يمكن أن يمثل اضطراب القلق المعمم (GAD) تحدياً في التشخيص، لأن نوبات الهلع سمة مميزة لجميع اضطرابات القلق ماعدا القلق المعمم الذي لا توجد ضمن أعراضه هذه النوبات.
نتيجة لهذا الاعتقاد الخاطئ قد يظن الشخص نفسه يقلق أو يشعر بالهم كثيراً فقط. وليس لديه اضطراب القلق المعمم بسبب عدم تعرضه لنوبات الهلع. ويعاني هؤلاء الأشخاص استخفافاً من المحيط ورفضه لأعراض القلق المستمر لديهم وصراعاتهم معها. الأمر الذي لا يسمح بتشخيصها أو علاجها بشكل صحيح.
يعاني معظمنا الانزعاج والهم والقلق الطبيعي والمواقف التي يمكن أن تجعلنا نشعر بالقلق. فما الذي يبحث عنه الاختصاصيون ليساعدوا في تحديد ما إذا كان شعور شخص ما بالهم والقلق مرتبطين بـاضطراب القلق المعمم؟
الخطوة الأولى هي تقييم معايير الأعراض كما هو موضح في الإصدار الخامس من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (المعروف أيضاً باسم DSM-5). يبحث اختصاصيو الصحة النفسية عن عوامل مثل القلق المفرط والمعيق الذي ترافقه مجموعة متنوعة من الأعراض الجسدية، ثم يستخدمون التقييمات التشخيصية التي أثبتت جدواها في تشخيص اضطراب القلق المعمم واستبعاد الاحتمالات الأخرى.
أعراض اضطراب القلق المعمم
يحدد الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، الإصدار الخامس (DSM-5) معايير محددة لمساعدة المتخصصين في تشخيص اضطراب القلق المعمم. ويساعدهم وجود مجموعة قياسية (معايير) من الأعراض للرجوع إليها عند تقييم الأشخاص على تشخيص أكثر دقة لاضطرابات الصحة النفسية. وبالتالي إنشاء خطة رعاية أكثر فعالية.
وتم تحديد سبعة أعراض لاضطراب القلق المعمم، وهي:
- مواجهة صعوبات في النوم.
- العصبية.
- ضعف التركيز.
- زيادة آلام العضلات وتشنجاتها.
- القلق أو الهم الشديد والمبالغ به.
- الإعياء.
- التململ.
معايير تشخيص اضطراب القلق المعمم
يبحث الاختصاصيون السريريون عند تقييم اضطراب القلق المعمم عما يلي:
أولاً، وجود قلق وهم شديدين بشأن مجموعة متنوعة من المواضيع أو الأحداث أو الأنشطة. ويستمر القلق في كثير من الأحيان لمدة طويلة (ستة أشهر على الأقل) ومن الواضح أنه شديد.
ثانياً، من الصعب السيطرة على القلق. وقد ينتقل هذا القلق لدى كل من البالغين والأطفال بسهولة من موضوع إلى آخر.
ثالثاً، يصاحب القلق والانزعاج ثلاثة على الأقل من الأعراض الجسدية أو المعرفية التالية (عند الأطفال واحد فقط من هذه الأعراض ضروري لتشخيص اضطراب القلق المعمم):
- الانفعال والأرق (عدم السكينة) والتململ.
- التعب بسهولة والشعور بالإنهاك أكثر من المعتاد.
- ضعف التركيز أو الشعور كما لو أن العقل أصبح فارغاً.
- العصبية (التي قد تكون ملحوظة أو غير ملحوظة للآخرين).
- زيادة آلام العضلات أو تشنجها.
- مشكلات في النوم (عدم القدرة على النوم أو البقاء نائماً أو التململ في الليل أو النوم غير المُرضي).
القلق المفرط
يعني القلق المفرط الشعور بالهم حتى عندما لا يكون هناك تهديد محدد موجود أو على نحو لا يتناسب مع المخاطر الفعلية. ويعاني الشخص الذي لديه اضطراب القلق المعمم (GAD) أنه يبقى في أغلب ساعات استيقاظه قلقاً. بشأن شيء ما وقد يكون هذا القلق مصحوباً بطلب للطمأنينة من الآخرين.
يمكن أن يكون القلق عند البالغين بسبب مسؤوليات الوظيفة أو الأداء أو صحة الفرد أو صحة أفراد الأسرة أو المسائل المالية. أو ظروف الحياة اليومية الاعتيادية الأخرى. أما عند الأطفال من المرجح أن يكون هذا القلق بسبب قدراتهم أو جودة أدائهم (على سبيل المثال في المدرسة). ويعاني العديد من الأشخاص المصابين باضطراب القلق المعمم أيضاً أعراضاً مثل التعرق أو الغثيان أو الإسهال.
القلق والانزعاج والأعراض الأخرى المرتبطة به، تجعل من الصعب القيام بالأنشطة والمسؤوليات اليومية. وقد تسبب مشكلات في العلاقات أو في العمل أو في المجالات الأخرى المهمة من الحياة.
لتأكيد تشخيص اضطراب القلق المعمم يجب أيضاً أن تكون هذه الأعراض غير مرتبطة بأي حالات طبية أخرى. ولا يمكن تفسيرها باضطراب عقلي مختلف ولا ترجع للآثار الجسدية والنفسية لأي مادة مخدرة. بما في ذلك الأدوية الموصوفة أو الكحول أو العقاقير الترويحية.
تقييم اضطراب القلق المعمم
في أثناء التقييم سيستخدم طبيبك معايير التشخيص والتقييمات الموحدة وحكمهم السريري لتأكيد التشخيص.
عمومًا سيسألك عن الأعراض بطريقة المشاورات المفتوحة، ولكن قد يطلب منك أيضاً إكمال استبيانات التقييم الذاتي. ويمكن أن تساعد هذه التدابير المختصرة الاعتيادية في تحديد التشخيص (كما يفعل مقياس اضطراب القلق المعمم -7) أو شدة الأعراض.
تُستخدم أحياناً في أماكن الرعاية المتخصصة مثل العيادات المتخصصة باضطرابات القلق أدوات تقييم موحدة لتقييم الأعراض. إذ يجري طبيبك مقابلة شبه موحدة ومن المرجح أن تتضمن هذه المقابلة مجموعة موحدة من الأسئلة. وستساعده إجاباتك على إجراء تشخيص دقيق.
تشمل المقابلات التشخيصية الشائعة الاستخدام والمعتمدة جيداً للبالغين المقابلة السريرية المنظمة للاضطرابات الموجودة في الدليل التشخيصي والاحصائي للاضطرابات النفسية (SCID). وجدول مقابلات القلق والاضطرابات ذات الصلة في الإصدار الخامس من الدليل (يُسمى ب ADIS-5). وهناك نسخة من هذا الجدول خاصة بالطفل حيث يتم سؤال كل من الوالد والطفل عن أعراض الطفل وتقيِّم هذه المقابلات وجود حالات أخرى مرتبطة بها مثل الاكتئاب.
تذكر أن تكون صادقاً مع مقدم الخدمة الصحية في الزيارة الأولى، سواء عند ملء الاستمارات أو مناقشة الأعراض معه وجهاً لوجه. لأن الصراحة والصدق سيساعدانك في تحديد ما يحدث معك ووضع خطة رعاية مصممة خصيصًا لتلبية احتياجاتك.
التقييم الذاتي
إذا كنت تتساءل عما إذا كنت أنت أو طفلك مصاباً باضطراب القلق المعمم، فيمكنك التفكير في إكمال أداة فحص ذاتية موجزة عبر الإنترنت للبالغين. أو للأطفال مقدمة من جمعية القلق والاكتئاب الأمريكية (ADAA) إذا قمت بذلك سيتعين عليك التحدث مع اختصاصي الصحة النفسية أو طبيبك لتحصل على التشخيص والعلاج المناسبين.
متى تطلب المساعدة؟
يعاني العديد من الأشخاص المصابين باضطراب القلق المعمم (GAD) من الأعراض لفترة طويلة قبل طلب المساعدة. وقد يكون الوصول إلى التشخيص أمراً صعباً خاصةً عندما يكون القلق مستمراً ومنتشراً.
نحو %20 فقط من الأشخاص الذين يعانون من أعراض القلق يسعون للعلاج. وفي عام 2020 أوصت مجموعة دولية من المختصين بصحة النساء بفحص جميع النساء اللواتي أعمارهن فوق 13 سنة للكشف عن القلق.
معدل انتشار اضطرابات القلق على مدى الحياة أعلى بنحو مرتين لدى النساء منه لدى الرجال. لذلك قد تكون الفحوصات الوقائية مفيدة في ضمان حصول النساء والفتيات على التدخلات المناسبة لتحسين الصحة والرفاهية.
الاتصال باختصاصي الصحة العقلية أو غيره من مقدمي الخدمات السريرية هو خطوة شجاعة يمكن أن تساعد في توضيح ما يحدث. وبالتالي تؤدي إلى وضع خطة الرعاية التي يمكن أن تساعدك في الحصول على الإغاثة واستعادة الشعور بالراحة والسلامة.
عندما تتخذ قرار لطلب المساعدة يجب أن يوضع بالاعتبار مدى صعوبة الإحساس بأي شعور بالهدوء والراحة والطمأنينة مع القلق الذي تشعر به.
إذا وجدت نفسك تطلب باستمرار الطمأنينة من الآخرين أو تحاول مراراً وتكراراً أساليب مختلفة. لإدارة الإجهاد والاسترخاء دون جدوى قد يكون من المفيد الاتصال بالاختصاصي.
تواصل مع الطبيب حتى في حال غياب نوبات الهلع
اعرف أيضاً أن عدم التعرض لنوبات الهلع هو سبب رئيسي آخر بأن الناس لا يطلبون المساعدة لمعالجة قلقهم. مع أنه قد يكون مزمنا ويُصنف كاضطراب قلق معمم. ولكن نظراً لعدم وجود فترات من نوبات الهلع الحادة فإنهم ببساطة يواجهون التحديات بنزاعهم مع القلق (قلقهم مبالغ به).
بل قد يُقال لهم هذا من قبل الآخرين عندما يطلبون منهم أن يشعروهم بالطمأنينة أو محاولة العثور على الراحة، لذلك تذكر أن اضطراب القلق المعمم مختلف لأن نوبات الهلع ليست موجودة عادة لذلك لا تدع هذا العامل يمنعك من طلب المساعدة.
بالإضافة إلى ذلك، لاحظ الأعراض الجسدية التي ترافق انزعاجك، مع استمرار القلق، قد تجد المزيد والمزيد من التحديات مع أشياء، مثل الصداع والهضم والأرق والتعب. قد تستفيد من التحدث مع اختصاصي الصحة النفسية أو الاختصاصيين الصحيين الآخرين إذا وجدت أن قلقك أصبح مفرط وبدأ يؤدي إلى أعراض جسدية أخرى.
العثور على طبيب
خذ بعض الوقت للبحث والبحث عن مقدمي الخدمات الصحية المتخصصين في علاج القلق، ولأن القلق قد يرافق العديد من اضطرابات الصحة النفسية الأخرى، فسوف ترغب في التحدث مع شخص يفهم المعايير المحددة المطلوبة حتى يستطيع تشخيصك وعلاجك بدقة.
يمكن لأطباء الرعاية الأولية في كثير من الأحيان إحالة الشخص إلى مقدمي خدمات الصحة النفسية الموثوق بهم والمتخصصين، ويمكنك أيضاً البحث عن معالج في منطقتك، استشر الجمعيات التي يمكنها إحالتك إلى متخصص بشكل صحيح، مثل:
- جمعية القلق والاكتئاب الأمريكية.
- جـمعية العلاجات السلوكية والمعرفية.
- جمعية العلوم السلوكية السياقية.
الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA) هي منظمة وطنية للأطباء النفسيين يمكنها أيضاً تقديم توصيات لمقدمي الخدمات الصحية المحليين القادرين على توفير التقييم النفسي ووصف الأدوية.
وهناك خيار آخر هو محاولة إتباع برنامج العلاج عبر الإنترنت.
التشخيص التفريقي
يمكن إيجاد أعراض القلق في العديد من تصنيفات حالات الصحة العقلية المدرجة في الدليل التشخيصي والإحصائي للطب النفسي، الإصدار الخامس DSM-5، مثل اضطرابات المزاج واضطرابات الأكل والاضطرابات المعرفية ويمكن أحياناً أن يُخلط بين حالات القلق بعضها البعض وتتداخل أعراضها.
عند مقابلة مقدمي خدمات الصحة النفسية، سوف يبحثون عن معلومات تساعدهم على تشخيص حالتك على أفضل وجه. إعطاء التشخيص التفريقي يعني تمييز كل حالة عن الحالات الأخرى عندما تكون الأعراض متداخلة.
بعض الاضطرابات والحالات التي قد تحتاج إلى استبعاد تشمل:
ومع أن بعض هذه الحالات تُناقش أكتر من قِبل عامة الناس إلا أن هناك معايير محددة يجب استيفاءها ليتم التشخيص بشكل صحيح.
يمكن أن يرافق القلق سلوكيات وأعراض أخرى، على سبيل المثال عندما ينخرط شخص ما في سلوك تخريب ذاتي (تخريب الذات هو ضعف قدرة الشخص على التقدم وتحجيم إمكانياته بنفسه وكأن النجاحات لا تليق به والإنجازات لا تستحقه)، مثل المماطلة، يمكن أن ينظر إليه على أنه يعاني مع التنظيم الذاتي والاضطرابات السلوكية. التغاضي عن عناصر القلق المتعلقة بهذا السلوك يمكن أن ينتهي بعرقلة تلقي الشخص (خلق حاجز لدى هذا الشخص) للعلاج الفعال.
الجلوس مع اختصاصي مؤهل لتحديد التشخيص الدقيق هو المفتاح فتقبل الحصول على المساعدة والتكلم بصدق مع الاختصاصي والمشاركة بفعالية في العلاج يمكن أن يساعدك على استعادة الشعور بالراحة والصحة.
الخلاصة
تذكر أن اضطراب القلق المعمم هو حالة قابلة للعلاج ولا داعي لأن تقلق (أنت أو طفلك) في صمت، وستتعلم من العلاج (خاصة العلاج النفسي) وطرق المساعدة الذاتية، أو غيرها من العلاجات مجموعة متنوعة من الطرق للتعامل مع القلق الذي تشعر به. بالإضافة للأدوية التي يمكن أن تساعد أيضاً.
اقرأ أيضاً: اضطراب الشخصية الحدية، أعراضه، تشخيصه وطريقة علاجه
المصدر: Generalized Anxiety Disorder
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم