النظرية الاجتماعية الثقافية (Sociocultural theory) هي مجال حديث في علم النفس يتناول مساهمات المجتمع في تطور الفرد. ازدادت أهمية هذه النظرية بشكل كبير منذ التسعينيات ويمكن تطبيقها على الأوساط التعليمية، عملية التنشئة الاجتماعية واللعب. تُعرف هذه النظرية أيضاً بنظرية فيجوتسكي، وتُعتبر منطقة التطور القريب من أهم مفاهيمها. إذاً كيف يمكن تطبيق نظرية فيجوتسكي وما أهميتها في تطور الفرد؟

اعتقد العالم النفسي ليف فيجوتسكي (Lev Vygotsky) أن الأهل، مقدمي الرعاية، الأقران والثقافة مسؤولون إلى حد كبير عن تطوير وظائف الدماغ العليا. وفقاً له، يعتمد تطور البشر على التفاعل الاجتماعي وبالتالي يمكن أن يختلف باختلاف الثقافات.

تؤكد النظرية الاجتماعية الثقافية على الدور الذي يلعبه التفاعل الاجتماعي في التطور النفسي، إذ تقترح أن التعلم عند الإنسان هو عملية اجتماعية في جزء كبير منه، وأن الوظائف المعرفية تتشكل استناداً إلى التفاعلات بين الفرد والمحيطين به ممن هم “أكثر مهارة”.

وفقاً لوجهة النظر الاجتماعية الثقافية، فإن النمو النفسي للفرد موجه في جزء منه من خلال الأشخاص المحيطين به ذوي الدور الإرشادي، مثل المعلمين والأهل. في أحيان أخرى، يطور الفرد قيمه ومعتقداته من خلال تفاعلاته ضمن المجموعات الاجتماعية أو عبر المشاركة في الأحداث الثقافية.

تركز النظرية الاجتماعية الثقافية على كيفية تأثير المرشدين والموجهين والأقران على التعلم الفردي، وأيضاً مدى انعكاس المعتقدات والمواقف الثقافية على مجرى التعلم 

تاريخ النظرية الاجتماعية الثقافية

كانت النظرية الاجتماعية الثقافية وليدة أعمال العالم النفسي ليف فيجوتسكي الذي اعتقد أن الأهل، مقدمي الرعاية، الأقران والثقافة مسؤولون بشكل كبير عن تنمية وتطوير وظائف الدماغ العليا. وفقاً له، يستند جزء كبير من التعلم إلى التفاعل مع الآخرين، وبمجرد حدوث ذلك، تتكامل المعلومات على المستوى الفردي.

ولد فيجوتسكي عام 1896، وعاصر مفكرين عظماء آخرين أمثال فرويد، سكنر و بياجيه، إلا أن وفاته في عمر 37 عاماً ومحاربة أعماله في عهد ستالين أدت إلى عدم انتشارها بالشكل الكافي. لكن، عندما بدأت نظرياته تُعرف على نطاق أوسع، ازداد تأثير أفكاره على مجالات كثيرة بما فيها تطور الطفل، علم النفس المعرفي والتعليم.

زعم فيجوتسكي أن الأطفال يولدون مع قيود بيولوجية أساسية لعقولهم. لكن، تقدم كل ثقافة “أدوات تكيّف فكرية”. تتيح هذه الأدوات أمام الأطفال فرصة استخدام قدراتهم بطريقة متكيفة مع الثقافة التي يعيشون فيها.

على سبيل المثال، قد تؤكد إحدى الثقافات استراتيجيات للتذكر مثل تدوين الملاحظات، بينما قد تستخدم أخرى أدواة مثل التذكيرات أو الحفظ عن ظهر قلب (rote memorization). تؤثر هذه الفروق الدقيقة على كيفية تعلم الطفل، وتزوده بـ “أدوات” تناسب ثقافته.

منطقة التطور القريب (The Zone of Proximal Development)

منطقة التطور القريب هي إحدى المفاهيم المهمة في النظرية الاجتماعية الثقافية. حسب فيجوتسكي، هي “المسافة بين مستوى التطور الفعلي (للمتعلم) كما حددتها العملية العقلية لحل المشكلات المستقلة وبين التطور الممكن كما حددته تلك العملية وذلك تحت إشراف وتوجيه البالغين، أو بالتعاون مع المزيد من الأقران القادرين.”

تتضمن هذه المنطقة بشكل أساسي كل أوجه المعرفة والمهارات التي لم يفهمها أو يؤديها الفرد بعد بمفرده لكنه قادر على تعلمها بوجود من يوجهه. مع السماح للأطفال بتوسيع مهاراتهم ومعرفتهم، أحياناً من خلال ملاحظة شخص آخر متقدم قليلاً عنهم، يستطيعون توسيع نطاق هذه المنطقة.

دعمت عدة أبحاث صحة منطقة التطور القريبة. على سبيل المثال، أفادت إحدى الدراسات أن قلق الامتحان الذي يصيب التلميذ يتأثر، بشكل جزئي، باحتمال وجود شخص يساعده عند الحاجة. ربطت دراسة حالة عام 2013 هذه الفكرة مع مدى تطوير التلميذ لقدراته الكتابية.

نقاط الاختلاف الرئيسية بين بياجيه وفيجوتسكي

كان جان بياجيه عالماً نفسياً ومختصاً بعلم المعارف الوراثية واشتُهر بنظريته في التطور المعرفي التي حددت أربع مراحل يتعلم خلالها الطفل. نظراً لأن بياجيه وفيجوتسكي وضعا نظريات في التعلم، تتم المقارنة بينهما أحياناً.

نظرية فيجوتسكي:

1. تؤثر العوامل الاجتماعية على التطور.
2. يمكن أن يختلف التطور باختلاف الثقافة.

نظرية بياجيه:

1. تؤثر تفاعلات الطفل واستكشافاته على التطور لديه.
2. التطور ذو طابع عالمي إلى حد كبير (يتشابه عند الجميع).

تختلف نظرية فيجوتسكي الاجتماعية الثقافية عن نظرية بياجيه في التطور المعرفي بعدة نقاط:

أولاً، تؤكد نظرية بياجيه على أن تفاعلات الطفل واستكشافاته تؤثر على تطوره، بينما يؤكد فيجوتسكي على الدور الأساسي الذي يلعبه التفاعل الاجتماعي.

ثانياً، تشير نظرية بياجيه إلى أن التطور عالمي إلى حد كبير في حين أكد فيجوتسكي على اختلافه بين الثقافات. مثلاً، قد يختلف مسار التطور في الثقافة الأوروبية مقارنة بالثقافة الآسيوية.

نظراً لاحتمال تغير الثقافات بشكل هائل، تقترح نظرية فيجوتسكي الاجتماعية الثقافية أن مسار ومحتوى التطور الفكري ليسا عالميان كما اعتقد بياجيه.

أشار البعض إلى أن النظريتان واللتان تتناولان التطور والنمو البشري تختلفان بشكل كبير تبعاً لاختلاف تنشئة من طرح كلاً منهما، وأن فيجوتسكي كان يتمتع بروابط ثقافية قوية بينما عاش بياجيه طفولة وحيدة.

مجالات تطبيق النظرية الاجتماعية الثقافية (نظرية فيجوتسكي )

حظيت النظرية الاجتماعية الثقافية بشعبية كبيرة في أوساط معينة. فيما يلي آلية وضعها موضع التنفيذ في العالم الحقيقي.

تطبيق نظرية فيجوتسكي في البيئة الصفية

يمكن أن يساعد فهم منطقة التطور القريب المعلمين في المدرسة. ففي البيئة الصفية، يمكن أن يقيم المعلمون بداية الطلاب لتحديد مستوى مهاراتهم الحالي، ثم يزوّدونهم بالتعليمات والإرشادات التي توسع حدود قدرات كل طفل.

في البداية، قد يحتاج التلميذ المساعدة من شخص بالغ أو أحد الأقران ممن هم أكثر معرفة منه. في النهاية، يتسع مدى منطقة التطور القريب لديه. 

يمكن أن يتبع المعلمون لأجل ذلك ما يلي:

• تخطيط التعليمات والدروس الصفية وتنظيمها. على سبيل المثال، قد ينظم المعلم الصف على شكل مجموعات بحيث تضم كل مجموعة أطفالاً أقل مهارة مع تلاميذ يتمتعون بمستوى أعلى من المهارات.
• الاستعانة بالإشارات، النصائح، المحفزات والتعليمات المباشرة من أجل مساعدة الأطفال الصغار في تحسين مستويات مهاراتهم.
• العرض على مراحل (Scaffolding)، حيث يقدم المعلم محفزات معينة لمساعدة الطفل في الانتقال بشكل تدريجي نحو الهدف.

تطبيق نظرية فيجوتسكي في التنشئة الاجتماعية واللعب

أكدت نظرية فيجوتسكي أيضاً على أهمية اللعب في التعلم، إذ اعتقد أنه ومن خلال اللعب والتخيل، يتمكن الأطفال من توسيع قدراتهم ومعرفتهم النظرية عن العالم بشكل أكبر. 

يمكن أن يستخدم الأهل والمعلمون هذا المفهوم الذي طرحته النظرية من خلال تزويد الطفل بمجموعة من فرص تجارب اللعب. تتضمن أنواع اللعب التي يمكن أن تعزز التعلم اللعب التخيلي، لعب الأدوار وإعادة تمثيل الأحداث الحقيقية. تساعد مثل هذه النشاطات على تعزيز نمو التفكير المجرد.

خلاصة

مع أن نظرية فيجوتسكي قد اكتسبت مصداقيتها فقط بعد موته، إلا أن الأبحاث ساعدت في تأكيد أهمية دور الأشخاص المحيطين في تشكيل وقولبة التطور الفردي.

في حين لا يتفق الجميع على تفاصيل هذا التطور، كما هو محدد في نظريتي بياجيه وفيجوتسكي المختلفتان، فإن المنظور الاجتماعي الثقافي يساهم في هذا الفهم، كما أثر على النظريات الحديثة الأخرى للتطور والنمو البشري، مثل تلك التي تتعلق بالنمو المعرفي والتعليم.

اقرأ أيضاً: نظرية بياجيه للتطور المعرفي، مراحل النمو المعرفي الأربعة للطفل

اقرأ أيضاً: نظرية التطور الجنسي العاطفي وفقاً للتحليل النفسي ومراحلها الثلاث

اقرأ أيضاً: التطور الاجتماعي العاطفي عند الأطفال، ما هو وكيف يمكن تعزيزه؟

المصدر: ?What Is Sociocultural Theory

تدقيق: هبة مسعود

تحرير: جعفر ملحم