يـُـعد الانتحار العامل الثاني المسبب للوفاة بين المراهقين في الولايات المتحدة الأمريكيّة وفقاً لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)، بالإضافة إلى أن معدلات الاكتئاب والانتحار بين المراهقين في أمريكا في ازدياد منذ عقود. لكن ما علاقة المخدرات والجنس بالانتحار؟
على الرغم من وجود العديد من العوامل التي تؤدي إلى هذه الزيادة. إلا أن عدّة دراسات تشير إلى ارتباطٍ بين الانتحار والسلوكيات عالية الخطورة، مثل ممارسة الجنس وتعاطي المخدرات.
فيما يتعلق بالسلوكيات عالية الخطورة، وجدت إحدى الدراسات أن المراهقين ممن يـُـقبِلون على عادات مثل الشرب والتدخين والنشاطات الجنسية، هم أكثر عرضة للاكتئاب والأفكار الانتحارية ومحاولات الانتحار. ووجدت الدراسة أيضاً أن معدلات الانتحار المحتملة كانت أعلى بين المراهقين الذين يتعاطون المخدرات.
على الرغم من ذلك، فمن المهم ملاحظة أنه لم يتم تحديد أن ذلك هو السبب والنتيجة المباشرة بعد. لكن من المرجح أن السلوكيات الخطيرة والانتحار يحدثان معاً.
عوامل الخطر
على سبيل المثال، وجد الباحثون خلال الدراسات الحديثة حول المراهقين في كوريا أنه و بالرغم من أن 35% من المراهقين الذين يتعاطون المخدرات حاولوا الانتحار، إلا أنهم كانوا أيضاً أكثر عرضة لمشاكل الصحة النفسية الراهنة.
وأظهرت هذه النتائج أن تعاطي العقاقير المخدرة ومشاكل الصحة النفسية، بما فيها خطر الانتحار، يمكن أن يحدُثا معاً.
كذلك، وجد الباحثون أن الاكتئاب وتعاطي عقاقير مخدرة متعددة تشكل عوامل خطر مستقلة.
وبينما لاحظوا ارتباط ضحايا العنف والمسرفين في شرب الكحول بمحاولات انتحارٍ أيضاً. إلا أن هذه العوامل لم تـُـعدّ عوامل مساهمة بشكل ملحوظ بعد الانتقال إلى متغيرات أخرى (تعاطي المخدرات مثلا).
في الوقت نفسه، أظهر استعراض تحاليل لـ 43 دراسة مختلفة لما يقارب 900.000 مشارك أن هناك علاقةً قويةً بين الاضطرابات الناشئة عن تعاطي المخدرات والتفكير الانتحاري، محاولات الانتحار والموت أيضاً.
بالارتكاز على الأدلة التي تم استعراضها، خلُص الباحثون إلى أن تعاطي المخدرات بصورة غير مشروعة، من أي نوعٍ كانت، ينبغي أن يُعد عامل خطر هام للانتحار.
بينما هناك شك ضئيل أن هذه العوامل قد تساهم في ضعف الصحة النفسية لدى المراهقين، إلا أن العلاقة بين كل هذه العوامل هي علاقة معقدة.
يؤكد الباحثون في جميع الدراسات أن المراهقين الذين ينخرطون في سلوكيات محفوفة بالخطر كـ تعاطي المخدرات، النشاطات الجنسية، التدخين باستخدام السجائر الالكترونية (vaping) والإفراط في الشرب، يجب فحصهم أيضاً فيما يتعلق بالتفكير الانتحاري.
أيضاً، قد يكون من الحكمة سؤال المراهقين مثلاً حول الأفكار والخطط الانتحارية خلال علاجهم. أو منعهم من استخدام العقاقير المخدرة (التعاطي). وقد يحتاج المراهقون مساعدةً للتعامل مع كلتا الحالتين خلال رحلة التعافي.
سواءً كانت هذه العوامل والسلوكيات مسببةً للتفكير الانتحاري لدى المراهقين أم لا، فمن المهم معرفة أنها مرتبطة بالتأكيد به. وفي حال رأيت أيضاً أي من هذه النشاطات في حياة طفلك المراهق، فمن المهم توخي الحيطة والحذر.
ممارسة الجنس والاكتئاب لدى المراهقين
لا تعني المشاركة في السلوكيات الجنسية أن المراهقين سوف يصابون بالاكتئاب بشكل تلقائي أو يقومون بالانتحار. ذلك لأن نوع العلاقة وسياقها يصنع فرقاً في هذا الأمر.
وجد فريق من الباحثين من جامعة كورنيل (Cornell) عام 2018، أن المراهقين ممن يمارسون الجنس بشكل مؤقت أو دون حب أو “كعلاقة عابرة” قد يكونوا أكثر عرضةً للاكتئاب مقارنة بأقرانهم ممن يمارسون الجنس وفق علاقات مستقرة.
على نحو مماثل، وجدت دراسة أخرى أن العمر الذي يبدأ به الفرد بممارسة الجنس هو عامل مساهم أيضاً في الإصابة بالاكتئاب خصوصاً بين الفتيات.
على سبيل المثال، قيّم الباحثون أكثر من 4000 مراهق ووجدوا أنّ الفتيات المراهقات ممن مارسنَ الجنس قبل عمر الـ17 من المرجح أنهنَّ أكثرعرضة للاكتئاب.
بينما تشير دراسات أخرى إلى أن المراهقين الذين لديهم نشاط جنسي والذين يشاركون بإرسال محتوى جنسي عبر الإنترنت. قد يكونوا أكثر عرضة لمشاكل الصحة النفسية. كما أنهم أكثر عرضة للانحراف والجنوح.
من المهم ملاحظة أن السلوكيات والنشاطات المحفَّزة جنسياً قد تؤثر على الصحة النفسية لدى المراهقين. لهذا السبب يجب على الوالدين الوعي بالمخاطر المُرتبطة بالنشاطات الجنسية في عمر مبكر. وتوفير الوقت للتحدث مع أطفالهم حول موضوع الجنس وقبوله.
تعاطي المخدرات والاكتئاب لدى المرهقين
تشير الأبحاث عام 2018 إلى انخفاض تعاطي المراهقين وشربهم الكحول عن العقود السابقة. باستثناء الرائجة منها مثل تعاطي القنب الهندي (الماريجوانا) الذي بقيت معدلاته ثابتة، والتدخين بواسطة السجائر الإلكترونية (Vaping) الذي زاد معدله بشكل واضح.
الأكثر من ذلك، هو ميل المراهقين لاستخدام الماريجوانا بشكل يومي بدلاً من السجائر (التبغ).
في الواقع، بينت نتائج الاستطلاع السنوي للمعهد الوطني للصحة، أن عدداً أقل من المراهقين ممن هم في المدرسة الآن، يرفضون تعاطي القنب الهندي (الماريجوانا) بانتظام.
لكن ماهو الرابط بين تعاطي المخدرات والانتحار؟
وفقاً لإحدى الدراسات، هناك رابط سببي بين تعاطي المخدرات والانتحار. فعلى سبيل المثال، اكتشف الباحثون أن سوء تعاطي المواد المخدرة مرتبط بشكل أكبر بالسلوكيات الانتحارية لدى الفتيات والشبان.
بالإضافة إلى ملاحظتهم أن التعاطي قد يسبب أيضاً صراعاً لدى المراهقين في علاقاتهم مع أقرانهم، وفشلاً في القيام بالالتزامات اليومية كالذهاب إلى المدرسة أو إتمام الواجبات المدرسية؛ وكلها تزيد خطر الانتحار.
أشار الباحثون أيضاً إلى أن آثار تعاطي المخدرات قد يعرقل اتخاذ القرارات الصائبة عند المراهقين. ويحدّ من ضبطهم وسيطرتهم على الانفعالات والتي بدورها تساهم في السلوك الانتحاري أيضاً.
الفحص والعلاج
إذا كان ابنك منخرطاً في سلوكيات خطرة، كممارسة الجنس وتعاطي المخدرات. فمن المهم أيضاً إدراكك لاحتمالية ازدياد خطر إقدامهم على الانتحار. لذا احرص على الانتباه لعلامات الانتحار وتعاوَن بشكل وثيق مع أطباء ومرشدي ابنك المراهق.
إضافة إلى ذلك، من المهم الانتباه أيضاً للفروق بين أسباب وعوامل الخطر. فعندما يتعلق الأمر بتعاطي المخدرات و بنشاطات ممارسة الجنس لدى المراهقين. فهما سببان يزيدان من خطر الانتحار لديهم ولكن ليسا بالضرورة مسببان له. لكن يبقى الرابط بينهم مُهمّاً ويجب أخذه بعين الاعتبار.
من المهم فحص المراهقين للكشف عن الاكتئاب في حال أبلغوا عن ممارستهم للجنس مع تعاطي المخدرات أو بدونه. أيضاً، يجب فحص أي مراهق يفيد بمشاركته في هذه السلوكيات؛ خصوصاً عندما تكون أكثر من مجرد “تجربة للمتعة”، وذلك فيما يتعلق بالتفكير الانتحاري.
في حال كنت تعلم بأن طفلك مشارك بهذه السلوكيات، اطلب من طبيبه الخاص فحصه فيما يتعلق بالاكتئاب وخطر الانتحار.
استمر أيضاً بالتحدث إلى طفلك حول المخاطر المرافقة للأنشطة الجنسية وتعاطي المخدرات.
في الواقع، أظهرت الدراسات أن نُهُج الحدّ من الضرر أكثر فعالية خاصة إذا تمت مقارنتها مع التربية الجنسية التي تقتصر على منع ممارسة الجنس فقط. بالإضافة إلى أن تزويد الأبناء بمعلومات عن وسائل منع الحمل والحصول عليها لا يسبب زيادة في النشاط الجنسي.
ينطبق الأمر ذاته بالنسبة للانتحار أيضاً، فالحديث عنه مع ابنك المراهق لا يقدّم له فكرة الانتحار ولا يزيد من احتمالية أنه بذلك سوف ينهي حياته. بل على العكس، يُظهر هذا الأمر أنك شخص يمكنه التحدث إليه وبأنك تحترم ما يشعر به طفلك.
خلاصة
قد يسبب بدء ظهور النشاط الجنسي، ضغط الأقران (peer pressure)، تعاطي المخدرات وشرب الكحول عند المراهقين شعورا بالقلق في حياتهم. لهذا السبب، من المهم أن تفهم كيف يمكن لهذه السلوكيات أن تكون أحياناً سبباً مرتبطاً بظهور الاكتئاب والانتحار أيضاً.
يتضمن هذا الإدراك قدرتك على التعامل مع هذه الحقائق لاستخدامها عند التحدث مع ابنك المراهق حول هذه مواضيع الجنس وتعاطي المخدرات بشكل منفتح ودون خجل.
يحتاج الفرد في عمر ما قبل المراهقة والمراهقة للوصول إلى معلومات دقيقة وفعالة، إضافة إلى مصادر تساعده ليكون على اطلاع تام بكل ما يخص صحته الجنسية وتعاطي المخدرات وحالات الصحة النفسية.
بالتالي، من الجيد جداً مساعدتهم على إدراك علامات خطر الانتحار، تعاطي المخدرات والاكتئاب. وتوجيههم نحو مصادر المساعدة المتاحة سواءً في المدرسة أو ضمن المجتمع حولك.
اقرأ أيضاً: تأثير الاكتئاب على الجنس والنشوة الجنسية، والأعراض المحتمل مواجهتها
المصدر: Does Sex and Drug Use Increase Teen Suicide Risk
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم