أكثر الأعمال التجارية نجاحاً هي تلك التي يتم فيها تقدير القدرات والمهارات الطبيعية لكل عضو في الفريق والتأكيد عليها ودمجها في تلك الأعمال. كل شركة تحتاج إلى مفكر الصورة الكبرى، هذا الشخص يحب البحث عن أفكار وحلول جديدة لمشاكل الشركة ويتميّز بـ التفكير خارج الصندوق ولديه النظرة الشاملة و لديه القدرة على التفكير الشامل والعصف الذهني.
لا أحد يعيش في جزيرة معزولة؛ فنحن نعمل بل ونزدهر على أفضل وجه عندما نتعاون ونتقاسم المهارات والموارد، وهذا لا ينطبق فقط على الأعمال التجارية فحسب بل على الحياة عموماً.
يتطلب نجاح الأعمال مجموعة من مهارات التفكير داخل الشركة، واحدة من هذه المهارات هي القدرة على التفكير من منظور الصورة الكبرى.
مرادفات الصورة الكبرى
قبل مناقشة من هو مفكر الصورة الكبرى إليك بعض المرادفات لها:
- النظرة الشاملة، المنظور الشامل أو المنظور العام.
- خطة الهجوم، الخطة الرئيسية، خطة العمل أو المخطط الكبير.
- الصورة الكاملة، الموقف الكلي، الكليّة أو الشمولية.
- المقاربة أو الجوهر.
- البواطن والظواهر.
سنستخدم في هذا المقال عدة مصطلحات منها بالتبادل.
من هو مفكر الصورة الكبرى؟
مفكر الصورة الكبرى هو شخص مبدع، يفكر خارج الصندوق ويعالج المشاكل المعقدة والأفكار الكبيرة بحماس وإثارة. كما أنه يتمتع بالبصيرة والقدرة على توقع المشاكل والعقبات المحتملة في المستقبل.
يستخدم مفكرو الصورة الشاملة العصف الذهني، يجعلون عقولهم الإبداعية تعمل ويحبون حل المشكلات. ومع ذلك، فإن هذه المهارة القيّمة لا يتم إدراكها دائماً في الفرد.
في بعض الأحيان، يجد الشخص ذو العقلية الشاملة نفسه يعمل مع أدوار ومسؤوليات أكثر ملاءمة للمفكر الموجه نحو التفاصيل (والذي سيتم شرحه فيما بعد).
إنّ الوظائف الموجهة نحو التفاصيل غالباً ما تأتي في المقام الأول إلى أن يستطيع الفرد الاستمرار في العمل بطريقته صعوداً حتى يصل لمرحلة يمكن فيها لمهارات التفكير الشاملة أن تتألق.
هذه عقبة كبيرة بالنسبة لمفكري الصورة الكبرى والنظرة الشاملة الذين قد لا ينجحون في التفكير القائم على التفاصيل. وبالتالي قد لا يحصلون على فرصة لاستخدام مهاراتهم.
أمثلة على التفكير الشامل
- النظر إلى قابلية المشروع للاستمرار على المدى الطويل.
- أخذ عدة عوامل في الاعتبار في آن واحد، مثل الموارد ورفاهية الموظفين وإدارة الوقت.
- التنبؤ بالاتجاهات المستقبلية بدقة.
- التركيز على الجودة بدلاً من المثالية.
- العصف الذهني والتفكير خارج الصندوق.
- التركيز على المشاريع الكبيرة.
- حل المشكلات.
ما هو عكس تفكير الصورة الشاملة؟
عكس تفكير الصورة الشاملة (التفكير خارج الصندوق والعصف الذهني) هو التفكير القائم على التفاصيل.
يفكر الأشخاص ذوو التفكير الموجه نحو التفاصيل، كما يوحي الاسم، في أدق تفاصيل الأشياء. وهم ليسوا أقل أهمية في الأعمال التجارية عن مفكري الصورة الشاملة، إلا أنهم يقومون عموماً بأخذ أدوار ومسؤوليات مختلفة.
سوف يجد مفكر الصورة الشاملة حلاً لمشكلة ما ويعمل مع جميع المفكرين في الشركة لصياغة خطة. وفور إدراك أصحاب التفكير الموجه نحو التفاصيل للخطة، فإنهم يبذلون ما يقدرون عليه ليكونوا بغاية الدقة وغير متسامحين حتى بأصغر التفاصيل.
يسعى الشخص الذي يركز على التفاصيل إلى الكمال في أية مهمة ويكرس الكثير من الوقت لتكون الأشياء صحيحة تماماً.
لا يتفوق أيّ من نمطي التفكير على الآخر، فكلاهما له إيجابياته وسلبياته. وعادة يكافح مفكرو الصور الشاملة مع المهام الموجهة نحو التفاصيل، في حين يناضل أصحاب التفكير الموجه نحو التفاصيل لرؤية الصورة الأكبر.
وفي أي شركة، وجود توازن لدى الموظفين بين التفكير الشامل والموجه نحو التفاصيل هو مؤشرٌ على النجاح.
إيجابيات وسلبيات نمط تفكير الصورة الشاملة
يسمح نمط تفكير النظرة الشاملة والعصف الذهني للشركات بتوقع المشكلات المستقبلية واتخاذ تدابير وقائية ضد هذه المشكلات في الوقت الحالي. والتفكير خارج الإطار المألوف ــ مهارة من مهارات هذا التفكيرــ والذي من شأنه أيضاً أن يُمكّن الشركات من التفوق على منافسيها.
بشكل جوهري، يقود تفكير النظرة الشاملة الفرد نحو الابتكار.
واحدة من العيوب الرئيسية لهذا التفكير يختبرها الفرد، وليس الشركة. ففي بعض الأحيان يمكن أن تكون أفكار واقتراحات مفكر الصورة الكبيرة نبيلة و في أقصى حدودها، ما يعني أنه سيكافح لجعل الناس يتبعونها.
تشكل المجازفة شرطاً أساسياً لإحراز النجاح، ولكن بطبيعة الحال لا تريد الشركات الإفراط في خوض المجازفات. فبعضُها يؤتي ثماره جيداً، ولكن بعضها يضر بسلامة الشركة، لذا على أصحاب هذا التفكير توخي الحذر.
إيجابيات تفكير الصورة الشاملة
كتب أس غانيش بابو (S ganesh Babu)، مدرب التحول في مجال الأعمال ومستشار الأداء: “عندما تنظر إلى الأحداث والنقاشات من منظور أعلى، ستحصل على فكرة شاملة عن الفرص واحتمالات النمو وغيرها من الفوائد الأخرى في الحياة الشخصية والمهنية على حد سواء.”
يمنحك نمط التفكير هذا مخزوناً لا يراه الآخرون ويعدُّ سلعةً قيّمة في مجال الأعمال. إذ يتيحُ لك النظر في النجاح أو الفشل المستقبلي وقيادة الشركة في الاتجاه الصحيح.
سلبيات تفكير النظرة الشاملة
كثيراً ما يجد مفكرو الصور الشاملة صعوبة في التركيز على التفاصيل، فعقولهم تعمل بسرعة وتقلّب أفكار عديدة في آن واحد، لذا، قد يشكل الحفاظ على الانتباه والتركيز تحدياً.
بقدر أهمية الذين يمتلكون عقلية الصورة الشاملة، لا تزال هناك حاجة إلى توجه نحو التفاصيل مع أي خطة أو استراتيجية.
على هذا النحو، من الضروري لمفكر الصورة الكبرى الذي يتولى دوراً إدارياً أو تنفيذياً تفويض العمل القائم على التفاصيل بفعالية وحكمة لأولئك الذين يتفوقون في هذه المهارة الخاصة.
كيف أُنمّي التفكير خارج الصندوق؟
لدى بعض الناس ميول طبيعية لرؤية الصورة الأكبر ومع ذلك، فهي أيضاً مهارة يمكنك تعلمها. حتى لو كان التفكير في الصورة الكبرى هو أحد ميولك الطبيعية، لا يزال عليك أن تتمرن وتشحذ هذه المهارة لتبقى مُركّزاً وحاذقاً، فترك أية مهارة دون استخدام يعرضها لخطر التدهور.
كثيراً ما نطلق مسمى واحداً على بعضنا البعض، في حين أننا في الحقيقة نضم داخلنا مواهب عدة. وبعبارة أخرى، قد يكون لديك ميول نحو تفكير الصورة الشاملة والتفكير الموجه نحو التفاصيل معاً.
الموهبة وردة والتقنية والأسلوب هما ما يجعلانها تُزهر.
كما ذكرنا سابقاً، تتطلب الكثير من الأدوار الموجودة في أسفل السلم توجهاً نحو التفاصيل أكثر من التفكير خارج الصندوق. لذا فإن مفكري الصور الشاملة عادةً ما يجدون أنفسهم بحاجة إلى تعلم نمط تفكير محدد أكثر قبل الاستفادة الفعالة من نهجهم الأكثر شمولاً.
إذا كنت قد وجدت نفسك في دور يتطلب منك التفكير بصورة أكبر، والتراجع عن التفاصيل الصغيرة، والنظر إلى الأشياء من منظور واسع، قد تكون قلقاً من أنك لا تمتلك مهارة التفكير هذه وأنك لن تنجح في هذا الدور. لا تدع القلق والتشكيك بنفسك يمنعانك من النجاح فيه..
يقول دانيال إتش بينك (Daniel H. Pink) : “ما هو مهم الآن هو خصائص النصف الأيمن من الدماغ: الفن، التعاطف، الابتكار والتفكير في الصورة الشاملة، إذ أصبحت هذه المهارات هي الأولى بين نظرائها في مجموعة كاملة من المجالات التجارية.”
يمكنك تعلّم كيف ترى الصورة الكبيرة وقد يتطلب الأمر بعض النسيان والتخلي عن طرق التفكير التي تعلمتها سابقاً أو بعض التجربة وارتكاب الأخطاء، إلا أنه ممكنٌ تماماً.
بالإضافة إلى ذلك، إن وجدت نفسك مناسباً لهذا الدور، فقد يشعر الشخص الذي قام بتوظيفك بقدرتك الطبيعية على رؤية الصورة الأكبر والتي قد لا تكون مدركاً لها تماماً.
انظر إلى الأشياء من منظورات مختلفة
يقول كلود بريستول (Claude Bristol): ” الأفكار الكبرى الشاملة هي المصدر الأساسي للثروة والنجاح والمكاسب وجميع الإنجازات العظيمة”. ويضيف: “حتى تكون كبيراً عليك أن تفكر بصورة كبيرة.”
طوّر من قدرة التراجع عن المهمة قليلاً أو المشكلة وقم بتغيير وجهة نظرك. في الأعمال التجارية، التفكير في الصورة الشاملة يعني الوضع بالاعتبار أهدافك الخاصة، وأرباحك المحتملة، ومستقبل الشركة بقدر ما يعني وضع نفسك مكان زملائك وعميلك، والتفكير في مخاوفهم، ومشاكلهم، وتفضيلاتهم.
ويعني أيضاً النظر في العديد من الآثار المترتبة على حملتك مثل الحساسية الثقافية والكفاءة والطرق المختلفة للتوصل إلى قيادات وآفاق جديدة.
لا تسعَ نحو الكمال
التركيز المفرط على تفاصيل خطة أو حل قد يصرف انتباهك عن حل المشكلة نفسها. في حين أن مفكري الصورة الشاملة يميلون إلى حل المشكلات. إلا أنهم قد يصابون بالإحباط الشديد، أو الضياع، أو حتى الارتباك في التفاصيل، لذا من الحكمة أن تدرك حدود هذا النوع من التفكير.
قد يبالغ الشخص الذي يكافح للوصول إلى النجاح في تقدير قدراته ويظن أنه قادر على فعل كل شيء في آن واحد. لكنَّ هذه الفكرة غير واقعية بل وغير سليمة أيضاً.
إذا كنت تملك هذا النمط من التفكير، ركّز على هذه المهارة دون الإفراط في إجهاد نفسك بمحاولة السعي نحو الكمال.
تفويض السلطة
إذا كنت ستتخلى عن التركيز على الكمال، فمن الحكمة أن يكون هناك شخص آخر ليهتم بالأمر. يكمّل أصحاب التفكير الشامل والتفكير الموجه نحو التفاصيل بعضهم البعض لأن مهاراتهم وجهودهم المشتركة تحافظ على نمو الشركة بنجاح.
إذا كنت في منصب إدارة الفريق وتعتبر نفسك مفكراً في الصورة الشاملة، تعلم كيف تفوض السلطة بفعالية بين أعضاء الفريق حتى يتمكن الجميع من رؤية الصورة الشاملة دون إهمال التفاصيل.
من السهل الغرق في بحر إثارة وشغف الأفكار الكبيرة. ولكن لا تنسى أنك جزء من فريق يمكنك الاستفادة فيه من قدرات الجميع وأنماط تفكيرهم.
تعرَّف على فريقك، تعلَّم نقاط قوتهم وضعفهم، واستمع إلى أفكارهم و مخاوفهم. فكلما اطّلعت أكثر على المهارات ومواطن القوة المتاحة لك كموارد، كلما ازدادت سهولة تفويض السلطة وتحقيق الأهداف بفعالية.
الأدوار المناسبة لمفكري الصورة الشاملة
مفكرو الصورة الشاملة هم أشخاص حالمون ولديهم مخيلة خصبة، وقدرتهم على النظر إلى الماضي في كل يوم وإلى إمكانيات المستقبل تجعلهم مؤهلين لحل المشاكل وقيادة الشركات الرائدة نحو الاتجاه الصحيح.
إنّ بعض الأدوار المناسبة لهم تتمحور في مدرب الحياة، مدير العلامة التجارية، مدير إبداعي ومدير تنفيذي.
خلاصة
خلال حياتك، قد تتبنى وتنمي مهارات مختلفة، قدرات وتفضيلات فيما يتعلق بوظيفتك أو مهنتك. وهذا عظيم، ليس عليك الالتزام بمهنة واحدة لبقية حياتك.
لربما كانت هذه هي الحال بالنسبة للأجيال الأكبر سناً. ولكن هناك العديد من الفرص في هذه الأيام لرفع مستوى المهارات، النمو والتحول نحو عيش الحياة بطريقة تناسبك.
من بين الشروط الأساسية المهمة للتحول السهل في الحياة أن تفهم نفسك جيداً؛ أي مهاراتك، نقاط قوتك، حدودك، كيفية تفكيرك، ردود أفعالك والأشياء التي قد تؤثر عليك. فكلما تعلَّمت عن نفسك أكثر، كلما استطعت إيجاد الفرص المناسبة للازدهار بسهولة.
سواء كنت من مفكري الصورة الشاملة ومحبي العصف الذهني أو التوجه نحو التفاصيل أو في مكان ما بينهما، تعرّف على ذهنيتك وكن حكيماً في كيفية تطبيقها.
اقرأ أيضاً: التفكير الإيجابي، وما علاقته بالعيش حياة أطول؟
اقـرأ أيضاً: التفكير السحري، تعريفه وعلاقته بالخرافات
اقرا أيضاً: ما هي الكفاءة الذاتية؟ ولماذا يعد الإيمان بالنفس أمراً مهماً؟
المصدر: Big picture thinker
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم