يتبع العديد من الآباء في تأديب أبنائهم المراهقين أسلوب سلب امتيازات استخدام الأجهزة الخلوية وألعاب الفيديو أو تحديد وقت استخدامهما أو فرض مهام منزلية إضافية. رغم أن هذه الاستراتيجيات قد تنفع مرة ولكن ليس كل مرة؛ إذ تفقد تأثيرها بعد حين. إذاً، كيف تضبط سلوكيات مراهق لا يبالي بالعواقب؟ إليك بعض النصائح من المدرسة السلوكية ستساعدك في ضبط سلوكيات المراهقين.
العواقب والنظرية السلوكية
اتباع العواقب للتأديب هي أحد أمثلة الضبط السلوكي الذي يستند إلى المدرسة السلوكية، وهو نمط شائع من أساليب تأديب المراهقين التي يصفها المعلمون وأتباع المدرسة السلوكية.
على الرغم من إمكانية استخدام نوعي العواقب الإيجابي والسلبي، فعادةً ما يكون نوع العواقب التي يوظفها الآباء سلبياً
السلوكية هي نظرية أو عقيدة تشرح كيف تؤثر البيئة على سلوك الحيوان أو الشخص. وتؤكد أن البشر والحيوانات ليسوا أحراراً في التصرف على هواهم، بل هناك قوى خارجية تتحكم بهم.
يعتقد علماء المدرسة السلوكية أنه يمكن تغيير السلوك مع تغير البيئة من خلال عملية تسمى التكيّف الفعال (الإشراط). من خلالها، يمكن لأي شخص تكوين ارتباط بين البيئة والسلوك. يتعلم المرء كيف يتصرف في بيئة معينة من خلال التعلم الترابطي (associative learning).
في ضوء هذه الرؤية، فإن البيئة هي التي تحدد سلوك الطفل. إذ تنشأ السلوكيات السلبية نتيجة التدريب السيء، وفي حال تطبيق العواقب الصحيحة، سنحصل على سلوكيات ملائمة.
تراجع المدرسة السلوكية
اكتسبت المدرسة السلوكية شعبية في الستينيات وكانت هذه هي المرة الأولى التي يعد فيها علم النفس علماً لأنه يمكن للمرء أن يكرر النتائج بشكل موثوق باستخدام نفس المدخلات (الأساليب). أظهرت العديد من التجارب باستخدام الحيوانات، مثل الحمام أو الفئران، قوة التعلم المشروط.
إذاً، ما هي المشكلة؟ المشكلة هي أن الناس ليسوا فئران تجارب، إنهم أكثر تعقيداً من حيوانات المختبر. وافتراض أن كل ما يفعله الشخص يمكن تفسيره أو تأثره بالبيئة أمر غير صحيح، وقد تم إثبات ذلك بوضوح في الدراسات.
بينما يتراجع استخدام النظرية السلوكية وتأثيرها في علم النفس، إلا أنه لم ينتشر تراجع تطبيقها بين الآباء. لا يزال الكثير منهم يستخدمون العواقب لتأديب أطفالهم لأنها تبدو نافعة حقاً.. ولكن فقط في المرات القليلة الأولى التي يطبقونها.
لما لا يزال ضبط (إدارة) السلوك مستخدماً في الفصول الدراسية؟
بعد كل هذا، لما لا يزال يتعلم المدرسون إدارة السلوك خلال التدريب إذا كانت النظرية السلوكية قاصرة في بعض المناحي وهل هي مفيدة في ضبط سلوكيات المراهقين؟
من الشائع اتباع المعلمين إدارة السلوك في الفصل نظراً لفعاليتها في التحكم بسلوك المجموعة. على المدى القصير، يمكن أن تؤثر تقنيات الضبط السلوكية على أداء الجموع بشكل موثوق. لهذا السبب يبدأ معظم الآباء في استخدام العواقب. لكن النتائج السلبية لها قصيرة الأمد ولا تدوم عادة.
ببساطة لأن الطفل ليس حمامة ويمتلك عقلاً ينطوي على الفكر والعملية الذهنية التي يتجاهلها علماء السلوك ببساطة عند الترويج للنظرية السلوكية.
لماذا تعد العواقب التأديبية ضارة للمراهقين خصوصاً
الشجار المستمر مؤذ للصحة النفسية لأي شخص، لكنه ضار بشكل خاص للمراهقين لأن أدمغتهم تكون أكثر عرضة للخطر خلال فترة المراهقة. للصراعات بين الآباء والأطفال صلة بالعدوانية، مشكلات التحكم بالغضب، القلق والاكتئاب في فترة المراهقة.
يميل المراهقون الذين ينخرطون في مستويات نزاع عالية مع ذويهم لإظهار مشكلات في المزاج، العواطف والسلوك.
تعد الشجارات حول المشكلات المنزلية العادية أحد أوضح المؤشرات التنبؤية لعدم القدرة على التكيف في فترة المراهقة وترافقه أيضاً عدة اضطرابات نفسية مثل اضطراب السلوك واضطراب المتحدي المعارض.
كيفية تأديب مراهق لا يبالي بالعواقب
إليك بعض الأساليب والاستراتيجيات التي ستساعدك في ضبط سلوكيات مراهق لا يبالي بالعواقب.
لا تستخدم العواقب رغبةً في التأديب
توقف عن معاملة طفلك وكأنه حيوان مختبر؛ فهو يمتلك مشاعر وأفكار مثل كل الناس. تخيل معاقبة شخص ما لك بشكل يومي لكي تخضع لإرادته، فهل تعتقد أنك ستقبل بكل سرور وتنصاع في كل المرات؟ ربما تفعل ذلك في البداية، لكن من المحتمل في مرحلة ما أن تبدأ في الشجار معه.
قد تجادله بشأن القوانين أو العقوبة، وقد تغضب أيضاً عندما لا يجدي ذلك نفعاً، وهذا طبيعي لأنك تبحث عن العدالة والحماية لذاتك، وتظهر نوبات الغضب لأنك مستاء ومحبط.
لكن عندما يجادل الطفل وينزعج، نطلق عليه لقب “المراهق المتمرد”. لذلك، عندما نعاقب المراهقين ولا نسمح لهم بالرد فإننا لا نعاملهم كحيوانات مختبر فقط بهذا الشكل، بل كمواطنين من الدرجة الثانية ليس لديهم الحق في التحدث أو الدفاع عن أنفسهم ويخرج الأمر عن كونه مراهق لا يبالي بالعواقب.
علّمهم كيف يفكرون
التأديب يعني التوجيه وليس العقاب؛ فالغاية من التأديب ليست جعل الطفل يعاني بل تعليمه السلوك الإيجابي. وأفضل طريقة لذلك هي تعليمه كيفية التفكير النقدي، إذ تعد مهارات التفكير النقدي جوهرية لتطور ونمو المراهقين.
يخبر الآباء أطفالهم بما يجب عليهم فعله منذ نعومة أظفارهم. هذه العادة متأصلة فينا، لكن المراهقين لم يعودوا أطفالاً.
يطور هؤلاء الشباب استقلاليتهم، لذا لا يمكننا أن نقول لهم فقط ما يجب عليهم فعله، إنما يجب أن نفسر سبب وجوب قيامهم بذلك؛ وهذه هي الطريقة التي يتعلم بها المراهقون اتخاذ قرارات صائبة.
لا يطور المراهقون فجأة حكماً سليماً بمجرد بلوغهم سن الثامنة عشرة، إنها مهارة تتطلب وقتاً وممارسة لتطويرها. عندما تضع الحدود المناسبة، زودهم بالأسباب واشرح إيجابيات وسلبيات كل قرار بحيث تكون أمامهم عملية لاتباعها عندما يحتاجون إلى اتخاذ قراراتهم بأنفسهم.
استخدم العواقب الطبيعية في الوقت المناسب
العواقب البسيطة والطبيعية هي أكثر العواقب فعالية عندما لا تكون المشكلة متعلقة بالصحة أو السلامة.
يشعر الآباء غالباً بالقلق بشأن عدم إكمال أطفالهم الواجبات المدرسية المفروضة عليهم رسوبهم، لكنهم لا يدركون أنهم لا يستطيعون إمساك أيدي أبنائهم المراهقين إلى الأبد. دعه يفشل الآن بدلاً من الانتظار حتى يبلغ 18 عاماً، فحينها لن تنجح المعاقبة أو غيرها.
لا يمكنك رعاية مراهق طوال حياته. إذا لم يهتم بمستقبله، فهو بحاجة إلى مواجهة العواقب المنطقية لأفعاله عاجلاً وليس آجلاً.
ركز على المشكلات وليس اللوم الشخصي
يميل الآباء إلى الانخراط في صراعات أكثر تواتراً وشدة عندما يعتقدون أن السلوك السيئ لابنهم المراهق يعزو لشخصيته، ويستاؤون لاعتقادهم أن أطفالهم يسيئون التصرف بنوايا مدفوعين بنوايا خبيثة لإيذائهم.
ومن المرجح أن يعتقد الأهل المحبطين معتقدات مشوهة مثل الكمالية والطاعة والخراب أكثر من غيرهم من الآباء.
لذلك، ركز على المشكلة عندما تكون هناك صراعات أو حوادث تتطلب التأديب وليس على الصفات الشخصية والذي لا ينفع بل يزيد الطين بلة.
أصلح علاقتك معهم
إذا كنت لا تزال تطبق العقوبات للمراهقين لدرجة أن طفلك لم يعد يهتم، من المحتمل جداً أنك قد الحقت الضرر بعلاقتك معه.
لا تساعد العلاقة المتوترة ابنك المراهق على التصرف. من المرجح أن يستمع طفلك إليك ويتعلم منك عندما يشعر برابط معك.
ابدأ الآن بالتغيير إذا كنت تريد الحفاظ على هذه العلاقة؛ علماً أن مفتاح تقوية العلاقة ليس مجرد قضاء المزيد من الوقت معاً بل جودة الوقت مهمة أكثر (ماذا تفعلان خلال هذا الوقت).
العلاقات بين الآباء والأطفال هي من العلاقات المميزة لكنها لا تختلف كثيراً عن العلاقات بين الأصدقاء أو الجيران أو زملاء العمل أو الأزواج.
الأطفال هم بشر أيضاً، لذا، من أجل بناء علاقة جيدة يجب أن تهتم بهم وتعاملهم بلطف واحترام وتساعدهم عندما يحتاجون للمساعدة وتمنحهم الدعم عندما يكونون محبطين؛ ينطبق الأمر ذاته عند بناء أي نوع من العلاقات.
الفرق الوحيد بين علاقة الوالد – الطفل والعلاقة مع شخص بالغ هو أنه يجب علينا حماية الطفل أيضاً. وتتمثل إحدى أفضل الطرق لتعليم المراهقين السلوك المناسب في إعادة تأسيس علاقة وثيقة ورابط متين معهم.
تُظهر الدراسات أن المراهقين، ممن يتمتعون بعلاقة داعمة ومساندة مع الوالدين، هم أقل عرضة للانخراط في السلوك المنحرف الناجم عن ضغط الأقران (Peer Pressure)، ويمكن للعلاقة الإيجابية والحياة الأسرية التي يسود فيها الرضا أن تقطع شوطاً طويلاً في تعليم المراهقين السلوك الجيد.
علمهم كيف يختلفون مع الآخرين باحترام
يعتقد بعض الآباء أن أي خلاف من أبنائهم هو نوع من الوقاحة؛ ومع ذلك، فإن الاختلاف وعدم الاتفاق مع شخص ما ليس مماثلاً للوقاحة أو الأسلوب الفظ.
من الممكن الاختلاف مع شخص ما باحترام؛ وهي مهارة مهمة لا يتعلمها الكثير من الأطفال في المنزل. إذا أردت أن يصبح طفلك قائداً وليس شخصاً يتبع أوامر الآخرين فحسب، يجب أن تمنحه الثقة ومهارات مناقشة الاختلاف مع الآخر باحترام.
لذا في المرة القادمة التي تريد فيها تأديب ابنك المراهق، إليك ما تفعله:
- خذ أنفاساً عميقة وتجنب الصراع على من هو صاحب الكلمة الأولى في أوج اللحظة.
- علمه بهدوء كيفية الاختلاف باحترام.
- ركز على المشكلة وليس الصفات الشخصية.
- علمه عملية التفكير النقدي في المشكلة لاتخاذ خيارات أفضل.
- الأهم من ذلك، دعه يتدرب على اتخاذ القرارات وفعل الشيء الصحيح.
حفزهم داخلياً
إذا كانت مسألة تأديب المراهقين تنطوي على قلة الدافع، يمكن تحفيزهم داخلياً لإلهام تغيير السلوك فيهم. الدافع الذاتي (الداخلي) يعني أن ابنك المراهق سيرغب بالقيام بنشاط ما لأنه يستمتع به وليس بسبب مكافأة أو عقوبة.
اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع المراهق الناكر للجميل؟
اقرأ أيضاً: كيف تجعل طفلك يصغي إليك؟ إليك خمس حيل ونصائح مفيدة
اقرأ أيضاً: طفلك يجادلك في كل شيء تقوله؟ كيف تتعامل معه؟
المصدر: How to Discipline a Teenager Who Doesn’t Care About Consequences
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم