للذاكرة قصيرة الأمد والذاكرة العاملة إمكانية محدودة. يرتبط ضعف الذاكرة بالعديد من المشكلات التي تؤثر على أداء مهام الفرد اليومية. مثل إجراء محادثة بسيطة، القيام بالتسوق، وقيادة السيارة. تشير دراسة جديدة إلى أن ممارسة جلسةٍ قصيرة من تمارين تأمل اليقظة الذهنية (أي التركيز الواعي على الإحساس بالجسم وطريقة التنفس) يمكن أن يساهم في تحسين الذاكرة قصيرة الأمد.
أشارت دراسة حديثة قام بها يونغز وزملاؤه في بريطانيا ونشرت في آب 2021 في ( تقارير نفسية / Psychological Reports) أن بإمكان جلسة قصيرة من تأمل اليقظة الذهنية تعزيز الذاكرة البصرية قصيرة الأمد.
تعرفة بكل من الذاكرة قصيرة الأمد، الذاكرة العاملة، والذاكرة طويلة الأمد
إن الذاكرة ظاهرة مُعقَّدة، ولها عدة أنواع، وهي:
- الذاكـرة السمعية (auditory memory)
- الذاكرة الحسية (tactile memory)
- الذاكـرة البصرية (visual memory)
- الذاكرة العرَضية (episodic memory)
- الـذاكرة الضمنية (implicit memory)
- الذاكرة الدلالية (semantic memory)
- ذاكرة السيرة الذاتية (autobiography memory) ، وغيرها من الأنواع.
لذا في هذا المقال، سوف نسلّط الضوء على البعض من أنواع الذاكرة البشرية بشكل أساسي.
الذاكرة طويلة الأمد، تشير إلى المخزون الهائل من المعلومات والذكريات القديمة في الدماغ، مثل ذكريات الطفولة.
الذاكرة قصيرة الأمد، تعبّر عن الإمكانيات العقلية في القدرة على حفظ وتذكّر كمية محدودة من المعلومات، بحيث يصبح من اليسير استرجاعها مؤقتاً. على سبيل المثال عندما نتذكر الجملة الأخيرة التي قرأناها للتوّ بسهولة.
تتداخل كلٌّ من الذاكرة العاملة والذاكرة قصيرة الأمد، أي بمعنى أكثر دقة، تشمل الذاكرة العاملة على الذاكرة قصيرة الأمد إضافة إلى تحليل العمليات العقلية. على سبيل المثال، القدرة على الانتباه المتواصل. وهي العمليات التي لها دورٌ في استرجاع المعلومات من الذاكرة قصيرة الأمد. فعلى سبيل المثال، قد تحتاج إلى استخدام الذاكرة العاملة لتلخيص ما كنت تقرؤه مؤخراً.
تتفاوت قدرة الذاكرة العاملة من شخص لآخر. بالمقابل، فإن القدرة المنخفضة للذاكرة لها علاقة بعدد من المشكلات المختلفة. مثل صعوبة التعلم، القراءة والاستيعاب، حل المشكلات وما إلى ذلك، لذا يُعد تعزيز الذاكرة أمراً ذا أهمية كبيرة.
تتضمن الاستراتيجيات الشائعة والممكنة لتحسين الذاكرة مجموعةً من الوسائل الجسدية لتعزيز الذاكرة. على سبيل المثال، ربط خيط على إصبع اليد للتذكير بشيء ما. بالإضافة إلى الاستذكار mnemonics، أي محفزات التذكّر، ومنها تقنيات الذاكرة التي تتضمن تحديد مواقع أشياء معينة لتذكرها، “الأدوية الذكية / منشطات الذهن”، بعض الأنظمة الغذائية الخاصة، بالإضافة للاشتراك ببرامج التدريب المعرفي عبر الإنترنت.
تحسين الذاكرة باستخدام تأمّل اليقظة الذهنية
يعد تأمل اليقظة الذهنية أحد الطرق الحديثة لتعزيز الذاكرة، وإذا أردنا تحديد ماهية تأمّل اليقظة الذهنية، فيمكننا القول بأنها تقنية تمرينٍ عقليٍ تهدف إلى مساعدة الفرد في الوصول إلى حالةٍ من الوعي الذاتي تتّسم بـ الهدوء، الثبات والتركيز على اللحظة الحالية.
تعني هذه الحالة الانتباه والتركيز باستخدام جميع الحواس مع المحافظة على حضور جسدي غير تفاعلي ثابتٍ ومستقر.
تشير بعض الدراسات إلى أن ممارسة تمارين تأمل اليقظة الذهنية تزيد القدرة على التركيز، وتحسّن فعاليّة الذاكرة العاملة. فضلاً عن زيادة قدرة الذاكرة قصيرة الأمد، وحتى تخفيف مشاعر القلق والاكتئاب.
السؤال الأساسي هنا: ما المدة التي تستغرقها جلسة من تأمل اليقظة الذهنية بما يكفي لتحسين الذاكرة على وجه الخصوص؟ هل تعد الجلسة قصيرةُ المدة كافية؟
هذا ما يبحث عن إجابته البحث التالي (للعلم، ركّز الباحثون في هذا البحث على التأكد ما إذا كان التأمل يعزز الذاكرة “البصرية” قصيرة الأمد بالأخص، وليس غيرها من أنماط الذاكرة قصيرة الأمد).
استقصاء الرابط بين اليقظة الذهنية والذاكرة
المشاركون في البحث:
تسعون مشاركاً (أعمارهم ما بين 18-25 عاماً، 29 منهم رجالاً، و 83 منهم ذوو بشرة بيضاء)؛ تم توزيع ثلاث مهمات عليهم (30 مشاركاً في كل مهمة).
المهام المطلوبة:
- مهمة الإصغاء: طُلِب من بعض المشتركين الإصغاء إلى “تجربة الكتاب الصوتي” وكان (The Hobbit) للكاتب تولكين. أما المشاركون في “تجربة التأمل” استمعوا إلى تمرين “اليقظة الذهنية للجسم والتنفس”، وكان أفراد مجموعة التحكم لديهم حرية تمضية الوقت كما يشاؤون خلال المهمة.
- مهمة تذكر الوجوه: تم استخدام 450 صورة لوجوه أشخاص ذوي بشرة بيضاء (والصور مُقسَّمة بالتساوي بين الرجال والنساء)، و بتعبيرات وجهٍ حيادية.
طرائق البحث:
- أولاً، قام المشاركون بتنفيذ مهمة تذكر الوجوه، والتي تتطلب تمييز وجوهٍ جديدة تُعرض على شاشة الحاسوب ولم يروها من قبل.
- لاحقاً، تم توزيعهم عشوائياً على كلّ من التجارب الثلاثة الخاصة مهمة الإصغاء والمشروحة سابقاً.
- بعد ذلك، نفذ الجميع مهمة تذكر الوجوه من جديد (لكن بوجوه مختلفة تماماً).
المقاييس:
- مقياس اليقظة الذهنية والانتباه (15 عنصرا)
- استبيان ذو خمسة معامِلات لليقظة الذهنية (39 عنصرا)، و تم اعتماد خمسة مقاييس فرعية تتكون من الملاحظة، التوصيف، التصرف بوعي، الشعور الداخلي الحيادي (البعيد عن الأحكام) ، وعدم الاستجابة للتجربة الذاتية (تجربة ذاتية غير تفاعلية).
اليقظة الذهنية تُحسّن ذاكرة الإنسان
أظهرت النتائج النهائية لهذه الدراسة أن مجموعة تأمل اليقظة الذهنية فقط (وليست بقية المجموعات) أظهرت تحسناً ملحُوظاً في الذاكرة قصيرة الأمد لديهم.
طبعاً، هذه نتائج الدراسة السابقة والتي خلُصت إلى أن ممارسة تأمل اليقظة الذهنية يعزّز الذاكرة ونسبة التركيز.
ولكن تَظهر هذه النتائج عادةً ( أي التحسن في الذاكرة طويلة الأمد أو الذاكرة قصيرة الأمد) عند أولئك الذين اكتسبوا خبرة طويلة من ممارسة التأمل (وهذا يعود إلى سنواتٍ من الممارسة). أو عند المبتدئين من ممارسي التأمل لعدة أسابيع أو أكثر.
لذا يعد ما وصلت إليه نتائج هذه الدراسة حول الفوائد العقلية (الإدراكية) المباشرة لجلسة قصيرة من تأمل اليقظة الذهنية عند المبتدئين، عبارةً عن إضافة ومساهمة مهمة في مجموع الأبحاث التي تتناول فوائد اليقظة الذهنية على الإدراك والصحة العقلية.
دور تأمل اليقظة الذهنية في تحسين الذاكرة
الأمر الذي يهمنا معرفته هو: كيف يمكن لبضع دقائق بسيطة من ممارسة هذا التأمل أن تقوم بهذا الدور الفعال في تحسين الذاكرة؟
تجيب إحدى النظريات بالقول أن اليقظة الذهنية تخفف من مشاعر القلق ومن استجابة الفرد للتعب والإجهاد.
ويمكن لتأمّل اليقظة الذهنية، على وجه التحديد، أن يحرّر التركيز المستمر والذاكرة قصيرة الأمد من التشتت والقلق اللذين يهيمنان عليهما سابقا.
ما يعني توافر مصادر عقلية إضافية تستطيع تسخيرها لأي شيء تحاول إنجازه في حياتك، سواءً كان ذلك تذكر أول 1000 رقم من أرقام الثابت الرياضي باي ( pi /π). أو مثلاً القدرة على تذكر الأسماء الأولى لقائمة ضيوف إحدى الحفلات.
آلية أخرى فعَّالة ومفيدة تحفّزها ممارسة تأمل اليقظة الذهنية هي القدرة على تحديد المشاعر، والأهم من ذلك هو تقبُّل هذه المشاعر. خاصةً غير المُحَبَّبة منها (أي مشاعر الخوف، الغضب، الغيرة، والاشمئزاز).
إن الوصول لهذه المرحلة من الوعي الذاتي يمكن أن يزيد من سهولة السلوك التكيفي، ما تفسير ذلك؟
يُعزَى السبب الأساسي إلى أن الاستجابات العاطفية الأولية يمكن أن تعطي معلومات مفيدة حول ماهية الحالة الداخلية للفرد فضلاً عن البيئة الخارجية.
ولكن يمكن أن يغفَل البعض أو يسيء فهم هذه المعلومات إذا فشل في تحديد المشاعر، أو تجنَّبها، أو وقع أسيراً لها.
وعلى عكس ذلك، فإن الفئة اليقظة من الأشخاص، نظراً لما يتمتعون به من وعي وإدراك لمشاعرهم. هم أكثر قابلية للشعور بالتحفيز و أكثر قدرة على تكييف سلوكهم للتعامل مع موقف ما، والذي يشمل الاستخدام الفعَّال للذاكرة.
ممارسة تأمل اليقظة الذهنية
بإيجاز، سواءً أكان الدافع هو زيادة تقبّل المشاعر، أو التخفيف من القلق أو غيرها. يبدو أن ممارسة تمارين تأمل اليقظة الذهنية لمدة قصيرة لها دور كبير في تعزيز الذاكرة قصيرة الأمد.
لذا، إن كنت تريد تحسين ذاكرتك، جرّب ممارسة تأمل اليقظة الذهنية لتشعر بالفائدة التي تنجم عنها بنفسك.
قد تتساءل كيف تقوم بهذا التأمل؟ تقتصر الطريقة ببساطة على قضاء عشر دقائق في التركيز على تنفُّسك. اضبط وناغم مسار التنفُّس لديك ابتداء من لحظة استنشاق الهواء، ثم مروره عبر الجسم، إلى لحظة خروجه منه.
للقُرَّاء الذين يرغبون في تجربة تأمل اليقظة الذهنية المُستَخدم في الدراسة التي ذكرت سابقاً. يمكنكم العثور على التمرين المسمّى “اليقظة الذهنية للجسم والنّفَس” في كتاب “اليقظة الذهنية”.
اقرأ أيضاً: سبع نصائح مهمة لـ تحسين التركيز خلال الامتحانات، اتبعها لتوفير الوقت!
المصدر: How to Improve Your Memory in Less Than 10 Minutes
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم