث. ولاحظ هذا الاستطلاع أيضاً أن ما يقارب الـ 8% من النساء تعرضن للمطاردة في مرحلة ما. بينما  تعرض 2% فقط من الرجال للمـطاردة خلال حياتهم. 

ونسبة كبيرة من ضحايا المـطاردة هم من البالغين والذين تقل أعمار غالبيتهم عن 30 عاماً.

وقد تحرت دراسات أخرى أُجريت مع الضحايا آثار المطاردة عليهم، وتضمنت هذه  التأثيرات أعراضاً نفسية، إذ عُرف أن الضحايا يصابون بعدد من الاضطرابات المختلفة، مثل الاكتئاب والقلق، بعد ملاحقتهم. قد يكون هناك أيضاً تأثير على الحياة الاجتماعية للضحايا، إذ يمكن أن  تقل عدد مرات مغادرتهم المنزل لأنهم يخافون على سلامتهم.

ويوجد تأثير آخر للمطاردة قد يكون اقتصادياً، إذ من الممكن أن تضطر الضحية إلى أخذ إجازة من العمل لحضور الخدمات الطبية أو النفسية أو لحضور جلسات المحكمة. وربما يتعطل أداؤها في العمل أيضاً بسبب الإصابات التي لحقت بها أثناء فترة المطاردة.

تصورات المجتمع عن المطاردة

إضافة إلى الأبحاث التي تناولت المطاردة، أُجريَت دراسات حول كيفية تصور المجتمع للمطاردة. فإذا رأى المجتمع المـطاردة بطريقة مختلفة عن المفهوم المتجسد في القانون. قد تتم إساءة استخدام موارد الشرطة في حوادث المـطاردة التي يتم الإبلاغ عنها ولا تتناسب مع إجراءات السلطة التشريعية.

و قد يؤدي هذا الفارق أيضاً إلى عدم لجوء الضحايا الحقيقيين إلى الإجراءات القانونية. لأنهم لا يتم اعتبارهم ضحايا ملاحقة وفقاً للقوانين.

وبالتالي، قد يكون البحث في تصورات المجتمع للمطاردة مفيداً لفحص الفعالية المحتملة لسنّ التشريعات واقتراح تغييرات على قوانين الملاحقة.

وجدت بعض الأبحاث المصغرة حول تصورات المجتمع أنه من المرجح أن يُنظر إلى الغرباء على أنهم متعقّبون ومترصّدون. في حين اكتشفت أبحاث أخرى أن الشركاء السابقين من المرجح أن يعتَبروا كذلك.

وأظهرت الأبحاث أن أفراد المجتمع يميلون أكثر إلى تصور الموقف على أنه مـطاردة عندما ينوي المطارِد إيذاء الضحية أو إثارة خوفها. ومن المرجح أن يُفسَّر الموقف على أنه مطاردة أيضاً عندما يمارس المطاردون بلا هوادة سلوكيات ضد ضحاياهم. 

ولا تُعتبر نية إيذاء الضحية مطلباً مهماً لتصنيف السلوكيات على أنها مطاردة ما لم  يُمارَس مستوى منخفض من السلوك المتكرر. وحددت بعض الأبحاث أيضاً أن النساء أكثر ميلاً إلى تصنيف سلوكيات معينة على أنها مـطاردة وأنهنّ أكثر خوفاً من الرجال الذين يحكمون على نفس السلوكيات. إذ يكشف البحث أن الرجال والنساء قد يطلبون المساعدة القانونية في ظل ظروف مختلفة.

عوامل الخطر للمطاردة

هناك مجال مهم آخر للبحث وهو فحص العوامل التي تزيد من احتمالية تورّط الشخص في المـطاردة. بالإضافة إلى التحري عن خصائص المطاردين وضحايا المطاردة. ويمكن أن تحدث المـطاردة إذا كانت هناك علاقة حميمة سابقة بين الضحية والمطارد.

كما يمكن لبعض السمات النفسية والاجتماعية للمطارِد أن تزيد من احتمالية المطاردة، مثل الإصابة باضطراب في الشخصية أو شحّ في التواصل الاجتماعي. إذ يمكن أن يؤثر هذا التواصل على الكفّ عن المطاردة لأن هذه الاتصالات الاجتماعية يمكن أن تنقل رفض تصرفات المطارِد إلى المطارَد ، ما قد يؤثر على قراراته المستقبلية بالمـطاردة.

و من المهم للباحثين أن يواصلوا التحري عن العوامل التي تؤثر على الملاحِقين للاستمرار في ملاحقة ضحاياهم، نظراً لأنه يمكن تغيير هذه العوامل المؤثرة للحد من انتشار الملاحقة.

العنف نتيجة المـطاردة

قد يتمادى الملاحِقون إلى درجة العنف ضد ضحاياهم في بعض الحالات. و يمكن أن يكون لهذا العنف تأثير كبير على الضحية وربما يؤدي إلى ضرر دائم أو حتى إلى الموت.

إذ تشير بعض الأبحاث إلى أن الملاحِقين الذين يصعّدون الموقف إلى درجة أعمال عنف لديهم إدانات جنائية سابقة، في حين كشفت أبحاث أخرى أن وجود تاريخ إجرامي سابق لا علاقة له بممارسة سلوكيات المـطاردة.  وتوجد مع ذلك بعض عوامل الخطورة التي تشير باستمرار إلى أن العنف قد يكون نتيجة محتملة لذلك.

و يبدو أن التهديدات هي مقدمة للعنف في بعض الحالات، وقد تدفع بعض الأمراض النفسية أيضاً الشخص إلى ممارسة سلوكيات المـطاردة العنيفة، على الرغم من أن المطارد المُضطرب نفسياً أقل عرضة للانخراط في العنف من المطارد السليم. و يمكن أن تؤثر العلاقة السابقة بين المطارد والضحية على درجة خطورة المـطاردة العنيفة.

ومن المرجح أن يؤدي وجود علاقة حميمة سابقة إلى ارتكاب عنف ضد الضحية بخلاف أن تكون الضحية غريبة عن المُطارِد. 

فإذا كان شريك الضحية قد انخرط في تعاطي المخدرات، فمن المحتمل أن يقود ذلك أيضاً إلى التصرف بعنف. لذا، يجب إجراء المزيد من الأبحاث في هذا المجال لتحديد عوامل الخطورة الأكثر تأثيراً على أن يصبح المُطارِد عنيفاً.

طرق علاج المطاردين

نحتاج أيضاً إلى مزيد من الأبحاث لتحديد فعالية النهج المختلفة لعلاج الصحة النفسية للمُطارِدين. ويجدر بنا الإشارة إلى أنه لا يوجد نظام علاجي للملاحقة والتعقب على وجه التحديد، إذ يمكن أن تكون المطاردة مرتبطة بعدد من الاضطرابات النفسية ولكنها ليست اضطراباً بحد ذاتها. 

علاوة على ذلك، لا ترتبط كل الملاحقات بمشاكل الصحة النفسية، وبالتالي، قد يكون من الصعب تحديد النوع الأكثر فعالية من العلاج أو السيطرة على المُلاحِقين.

وُجدت بعض أساليب العلاج الفعالة على الرغم من هذه المشاكل، مثل محاولة تدارك وتصحيح الاضطراب الكامن وراء سلوكيات المطاردة أو التركيز على السلوكيات نفسها. كما أنه من الممكن للضحية أيضاً اتخاذ الإجراءات، مثل التدابير القانونية، لمحاولة إلقاء القبض على سلوكيات المطارَدة.

اقرأ أيضاً: الاعترافات الكاذبة، لماذا يعترف الأبرياء بجريمة لم يرتكِبوها؟

المصدر: Stalking

تدقيق: هبة مسعود

تحرير: جعفر ملحم

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي
Related Posts

مقالات ذات صلة

error: