سيكولوجيا الدكتاتور، كيف يتشابه هتلر وكيم جونغ-إيل وصدام حسين؟

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي

لطالما كان الطغاة السياسيون محطّ أنظار علماء النفس، وفي حين يحاول العديد منهم معرفة ما الذي يدفع الأشخاص الطبيعيين ذوي العقلية السليمة لاتباع مثل أولئك الزعماء المستبدين، فإن البعض منهم كان أكثر اهتماماً بتوصيف السمات الشخصية للطغاة (الدكتاتوريين) أنفسهم. بعد كل شيء، من ذا الذي لم يحاول إجراء تشخيص عمليّ لشخصية مشهورة في محاولة لفهم سيكولوجيا الدكتاتور؟

سيكولوجبا الدكتاتور قديماً

في عام 1939، قابل كارل يونغ كلاً من هتلر وموسوليني في برلين وراقب تفاعلهم وحديثهم. حيث دوّن عالما النفس كوليدج وسيغال من جامعة كولورادو ما لاحظه يونغ:

“هتلر لم يضحك أبداً، وبدا الأمر كما لو كان مستاء وفي مزاج سيئ”، و اعتبره يونغ: ” غير محدد الجنس ولا إنسانياً، مع هدف وحيد ألا وهو بناء الرايخ الثالث، الأمة الألمانية العظمى. والذي من شأنه أن يتغلب على جميع التهديدات التي يتصورها هتلر والإهانات السابقة في تاريخ ألمانيا”.

ألهم الدكتاتور هتلر في جونغ إحساس الخوف فقط. وعلى النقيض من هذا، بَدا الدكتاتور موسوليني لجونغ: “رجلاً أصيلا”، “يتمتع بالدفء والطاقة”.

من الصعب للغاية بالنسبة لأغلب الناس، ربما باستثناء جونغ، أن يجروا مقابلة مباشرة مع الحكام السياسيين المستبدين. ومن المستحيل بالنسبة لعلماء النفس أو الأطباء النفسيين أن يجروا تقييماً سريرياً وجهاً لوجه لهم.

ولذلك، فإن معظم الاستقصاءات في ملامح وسمات شخصية هؤلاء القادة تستخدم “تقارير المُخبرين”.

على الرغم من أن هذه التقارير هي بالتأكيد أقل من مثالية، إلا أنها أسفرت عن رؤية عميقة للحياة العقلية لبعض أشهر الدكتاتوريين في العالم.

دراسات حديثة

كشفت إحدى الدراسات أن تقارير المخبرين تكون بشكل عام على “اتفاق متواضع” مع التقارير الذاتية. وأن المخبرين يميلون إلى الاتفاق مع بعضهم البعض أيضاً.

وحتى بين مرضى اضطراب الشخصية العاديين، تؤول تقارير المخبرين والرواة إلى أن تكون مفيدة للغاية للأطباء. وتكتسب هذه التقارير أهمية خاصة عندما تؤدي أعراض اضطرابات الشخصية بالمرضى إلى تزويد الأطباء بمعلومات غير دقيقة.

في عام 2007، جمع كوليدج وسيغال خمسة خبراء عن الدكتاتور هتلر، وطلبوا منهم تقييمه على أساس المتلازمات النفسية واضطرابات الشخصية المدرجة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية – النسخة الرابعة.

كان الإجماع بين الخبراء أن هتلر لديه درجات مرتفعة للغاية من مقاييس اضطراب الشخصية التالية: جنون العظمة، معاداة المجتمع،  النرجسية والسادية.

كما أشارت سمات الشخصية المستمدة من هتلر إلى أنه ربما كان لديه ميولاً فصامية. بما في ذلك العظمة المفرطة والتفكير الشاذ.

وفي دراسة أخرى أجريت عام 2007، أجرى كوليدج وسيغال الأسلوب نفسه مع الدكتاتور صدام حسين.

وكما هو الحال مع هتلر، استخلصوا سمات شخصية متفق عليها استنادا إلى تقارير أحد عشر مخبراً عراقياً بالغاً “ممن كانوا على معرفة وثيقة بصدام حسين”. لمدة 24 عاما بتقدير وسطي.

وكشفت الدراسة أن لدى حسين صدام درجات عالية في نفس مقاييس اضطراب الشخصية، جنون العظمة، معاداة المجتمع، النرجسية، والسادية. على الرغم من أن السمات السادية كانت أقوى عند حسين منها عند هتلر.

وكشفت الدراسة أيضاً أعراضاً فصامية محتملة كما هتلر. كان هناك ارتباط كبير بين سمات الشخصية المستمدة من الرجلين.

بالجمع بين نتائج كل من الدراستين، افترض كوليدج وسيغال مجموعة من اضطرابات الشخصية “ست اضطرابات كبرى”. التي قد تعكس عادة شخصيات الحكام الدكتاتوريين. بشكل أكثر عمومية: السادية، معاداة المجتمع، جنون العظمة، النرجسية، شبه الفصام والفصام.

ثم في عام 2009، قام كوليدج وسيغال بتوسيع أبحاثهم لتشمل ديكتاتور كوريا الشمالية الراحل كيم جونغ-ايل.

و من خلال زملاء محترفين، تم تقديم كوليدج وسيغال لعالم نفس أكاديمي من كوريا الجنوبية والذي كان يملك ” تأهيلاً نفسياً متقدماً ومعرفة وثيقة وراسخة بـ كيم جونغ إيل”.

وافق عالم النفس المجهول على تقديم تقرير عن الملامح و السمات النفسية لـ كيم جونغ-إيل. 

أظهر تحليل شخصية كيم جونغ إيل نفس السمات “الست الكبرى” لـ اضطرابات الشخصية: السادية، المعادية للمجتمع، جنون العظمة، النرجسية، شبه الفصام والفصام.

سمات مشتركة

تشارك كل من الطغاة الثلاثة الاضطرابات الشخصية الست ذاتها (بترتيب مختلف قليلاً). مع درجات عالية فيما يخص الفصام والتفكير الذهاني عندهم جميعاً.

وكشفت المزيد من المقارنات بين الديكتاتوريين أن كيم جونغ-إيل كان أكثر تشابهاً في سمات الشخصية مع صدام حسين من هتلر.

وبالفعل، لدى كل من جونغ-إيل وصدام حسين درجات عالية ومتطابقة تقريبا من اضطراب الشخصية السادية.

والسؤال المُلحّ هنا هو: كيف يمكن لفرد يعاني من مثل هذه الاضطرابات الشخصية الشديدة. وخاصة تلك التي ترتبط بـ “طيف أو سلسلة” من الاضطرابات الذهانية مثل الفصام. أن يبلغ ويشغل مثل هذه المناصب الرفيعة من السلطة والسيطرة على الآخرين؟ فـ الفصام هو، في النهاية، حالة مرضية منهكة للغاية.

يشير كوليدج وسيجال إلى أن هناك حالات أخرى معروفة لـ “أشخاص مجرمين يعانون من الفصام.” والذين كانوا يمتلكون أيضا سلطة هائلة على الآخرين. مثل تشارلز مانسون و جيم جونز، على الرغم من أن سلطتهم كانت على نطاق أضيق.

تشمل معايير الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية ـ النسخة الرابعة المعدلة الحالية للفصام – نوع (جنون العظمة). أعراضا مثل الانشغال بواحد أو أكثر من أوهام الاضطهاد أو العظمة التي تدور عادة حول موضوع معين. بالإضافة إلى القلق، الغضب، الانطواء والجدلية. 

ينص الدليل على أن مواضيع الاضطهاد و هلوسات العظمة قد تجعل الأفراد المصابين بالفصام عرضة لاستخدام العنف. كون هؤلاء الأفراد قد يكون لديهم طريقة متعالية أو فوقية في التعامل مع الآخرين. وقد يُظهرون ضعفا إدراكيا قليلا أو إدراكا معدوما، كما أن لديهم توقعات جيدة في مجالات الأداء المهني والحياة المستقلة.

هناك ثلاثة تحفظات مهمة هنا

أولاً، وربما الأكثر وضوحاً، هو أن الارتباط ليس ارتباطاً سببياً. في حين أن فهم اضطرابات الشخصية “الست الكبرى” قد يكون مفيداً للجهود المبذولة في العلاقات الدولية في المستقبل عندما تشمل طغاة سياسيين. فإن هناك الكثير من الناس ممن يعانون من بعض أو كل تلك الاضطرابات لكنهم لا يصبحون أبداً دكتاتوريين أو قتلة أو إرهابيين.

وربما هناك دكتاتوريون لديهم مجموعة مختلفة من الاضطرابات النفسية واضطرابات الشخصية. لا تحدث أمراض الصحة النفسية من فراغ؛ بل تحتاج إلى وقت ومكان مناسبين.

ثانياً، إلى أي مدى كان الانحياز الثقافي ليلعب دوراً في تطوير هذه التشخيصات النفسية؟ ومن الثابت إلى حد ما أن بعض التشخيصات تكون مشتركة بين الثقافات وعالمية، مثل الفصام (الشيزوفرينيا). ولكن يمكن أن تختلف أعراضها في الأهمية والدلالة عبر الثقافات. على الرغم أن جميع التشخيصات النفسية تعكس خللاً بيولوجياً كامناً. إلا أنها محددة من قبل الناس.

والجدير بالذكر أن هؤلاء الناس قد يكونون منحازين بشكل ماكر ومخادع، على الرغم من الجهود الهائلة التي تُبذل من أجل أن يكونوا على درجة كبير من الموضوعية والصرامة العلمية.

وعلى نحو مماثل، تم التحقق من صحة الاستبيانات التي تم تعبئتها بواسطة المُخبرين والرواة لكل من الحكام المستبدين الثلاث وفقاً لعينة أميركية. نظرا لأن تعريف التشخيص النفسي عادة يكون من خلال الندرة الإحصائية. فيمكن أن يكون ذلك مشكلة. على سبيل المثال، قد يكون متوسط الاستجابة لعنصر معين في الاستبيان أعلى أو أقل في ثقافة كوريا الشمالية.

ثالثاً، من بين الدراسات الثلاثة، كان المخبرون في مثال صدام حسين هم وحدهم من كانت لهم علاقات شخصية واضحة مع موضوع الاستبيانات.

وبالتالي، ربما كانت هناك مجموعة إضافية من التحيزات التي لعبت دورا في كل من دراستي هتلر وكيم جونغ إيل.

لهذا الغرض، فإن الآثار والانعكاسات الأخلاقية لهذه الدراسات قد تؤدي دوراً في المبدأ الذي اعتمدته جمعية علم النفس الأمريكية والمعروف باسم قاعدة جولدووتر.

والذي ينص على أن العاملين في مجال الصحة النفسية “يُمنَع عليهم إعطاء رأي مهني بشأن أي فرد دون فحص ذلك الشخص مباشرة والحصول على إذن بالتعليق على الحالة من المريض أو من وصيّ قانوني آخر”.

ومع ذلك، فإن قاعدة جولدووتر تُعنى بشكل صريح بالطريقة التي يتفاعل بها أخصائيو الصحة النفسية مع وسائل الإعلام، وبالتالي قد لا تنطبق في هذه الحالات.

في نهاية المطاف، قد لا نعرف أبداً إلى أي مدى كان هذا التشخيص النفسي الخاص بـ كيم جونغ إيل ليتوافق مع شخصيته الفعلية. بيد أن الترابط والتشابه القوي بين شخصيات هتلر، صدام حسين، وكيم جونغ إيل يصعب تجاهله.

اقرأ أيضاً: اضطراب الشخصية النرجسية، أعراضه، تشخيصه، أنواعه وعلاجه

المصدر: The Psychology of Dictatorship

تدقيق: هبة مسعود

تحرير: جعفر ملحم

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي
Related Posts

مقالات ذات صلة

error: