يمثل دعم شخص عزيز عليك مصاب بـ مرض نفسي العديد من التحديات، لكنه لا يُلام.
من المهم للعائلات “معرفة أن لا يد لهم في اضطراب أحبائهم ولا يمكنهم علاجه” وفقاً لما ذكرته هارييت ليفلي، أستاذة في قسم الطب النفسي والعلوم السلوكية في جامعة ميامي ميلر للطب والتي عملت مع العائلات لمدة 25 عاماً.
ومع ذلك، فإن الطريقة التي تعامل بها من تحب لها تأثير كبير على صحتهم، لكن سلوكياتهم قد تؤدي لتفاقم الأعراض” حسب هارييت.
وثقت ليفلي عدداً كبيراً من المؤلفات حول العاطفة المعبّر عنها والتي وجدت فيها أن مرضى العائلات الذين عانوا من العداء والنقد فيما يتعلق بأحبائهم، مثلاً الاعتقاد بأن المريض كان كسولاً. أو ممن يبالغون في تصرفاتهم عاطفياً، مثلاً سأضحي بذراعي اليسرى إذا كان سوف يتماثل للشفاء، كانوا أكثر عرضة للانتكاس.
فيما يلي يقدم كل من ليفلي وباري جاكوبس نصائحهما للحصول على دعم فعال.
ثقف نفسك عن المرض
إن تثقيف نفسك فيما يتعلق بمرض شخص تحبه هو حقاً أساس الدعم وأظهرت الأبحاث أيضاً أن التثقيف يؤتي بالفائدة.
وفقاً لـ ليفلي، أظهر عدد كبير من الأدلة أنه إذا وفرت العائلات التعليم للمريض وأشركته في عملية العلاج، فستنخفض الأعراض وأيام الاستشفاء والانتكاس لديه وتتحسن البيئة الأسرية بشكل عام على حد قولها.
إن عدم معرفة آلية عمل المرض يمكن أن يخلق مفاهيم خاطئة ويمنع العائلات من تقديم مساعدة فعالة لأحبائها. على سبيل المثال: بدون الثقافة حول المرض يصعب على الناس فهم وتقدير شدة الأعراض. مثل الأفكار المرعبة المرتبطة بالفصام أو التفكير الانتحاري المرتبط بالاكتئاب العميق.
تقول ليفلي: “ليس مستبعداً أن تتساءل العائلات عن سبب عدم تمكن أحبائهم من تخطي المرض.”
قال الدكتور جاكوبس أنه: ” يجب على العائلات فهم أن أفكار الفرد وأفعاله ليست تحت سيطرته”. فأي سلوكيات معادية أو غريبة هي مظهر من مظاهر المرض وليست تصرفات متعمدة أو هادفة.
وبالمثل، في العائلات، هناك “ميل لإضفاء طابع شخصي على الأعراض والسلوكيات التي يعاني منها أحد أفراد الأسرة”. ولكن قالت ليفلي أن هذه السلوكيات “لا يُقصد منها إحداث احتكاك وخلافات في الأسرة”.
ابحث عن المصادر التي تتعلق بالمرض
أحد الطرق المفيدة لتثقيف نفسك حول مرض أحد أفراد أسرتك وكيف يمكنك المساعدة هي اللجوء إلى المنشورات ذات السمعة الطيبة. أوصت ليفلي بالكتب التالية كمصادر ممتازة:
- دليل النجاة من الفصام: دليل للعائلات والمرضى ومقدمي الخدمات بقلم إي فولر توري.
- الفصام للمبتدئين: من تأليف جيروم ليفين وإيرين إس ليفين.
- دليل البقاء على قيد الحياة، ثنائي القطب: ما تحتاج أنت وعائلتك إلى معرفته بقلم ديفيد جاي ميكل فيتز.
توقع ما هو واقعي
يمكن أن تؤثر توقعاتك على تعافي من تحب. وفقاً لـ ليفلي فإن ما يلي هو حالة شائعة جداً (مع متغيرات مختلفة).
يقضي أحد أفراد الأسرة عدة أسابيع في المستشفى، وعندما يخرج تفترض الأسرة أن الإقامة في المستشفى قد عافته تماماً.
يريد الفرد تعويض الوقت الضائع بسبب تغيبه عن المدرسة، لذلك يكثف جدول حصصه من خلال أخذ دورات إضافية، وبذلك يتصاعد مستوى التوتر لديه وينتهي به الأمر إلى الانتكاس.
في هذه الحالة يكون الخيار الأفضل هو توقع الأقل وتشجيع هذا الفرد على ضبط وتيرة عمل أبطأ لأن الضغوطات الإضافية يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الأعراض.
قد لا تدرك العائلات أنه “في كل مرة يعاني فيها الشخص نوبة ذهانية، يحدث المزيد والمزيد من الضرر العصبي” نقلاً عن ليفلي.
لكن وضع توقعات معقولة ومنطقية يمكن أن يكون خادعاً، كما أشار جاكوبس: لأننا “لا نتحدث عن مرض ثابت”. تحاول العائلات “تعديل توقعاتها وفقاً لهدف متحرك”، لذا فإن التحدي يكمن في “ضبط تلك التوقعات طوال الوقت وفق مسار المرض”، والذي قال إنه قد يتغير “من أسبوع لآخر أو يوماً بعد يوم أو بين ساعة وأخرى”.
قال جاكوبس:” قد تستخدم أحياناً التجربة البحتة والخطأ. لكن استخدام تجربتك الخاصة يمكن أن يكون مفيداً” وأضاف: “في النهاية ستعرف الكثير وأكثر من أي أخصائي”، لذلك من المهم أن تكون لديك توقعات واقعية وأن تشجع من تحب على امتلاكها أيضاً.
اطلب الدعم
قد تمنع الوصمة الاجتماعية العائلات من البحث عن دعم، لكن قد تكتسب المعرفة القوية والقيّمة من خلال هذا الدعم. تساعد مجموعات الدعم في “تنظيم تجارب الأسرة وتمكينها بشكل أفضل لتبادل الأفكار حول إدارة شخص مقرب مصاب بمرض نفسي”، كما قال جاكوبس.
اعمل عن قرب مع فريق العلاج الخاص بأحبائك
أولاً، اطلب التحدث إلى الأخصائي الاجتماعي والطبيب النفسي إن أمكن، أخبرهم أنك تريد أن تكون جزءاً من فريق العلاج.
“تسمح العديد من المرافق الصحية للعائلات بحضور الاجتماعات ومؤتمرات الحالة”. لكن في النهاية يجب على العائلات أن تطلب الحضور و”تتوقع ذلك”. اسأل كيف يمكنك مساعدة من تحب، و”اكتشف التوقع المنطقي للتعافي وكيف سيكون أداء هذا الشخص”، قال جاكوبس.
اسمح له بامتلاك السيطرة
“يشعر الأشخاص المصابون بمرض نفسي بأنهم فقدوا السيطرة على حياتهم و يحسون بالوصمة ويعانون أكثر من غيرهم فيما يتعلق بتقدير الذات.” وفقاً لما قالته ليفلي فأن أهم نقطة تخبر عنها العائلات هي: “عاملوهم باحترام مهما كانت أعراضهم.”
لنفترض أن من تحب يدخن بكثرة، فلا توبخه بشأن هذا أو تحاول إخفاء سجائره. وقالت إن الأمر نفسه ينطبق على “القرارات التي ليست بهذه الأهمية”.
إذا كانت ملابسهم غير متطابقة، اتركها على حالها إذ قالت: “اترك تلك القرارات المتعلقة بالأشياء الصغيرة في الحياة للمريض”.
حتى القرارات التي تبدو أكبر، مثل مواعيد تناول الأدوية، فقد يكون من الأفضل تركها للمريض. على سبيل المثال، قالت ليفلي إن المرضى يكرهون أن يُسألوا عما إذا كانوا قد تناولوا أدويتهم أم لا.
أفضل طريقة للتعامل مع هذا هو إنشاء نظام معهم وهو أمر يسهل القيام به بعد عودتهم من المستشفى. نظام واحد هو أن يكون لديك علبة دواء (علبة مجدولة خارجياً بالأيام) أسبوعياً تساعدهم على توثيق أوقات أدويتهم.
وبالمثل، قالت ليفلي: “إذا أراد شخص ما أن يفعل شيئاً تشعر أنه يفوق قدراته، فلا تحرمه على الفور من فرصة المحاولة”. في كثير من الأحيان ستجد أنه قادر على القيام بذلك.
شجعه على التحدث إلى أخصائي الصحة النفسية
قالت ليفلي: “إذا كان أحد أفراد أسرتك يشتكي من الآثار الجانبية السلبية للأدوية، فشجعه على تدوين ما يزعجه والتحدث إلى طبيبه.”
حتى في مجموعات الدعم الخاصة به، فإن المرضى “الذين يتمتعون بالاستقرار الجيد ويهتمون بعلاجهم يكرهون إزعاج طبيبهم بأي مخاوف تراودهم”. ذكّر من تحب أنه “يتحكم في جسده” وأنه مشارك نشط في علاج حالته.
ضع الحدود المناسبة
في حين أنه من المهم معاملة من تحب باحترام والسماح له بممارسة بعض السيطرة. فمن الضروري أيضاً وضع حدود لأجل سلامة الجميع.
روى جاكوبس قصة رجل يبلغ من العمر 25 عاماً مصاباً باضطراب ثنائي القطب من النوع الأول. كان يعيش مع والديه وإخوته الصغار، وقرر قبل عدة سنوات التوقف عن تناول دوائه بسبب الآثار الجانبية.
“تحملت الأسرة بشكل أساسي سلوكه العدواني لفترة طويلة حقاً، على الرغم من أن ذلك كان له عواقب سلبية على الأطفال الأصغر سناً، وبدأ الأمر يتصاعد”. كان يخوض مشاجرات مع الجيران وحتى أنه تم استدعاء الشرطة في عدة حوادث.
قال جاكوبس أنه على الرغم من أن والديه كانا يحاولان توفير الهيبة والاحترام له. إلا أنهما سمحا له باتخاذ خيارات تضر به وبالجميع.
بعد العمل مع جاكوبس، تحدث الوالدان مع ابنهما وأخبراه أنه من أجل العيش في منزلهما يجب عليه طلب العلاج وتناول أدويته. وبالتالي “كان أقل عدوانية بكثير وفي وضع يمكّنه من المضي قدماً في حياته ليصبح شخصاً راشداً يتمتع بكامل الأهلية”.
أوضح جاكوبس أن هذا سيناريو نموذجي إلى حد ما. العائلات “لا تريد أن تتدخل كثيراً وتعطي شروطاً إلزامية، ولكن في الوقت، نفسه هناك أفراد من العائلة يقولون بشكل أساسي ستفعل ذلك بطريقتي أو بالإجبار؛ “بطريقة عقابية وقاسية للغاية.”
كما ذكرنا سابقاً، فإن هذا النهج “لا يمنح الفرد أي خيار ليعيش حياته على نحو جيد”.
ترسيخ المساواة
قالت ليفلي، عند وضع حدود وتقديم الدعم لمن تحب، لا تتعمد تصنيفه كمريض. بل “أقم نوعاً من المساواة بين هو متوقع من كل فرد في الأسرة”.
تُعلّم ليفلي العائلات استراتيجيات حل المشكلات بحيث يمكن للجميع، بما فيهم المريض، التعبير عن مخاوفهم والمساهمة في إيجاد الحلول.
على سبيل المثال، عندما يتعلق الأمر بالسلوك العدواني، يمكن للعائلة أن تتفق على أنه لن يتم التسامح مع هذا في المنزل مع أي شخص. قالت: “كلما استطعت أن تخلق مساواة للوضع بشكل أكبر، كان الأمر علاجياً أكثر”.
إدراك أن الشعور بالخجل والذنب أمر طبيعي
قالت ليفلي أنه يجب أن تعلم أن الشعور بالذنب والعار هما من ردود الفعل الطبيعية للعائلات. قد تشعر بعض العائلات بالقلق من عدم حصول الفرد المريض على العلاج عاجلاً. وقد يعتقد البعض الآخر أنهم تسببوا في إصابته بالاضطراب.
مرة أخرى، تذكر أن العائلات لا تسبب الاضطرابات النفسية مثل الفصام أو الاضطراب ثنائي القطب. فهي ناتجة عن مجموعة متنوعة من العوامل المعقدة بما في ذلك الجينات والبيولوجيا.
اعترف بشجاعة من تحب
قالت ليفلي: ننظر في مجتمعنا إلى الأشخاص الذين يعانون من مرض جسدي، مثل السرطان أو مرض السكري، على أنهم شجعان لكننا لا ننظر بنفس المنظور إلى الأشخاص المصابين بمرض نفسي.
لكن الأمر يتطلب شجاعة هائلة للعودة إلى الحياة الطبيعية بعد دخول المستشفى. ولمحاربة الأعراض المنهكة كل يوم والسعي والبقاء سليمين معافين.
ساعد نفسك
واحدة من أكبر المشكلات التي يواجهها جاكوبس مع مقدمي الرعاية هو رفضهم قبول المساعدة. لكنه قال “إنك في وضع أفضل بكثير للمساعدة والعطاء مرة أخرى” إذا ساعدت نفسك.
وقالت ليفلي إنه من غير المفيد أيضاً تركيز كل جهودك على الفرد المصاب بهذا الاضطراب. هذا يمكن أن ينفر الأشقاء وأفراد الأسرة الآخرين.
كن هادئاً
قال جاكوبس بأنه، ونظراً لأن أفعالك يمكن أن تؤثر على من تحب وعلى أعراضه. “تجنب الاستجابة بغضب” وبدلاً من ذلك يمكنك الاستجابة بصبر وتفهم.
امنحهم الأمل
أخبر من تحب أنه مع استمرار العلاج فإن التعافي وعيش حياة مُرضية في المجتمع على الرغم من المرض أمر ممكن على حد قول ليفلي.
كن سياسياً
تشجع ليفلي العائلات على المشاركة في العملية السياسية لتحسين نظام الصحة النفسية لأن هذا يؤثر على العائلات وأحبائهم.
اقرأ أيضاً: إحدى عشرة استراتيجية في إدارة الغضب تساعدك على الهدوء
المصدر: How to Help a Loved One With Mental Illness
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم