لقد حان الوقت لدمج الطبيعة بحياتنا اليومية، ورغم أننا ندرك بديهياً أن رؤية الطيور والسناجب في الحديقة قد يؤدي لتهدئة أعصابنا، إلا أن الأدلة التجريبية تتصاعد بشأن فوائد علاج الطبيعة.
ما هو علاج الطبيعة؟
يقوم علاج الطبيعة، الذي يسمى أيضاً بالعلاج البيئي، على مفهوم استخدام الطبيعة لمساعدتنا على الشفاء، وخاصة من الناحية النفسية.
فبدلاً من قضاء الوقت في الاستمتاع بالبيئة الطبيعية والاستفادة منها، نحن نقضي معظم أوقاتنا في تصفح الإنترنت.
لم نعد نقضي الوقت في الخارج كالسابق، لتخفيف الضغط والتنفيس عن الغضب وشحن طاقتنا من جديد. ولم نعد نركب الدراجة في المرج أو نلعب في البحيرة، على سبيل المثال، كما كنّا نفعل عندما كنا أطفالا.
لقد استبدلنا تلك النشاطات الترفيهية بالمزيد من الوقت الذي نقضيه على وسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو. فأصبحنا مجتمعاً مـُـجهَداً يعاني مختلف الأمراض الصحية النفسية.
العلاج الأخضر والأزرق
قد تسمع أن علاج الطبيعة يدعى أيضاً “الرعاية الخضراء”، “التمارين الخضراء” ، أو “العلاج الأخضر” .ذلك لأن فائدته تكمن في قضاء الوقت في المساحات الخضراء.
لكنَّ العلاج بالطبيعة يشمل أيضاً قضاء الوقت قرب المحيطات والأنهار والبحيرات الزرقاء الهادئة. إذ أن التواجد بالقرب من البيئات المائية له تأثير ترميميّ نفسي، فاللون الأزرق يجسّد السكينة والهدوء.
أجرت منظمة مشروع الصحة الزرقاء دراسات حول العلاقة بين المساحات الزرقاء والصحة في 18 دولة في جميع أنحاء أوروبا.
بعد معاينة 18.000 شخص، اكتشف الباحثون أن الناس يشعرون بتحسن عندما يكونون قرب الممرات المائية.
في الواقع، أظهرت البيانات ترابطاً إيجابياً بين الصحة و زيادة التعرض للمساحات الزرقاء الخارجية. خصوصاً فيما يتعلق بالفوائد على الصحة النفسية ورفاهية الحياة. لذا، قام الباحثون بتوسيع مفهومهم للعلاج البيئي ليشمل المساحات الزرقاء أيضاً.
طرق علاج الطبيعة المختلفة
هناك مجموعة من البرامج العلاجية القائمة على الطبيعة والمتاحة للجميع. إذ توجد طرق مريحة للعلاج، مثل القيام بأعمال البستنة في الفناء الخلفي، المشي في حقل من الزهور أو الإبحار في قارب صغير في النهر.
قد يشمل علاج الطبيعة أو العلاج البيئي أيضاً الأنشطة أو العلاجات التي تساعد في تخفيف الضغط النفسي. ويتلقى فيها الفرد توجيهاً رسمياً من قبل المعالجين والقادة المدرّبين.
فيما يلي بعض العلاجات الطبيعية ذات الطابع الرسمي:
العلاج من خلال الزراعة، ويتضمن العمل مع المحاصيل الزراعية ويكون أحياناً مع مجموعة من الأشخاص.
الـعلاج بمساعدة الحيوانات، يتضمن اللعب أو تدريب الخيول أو الكلاب.
العلاج بالمغامرة، الذي يتميز بالتجذيف في المياه البيضاء أو تسلق الصخور.
الـعلاج البري (الرعاية الصحية السلوكية في الهواء الطلق)، والذي يساعد في كثير من الأحيان مجموعات من المراهقين والشباب الذين يعانون من مشاكل سلوكية.
العلاج في الغابات، الذي يـُـدعى أيضاً استحمام الغابات، هو ممارسةٌ يقظة تستعمل فيها حواسك الخمس أثناء السير في الغابة.
فوائد التواجد في الطبيعة
ما يظهره العلم هو أننا نستطيع جني قوى الشفاء التي تقدمها لنا الطبيعة الأم. بالإضافة إلى كسب مجموعة من فوائد الصحة النفسية، ولكن هل نحن حقاً نشارك فيما قد يكون حلاً سهلاً وفعالاً لمشاكلنا؟
تعمل أحدث الأبحاث في مجال علم النفس على تعزيز معرفتنا حول فكرة أن قضاء الوقت في الطبيعة يشكّل وسيلة منخفضة التكاليف وعالية الفعالية لتحسين جوانب مختلفة من صحتنا النفسية وعافيتنا.
كما نـُـشرت العديد من الكتب والمقالات حول كيفية تعزيز السعادة، وإحدى الطرق التي ثبُتت صحتها هي قضاء المزيد من الوقت في الطبيعة.
في استعراض بحثٍ مكثّف سابق، ساعد الدكتور جريجوري براتمان، وهو أستاذ مساعد في جامعة واشنطن، في تخطيط دورة لصناع السياسات.
إذ أراد هو وفريقه إنشاء إطار عمل لقياس الفوائد الصحية النفسيّة للطبيعة حتى يتمكّن مخططو المدن من دمج البيئات الطبيعية في خطط البناء المستقبلية.
في دراسته، التي نـُـشرت في مجلة ” تقدّم العلوم”، وجد براتمان وزملاؤه أدلة على أن الاتصال مع الطبيعة يرتبط بالعديد من الفوائد. بما في ذلك الزيادة في إحساس السعادة، الشعور بالرفاهية، التفاعلات الاجتماعية الإيجابية، والشعور بمغزى الحياة.
علاج الطبيعة يفيد في تقليل القلق، التوتر والاكتئاب
لأن كلاً من القلق، الإجهاد والاكتئاب يؤثر الآن على طلاب الجامعات في الولايات المتحدة بمعدلات خطيرة. فحصت دراسة أخرى 14 دراسةً منشورة سابقاً تتعلق بالبالغين في سن الجامعة. حيث ساعدت البيئات الغنية بالطبيعة بشكل لا لُبس فيه على خفض الاضطرابات النفسية.
قارنت الدراسة بين المناطق المدنية والبيئات الطبيعية. وكشفت أيضاً أن وقتاً قليلا فقط هو ما تحتاجه البيئة للتأثير على هؤلاء الطلاب.
أظهرت الدراسة أيضا أنه بقضاء 10 دقائق على الأقل، إما في الجلوس أو المشي في مساحة من الأماكن الطبيعية. كان هناك تأثير كبير ومفيد على الصحة النفسية للمشاركين. حيث استخدم العلماء علامات نفسية وفيزيولوجية رئيسية لقياس ذلك.
رفع مستوى الفوائد المعرفية
يحبّذ الدماغ قضاء وقت في الطبيعة؛ فعندما نقضي الوقت في الطبيعة يزداد التركيز بشكل أفضل (إدراك حاد). إذ أظهرت دراسة حديثة أخرى أن التعرّض للبيئات الطبيعية جيدٌ لعمل الدماغ من حيث تحسين الأداء في الذاكرة العاملة، والمرونة الإدراكية، ومهام التحكّم بالانتباه.
كيف نجلب الطبيعة إلى الداخل؟
لأسباب اجتماعية واقتصادية، لا يتمتع الجميع بسهولةِ الوصول إلى المساحات الخضراء أو الزرقاء. بالإضافة إلى ذلك، فإنه خلال الطقس العاصف وشهور الشتاء الباردة، حتى الذين يملكون الوسيلة لذلك قد لا يختارون قضاء الوقت في الطبيعة، وأحياناً قد لا يميل بعض الناس للتجول عبر النهر أو التنزه في محمية طبيعية.
إذا كان لديك وقت أو إمكانية وصولٍ محدودة لتلك الأماكن الخضراء أو الزرقاء، أو ربما جدولُ عملٍ مكثف، أو مجردُ شعورٍ بعدم الراحة في قضاء فترات طويلة من الوقت في البرد، فلا يزال بإمكانك الوصول إلى الطبيعة بسهولة من خلال:
- وضع المزيد من النباتات داخل المنزل، فهي لا تزيل السموم من الهواء فحسب، بل تُظهر الأبحاث أن الأشخاص الذين يقضون وقتاً حول النباتات لديهم اهتمام وتعاطف وشفقة أكبر تجاه الآخرين إضافة إلى أن علاقاتهم الاجتماعية تكون بأفضل حال.
- قم بتزين منزلك بلوحات أو صور الطبيعة، اختر المناظر الطبيعية الجميلة والحدائق الخصبة. في دراسة حديثة أيضاً حول الفوائد الصحية للطبيعة، وجد الباحثون أن النظر إلى مشاهد خضراء جميلة أدى إلى انخفاض مستوى الإجهاد والتوتر لدى المشاركين.
- تحميل المقاطع الصوتية المهدئة الخاصة بالطبيعة، لا تستخفّ بقوة الاستماع الى صوت شلال أو صوت المطر، إذ لا تقتصر الفائدة فقط على تعزيز الاسترخاء والشعور بالسكينة والهدوء بل تشمل أيضا استعادة الانتباه وتحسين الأداء المعرفي.
في إحدى الدراسات والتي نُشرَت في مجلة ” نشرات ومراجعات نفسية ” كان أداء المشاركين الذين استمعوا إلى أصوات الطبيعة، وتحديدا أصوات أمواج المحيط و صرير الجداجد، أفضلَ في الاختبارات من نظرائهم الذين استمعوا إلى أصوات المناطق المدنية مثل حركة المرور وأبواق السيارات.
المصدر: How Nature Therapy Helps Your Mental Health
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم