السؤال الكبير الذي يطرحه الأزواج عندما تبدأ علاقتهم هو ما إذا كانت ستستمر أم لا. في المراحل المبكرة لها، قد يتابعون بدقة وتمحيص كل تفاعل في محاولة معرفة قَدَر شراكتهم في المستقبل. ثم مع استمرار العلاقة، قد يستمرون في استخدام التفاعلات اليومية كدليل استشراف السنوات القادمة.
في علاقتك الخاصة، قد تتمنى العثور على أدلة موثوقة للمساعدة في معرفة إلى أين ستؤول الأمور. مثلاً، إذا لم تجرِ الأمور في نصابها الصحيح، قد تتمنى لو تتمكن من سلك مسار تصحيحي يدرأ ما قد يكون نهاية مؤلمة وصعبة؛ في حال أصبح ذلك الملاذ الوحيد لتحسين سعادتك الشخصية.
حاول الباحثون تحديد المتنبئات التي تصمد أمام الفحص العلمي الدقيق، وذلك من خلال دراسات متعددة حول استقرار العلاقة العاطفية. لكن، تقف حقيقة واضحة عائقاً في وجه هذه الدراسات ألا وهي استحالة دراسة علاقة لم تعد موجودة. أي يمكن فقط للأزواج ممن لا زالوا معاً أن يتحرى عنهم الباحثون الذين يحاولون فهم الديناميكيات المتغيرة بمرور الوقت.
المشكلة الثانية الواضحة خلال البحث في استقرار وتحسن العلاقة العاطفية هي أن العمر وطول العلاقة مرتبطان حتماً مع بعضهما البعض.
بينما يمكن للأشخاص في مرحلة البلوغ اللاحقة بدء علاقات جديدة وبالفعل يبدأون ذلك، فمن المرجح جداً أن أولئك الذين ظلوا مع شركائهم لمدة 30 أو 40 سنة هم في الأربعينيات من عمرهم وما بعد.
ما الذي يحدد العلاقة المستقرة؟
وفق التحليل التلوي الجديد الذي نشرته جامعة برن للباحثة جانينا بوهلر (Janina Bühler) وزملاؤها عام 2022. وجدوا أنه وعلى الرغم من فحص دراسات واسعة النطاق لمتوسط مستويات الرضا عن العلاقة العاطفية بمرور الوقت، فإنها ليست كافية للإجابة على سؤال ما الذي يشكل “الاستقرار”.
إذا كنت تفكر في رضا العلاقة العاطفية التي تعيشها، من المرجح أن تتفق على احتمالية ارتفاعه وانخفاضه على طول الفترة التي تقضيها مع شريك حياتك. لكن، ذلك ليس سوى نصف المعادلة.
وفقاً للمؤلفين الألمان، سؤال ما إذا كان رضاك عن العلاقة العاطفية قد ارتفع وانخفض بطريقة مشابهة لمن كانوا مع شركائهم لنفس الفترة الزمنية ليس أقل أهمية من السؤال الأول.
الاستقرار التفاضلي
يشير الاستقرار التفاضلي (Differential Stability) أو ما يعرف باسم استقرار تسلسل الرتب (rank-order stability.) إلى الدرجة التي يحافظ عندها الأفراد على الترتيب النسبي بوجود متغير ما على مدى الوقت. يمكن أن يجيب هذا النوع من الاستقرار على سؤال ما إذا كان الناس يحافظون على ثباتهم في بعد من أبعاد السمات مقارنة بالآخرين.
تحيط هذه السمة (استقرار تسلسل الرتب) بفكرة أن الناس يمكن أن يتغيروا بطرق مماثلة مع مرور الوقت. ما يعني أن رضا الجميع يرتفع وينخفض إلى نفس الدرجة خلال فترة العلاقة. تماماً مثل ارتفاع جميع السفن وهبوطها مع المد والجزر في المحيط.
هذا يعني أنه إذا ارتفع مستوى الرضا في العلاقة العاطفية، فقد يكون بسبب حدوث شيء ما حفز التغيير الإيجابي في علاقتك. أو ربما لأنه يعكس التطور الطبيعي لديناميكيات الأزواج وبالتالي تحسن العلاقة العاطفية. في المقابل، إذا تراجع الرضا؛ فبالمثل قد يكون بسبب الوقت وليس بسبب قوى محددة تؤدي إلى تآكل علاقتك الخاصة.
عندما تفكر في هذا الارتفاع والانخفاض في استقرار تسلسل الرتب، من المهم أن تتذكر مرة أخرى تلك الشروط المتعلقة بالبحث الذي تناول مدة العلاقة. مع ذلك، أدرك مؤلفو البحث المذكور آنفاً أنه يجب عليهم أخذ طول العلاقة بالاعتبار بشكل منفصل عن عمر الشركاء قبل المتابعة.
لذلك طرحوا في بداية دراستهم السؤال التالي: “هل يختلف استقرار تسلسل الرتب للعلاقة خلال مرحلة البلوغ، بالنظر إلى العمر ومدة العلاقة؟”. كما سعوا لاستنباط تأثير الأحداث الخارجية المختلفة بما في ذلك “العوامل العشوائية المتعلقة بالسياق”.
تأثير الاختلافات الفردية على تحسن واستقرار العلاقة العاطفية
يمكن أن تلعب الاختلافات الفردية أيضاً دوراً في التأثير على استقرار تسلسل الرتب. مثلاً، بعض الناس أكثر تفاؤلاً، أفضل تأقلماً، أشد سعادة وأعلى استعداداً للاهتمام بجودة علاقتهم. أيضاً، يمكن أن يكون نمط تعلقهم أكثر أماناً ما يعني أنهم نشأوا مبكراً في بيئة عززت سلوكيات واتجاهات العلاقة الصحية.
تتغذى العلاقة المستقرة على نفسها أيضاً بمرور الوقت، أي يساعد التفاعل بين الشركاء على قولبة مشاعر الرضا الفردية الخاصة بهم. نظراً لأن كل شريك يعزز (أو يقلل من) رفاهية الآخر وسعادته.
لكن، مرة أخرى، ليس المعدل الوسطي فقط هو المهم بل استقرار تسلسل الرتب أيضاً. وهنا يتجلى سؤال: هل يجد معظم الأشخاص في العلاقات طرقاً لجعل الديناميكيات والتغيرات تعمل لصالحهم، أو هل ينجح البعض أكثر من غيرهم في التماشي مع التيار؟.
اختبار استقرار تسلسل الرتب
باستخدام طريقة التحليل التلوي التي يتم فيها دمج البيانات من مصادر متعددة (المنشورة وغير المنشورة) في نموذج إحصائي. طبقت بوهلر وزملاؤها عناصر تحكم صارمة للإجابة على أسئلتهم البحثية، إذ استبعدوا الدراسات التي لم تستوفي معايير الدقة العلمية (مثل كونها تجريبية وكمية.) ولم يتم إجراؤها على علاقات فعلية. والأهم من ذلك أنها لم تتابع سيرورة علاقة الأزواج مع مرور الوقت.
ضيقوا تحليلاتهم من مجموعة أولية مكونة من 1209 دراسة إلى 86 بحثاً على 148 عينة كبيرة مستقلة، بوجود عدد إجمالي من 153،396 مشارك تتراوح أعمارهم بين 19 و 71 عاماً.
تم توفير قاعدة البيانات بأكملها عبر Open Science Framework حيث يستطيع أي شخص الرجوع إليها وفحص النتائج التي توصلوا إليها والتحقق من صحتها. كان على الدراسات المشمولة في التحليل التلوي تقييم استقرار تسلسل الرتب خلال شهرين على الأقل ولكن استمرت لمدة تصل إلى 20 عام.
أخذت بوهلر مفهوماً من دراسات مماثلة تناولت الرضا عن الحياة ثم استكشفت فكرة أن استقرار تسلسل الرتب تعكس “نُظم مشابهة للسمة”، وهو شيء غير مفاجئ ربما. يستمر الأشخاص الأكثر سعادة بالشعور بالسعادة مع مرور الوقت بينما يظل التعساء على حالتهم تلك.
الأمر المثير للاهتمام بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بالأزواج هو أن الأمر يتطلب فردين للحفاظ على استقرار تسلسل الرتب. من المحتمل أن يظل هؤلاء الأشخاص سعداء في علاقتهم لأنهم جيدون جداً في حل الخلافات. علاوة على ذلك، ربما اختاروا شركاء يتمتعون بنقاط قوة شخصية مماثلة لهم.
ظهرت صفة مدهشة في البيانات عندما تحكم المؤلفون في طول الفترة الزمنية لدراسة معينة. كلما طال الفارق بين مراحل البيانات، كلما انخفض استقرار تسلسل الرتب، لكن ظل تقييم الاستقرار مرتفعاً نسبياً حتى في أطول العلاقات.
ماذا عن مشكلة طول العلاقة من حيث العمر؟
حاول المؤلفون حل هذا اللغز، لكن حتى حجم العينة الكبير الموجود بين أيديهم لا يسمح بذلك: “مقاييس الوقت… مرتبطة بطبيعتها سوية” لكن، يعطي مؤلفو الدراسة تحذيراً مفيداً للباحثين المستقبليين من خلال تحديد هذه المشكلة. لأنه “بخلاف ذلك، قد تُنسب العمليات التطورية في العلاقات الرومانسية بشكل خاطئ إلى أحد مقاييس الوقت”.
ما لم يستطع المؤلفون للأسف فعل أي شيء حياله هو المشكلة المتأصلة الأخرى في بحث مدة العلاقة. لا أحد يستطيع دراسة العلاقة بين الأشخاص الذين انتهت علاقتهم. كما لاحظ المؤلفون أنه “غالباً، يُظهر انفضاض العلاقات مستويات أعلى من التوتر والاختلاف” وبالتالي يمكن أن تتفكك بطرق غير متوقعة مع مرور الوقت.
هل يمكن كسر نمط استقرار تسلسل الرتب؟
قد لا تكون هذه النتائج مريحة جداً لك إذا كنت في وضع سيء مع شريكك. بإمكانك الأمل في أن الوقت قد يذلل الصعوبات التي تواجهكما. لكن توحي نتائج البحث السابق أن الجلوس والانتظار قد لا يكونان كافيين. ومع ذلك، إذا كنت ترغب في التغلب على تلك الاحتمالات الإحصائية المرهقة ربما، فقد يكون هناك جانب إيجابي في النتائج الألمانية.
تذكر هؤلاء الأزواج الذين أدت طبيعة شخصياتهم وتفاؤلهم المشرق إلى وضعهم في مسار إيجابي مع مرور الوقت. ليس ذلك وحسب، بل وجدوا أيضاً طرق حل النزاعات بشكل بنّاء. ربما وضعهم الوقت تحت الاختبار إلى حد ما وكذلك العوامل الخارجية التي أثرت على تكيفهم. لكن لا يزال بإمكانهم إيجاد طرق للتأقلم بوصفهم أفراد وأزواج.
قد ينطوي طريقك للتغلب على ما يبدو أنه حال أقل من المثالي في هرمية تسلسل الرتب التحدث إلى شريكك حول هذه النتائج. استخدم التوقعات المتعلقة بالوقت المضمَّنة في النتائج لمعرفة كيفية الارتفاع بضع درجات في مجال الرضا إلى ما بعد النقطة التي أنت عليها الآن.
خلاصة حول تحسن واستقرار العلاقة العاطفية
التغيير في مرحلة البلوغ، سواء كفرد أو زوجين، ليس مستحيلاً. لكن، تشير نتائج دراسة جامعة بيرن إلى أن محاولة تغيير مسار هذه المنحنيات تعني أنه لا يمكنك أن تأمل الأفضل فقط. لكن، بناءً على هذه النتائج فإن الرضا في الحياة هو عملية؛ إلا أنها عملية يمكنك تغييرها والتحكم فيها.
اقرأ أيضاً: مراحل العـلاقات العاطفـيـة ونصائح مهمة لنجاح العلاقة
اقرأ أيضاً: كيف أعود وشريكـي السابـق لعلاقتنا؟ وكيف نحافظ على نجاح العـلاقة؟
اقرأ أيضاً: العلاقة المفتوحة، المزايا والسلبيات ونصائح مهمة
المصدر: ?What Are the Odds That Your Relationship Will Improve
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم