يستند علاج التعلق (Attachment Therapy) إلى نظرية التعلق العاطفي، ويستكشف كيف يمكن أن تؤثر تجارب الفرد خلال مرحلة الطفولة في قدرته على تشكيل روابط ذات معنى عند البلوغ. يوصَى بهذا العلاج أحياناً لعلاج الأشخاص الذين عانوا من تجارب سلبية في طفولتهم، وعلى الرغم من ذلك، يمكن لأي شخص يكافح لتعزيز روابط عميقة مع الآخرين الاستفادة من هذا النهج العلاجي.
تقول الدكتورة كارولين فينكل (Caroline Fenkel)، مؤسس مساعد وكبيرة المسؤولين السريريين في Charlie Health :” في العلاج القائم على التعلق، يعمل المعالجون مع المرضى الذين يحتاجون إلى إعادة بناء الثقة في علاقاتهم، نظراً لأن الأشخاص الذين يعانون من تعلق غير منتظم يواجهون صعوبة في العلاقات مع الآخرين.”
وتتابع بالقول: “يتلخص هذا العلاج بالفعل بالعمل الداخلي للطفل. وأعني بذلك أن المعالج يساعدك في التواصل مع الطفل الداخلي بالمعنى الأعم، أي الشخص الذي تأذى أو تعرض للصدمة أو التخلي في المقام الأول. من تلك النقطة، يساعدك المعالج على “إعادة تربية” هذه النسخة من شخصيتك بحب وصبر وتعاطف.”
إنه يشبه إلى حد كبير الانتقال إلى راوٍ جديد في ذهنك؛ شخص أكثر حباً لك ويؤمن بك، على عكس الشخص الذي عزز الأفكار المريبة والمثيرة للخوف عن تخلي الآخرين عنك وإيذائهم لك وإحباطك.
يمكن أن تساعدك نظرية التعلق أيضاً في إدراك أنك قادر على رعاية نفسك دون الاعتماد بشكل وحيد على الآخرين حتى يكون لحياتك هدف ومعنى.
ما هي نظرية التعلق؟
لفهم علاج التعلق وآلية عمله، من المهم أولاً المعرفة حول نظرية التعلق.
أنشأ هذه النظرية عالم النفس جون بولبي (John Bowlby) الذي أتم بحثاً مطولاً عن طريقة تعلق الأطفال منذ الولادة حتى مراحل النمو المبكرة مع ذويهم ومقدمي الرعاية.
استناداً إلى بحثه، توصل بولبي إلى أنواع مختلفة من التعلق: الآمن، المتجنّب، القلِق وغير المنظم. كان على حق حين افترض أن أسلوب التعلق ينتقل إلى علاقات الفرد لاحقاً في حياته، أي من الطفولة الماضية إلى البلوغ.
تبين الدكتورة فينكل ذلك بالقول:” ربما يكون أسلوب التعلق القلق أكثر “نوع” يتم الحديث عنه، نظراً لتجلياته في مرحلة البلوغ، ما يفسر التماس العديد من الناس لعلاج التعلق”، وتتابع: ” يعيش الأشخاص الذين يكوّنون نمط تعلق قلقاً درجة معينة من القلق بشكل واضح، إلا أنهم يعانون من الخوف من الوحدة بشكل خاص والذي يشار إليه أحياناً بـ الاعتماد المفرط.”
لا يوجد خطأ متأصل في تكوين الفرد لهذا النوع من التعلق، وكثير من الناس يتبعونه. لكن، يمكن أن تكون معرفة ذلك عن نفسك أمراً ذا فائدة كبيرة، ويساعدك طلب العلاج في معالجة هذه العواطف والأنماط الشديدة بطرق خاصة.
تقنيات علاج التعلق
يُستخدم شعار “استعادة القوة” في علاج التعلق أحياناً، إذ تقوم باستكشاف الأحداث التي جرت في طفولتك وتحديد كيف يمكن أن تكون هذه التجارب قد أثرت على حياتك اليوم.
في البداية، توقع أن تفكر وتتأمل بعمق في علاقتك مع مقدمي الرعاية الأولية ( الأهل، الجد والجدة وغيرهم)، وكن مستعداً لشرح كيف استمرت هذه الديناميكيات الأولى في التجلي اليوم خلال حياتك.
تقول الدكتورة كارولين فينكل:“من خلال استكشاف الجروح التي سببها نمط التعلق في الطفولة، يمكن أن يبدأ الناس بالانخراط في الصدمة بشكل سردي. عندما تكون قادراً على سرد قصةِ ما حدثَ بطريقة مضبوطة وآمنة، فإن ذلك يزيد قوتك في وجه أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، القلق و/أو الاكتئاب بشكل كبير.”
وتضيف أنه وبمجرد أن تقوم بقدر محكم من العمل في معالجة علاقاتك مع مقدم الرعاية في مرحلة الطفولة، فمن المرجح أن تعيد توجيه تركيزك على علاقاتك الشخصية في مرحلة البلوغ مع الشركاء العاطفيين، الأصدقاء وحتى مع زملاء العمل. يمكن أن يبدو الأمر غريباً بعض الشيء، إلا أن هذه الأمور ترتبط جميعها مع مساعدتك على العيش بأكثر الطرق الممكنة صحة.
بالإضافة إلى التركيز على عمل الطفل الداخلي مع معالجك بشكل شخصي، يمكن إجراء العلاج القائم على التعلق مع الشريك أو مجموعة أو أفراد العائلة.
أياً كانت طريقة العلاج، فستمارس على الأرجح تمارين تساعدك على التواصل مع نفسك وتكوين رابط مع الآخرين بشكل أفضل.
ما هي الأمور التي يساعد علاج التعلق في معالجتها؟
يمكن أن يساعدك علاج التعلق إذا كنت تعاني أعراض اضطراب القلق، أي إن كنت:
- تصارع لإنشاء روابط ذات معنى مع الآخرين
- تجد صعوبة في علاقاتك لأنك سهل التأثر عاطفياً
- تترك علاقاتك غير ناضجة بسبب الخوف
- تقلق إزاء الهجر في علاقاتك
- تشعر بالهمّ بأن شريكك لا يحبك بالرغم من كلماته وتصرفاته
- تجد نفسك شخصاً ” تواعد دائماً” خوفاً من أن تبقى وحيداً
- تشعر بأنك تائه ومرتبك في علاقاتك، خاصة عندما تصبح حميمية أكثر
- تشعر بتقدير منخفض للذات
فوائد عـلاج التعلق
يمكن أن يساعد علاج التعلق في معالجة بعض المشاكل الباطنية العالقة من مرحلة الطفولة والتي لا تزال تؤثر في قدرتك على تكوين علاقات ذات معنى في البلوغ.
تقول تيرا إس. غاردنر (Tyra S. Gardner)، عالمة نفس والمدير التنفيذي في مركز العافية لليقظة الذهنية:” إن الهدف الأساسي لعلاج التعلق وتقنياته المستخدمة هو مساعدة الفرد في اكتساب إحساس بالأمان والذي بدوره يعزز التوازن العاطفي والتواصل الاجتماعي المرح بالتزامن مع زيادة تقدير الذات والثقة بالنفس.”
فعالية عـلاج التعلق
كما هو الحال مع أيّ من أشكال العلاج الأخرى، تختلف فعالية علاج التعلق وتتنوع وفقاً لعوامل شتى، بما فيها مدى إصرارك وسهولة تأثرك (ضعفك) في القيام باستنباط عميق وتحقيق التقدم، علاقتك مع المعالج، وعدد وانتظام جلساتك العلاجية.
تنصح الدكتورة فينكل بالقول: “من المهم مناقشة خيارات العلاج مع أخصائي مهني بهدف فهم أي نهج هو الأكثر فائدة لك”، وتضيف: “العلاج القائم على التعلق علائقيٌّ للغاية، ما يعني أنه يعتمد كثيراً على طريقة تفاعل المريض مع الآخرين والتي ربما تكون صعبة التحليل سريرياً إذا كان العلاج فردياً.”
وتقول أن العلاج الجماعي والعلاج الأسري فعالان جداً مع نهج العلاج القائم على التعلق، خاصة للصغار والبالغين الشباب، ويمكن أن يكونا أكثر فعالية مع من يعايشون القلق، الاكتئاب أو يعانون من أفكار انتحارية.
أمور يجب أخذها في الحسبان في عـلاج التعلق
مرة أخرى، شأنه شأن أشكال كثيرة من العلاج، فإن العلاج القائم على التعلق ليس وصفة محددة تسير خطوة بخطوة، بل هو عملية طبيعية وسلسة. وحتى تلمس التقدم الفعلي، من المهم تبني موقف ” السير مع التيار” والتحلي بالانفتاح، وإدراك الأشياء التي يمكن أن تصبح صعبة بشكل مؤلم قبل أن تتحسن.
“عندما تحاول العمل على الإثارة المفرطة، كما هو الحال في رد الفعل المبالغ به على الشدائد الطبيعية، أو الإثارة المنخفضة؛ تقريباً مثل الشعور بالانفصال عما يجري في الحياة، يجب أن تكون قادراً على التقييم والعمل عبر كل سيناريو يظهر ويحفز رد الفعل هذا. إنها عملية عميقة؛ لكنها تستحق ذلك.” تقول فينكل.
كيف تبدأ علاج التعلق؟
دائماً ما تكون الخطوة الأولى هي الأصعب، لكن يُعد خوض العلاج استثماراً يؤتي بثماره على المدى الطويل.
إذا كانت تشعر أن علاج التعلق مناسب لك، خذ بالاعتبار السؤال والبحث عن أفضل الوسائل للوصول إلى هذا العلاج.
” قبل البدء، من المفيد أن تدوّن كيف تتجلى بيئة الطفولة أو الحياة المبكرة في حياتك اليومية عندما تشعر بالقلق الشديد كلما كنت وحيداً أو إذا كنت شريكاً أو صديقاً شديد التعلق والتشبث بالآخر”، تقول الدكتورة فينكل وتضيف: ” لكن راقب حياتك دون الحكم عليها، فذلك هو الأساس الحقيقي لهذا العمل (العلاج): لا تحكم على نفسك، بل تعلم كيف تحب كل جزء من حياتك والذي يساهم في صنع من تكون.”
اقرأ أيضاً: العلاج باستخدام التحليل السلوكي التطبيقي
المصدر: ?What Is Attachment Therapy
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم