وفاة أحد الوالدين في الطفولة هي تجربة مؤلمة. تعرّض ما يقدر بنحو 3.5% من الأطفال دون سن 18 عام (نحو 2.5 مليون) في الولايات المتحدة إلى وفاة أحد الأبوين. إذاً كيف تؤثر وفاة أحد الوالدين على الطفل؟
ما هو أسوأ عمر في فقدان أحد الوالدين؟
الحزن والألم ليسا مسابقة على الإطلاق، فتأثير فقدان أحد الوالدين في مرحلة الطفولة على الحياة يعتمد على علاقة الوالدين والطفل السابقة وعلى الدعم الذي يتلقاه الطفل بعد الوفاة، لا يوجد شيء في المطلق يدعى بأسوأ سن في فقدان أحد الوالدين.
يفترض معظم الناس أن خسارة أحد الوالدين في سن صغير هو أصعب الحالات لأن فقدان شخصية متعلّق بها هو أمر مؤلم. ومع ذلك، إذا كان لدى الطفل منظومة دعم قوية لمساعدته في معالجة الحزن، فلا يزال بإمكانه تطوير تعلق آمن والنجاح في ذلك.
من ناحية أخرى، قد يعاني الأطفال الأكبر سناً أو حتى البالغون بشكل بالغ لأن فقدان أحد الوالدين يعد خسارة كبيرة في حياة هذا الشخص أو لأنه لا يملك أصدقاء مقربين ليساندوه خلال هذه الفترة، لذا لا مجال للمقارنة.
كيف يؤثر وفاة أحد الوالدين على الطفل؟
يزيد فقدان أحد الوالدين عادة من احتمال عدم رعاية الطفل بالشكل الكافي وتراجع الوضع الاقتصادي للعائلة.
في بعض العائلات، يعني هذا زيادة الضغوط على الطفل المفجوع لكي يتحمل مسؤوليات الوالد المتوفى وينعزل عن أصدقائه. وفي حالات أخرى، ستؤدي وفاة أحد الوالدين إلى ضعف الصحة النفسية والاجتماعية للطفل وتغيرات في السلوك وزيادة الإجهاد واضطرابات النوم.
إن الآثار النفسية لفقدان الأم أو الأب خلال السنوات التكوينية كبيرة جداً. إذ يكون الأطفال الذين يعانون فقدان الوالدين أكثر عرضة للعديد من النتائج السلبية، بما في ذلك الأمراض النفسية مثل الاكتئاب والقلق والشكايات الجسدية وأعراض اضطراب ما بعد الصدمة، إضافة إلى التقصير الدراسي ومستوى نجاح أكاديمي أقل وتدني احترام الذات والكثير من السلوكيات الجنسية الخطرة.
نظراً إلى الآثار السلبية طويلة الأمد المرتبطة بوفاة أحد الوالدين، فإن مساعدة المجتمع للأطفال على الحزن بطريقة صحيّة أمر إلزامي. غير أن المعتقدات الثقافية وسوء الفهم المستمر يقفان أحياناً في طريق تقديم الدعم المناسب للأطفال و يلحقان الضرر بهم.
كيف يؤثر رد فعل الوالد الحيّ على الطفل؟
يتطلع الأطفال إلى والديهم ليحبوهم دون شروط بينما يحمونهم من واقع الحياة غير المزعج.
عندما يموت أحد الوالدين، غالباً ما تصبح حياة الطفل أكثر رعباً وغموضاً بلا نهاية، ما يترك الطفل يتساءل عن ماهية الخطوة التالية.
وهذا ما يضع عبئاً كبيراً يثقل كاهل الوالد المتبقي وأفراد العائلة الآخرين الذين يرغبون في مساعدة الطفل الحزين، في حين أنهم ينازعون أيضاً مع آلامهم الخاصة بعد وفاة أحد أحبائهم.
بينما تتعامل بعض الثقافات مع الحزن بطريقة إيجابية، تشجع ثقافات أخرى البالغين المتواجدين حول الأطفال المفجوعين على كبت عواطفهم. وكثيراً ما تسوغ تلك الثقافات هذه الممارسة عبر الاستشهاد بالقول أن الأطفال يتطلعون إلى أن يظل البالغون أقوياء في أوقات عدم اليقين ما يؤدي بهؤلاء البالغين إلى كبت عواطفهم أو قمعها.
كبت العواطف هو محاولة واعية ومتعمدة لإخفائها عن الآخرين. قد يشعر أحد الوالدين أو الوصي بالحزن على الشخص الراحل ولكن بدلاً من التعبير عنه، يقرر إخفاءه أثناء وجود طفله.
تتوضع العواطف المكبوتة غالباً في العقل الباطن، ووجودها هو محاولة الجسم التخلص من الأفكار السيئة. قد لا يعي الأفراد لهذه العواطف المكبوتة في الوقت الحالي إلا أنها قد تتسرب للخارج وتظهر بمرور الوقت.
فمن ناحية، وجدت الأبحاث أن كبت هذه العواطف يعيق عملية الشفاء بالنسبة للوالد. ومن ناحية أخرى، وجدت دراسة أن العواطف المكبوتة لها دور تكيفي في عملية الحزن.
بينما لا تزال مسألة فيما إذا كان كبت العواطف أو قمعها آلية جيدة للتكيف قيد النقاش، فقد يكون كبت أحد الوالدين لعواطفه أو قمعها أمراً جيداً لصحته النفسية أو لا يكون. لكن الأكثر أهمية هو كيف تؤثر معتقداتهم حول إنكار العواطف على طريقة مساعدة أطفالهم على التعامل مع الخسارة.
عندما يعتقد أحد الوالدين الباقي على قيد الحياة أن الأطفال غير قادرين على فهم الموت أو التعامل بنجاح مع العواطف والمخاوف التي يجلبها، فإنهم يميلون إلى تجنب طرح الموضوع في المنزل والتصرف “بشكل طبيعي” عند تواجد الطفل.
ولكن الحقيقة هي أن قدرة الأطفال على التعامل بشكل إيجابي مع الموت يمكن أن تتعزز من خلال تصرفات وأفعال الراشدين المؤثرين في الأيام والأسابيع والأشهر التي تلي الخسارة.
وبدلاً من إخفاء هذه المسألة والتظاهر بأن كل شيء على ما يرام. يمكن لمقدمي الرعاية للأطفال المكلومين استخدام الاستراتيجيات التالية لمساعدتهم على التأقلم بنجاح.
كيفية مساعدة طفل يتألم حزناً
يعد برنامج الفقدان العائلي (FBP) الذي طورته جامعة ولاية أريزونا (ASU) تدخلاً قائماً على الأدلة وموجهاً إلى الأسر المفجوعة بوفاة أحد الوالدين. ويهدف إلى تعزيز قدرة الأطفال الصغار والآباء الباقين على قيد الحياة على التحمل. إليك بعض الطرق.
تنظيم عملية الحزن وإعادتها إلى الحالة الطبيعية
يعتمد تأثير وفاة أحد الوالدين في مرحلة الطفولة على الطفل على كيفية استجابة البالغين المؤثرين من حوله لحزنهم. يحتاج الطفل الذي فقد أحد والديه إلى معرفة أن إظهار العواطف والتحدث عن الشخص المتوفى أمر طبيعي، فتبيان أن عملية الحزن أمر طبيعي وعادي مهم جداً ويقلل من مخاوف الأطفال بشأن المستقبل.
يمكن أن يشعر الأطفال بمجموعة متنوعة من العواطف بعد وفاة أحد الوالدين، بما في ذلك الغضب والذنب. إنهم بحاجة إلى معرفة أن الموت ليس خطأهم أبداً ومن الطبيعي أيضاً أن يعتقد الطفل أنه يرى والده المتوفى أو يحلم به. و يجب عليه ألا ينساه.
اتباع أسلوب التربية الإيجابية
في كثير من الأحيان، قد يعبر الأطفال عن الصعوبات التي يواجهونها في التكيف مع التغيرات التي تلت الوفاة من خلال سوء التصرف. باتباع التربية الإيجابية، فإن الأهل يخلقون علاقة صحية بين الأب أو الأم والطفل وبيئة تسمح بالتواصل المفتوح.
يتصف الآباء الذين يتبعون هذا النمط من التربية بالحنان والعاطفة والدعم إذ يستخدمون الانضباط الإيجابي الفعال الذي يكون فيه ولي الأمر لطيفاً ومؤثراً. يمكن أن تساعد التربية الإيجابية الفعالة الأطفال على التكيف بعد وفاة أحد الوالدين. وهو يقلل من احتمال إصابة الأطفال بالأمراض النفسية مثل اضطراب الاكتئاب الشديد ويعزز التكيف بشكل أفضل لدى الأطفال الفاقدين لآبائهم الذين يشعرون بالحزن.
تقليل تعرض الطفل لأحداث الحياة السلبية
ترتبط أحداث الحياة السلبية بعد فقدان الوالدين بازدياد المشكلات الصحية النفسية عند الأطفال. على سبيل المثال، يمكن أن يكون قضاء العطل صعباً للعائلات التي فقدت أحد الوالدين في أول عامين وخصوصاً بالنسبة للأطفال. يمكن للوالدين استخدام مهارات الاستماع الجيد لتوفير بيئة آمنة للأطفال للحديث عن شعورهم تجاه العطلة.
تتمثل إحدى الجوانب المقلقلة لدى الأطفال الذين يشعرون بالحزن الشديد في بدء الأب أو الأم في المواعدة والدخول في علاقة حب جديدة. ويمكن تقديم الشريك أو فرد الأسرة الجديد بهدوء وبطء والحديث مع أطفالهم عن العلاقة بانفتاح وبطريقة تناسب عمرهم.
تحسين مهارات التأقلم لدى الأطفال
ترتبط استراتيجيات التأقلم الفعالة مع تكيف أكثر إيجابية بعد وفاة أحد الوالدين أو كليهما. وتشمل هذه الاستراتيجيات:
- إعادة صياغة العبارات الذاتية السلبية إلى حديث ذاتي أكثر إيجابية وينطوي على التفاؤل.
- التخلي عن الاعتقاد بأنه يمكن للمرء التحكم في الأحداث التي لا يمكن السيطرة عليها وتحديد الأحداث التي يمكن للمرء التحكم بها.
- التركيز على حل المشكلات.
- البحث عن الدعم العاطفي للمساعدة في إدارة حالات الإجهاد.
لمساعدة الأطفال المكلومين على اكتساب شعور بالفاعلية والكفاءة، يمكن للوالدين أن يطلبوا من أطفالهم تحديد الأهداف من خلال ممارسة هذه المهارات. ويمكنهم تقديم ردود فعل إيجابية محددة عندما يستفيد الأطفال من هذه الاستراتيجيات. ويجب على الآباء الإفصاح والتعبير عن إيمان مستمر بقدرة أطفالهم على التعامل مع مشكلاتهم.
يمكن للأطفال الفاقدين لذويهم أن يشعروا بقدر أكبر من العجز ويعتقدون أنهم يملكون سيطرة أقل على الأحداث التي تجري مقارنة بأقرانهم الذين لم يفقدوا آباءهم.
يمكن مساعدة الأطفال على ضبط هذا القلق بعد فقدان أحد الوالدين في سن مبكرة من خلال التركيز على تعليمهم أين تكمن مسؤولياتهم.
على سبيل المثال، إذا وجد الوالد المتبقي صعوبة في التعامل مع الخسارة. فيجب أولاً أن يكون صريحاً في الإفصاح للطفل عن مشكلاته. يمكنه بعد ذلك أن يخبره بألا يتوقع مساعدته وبدلاً من ذلك سيأخذه إلى اختصاصي مدرَّب.
يستفيد الأطفال من سماع أن الوالد/الوالدة بإمكانهم ضبط قلقهم على نحو أفضل مع مرور الوقت. وأن وظيفة الأطفال تتضمن التركيز على مهام مثل إكمال الفروض المنزلية وقضاء الوقت مع الأصدقاء.
خلاصة
ضع في الحسبان أن بعض الاستراتيجيات ستنجح فوراً وبعضها لن ينجح. اعطِ نفسك وقتاً كافياً وحاول أن تفهم أن هذه الرحلة تحتاج إلى الصبر. وغالباً لن يزول الألم المرتبط بفقدان أحد الوالدين تماماً لكن الوالد الباقي على قيد الحياة وأطفاله سيجدون السعادة مرة أخرى.
اقرأ أيضاً: الحزن، مراحله الخمسة وكيف تتخلص منه
المصدر: How Does The Death Of A Parent Affect A Child
تدقيق: هبة محمد
تحرير: جعفر ملحم