إلغاء الأهل لمشاعر الطفل وتأثيره على نشوء اضطراب الشخصية الحدية

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي

تم ربط عدم استقرار الإحساس بالذات وانعدام تنظيم المشاعر في اضطراب الشخصية الحدية بأسلوب التربية في مرحلة الطفولة المبكرة. إذ يؤثر إلغاء الأهل لمشاعر الطفل سلباً على الطفل في مرحلة الطفولة ويستمر التأثير حتى يصبح الفرد راشداً.

ينظر بحث جديد يستخدم نموذجاً بيولوجياً اجتماعياً على وجه التحديد إلى إلغاء الوالدين لعواطـف الطفل كمساهم في الأعراض الرئيسية لاضطراب الشخصية الحدية.

على الرغم من أن نتائج الدراسة تستند إلى الإفادة الذاتية، فإنها تشير إلى أهمية اعتراف الوالدين بعواطف أطفالهم وتوكيدها وتؤكد سلبيات إلغاء الأهل لمشاعر الطفل.

أعراض اضطراب الشخصية الحدية

يعاني الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية الحدية من مجموعة من الأعراض وتشمل: 

  • إحساس غير مستقر بالذات أو الهوية
  • عدم القدرة على تنظيم العواطف
  • تاريخ من السلوكيات الاندفاعية

يُعتقد أن جذور هذا الاضطراب تعود لمرحلة الطفولة المبكرة. علاوة على ذلك يمكن أن يصبح مصدراً للمشاكل والمتاعب في العلاقات مدى الحياة لأولئك الذين لا يستطيعون الوصول إلى العلاج أو الاستفادة منه.

ذكر في ورقة بحث جديدة أجرتها د.ستيفاني لي (Stephanie Lee) وزملاؤها من جامعة سنغافورة الوطنية (2022)، بأنه يمكن فهم هذا الاضطراب بشكل أفضل من خلال نموذج بيولوجي اجتماعي (biosocial model) تتفاعل فيه التأثيرات الفردية والاجتماعية مسببة أعراضه وتبقيها موجودة.

على حد تعبيرهم: “يتطور اضطراب الشخصية الحدية نتيجة للعمليات المتبادلة المستمرة بين نقاط الضعف البيولوجية للفرد (الاندفاع المبكر والضعف العاطفي) وبين البيئة الملغية للعواطف في الطفولة.”

النموذج الحبوي الاجتماعي وإلغاء الأهل لمشاعر الطفل

لتوضيح هذا النموذج بشكل ملموس، يمكن مثلاً أن تفكر في شخص ما تعرفه تم تشخيصه باضطراب الشخصية الحدية أو لديه بعض أعراضه.

قد تبدو علاقتك به وكأنها مجموعة ثابتة من الاختبارات التي يمتحن فيها صبرك إلى أقصى الحدود بردود أفعاله العاطفية المتطرفة. فتشاهده يتخذ قراراً سيئاً تلو الآخر؛ كترك وظيفة ممتازة بدون أي سبب منطقي. وتحاول قدر المستطاع مساعدته في توجيه مسار حياته في اتجاه أكثر إيجابية؛ حتى ولو كان ذلك يبدو مستحيلاً.

هذه هي “العمليات المتبادلة” التي تحدثت عنها لي وآخرون واعتبروها سمة أساسية في النموذج الحيوي الاجتماعي.

من السهل دوماً إلقاء اللوم على الوالدين فيما يتعلق بالصعوبات النفسية وضغوطات الحياة التي يواجهها الشخص في مرحلة البلوغ. في الواقع، ركزت العديد من النظريات المبكرة لاضطراب الشخصية الحدية على ذلك بالضبط.

ركزت لي وزملاؤها على التربية في مرحلة مبكرة. لكن، مع وجود الأدلة التي تؤيد وتدعم مقاربتهم، فإن المشكلة لم تعد لعبة إلقاء اللوم على أحد.

إلغاء الأهل لمشاعر الطفل واضطراب الشخصية الحدية

الجانب المحدد من التربية الذي يركز عليه باحثو الجامعة الوطنية هو عملية الإلغاء العاطفي (emotional invalidation)، وهو نمط يقوم فيه الآباء (أو مقدمو الرعاية) بـ “سلب حق الطفل باستمرار” في التعبير عن عواطفه. فيما يلي المكونات الأربعة للإلغاء العاطفي:

  1. التصريح بأن عواطف الطفل خاطئة.
  2. نسب عواطف الطفل بشكل خاطئ إلى نقص في الطفل كالحساسية المفرطة.
  3. التقليل من شأن الصعوبات أو المشاكل التي يعبر عنها الطفل.
  4. ردع الطفل عن التعبير عن العواطف السلبية.

كما ترى، الطفل الذي يعيش في بيئة تلغيه عاطفياً قد يشعر بسهولة أنه يُعاقب على ما هو رد “استجابة مسموحة ومنطقية”. الأسوأ من ذلك، في الحالات الصعبة، قد يتعرض الطفل للإساءة الجنسية أو الجسدية.

آلية عمل الإلغاء العاطفي

مثلاً: يغضب طفل صغير عندما يمسك طفل آخر في ساحة اللعب ألعابه المحشوة، سيخبر الوالد الذي يلغي طفله عاطفياً أنه لا داعي للغضب بالرغم من أن الطفل منزعج بشكل واضح.

في حين أن كل والد قد ينخرط في مثل هذه المحاولات لتهدئة طفله من وقت لآخر، فإن تكرار الأمر مرة تلو الأخرى قد يؤدي في النهاية لصعوبات جسيمة لدى الطفل عندما يتعلق الأمر بالتعرف على عواطفه وإدارتها.

يدعم البحث السابق النموذج النظري العام الذي يربط الإلغاء العاطفي بأعراض اضطراب الشخصية الحدية (BPD).

لكن، لوضعه في اختبار أكثر صرامة، قامت لي وزملاؤها بإجراء تحليل تلوي – وهو نهج يسمح لهم بإرفاق تقديرات إحصائية بمكونات النموذج. 

بدؤوا مع مجموعة من 1179 مصدراً للبيانات المنشورة وغير المنشورة. وبعد استبعاد الدراسات التي فشلت في احتواء معلومات أو بيانات قيمة وكافية، خرجوا بمجموعة من 21 دراسة مع 25 عينة مستقلة على ما يقرب من 7200 مشارك.

بالإضافة للنتائج على المتغيرات الرئيسية لأعراض اضطراب الشخصية الحدية وإلغاء عواطف الطفولة من قبل الوالدين، أخذ فريق البحث في الاعتبار المساهمات المحتملة لجندر الطفل وثقافته (أي مدى الفردية) والعمر.

اختبار فرضية الإلغاء

بغض النظر عن أدوار إلغاء الأم، الأب والأبوين معاً للعواطف. فقد وجد كاتبو البحث ما يدعم أن الحالات الثلاثة تساهم في أعراض اضطراب الشخصية الحدية.

فكان إلغاء العواطف من قبل الأمهات أكثر رجحاناً للتنبؤ بأعراض اضطراب الشخصية الحدية. لكن الإلغاء من كلا الوالدين توقع أعراض هذا الاضطراب في عينات ذات نسبة مئوية أعلى من الرجال. 

كما استنتج كاتبو البحث بأن دراستهم تساهم في الأدبيات والمؤلفات المتزايدة التي تقول بأن سلوكيات الأبوة والأمومة (التربية) مرتبطة بشكل معتدل بالأمراض النفسية عند الأطفال بشكل عام.

قد يكون هذا الاستنتاج منطقياً بالنسبة لك، وقد يبدو أيضاً بأنه يتماشى مع وجهة النظر التي تقر بأن الأهل. وخصوصاً الأمهات، لهم بالفعل تأثير مهم على تطور أعراض اضطراب الشخصية الحدية لدى الطفل.

مع ذلك، وتماشياً مع النموذج الاجتماعي البيولوجي، لا تنشأ مثل هذه العلاقات بين الوالدين والطفل من فراغ. فقد يكرر الوالد المُلغي سلوكاً من تجارب طفولته الخاصة، وبالإضافة لذلك، قد يؤثر الوالدان على بعضهما البعض. قد يقود أحد الوالدين الملغي الآخر إلى التقليل من شأن تعبير الطفل عن عواطفه أو رفضه بمرور الوقت.

لكن يجب الانتباه إلى أن قياسات إلغاء الوالدين عاطفياً لأطفالهم كانت مبنية على الإفادات الذاتية. فالحقيقة هي أن الأفراد الذين يعانون من أعراض اضطراب الشخصية الحدية قد يتذكرون تجارب طفولتهم السابقة مع ذويهم.

تساعد الدراسات المطولة التي يتم فيها تتبع الأفراد على مدى من الوقت في تصحيح هذه المشكلة. كما هو الحال بالنسبة للدراسات القائمة على الملاحظة التي يتم فيها قياس سلوك الوالدين بشكل موضوعي.

ماذا تعني النتائج للأشخاص المصابين باضطراب الشخصية الحدية

حتى لو كان إلغاء الوالدين لعواطف الطفل المرتبط بأعراض اضطراب الشخصية الحدية مجرد تصور، فإن النتائج التي توصلت إليها لي وغيرها تقدم دعماً لفكرة أن الشعور بالإلغاء في وقت مبكر من الحياة يمكن أن يكون له تأثيرات طويلة الأمد على ميول الفرد نحو التصرف باندفاع، وعدم القدرة على تنظيم العواطف والإحساس غير المستقر بالذات.

بالتفكير أكثر في النموذج البيولوجي الاجتماعي، قد تسأل نفسك ما إذا كانت هذه التجارب قد حدثت في حياتك المبكرة.

ماذا لو كنت ذلك الطفل الذي تم خطف لعبته المحشوة؟ هل قام أحد والديك (أو مقدم الرعاية) بطمأنتك بالشكل مناسب؟ ماذا عن طفولتك لاحقاً؟

فكر في الوقت الذي لم تُدعَ فيه إلى حفلة عيد ميلاد أحد الأصدقاء. يمكن للوالد الذي يؤكد صحة عواطفك عندما يتجاهلك أحدهم أن يساعدك على فهم أنه من الطبيعي شعورك بالأذى وعلى التعامل مع تلك العواطف.

في المقابل، قد يقول الوالد الملغي عاطفياً أنه لا داعي للقلق بشأن ذلك أو أنك شديد الحساسية لهذه الأمور. قد لا يكون استحضار تلك الأوقات دقيقاً بنسبة 100٪، لكن حقيقة أنك تتذكر الموقف بهذه الطريقة قد تكون مهمة.

باختصار، يبدو أن الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية الحدية قد طوروا على الأقل بعض الصعوبات العاطفية والسلوكية كنتيجة لكونهم جزءاً من بيئة تلغيهم.

قد يساعدك فهم مدى أهمية هذه العملية بالنسبة للأهل في توجيه أطفالهم عندما يواجهون تحديات عاطفية في اكتساب نظرة أعمق إزاء طفولتك، نظرة يمكن أن تساعدك على تطوير مفهوم آخر عن مشاعرك كشخص بالغ.

اقرأ أيضاً: التوكيد العاطفي للأطفال، أهميته لنمو الطفل وصحته النفسية

اقرأ أيضاً: التوكيد العاطفي، تعريفه، تأثيراته، علاماته وكيفية ممارسته

اقرأ أيضاً: التنظيم العاطفي عند الأطفال وأهميته لنمو الطفل

المصدر: How Parental Invalidation Can Drive Borderline Personality Disorder

تدقيق: هبة مسعود

تحرير: جعفر ملحم

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي
Related Posts

مقالات ذات صلة

error: