تشكل كل من الذات، الأنا والشخصية المجالات الرئيسية الثلاث للوعي البشري وتنفصل عن بعضها البعض من خلال الفلاتر.
يُطلق على الفلتر بين الذات التجريبية والأنا اسم فلتر فرويد (Freudian Filter)، وهو ينظم دوافعنا ومشاعرنا اللاواعية.
ويُطلق على الفلتر بين الأنا والشخصية اسم فلتر روجر (Rogerian Filter) وهو يمثل الطريقة التي ندير بها انطباعاتنا.
يُطلق على الفلتر بين العمليات العصبية المعرفية اللاواعية الأساسية والتجارب الذاتية الواعية اسم الفلتر الانتباهي (Attentional Filter).
ثلاثة مجالات أساسية للوعي البشري
بالإضافة إلى القدرة الأساسية للإدراك الحسي، تحدد النظرية الموحدة للمعرفة (Unified Theory of Knowledge / UTOK) ثلاثة مجالات أساسية للوعي البشري.
الأول هو الذات التجريبية (experiential self) أو الرئيسية. والتي تتضمن كلاً من القدرة على التجربة الذاتية والطريقة التي يتم من خلالها الرجوع إلى التصورات ضد الدوافع والمشاعر ذات الصلة بذات الفرد. يتشارك الإنسان السمات الأساسية لمجال الوعي هذا مع الثدييات الأخرى.
المجال الثاني هو الأنا (Ego)، والذي يشير إلى قدرة السرد القائمة على اللغة لنظام التفسير الخاص بك. إن الـ “أنا” هي التي تصف وتقيم وتشرح “الذات” عندما تكون منخرطاً في تأمّل وعي ذاتي صريح.
أخيراً، تشير الشخصية (persona) إلى الطريقة التي تعرض بها هويتك في العالم الاجتماعي لإدارة الانطباعات وتنظيم دورك ومكانتك في الميدان الاجتماعي.
نظم التبرير وفهم تطور الأنا
تم تحديد هذه المجالات في النظرية الموحدة للمعرفة عبر نظرية نظم التبرير (Justification Systems Theory/JUST).
على وجه الخصوص، تجادل (JUST) بأنه يمكننا فهم تطور الأنا والشخصية البشرية على أنها تنشأ من حقيقة أن مع اللغة الافتراضية جاءت مشكلة وجوب تبرير الذات للآخرين.
تنص النظرية على أن هذه مشكلة مركزية ترسم الترتيب الهيكلي والوظيفي لفكرنا المفترض القائم على اللغة.
كما أنها تقدم تنبؤات واضحة جداً فيما يتعلق بالعلاقة بين مجالات الوعي. على وجه الخصوص، تفترض (JUST) أنه يجب أن تكون هناك أنواع محددة من عمليات الفلترة (التصفية) موجودة بين كلّ من الذات التجريبية، الأنا والشخصية.
هذه العمليات الديناميكية هي المكان الذي نجد فيه اثنين من الفلاتر الثلاث للوعي.
وفقاً لـ (JUST)، يجب أن تروي الأنا ما يحدث للذات التجريبية الرئيسية وأن تفعل ذلك مع مهمة تطوير سرد مبرر للأحداث. هذا يعني أنه يجب أن تكون هناك فلاتر مرتبطة بكيفية تفسير الأنا للذات التجريبية.
على وجه التحديد، يجب أن تعمل بهدف تصفية أو فلترة الاندفاعات، الصور، الأفكار والمشاعر غير المبررة. وبعد ذلك، العمل على تطوير روايات مبررة لتلك التجارب والدوافع والصور المعترف بها.
بالإضافة إلى ذلك، يجب تجربة واعتبار الأفكار والمشاعر القوية التي لا تستطيع الـ أنا التحكم بها أو إنكارها على أنها غريبة و”مرفوضة من الأنا“.
فلتر فرويد
بالطبع، فإن المعالجين ذوي التوجه النفسي الديناميكي قد حددوا فيما سبق وبدقة هذه الأنواع من العمليات والعلاقات الديناميكية (المتغيرة) بين العمليات الذاتية الواعية وغير الواعية (اللاشعورية).
في الواقع، فكرة أن الـ أنا تعلو الأجزاء الأكثر حيوانية من حياتنا النفسية وتصفّي (تفلتر) العمليات غير المرغوب فيها عن طريق الكبت أو الكبح والقمع. ثم عقلنة تلك الأجزاء لإدارة إحساسنا بالذات في العالم العلائقي هي مجموعة أساسية من الرؤى للتقليد الفرويدي.
بسبب هذه المجموعة من الرؤى المأخوذة من النظرية النفسية الديناميكية، فإن (UTOK) تطلق على الفلتر بين الذات التجريبية الرئيسية والـ أنا اسم ” فلتر فرويد”.
إنه يعمل بين الصور، والدوافع والاندفاعات غير اللفظية وبين السرد اللفظي. في طريقة التفاعل أو الربط هذه، الديناميكية الأساسية التي يحاول هذا الفلتر تحقيقها هي ترجمة الذات التجريبية إلى سرد مبرر وكذلك تنظيمها بحيث تتوافق وتتماشى.
تفترض نظرية الوعي البشري التي قدمتها (JUST) أنه يجب على البشر إدارة مكانهم على المسرح الاجتماعي.
على وجه التحديد، يمكن فهم الأشخاص جزئياً على الأقل على أنهم ممثلون (فاعلون) على خشبة المسرح الاجتماعي. ومسؤولون عن دورهم ومكانهم ويتم تنظيمهم من خلال توقعات وأحكام الآخرين.
لكي يتم تقييمهم وحصولهم على التأثير الاجتماعي، يجب أن يلعبوا هذا الدور بشكل مناسب على الأقل. وبطريقة تنسجم مع توقعات ومتطلبات الشبكة الاجتماعية التي يعيشون فيها.
توضح هذه الديناميكيات ما يعرفه كلّ منا جيداً كـ أشخاص ينتمون إلى البشر: يجب علينا تنظيم الانطباعات التي نخلقها على المسرح الاجتماعي. وهذا يعني أن هناك فلتراً بين الـ أنا والذات الخاصة، والذات العامة التي نقدمها للآخرين.
بعبارات أساسية، يمكننا أن نطلق على ذلك اسم “فلتر من الـ خاص إلى الـ عام“. ومع ذلك، تتيح لنا (JUST) أن نكون أكثر تحديداً ونربطه بمجال رئيسي آخر من الفكر النفسي.
فلتر روجر
قدم كارل روجرز (Carl Rogers) عدداً من الأفكار والرؤى القوية في علم النفس المرضي عندما أدرك الديناميكية المركزية في الإبحار والخوض داخل الأحكام على الآخرين وتقييماتهم.
على وجه التحديد، رأى أن محاولة تلبية مطالب الآخرين دفعت العديد من الأشخاص إلى استبعاد جوهر ذواتهم. وهو ما أشار إليه بعملية التقييم الأساسي للإنسان. وبدلاً من ذلك يحجبون ذواتهم ليمتثلوا للآخرين.
لسوء الحظ، فإن القيام بذلك غالباً ما يترك الناس يشعرون بالفراغ والعزلة وانقطاع التواصل. بسبب أفكار روجرز هذه، تطلق (UTOK) على فلتر “الخاص إلى العام” اسم “فلتر روجر“.
يظهر الفلتران (الفرويدي والروجيري) كيف أن فكرة نظرية تبرير النظام تقدم إطاراً تفسيرياً سببياً لتوحيد بعض أهم الأفكار والرؤى النابعة من الفكر النفسي الديناميكي والإنساني.
الفلتر الانتباهي
الفلتر الثالث والأخير هو أكثر أساسية من قبله؛ إنه يشير إلى العملية التي من خلالها تصبح العمليات العقلية اللاواعية أو اللاشعورية أهدافاً للوعي الإدراكي الذي يمكننا تجربته.
تم استكشاف هذه المشكلة من قبل علماء علم الأعصاب المعرفي والباحثين في مجال الوعي. تأتي إحدى أبرز مجموعة التحليلات بشكل خاص حول هذه المسألة من عمل ديهين (Dehaene) عام 2014 على نموذج مساحة العمل العصبية العالمية للوعي.
يظهر عمله كيف أن الانتباه هو جانب تركيز مركزي للتجربة الواعية (على الرغم من أنه ليس مرادفاً لها). في الواقع، يمكننا التفكير في العمليات الانتباهية على أنها بمثابة نوع من الفلترة بين العمليات العصبية المعرفية اللاواعية وتلك التي تظهر في وعينا التجريبي.
تقدم (UTOK) خريطة للعمليات النفسية التي تفرّق بين العمليات النفسية اللاواعية أو اللاشعورية وبين التجارب الذاتية الواعية. تؤطّر خريطة العقل هذه (Mind1,2,3 ) الوظائف العصبية المعرفية على أنها عمليات ( Mind1 ) والتجارب الذاتية الواعية على أنها (Mind2 )؛ الفلتر الانتباهي هو الفلتر الذي ينظم بينهما.
تصنف (UTOK) أيضاً العمليات السردية للوعي الذاتي على أنها مجال (Mind3). بعض هذه العمليات خاصة وتسمى (Mind3a) وبعضها عام ويسمى (Mind3b).
يمكننا بعد ذلك أن نرى أن فلتر فرويد يقع بين (Mind2 ) (الوعي التجريبي) و بين (Mind3a) ، بينما يوجد فلتر روجر بين (Mind3a) و(Mind3b).
بإيجاز، تحدد النظرية الموحدة للمعرفة (UTOK) ثلاثة فلاتر أساسية للوعي البشري. ينظم فلتر الانتباه عمليات العقل اللاواعي (Mind1) التي قد تنبثق في العقل (Mind2). وينظم فلتر فرويد العلاقة بين كل من (Mind1) و (Mind2) والـ أنا، والتي هي (Mind3a). ينظم فلتر روجر التفسيرات اللفظية الخاصة (Mind3a) مع ما يُصرح به علناً (Mind3b)، ويكون هذا في مجال الشخصية.
خلاصة
من خلال تحليلها لـ فلاتر الوعي البشري، وخريطتها لمجالات العمليات العقلية، ونظريتها حول سبب تطور الوعي الذاتي البشري مع البنية و الديناميكيات الوظيفية التي قام بها، تتيح لنا نظرية (UTOK) أخيراً توضيح طبيعة الوعي البشري بشكل ميتافيزيقي، وجودي، ومعرفي، وما وراء النظريات. هذا هو أحد الأسباب التي تجعل “النظرية الموحدة للمعرفة – UTOK” اسماً على مسمى.
اقرأ أيضاً: مبدأ اللذة ومبدأ الواقع، البحث عن الإشباع والرضا
المصدر: The Three Filters of Consciousness
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم