كلّ منا يعاني من القلق، لكن المخاوف التي يشعر بها الأشخاص المصابين باضطراب القلق المعمم (GAD) كثيراً ما تُشتّت انتباههم، ويتجنبون الأنشطة “الموتّرة” والتي قد تثير القلق دون تفسير لذلك.
يؤثر هذا النوع من القلق في معظم الحالات سلباً على علاقات الفرد و/أو أدائه في المدرسة أو العمل.
خيارات علاج اضطراب القلق المعمم
يهدف علاج اضطراب القلق المعمم إلى مساعدة الأشخاص على الشعور بتحسّن على الصعيد النفسي والجسدي. وإلى زيادة التفاعل والاندماج مع الآخرين والأماكن والمواقف التي كانت تثير القلق سابقاً.
حتى القلق منخفض الدرجة الذي لا يستوفي عتبة التشخيص الدقيق يستحق الدراسة والعمل عليه أيضاً. وذلك نظراً للتأثير بعيد المدى الذي يمكن أن يُحدثه على الأداء اليومي للفرد.
العلاج النفسي لاضطراب القلق المعمم
العلاج النفسي هو شكل شائع من أشكال علاج اضطراب القلق المعمم. يمكن إجراء “العلاج بالكلام” بواسطة مجموعة متنوعة من المتخصصين في الصحة النفسية.
وعلى الرغم من أن الأساليب والمناهج المتبعة في العلاج النفسي والموضحة أدناه يمكن أن تتداخل مع بعضها، إلا أنها تسترشد بنظريات وتأكيدات مختلفة.
العلاج المعرفي السلوكي (CBT) لاضطراب القلق المعمم
المعيار الذهبي للعلاج النفسي وواحد من أكثر العلاجات شيوعاً لـ اضطـراب القلـق المعمـم. وثبتت فعاليته مع البالغين تماماً كما هو الحال مع المرضى الأصغر سنّاً.
عادةً ما يكون العلاج المعرفي السلوكي علاجاً منظّماً قصير المدى يركز على المواقف والصعوبات الحالية وعلى التفاعل بين الأفكار الواعية والمشاعر والسلوكيات التي تؤدي إلى استدامة القلق.
علاج القبول والالتزام (ACT)
علاجٌ آخر من علاجات القلق المعمم يركز على المشكلة والحاضر على حد سواء.
على الرغم من أنه يشبه العلاج المعرفي السلوكي، إلا أن الهدف منه هو تخفيف الصراع الحاصل للسيطرة على الأفكار المقلقة أو الأحاسيس المربكة. وزيادة المشاركة في الأنشطة الهادفة التي تتوافق مع قيم الحياة المختارة.
يمكن أن يؤدي (ACT) إلى تحسّن أعراض اضطراب القلق المعمم، وقد يكون مناسباً بشكل خاص لكبار السن.
علاجات ” الكلام ” الأخرى
يمكن استخدام نوعين آخرين من “العلاج بالكلام” في علاج اضطراب القلق المعمم، كالعلاج النفسي الديناميكي والعلاج النفسي بين الأشخاص (التفاعلي).
يعتمد العلاج النفسي الديناميكي، المعروف أيضاً باسم العلاج الموجَّه بالبصيرة، على مبدأ أن الأفكار والعواطف الخارجة عن وعينا (أي خارج إدراكنا) يمكن أن تؤدي إلى صراع داخلي يتجلى على شكل قلق.
أما العلاج النفسي التفاعلي فهو علاج محدود الوقت يركز على الحاضر بناءً على افتراض أن الأعراض تنجم وتستمر بسبب مشاكل في علاقات الشخص مع الآخرين. وأن حلّ هذه المشكلات يمكن أن يساعد في تقليل الأعراض.
العلاج الدوائي
تعمل أدوية القلق من خلال التفاعل مع المواد الكيميائية الموجودة في الدماغ والتي تسمى بـ الناقلات العصبية. قد تمنع بعض الأدوية الامتصاص أو تعزز عمل مادة أو أكثر من هذه المواد الكيميائية.
تشمل الأنواع المختلفة من الأدوية المستخدمة في علاج القلق ما يلي:
- مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs)
- مثبطات استرداد السيروتونين والنورابينفرين (SNRIs)
- مضادات القلق
- مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات
يستخدم أيضاً، وفي الكثير من الأحيان، صنف آخر ” أقدم ” من مضادات الاكتئاب وهو مثبطات مونوامين أوكسيديز (MAOIs) .
مضادات الاكتئاب لديها قدرة موثّقة على المساعدة في علاج أعراض اضطراب القلق العام، ولكن يمكن أن يستغرق الأمر عدة أسابيع حتى تبدأ بالتأثير.
تعتبر مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية، مثل سيرترالين (زولوفت) أو فلوكستين (بروزاك)، عادةً خياراً جيداً يأتي في المرتبة الأولى لعلاج اضطراب القلق المعمم لأنها أدوية آمنة نسبياً ويميل المرضى إلى تحمّلها.
لا تعالج مضادات القلق، مثل البنزوديازيبينات (benzodiazepines)، السبب الكامن وراء القلق، لكنها فعّالة في علاج أعراضه. ومع ذلك، فإن هذا الصنف من الأدوية له بعض العيوب الملحوظة، بما في ذلك الآثار الجانبية المحتملة له مثل التخدير والميل إلى الإدمان.
البوبسبيرون (Buspirone / Buspar) : هو أحد أدوية هذه الفئة والموثّقة لعلاج اضطراب القلق المعمم ولا يعرف عنه أنه يسبب الإدمان. هناك بعض الأدلة على أن بوسبيرون قد يساعد أيضاً في زيادة مضادات الاكتئاب.
مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات: هي نوع أقدم من مضادات الاكتئاب وتستخدم بشكل أقل شيوعاً بسبب احتمال ظهور بعض الآثار الجانبية لها.
المساعدة الذاتية
تشير المساعدة الذاتية إلى الأساليب الأقل عرفاً والتي تستهدف أعراض القلق بالاعتماد على دليل محدد أو لاً.
على سبيل المثال، هناك العديد من كتب المساعدة الذاتية التي تقدم مساعدة العلاج خطوة بخطوة وتعكس بشكل وثيق العلاجات النفسية القائمة على الأدلة لـ GAD، مثل CBT أو ACT.
مع ظهور تقنية الهواتف الذكية والشعبية المتزايدة للتطبيقات التفاعلية، تتوفر الآن خيارات المساعدة الذاتية الإلكترونية التي تقدم برامج علاج (GAD) قائمة على الأدلة.
هناك أيضاً تطبيقات متاحة مع أدوات محددة للتخلص من القلق بالاعتماد على الذات، مثل تقنيات الاسترخاء وتمارين التأمل الذهنية.
الخيار الأفضل في علاج اضطراب القلق المعمم
التحدث مع طبيب أو معالج أو مقدم خدمات صحة نفسية هو أفضل طريقة لمعرفة الخطوة أو (الخطوات) التالية والواجب اتخاذها.
قد يكون أحد أو مجموعة الأساليب والمناهج الموضحة أعلاه مفيدة. وذلك اعتماداً على طبيعة ومدى أعراض القلق.
بشكل عام، قد يتحسن القلق الخفيف أو المتقطع باستخدام مصادر المساعدة الذاتية. إضافةً إلى كونها خياراً جيّداً لأولئك الذين يسعون إلى العلاج النفسي القائم على الأدلة. والذين لا يستطيعون الوصول إلى الرعاية المتخصصة.
يمكن أيضاً استخدام خيارات المساعدة الذاتية جنباً إلى جنب مع العلاج المستمر. أو لمنع الانتكاس وتعزيز التقدم المستمر بعد الانتهاء من جلسات العلاج النفسي.
إذا استمرت الأعراض لديك، أو كانت تؤثر على أدائك اليومي و / أو العلاقات المهمة في حياتك، أو كانت ملحوظة بشكل واضح للآخرين، فإن العلاج الأكثر عُرفا يستحق التفكير والأخذ به.
يمكن أن يساعد العلاج الدوائي في علاج القلق المستمر من أي درجة. في حين يُنصح باتباع العلاج النفسي للقلق من الدرجة المتوسطة إلى الشديدة.
عند مقارنة العلاج النفسي بالعلاج الدوائي، من المهم ملاحظة أن العلاج النفسي قد يستغرق وقتاً أطول للتخفيف من الأعراض مقارنة بالعلاج الدوائي، ولكن يمكن أيضاً أن تكون آثاره طويلة الأمد (أي أن الإدراك والمهارات المكتسبة ستستمر بعد انتهاء العلاج النفسي).
وبالنسبة لبعض الأفراد المصابين باضطراب القلق المعمم، فإن العلاج المتزايد، تناول الأدوية والمشاركة في العلاج النفسي يزيد من النتائج.
إن اتخاذ القرار بالعلاج المناسب لك هو في الحقيقة عملية تقييم مستمرة. إذا اخترت منهج المساعدة الذاتية، فكن على دراية بأن الأعراض المستمرة أو المتفاقمة هي مؤشرات على وجوب الاستفادة من التقييم الشخصي الذي يجريه الطبيب لك.
مع العلاج الدوائي أو العلاج النفسي، ابحث عن شخص تثق به واطرح عليه أسئلة لفهم نوع العلاج الذي ستتلقاه بشكل كامل بالإضافة إلى فوائد ومخاطر هذا العلاج.
عند متابعة أي نوع من العلاج، من المهم التحلي بالصبر والمشاركة في المراقبة المنتظمة للأعراض. وفي حالة العلاج الدوائي، (الانتباه للآثار الجانبية) مع طبيبك.
خلاصـة
مما لا شك فيه أن الأعراض المرتبطة بـاضطراب القلق المعمم (GAD) لا تبعث على الراحة، لكن الخبر السار هو أنه يمكن علاجها. العلاجات الموصوفة أعلاه ستجدي نفعاً، لكن العمل سيؤتي ثماره على شكل راحة واستراحة من المخاوف والقلق.
اقرأ أيضاً: اضطـراب القلـق المعمـم (GAD)، أعراضه وتشخيصه
اقرأ أيضاً: علاج اضطراب القلق الاجتماعي
المصدر: Generalized Anxiety Disorder Treatment
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم