نظرية بياجيه للتطور المعرفي، مراحل النمو المعرفي الأربعة للطفل

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي

تقترح نظرية التطور المعرفي لـ جان بياجيه (Jean Piaget) أن الأطفال ينتقلون عبر أربع مراحل تطور مختلفة من التعلم. لا تركز نظريته فقط على فهم كيفية اكتساب الأطفال للمعرفة، بل على فهم طبيعة الذكاء أيضاً.  مراحل النمو المعرفي للطفل بحسب بياجيه هي المرحلة الحسية الحركية، مرحلة ما قبل العمليات، العمليات المدروسة ومرحلة العمليات الرسمية أو المجردة:

  1. المرحلة الحسية الحركية (Sensorimotor stage): من الولادة إلى السنتين.
  2. مرحلة ما قبل العمليات (Preoperational stage): من 2 إلى 7 سنوات.
  3. مرحلة العمليات الملموسة (Concrete operational stage) : من سن 7 إلى 11.
  4. مرحلة العمليات الرسمية / المجردة (Formal operational stage) : من سن 12 وما فوق.

 يعتقد بياجيه أن الأطفال يلعبون دوراً نشطاً في عملية التعلم، ويتصرفون مثل العلماء الصغار أثناء قيامهم بإجراء التجارب والملاحظة والتعرف على العالم.

عندما يتفاعل الأطفال مع العالم من حولهم، فإنهم يضيفون باستمرار معرفة جديدة، ويبنون على أساس المعرفة الموجودة، ويكيّفون الأفكار السابقة لاستيعاب المعلومات الجديدة.

تاريخ نظرية بياجيه للتطور المعرفي

ولد بياجيه في سويسرا في أواخر القرن التاسع عشر وكان طالباً مبكر النضوج، نشر أول ورقة علمية له عندما كان عمره 11 عاماً فقط. اطلع مبكراً على التطور الفكري للأطفال عندما عمل كمساعد لـ ألفريد بينيه (Alfred Binet) وتيودور سيمون (Theodore Simon) أثناء عملهما على توحيد اختبارهما الشهير للذكاء.

نظرية بياجيه للتطور المعرف مقابل نظرية فيجوتسكي

تختلف نظرية بياجيه في نواح مهمة عن نظرية ليف فيجوتسكي (Lev Vygotsky)، وهو شخصية أخرى مؤثرة في مجال تطور الطفل.

أقرّ فيجوتسكي بالأدوار التي يلعبها كل من الفضول والمشاركة النشطة في التعلم، لكنه ركز بشكل أكبر على المجتمع والثقافة.

شعر بياجيه أن التطور يتغذى إلى حد كبير من الداخل، بينما اعتقد فيجوتسكي أن العوامل الخارجية (مثل الثقافة) والأشخاص (مثل الآباء ومقدمي الرعاية والأقران) يلعبون دوراً أكثر أهمية.

كان الكثير من اهتمام بياجيه بالتطور المعرفي للأطفال مستوحى من ملاحظاته عن ابن أخيه وابنته. عززت هذه الملاحظات فرضيته الناشئة والقائلة بأن عقول الأطفال لم تكن فقط مجرد نسخ مصغرة من عقول البالغين.

حتى هذا الوقت من التاريخ، كان الأطفال يُعاملون إلى حد كبير على أنهم نسخ مصغرة من البالغين ببساطة. كان بياجيه من أوائل الذين حددوا أن الطريقة التي يفكر بها الأطفال تختلف عن طريقة تفكير الكبار.

اقترح بياجيه أن الذكاء ينمو ويتطور عبر سلسلة من المراحل. لا يفكر الأطفال الأكبر سناً بسرعة أكبر من الأطفال الأصغر سناً فقط. بدلاً من ذلك، هناك اختلافات نوعية وكمية بين تفكير الأطفال الصغار مقابل الأطفال الأكبر سناً.

 بناءً على ملاحظاته، خلُص إلى أن الأطفال ليسوا أقل ذكاءً من البالغين، هم ببساطة يفكرون بشكل مختلف. وصف ألبرت أينشتاين اكتشاف بياجيه بأنه “بسيط للغاية لا يفكر فيه سوى عبقري”.

تصف نظرية بياجيه مراحل التطور المعرفي للأطفال الذي يتضمن تغييرات في العمليات والقدرات المعرفية. من وجهة نظره، ينطوي التطور المعرفي المبكر على عمليات قائمة على الأفعال ويتقدم لاحقاً إلى التغييرات في العمليات العقلية.

المرحلة الحسية الحركية، من الميلاد إلى السنتين

خلال هذه المرحلة المبكرة من التطور المعرفي، يكتسب الرضع والأطفال الصغار المعرفة من خلال التجارب الحسية والتلاعب بالأشياء. تحدث تجربة الطفل بأكملها في الفترة الأولى من هذه المرحلة من خلال ردود الفعل الأساسية والحواس والاستجابات الحركية.

الخصائص الرئيسية والتغيرات التطورية (النمائية) خلال هذه المرحلة:

  • التعـرف على العالم من خلال الحركات والأحاسيس.
  • التعـرف على العالم من خلال الأفعال الأساسية مثل المص، الإمساك، النظر والاستماع.
  • تعلم أن الأشياء تستمر في الوجود حتى عندما لا يمكن رؤيتها (دوام الأشياء/Object Permanence)
  • إدراك أنهم كائنات منفصلة عن الأشخاص والأشياء من حولهم.
  • إدراك أن أفعالهم يمكن أن تتسبب في حدوث أشياء في العالم من حولهم.

خلال المرحلة الحسية الحركية (المرحلة الأولى من مراحل النمو المعرفي للطفل)، يمر الأطفال بفترة من النمو والتعلم هائلين. بينما يتفاعل الأطفال مع بيئتهم، فإنهم يقومون باستمرار باكتشافات جديدة حول كيفية عمل العالم.

يحدث التطور المعرفي خلال هذه الفترة في فترة زمنية قصيرة نسبياً وينطوي على قدر كبير من النمو. لا يتعلم الأطفال كيفية أداء الأعمال الجسدية مثل الزحف والمشي فقط، بل يتعلمون أيضاً قدراً كبيراً عن اللغة من الأشخاص الذين يتفاعلون معهم.

قام بياجيه أيضاً بتقسيم هذه المرحلة إلى مراحل فرعية. يظهر الفكر التمثيلي المبكر خلال الجزء الأخير من المرحلة الحسية الحركية. من خلال تعلم أن الأشياء كيانات منفصلة ومتميزة وأن لها وجود خاص بها خارج الإدراك الفردي، يمكن للأطفال بعد ذلك البدء في إرفاق الأسماء والكلمات بالأشياء.

يعتقد بياجيه أن تطور استمرارية الشيء أو ثباته وفهم أن الكائنات والأشياء تستمر في الوجود حتى عندما لا يمكن رؤيتها كان عنصراً مهماً في هذه المرحلة من التطور.

مرحلة ما قبل العمليات، من 2 إلى 7 سنوات

قد تكون أسس تطور اللغة قد وُضعت خلال المرحلة السابقة، لكن ظهورها هو أحد السمات المميزة لمرحلة ما قبل العمليات من التطور.

الخصائص الرئيسية والتغيّرات النمائية خلال هذه المرحلة:

  • البدء في التفكير بشكل رمزي وتعلم استخدام الكلمات والصور لتمثيل الأشياء.
  • الميل إلى التمركز حول الذات والكفاح لرؤية الأشياء من منظور الآخرين.
  • التحسن في اللغة والتفكير، ولكن يبقى الميل إلى التفكير بشكل ملموس للغاية.

في المرحلة الثانية من مراحل النمو المعرفي للطفل، يتعلم الأطفال من خلال اللعب التظاهري ولكنهم يظلون يواجهون صعوبة مع المنطق وتبني وجهة نظر الآخرين. غالباً ما يعانون أيضاً من فهم فكرة الاتساق.

يصبح الأطفال أكثر مهارة في  اللعب التظاهري (pretend play) خلال هذه المرحلة من التطور، ومع ذلك يستمرون في التفكير بشكل ملموس للغاية حول العالم من حولهم.

على سبيل المثال، قد يأخذ الباحث قطعة من الصلصال، ويقسمها إلى قطعتين متساويتين، ثم يعطي الطفل الاختيار بين قطعتين ليلعب بهما. يلف قطعة واحدة من الصلصال في شكل كرة مضغوطة بينما يحطم الأخرى لتصبح على شكل فطيرة مسطحة.

نظراً لأن الشكل المسطح يبدو أكبر، فمن المحتمل أن يختار الطفل في مرحلة ما قبل العمليات تلك القطعة، على الرغم من أن القطعتين لهما نفس الحجم تماماً.

مرحلة العمليات الملموسة، من 7 إلى 11 سنة

في حين أن تفكير الأطفال لا يزال ملموساً وحرفياً في هذه المرحلة من التطور، إلا أنهم يصبحون أكثر مهارة في استخدام المنطق. تبدأ النزعة الأنانية في المرحلة السابقة بالاختفاء عندما يصبح الأطفال أفضل في التفكير في كيفية رؤية الآخرين للموقف.

الخصائص الرئيسية والتغيّرات النمائية خلال هذه المرحلة:

  • البدء بالتفكير المنطقي في الأحداث الملموسة.
  • البدء في فهم مفهوم الحفظ. على سبيل المثال، كمية السائل في كوب قصير وعريض تساوي تلك الموجودة في كوب طويل ورفيع.
  • التفكير بشكل أكثر منطقية وتنظيماً، لكنه لا يزال ملموساً للغاية.
  • البدء باستخدام المنطق الاستقرائي، أو الاستدلال انطلاقاً من معلومات محددة إلى مبدأ عام

بينما يصبح التفكير أكثر منطقية خلال مرحلة العمليات الملموسة، يمكن أن يكون أيضاً جامداً للغاية. يميل الأطفال في هذه المرحلة من التطور إلى الصراع مع المفاهيم المجردة والافتراضية.

خلال هذه المرحلة الثالثة من مراحل النمو المعرفي للطفل، يصبح الأطفال أيضاً أقل تمركزاً حول الذات ويبدأون في التفكير في الطريقة التي قد يفكر بها الآخرون ويشعرون بها. يبدأ الأطفال في مرحلة العمليات الملموسة أيضاً في فهم أن أفكارهم فريدة بالنسبة لهم وأنه ليس بالضرورة أن يشاركهم الجميع أفكارهم، مشاعرهم وآراءهم.

مرحلة العمليات الرسمية، من سن 12 وما فوق

تتضمن المرحلة الأخيرة من نظرية بياجيه زيادة في المنطق، والقدرة على استخدام التفكير الاستنتاجي وفهم الأفكار المجردة. في هذه المرحلة، يصبح المراهقون والشباب قادرين على رؤية حلول محتملة متعددة للمشكلات والتفكير بشكل علمي أكثر في العالم من حولهم.

الخصائص الرئيسية والتغيّرات النمائية خلال هذا الوقت:

  • البدء في التفكير بشكل مجرد حول المشكلات المفترضة 
  • البدء في التفكير أكثر في القضايا الأخلاقية، الفلسفية، الاجتماعية والسياسية التي تتطلب الاستدلال النظري والمجرّد.
  • البدء في استخدام المنطق الاستنتاجي، أو التفكير من مبدأ عام إلى معلومات محددة.

القدرة على التفكير في الأفكار والمواقف المجردة هي السمة المميزة الرئيسية لمرحلة العمليات الرسمية للتطور المعرفي. القدرة على التخطيط المنتظم للمستقبل والتفكير المنطقي حول المواقف المفترضة هي أيضاً قدرات جوهرية تظهر خلال هذه المرحلة.

مفاهيم مهمة عن نظرية بياجيه للتطور المعرف

من المهم ملاحظة أن بياجيه لم ينظر إلى التطور والنمو الفكري للأطفال كعملية كمية؛ أي أن الأطفال لا يضيفون فقط المزيد من المعلومات والمعرفة إلى معرفتهم الحالية مع تقدمهم في السن.

بدلاً من ذلك، اقترح بياجيه أن هناك تغييراً نوعياً في طريقة تفكير الأطفال بينما يتعاملون تدريجياً خلال هذه المراحل الأربعة. في سن السابعة، لا يمتلك الأطفال معلومات حول العالم أكثر مما كانت لديهم في سن الثانية؛ هناك تغيير جوهري في طريقة تفكيرهم في العالم. 

اقترح بياجيه عدة عوامل تؤثر في كيفية تعلم الأطفال ونموهم.

المخططات

يصف المخطط (Schema) كلاً من الإجراءات العقلية والجسدية التي ينطوي عليها الفهم والمعرفة. المخططات هي فئات المعرفة التي تساعدنا على تفسير وفهم العالم.

من وجهة نظر بياجيه، يتضمن المخطط كلاً من فئة المعرفة وعملية الحصول على تلك المعرفة. عند حدوث التجارب، تُستخدم هذه المعلومات الجديدة لتعديل المخططات الموجودة مسبقا أو الإضافة إليها أو تغييرها.

على سبيل المثال، قد يكون لدى الطفل مخطط حول نوع من الحيوانات، مثل الكلب. إذا كانت تجربة الطفل الوحيدة مع الكلاب الصغيرة فقط، فقد يعتقد أن جميع الكلاب صغيرة، ذات فراء، ولها أربعة أرجل.

لنفترض أن الطفل واجه كلباً ضخماً، سيأخذ هذه المعلومات الجديدة ويعدل المخطط الموجود مسبقاً ليشمل تلك الملاحظات الجديدة.

الاستيعاب (Assimilation)

تُعرف عملية إدخال معلومات جديدة على مخططاتنا الموجودة بالفعل باسم الاستيعاب. هذه العملية ذاتية إلى حد ما لأننا نميل إلى تعديل الخبرات والمعلومات قليلاً لتلائم معتقداتنا الموجودة مسبقاً.

في المثال أعلاه، فإن رؤية كلب وتسميته “كلب” هي حالة من حالات استيعاب الحيوان في مخطط الكلب الخاص بالطفل.

التكييف (Accommodation)

جزء آخر من التكيّف وهو القدرة على تغيير المخططات الحالية في ضوء المعلومات الجديدة؛ تُعرف هذه العملية باسم التكييف. يمكن أيضاً تطوير مخططات جديدة خلال هذه العملية.

التوازن (Equilibration)

مع تقدم الأطفال خلال مراحل التطور المعرفي، من المهم الحفاظ على التوازن بين تطبيق المعرفة السابقة (الاستيعاب) وتغيير السلوك لمراعاة المعرفة الجديدة (التكييف).

يعتقد بياجيه أن جميع الأطفال يحاولون تحقيق التوازن بين الاستيعاب والتكييف باستخدام آلية أطلق عليها اسم “التوازن“. يساعد التوازن في شرح كيف يمكن للأطفال الانتقال من مرحلة فكرية إلى أخرى.

خلاصة عن نظرية بياجيه للتطور المعرفي

تتمثل إحدى النقاط الرئيسية في نظرية بياجيه في أن تكوين المعرفة والذكاء عملية نشطة بطبيعتها.

كتب بياجيه: “أجد نفسي أعارض فكرة أن المعرفة نسخة سلبية من الواقع، أعتقد أن معرفة موضوع ما يعني التصرف بناءً عليه، وبناء أنظمة من التحولات التي يمكن إجراؤها بناء على هذا الشيء أو معه.

إن معرفة الواقع يعني بناء أنظمة من التحولات تتوافق، بشكل أو بآخر، مع الواقع.”

ساعدت نظرية بياجيه للتطور المعرفي في زيادة فهمنا للتطور الفكري للأطفال، كما شددت على أن الأطفال ليسوا مجرد متلقين سلبيين للمعرفة. بدلاً من ذلك، يقوم الأطفال بالتقصّي والتجريب باستمرار خلال عملية بناء فهمهم لكيفية عمل العالم.

اقرأ أيضاً: السيرة الذاتية للعالم والفيلسوف جان بياجيه (1896-1980)

اقرأ أيضاً: مراحل الرسم عند الطفل، ما الذي يخبرنا به الطفل من خلال رسمته؟

اقرأ أيضاً: تنمية الطفل، سلوكياً، نفسياً و معرفياً

المصدر: Piaget’s 4 Stages of Cognitive Development Explained

تدقيق: هبة مسعود

تحرير: جعفر ملحم

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي
Related Posts

مقالات ذات صلة

error: