نعيش الآن في عصر الإشباع الفوري على عكس الأجيال السابقة، فلدينا مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو “Youtube“، برامج “Netflix“، التسوق عبر الإنترنت،  “Amazon ” للتوصيل في نفس اليوم وغيرها من الأشياء التي تلبي ما نريده ونبحث عنه على الفور. لكن كيف يؤثر إشباع الرغبات الشديدة الفوري (الإشباع المباشر) على الصحة النفسية؟

ما هو الإشباع الفوري؟

الإشباع الفوري (Instant Gratification) أو الإشباع المباشر هو الحاجة الملحة لإشباع الرغبة الشديدة على الفور، دون النظر إلى الآثار والعواقب طويلة الأجل.

على سبيل المثال، ماذا ستفعل إذا عُرضت عليك حلوى واحدة الآن وقطعتان من الحلوى بعد 30 دقيقة (على افتراض أنك تحب الحلوى)؟

من منظور اقتصادي، سيؤدي الانتظار إلى زيادة في مبلغ المكافأة. ومع ذلك، فإن المفاضلة بين المكافأة الآن والمكافأة لاحقاً ليست بهذه البساطة. في بعض الحالات، يفوق الرضا عن تناول الحلوى الآن الخيار الآخر، مما يجعل استهلاك قطعة واحدة الآن أكثر جاذبيةً من قطعتين في وقت لاحق.

مشاكل الإشباع

القدرة على تحقيق رغباتنا بسرعة ليست دائماً سيئة. خُلقت الشركات الجديدة لتقديم استجابة أسرع لاحتياجاتنا، توفير الراحة وزيادة الإنتاجية، ونتيجة لذلك، تمكّن ملايين الأشخاص من العمل من المنزل على مدى عامين ماضيين من الحجر.

لكن قدرة الإنسان على تأجيل الإشباع الفوري لصالح الفوائد المستقبلية كانت تعتبر منذ فترة طويلة ضرورية لتطوير السيطرة على النفس وضبطها.

يؤدي بنا الإشباع الفوري قصير المدى إلى توقع نتائج مباشرة، ما ينتج عنه تبعات سلبية وخطيرة أحياناً.

لنأخذ في الاعتبار هذه الأمثلة:

• ينهار طفل يبلغ من العمر 4 سنوات لأن والديه نسيا إعادة شحن بطارية جهاز iPad الخاص به ولا يمكنه مشاهدة الرسوم المتحركة المفضلة لديه على الفور.
• يجب على طالبة في المرحلة الثانوية أن تقرر ما إذا كانت ستشاهد بثاً مباشراً لمطربها المفضل أو تدرس للامتحان الذي يجري في اليوم التالي.
• ينخرط المراهق في سلوكيات محفوفة بالمخاطر مثل سرقة المتاجر وتعاطي المخدرات لأنها تمنحه مكسباً فورياً.

أسباب الإشباع الفوري

هناك أسباب بيولوجية ونفسية لوجود هذا الانحياز نحو الإشباع الفوري (الإشباع المباشر) سنقوم بتوضيحها.

التطور يُفضل الآن

من المحتمل أن يكون تفضيل المكافأة الفورية متأصلاً في جيناتنا، إذ يمتلك الناس رغبة فطرية لتلبية حاجاتهم الأساسية ولذلك يلجؤؤن إلى الإشباع الفوري.

لنأخذ الطعام كمثال؛ أسلافنا الذين أكلوا ما وجدوه على الفور خلال أيام القحط بدلاً من ادخار الطعام لوقت لاحق، والذي يمكن أن يسرقه الآخرون، هم الذين نجوا.

لم يكن السلوك المهذب، الأدب والتخطيط مهارات ضرورية للبقاء على قيد الحياة في ذلك الوقت. هذا السلوك، الذي كان في يوم من الأيام قادراً على التكيّف مع بيئة كانت فيها الإمدادات الغذائية نادرة، أصبح غير قابل للتكيف في الوقت الحاضر حيث الطعام متاح دائماً تقريباً وضبط النفس أمرٌ ذو قيمة أكبر.

الشك أحد أسباب الإشباع الفوري

يمكن أن تكون التجربة السابقة سبباً آخر للإشباع الفوري. في بعض الأحيان تكون الرغبة في الإشباع الفوري نتيجة للكذب علينا في الماضي أو النتائج المستقبلية التي يمكن التنبؤ بها.

الأشخاص الذين ليسوا متأكدين من المستقبل أو الذين يكرهون المخاطرة لا يريدون المجازفة بفقدانه عن طريق تأخير الفعل.

عدم وجود استراتيجيات للتأقلم

يحتاج الأطفال إلى معرفة استراتيجيات فعالة لتأخير حاجتهم إلى الإشباع الفوري. يميل أولئك الذين يمكنهم تحويل الانتباه بعيداً عن المكافآت الفورية إلى تأخير أطول في الإشباع.

عدم كفاية الوظائف التنفيذية

تساهم الانخفاضات في الوظائف التنفيذية العامة والتحكم التثبيطي (inhibitory control) أو ما يسمى تثبيط الاستجابة في الرغبة في السعي وراء الرضا الفوري لدى بعض الأطفال، خاصة في مواجهة الإشارات الاجتماعية الإيجابية مما يساهم في وجود الإشباع الفوري.

نقص مهارات التنظيم الذاتي

في التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وجد العلماء أن التحكم العاطفي أكثر أهمية من التحكم المعرفي في مقاومة المكافأة الفورية.

ضعف مهارات التنظيم العاطفي يجعل من الصعب على الفرد مقاومة تلبية احتياجاته على الفور وبالتالي يلجأ إلى الإشباع الفوري.

الإجهاد العاطفي قد يسبب الإشباع الفوري

يمكن أن يؤدي الشعور بالإجهاد العاطفي إلى إضعاف ضبط النفس لدى المرء. عندما يشعر الناس بالضيق والإجهاد، فإنهم يعطون الأولوية لتنظيم العواطف قصير المدى على حساب الأهداف طويلة الأمد حتى يتمكنوا من الشعور بشكل أفضل.

عدم وجود تجارب حياتية كافية

عندما يعاني الأطفال من عواقب مؤسفة للمخاطرة، يمكنهم تعلم قدر أكبر من ضبط النفس لمقاومة الإغراءات في الوقت الحالي.

الصغار جداً أو المحميون بشكل مفرط لا يتسنى لهم تجربة الآثار الضارة للتفكير على المدى القصير بما يكفي للانتباه إلى العواقب على المدى البعيد وبالتالي سيفضلون الإشباع الفوري والمكافأة في الوقت الحالي.

أمثلة على الإشباع الفوري

حياتنا اليومية مليئة بالأمثلة على الإشباع الفوري (إشباع الرغبة الشديدة):

1. لعب ألعاب الفيديو الآن بدلاً من الدراسة لامتحان مستقبلي.

2. تناول الحلوى دون الانتهاء من الوجبة.

3. يتحقق مستخدمو الإنترنت من موجزات Facebook الخاصة بهم بدلاً من قضاء بعض الوقت مع العائلة.

4. وضع المنبه في غفوة للنوم لمدة 5 دقائق أخرى، وعدم الاستيقاظ للحصول على متسع من الوقت للاستعداد للعمل.

5. تناول الطعام غير الصحي وعدم الالتزام بنظام غذائي صحي.

6. شراء زوج باهظ الثمن من الأحذية غير الضرورية على الرغم من أنك لا تستطيع تحمل تكاليفها.

7. تناول الطعام في الخارج، بدلاً من الطهي لتوفير المال.

8. تناول الطفل لكل الحلوى التي يمتلكها بنفسه، بدلاً من مشاركتها مع أصدقائه.

9. استخدام توصيل”Amazon” في نفس اليوم، بدلاً من تجميع المشتريات في شحنة واحدة.

10. بعد إرسال بريد إلكتروني، تشعر بالارتياح لتلقي رد تلقائي يخبرك بالاستلام على الرغم من عدم وجود إجابة على ما أرسلته.

11. استخدام مواد مثل السجائر أو الكحول أو المخدرات لتقليل التوتر في الوقت الحالي.

12. الجلوس على الأريكة بدلاً من ممارسة التمارين الرياضية أحد أمثلة الإشباع الفوري.

13. إمساك الهاتف للتحقق من الرسائل النصية الفورية في منتصف محادثة مع المدير.

14.  تحديق الأطفال في الشاشات الإلكترونية، بدلاً من استكشاف الطبيعة من حولهم.

15. الانغماس في تناول الحلويات ذات السعرات الحرارية العالية، بدلاً من الالتزام بنظام غذائي للوصول إلى أهداف الوزن.

16. التحقق من البريد الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي مئات المرات في اليوم دون سبب.

17. استخدام العقاب كطريقة تأديبية عندما يرتكب الأطفال خطأ بدلاً من قضاء بعض الوقت في شرح السلوك السليم لهم وتعليمهم إياه.

18.  تناول الوجبات السريعة بدلاً من انتظار العشاء ليكون جاهزاً عندما تكون جائعاً.

اقرأ أيضاً: صعوبات التعلم وتأثيرها على الصحة النفسية للطفل

اقرأ أيضاً: التربية المهملة، خصائصها، أسبابها وتأثيراتها على الطفل والوالدين

المصدر: 20 Instant Gratification Examples, Causes & Effects

تدقيق: هبة مسعود

تحرير: جعفر ملحم