يشكل مرتكبو الجرائم الجنسية (sex offenders) مجموعة مختلطة الخصائص وغير متجانسة. في حين لا يوجد نظام معياري أو موحد لتصنيفهم، إلا أنهم يندرجون تحت فئات متنوعة استناداً إلى سماتهم الإجرامية، دوافعهم للجريمة واحتمال الانتكاس (العودة إلى الإجرام). ينقسم مرتكبو الجرائم الجنسية بشكل عام إلى أولئك الذين يرتكبون جرائم مترافقة مع اتصال جنسي والذين يرتكبون جرائم دون اتصال جنسي. تشمل جرائم الاتصال الجنسي التحرش بالأطفال، الزنا وزنا المحارم والاغتصاب، أما الجرائم دون اتصال جنسي فتشمل الاستعراء، التلصص والاحتكاك الجنسي.
تصنيف مرتكبي الجرائم الجنسية ضمن نماذج وفئات مهم جداً نظراً لكونها تصور خصائص هؤلاء المجرمين، ويمكن أن تكون مفيدة في التدخلات العلاجية وتقييم المخاطر. لكن، ينبغي ملاحظة أن هذه النماذج أو الأنواع لا تتوافق دائماً مع تصنيفات العدالة الجنائية (القضاء) لمرتكبي الجرائم الجنسية.
الجرائم الجنسية المتمثلة بالتحرش بالأطفال
المتحرشون بالأطفال (Child Molesters) هم مرتكبو جرائم جنسية تكون ضحاياهم من الصغار بالعمر (تحت عمر 18 عاماً).
يمكن أن يصنف المتحرّشون بالأطفال بشكل أوسع تبعاً لتفضيلاتهم الجنسية، إذ يشار للمتحرش الذي ينجذب جنسياً للأطفال تحت عمر 13 (قبل سن البلوغ) بـ مشتهي الأطفال (Pedophile) في حين يعتبر المتحرش الذي يفضل البالغين أو الذين أعمارهم بين 13 و 18 عاماً بـ مشتهي المراهقين (Hebephiles).
لكن، لا يعتبر أي من التصنيفين جريمة نظراً لأنهما يتعلقان بالاهتمام الجنسي فقط وليس بارتكاب أي فعل جنسي.
يفيد المتحرشون بالأطفال بانجذابهم إلى أطفال من عمر معين لا تربطهم بهم صلة قرابة، وتكون ضحايا بعضهم من الذكور فقط، والبعض الآخر من الإناث فقط في حين تكون ضحايا المجرمين الآخرين من الفتيان والفتيات على حد سواء.
وُجد أن المتحرشين بالأطفال الذين يعتدون على الفتيان ترتفع عندهم معدلات الانتكاس (العودة إلى الإجرام).
يمكن أن ينطوي التحرش بالأطفال على مجموعة متنوعة من النشاطات والسلوكيات غير الملائمة بما فيها خلع ملابس الطفل، أو كشف الشخص عن جسده أمام الطفل، الاستمناء أمامه أو لمسه أو مداعبته.
ويمكن أن يشمل إساءات جنسية أكثر خطورة مثل الجنس الفموي أو الإيلاج أو وضع الأصابع أو أشياء غريبة في فم أو فتحة الشرج عند الطفل، أو إجبار الطفل على الفعل الجنسي بالقوة أو الإكراه أو التهديد.
في سبيل الوصول إلى الطفل الضحية، ينخرط المتحرش في علاقات معه أو مع البالغين الأوصياء عليه. يشار إلى هذا السلوك بالاستدراج؛ إذ يبدو المجرم مهتماً جداً باحتياجات الطفل وذلك لكسب تعاطفه وولائه وثقة أولياء أمره كي لا يتم الإبلاغ عنه. وقد يستخدم بعض المتحرشين بالأطفال التهديد لمنع الطفل عن ذلك.
يعتقد المتحرشون بالأطفال أحياناً أن ضحاياهم ترغب في العلاقة الجنسية معهم. عندما يستجيب الطفل إيجاباً لسلوك الاستدراج، يفسر المتحرش ذلك بأنه رغبة الضحية في المشاركة بالعلاقة. ونتيجة لذلك، يمكن أن يعتقد المتحرش أن ذلك لن يؤذي الطفل. يشار إلى هذه الأفكار بالتشوه المعرفي.
الجرائم الجنسية المتمثلة بزنا المحارم
مجرمو الزنا (زنا المحارم أو سفاح القربى) /Incest offenders/ هم مرتكبو جرائم جنسية ممن تكون ضحاياهم من الصغار (الأطفال) وتربطهم بهم صلة دم.
بالإضافة إلى ذلك، يعتبر المجرمون مجرمي زنا إذا اعتدوا على طفل تربطه معهم علاقة (سلطة) شبه أبوية، مثل زوج الأم أو حبيبها.
يعد الاتصال الجنسي بين الابنة والأب أو زوج الأب وابنة زوجته أكثر أشكال الزنا شيوعاً. قد يحدث الاتصال الجنسي غير الصحيح مرة فقط ولكن قد يستمر عدة سنوات في أحيان أخرى.
من الشائع أن يعتدي مجرم الزنا (زنا المحارم)على عدة أطفال من نفس العائلة. على عكس التحرش بالأطفال، تكون النسبة الأكبر من ضحايا مجرمي الزنا من الإناث وتميل إلى أن تكون أكبر سناً. في حين قد يعتدي المجرم على طفل غير بالغ بداية، إلا أنه يمكن أن يستمر في ذلك حتى بعد بلوغه.
بخلاف المتحرش بالأطفال، ينجذب مجرم الزنا (زنا المحارم) بشكل عام إلى الإناث البالغات. إذ تكون علاقات أغلب هؤلاء المجرمين في مراحل معينة من حياتهم مع شركاء مناسبين عمرياً وموافقين على تلك العلاقة.
في حين أنه وبالتعريف يمكن أن يعتبر مرتكبو جرائم الزنا (زنا المحارم) مشتهيّ أطفال نظراً لانخراطهم في أفعال جنسية مع الصغار. إلا أنهم ينظرون إلى الضحية أحياناً على أنها بديل للشريك غير الملائم عمرياً.
قد يبدأ مجرمو الزنا (زنا المحارم) بالاعتداء على الأطفال كطريقة للتأقلم مع الضغط والتوتر الذي يمرون به، إذ أفاد هؤلاء المجرمون بوجود عوامل ضغط مثل علاقات مختلة وظيفياً، مشاكل جنسية أو عدم رضا جنسي والعزلة الاجتماعية.
قد يكون تعاطي الكحول أو المخدرات ضمن سلوكيات المجرم أيضاً. لكن، بمجرد تحديده، فإن مرتكبي سفاح القربى لديهم معدلات انتكاس أدنى مقارنة بمرتكبي الجرائم الجنسية الآخرين.
الجرائم الجنسية المتمثلة بالاغتصاب
يعرّف الاغتصاب (Rape) عموماً بأنه الجماع القسري مع ضحية بالغة دون موافقتها ويعد جريمة عنف. ينخرط المغتصبون في سلوكيات مثل التهديد، العدائية، والعنف الجسدي وذلك للسيطرة على الضحايا وإرغامهم على ممارسة الجنس دون رغبتهم.
لا يسبب الاغتصاب إصابة جسدية واضحة للضحية دائماً، وينصبّ اهتمام المغتصب الأساسي على إرضاء الذات، الهيمنة والسيطرة.
على عكس مرتكبي الجرائم الجنسية المتمثلة بالتحرش بالأطفال أو مرتكبي الزنا، يعتدي المغتصب على نفس الضحية مرة فقط. وُجد أن لدى المغتصبين مستويات مرتفعة من الإثارة والاندفاع الجنسي الشاذ أو المنحرف.
إضافة إلى ذلك، يتم تجريم المغتصب أكثر من المتحرش أو مجرم سفاح القربى. تكون درجة الانتكاس (معاودة الإجرام) أعلى عند المغتصب الذي يستخدم العنف أو ممن لديه تاريخ من السلوك العنيف مقارنة مع المغتصب الذي لا يلجأ إلى العنف الجسدي عند ارتكابه جريمة الاغتصاب.
أنواع الاغتصاب
عام 1979، حدد نيكولاس غروث (Nicholas Groth) ثلاثة أنوع مختلفة للاغتصاب: اغتصاب الغضب (anger rape) ، اغتصاب القوة (Power Rape) والاغتصاب السادي (Sadistic Rape).
وفقاً له، يكون المغتصب من النوع الأول غاضباً إزاء مشاكل عدة في حياته وغير قادر على التأقلم معها بأسلوب مؤيد للمجتمع. بينما قد يكون غضبه موجهاً نحو النساء، إلا أن هذه ليست هي الحالة دائماً.
يميل هذا النوع إلى استخدام العنف الجسدي واللفظي المفرطين عند ارتكابه لجريمة الاغتصاب، وبالتالي يترك الضحية مع جروح وكدمات. بالإضافة إلى ذلك، قد يستخدم المغتصب في اغتصاب الغضب الأسلحة لإلحاق الأذى بالضحية وتكون الجريمةغير مخطَّط لها دائماً وقصيرة المدة.
يميل المغتصب في هذا النوع من الاغتصاب إلى انتقاء الضحايا الضعفاء أمام غضبه. يعتقد أن 25% إلى 40% من جرائم الاغتصاب يرتكبها هذا النوع من المغتصبين.
وصف غروث المغتصب الذي ينتمي إلى النوع الثاني (اغتصاب القوة) بأنه مجرم يمتلك القوة والسيطرة للهيمنة على الضحية. خلافاً لاغتصاب الغضب، يميل المغتصب في هذا النوع إلى استخدام التهديد بالعنف بدلاً من العنف بحد ذاته وذلك لإخضاع الضحية.
في حين أنه قد يستخدم السلاح في ارتكاب جريمة الاغتصاب، إلا أن السلاح يستخدم بشكل أساسي حتى تذعن الضحية له.
لا تتأذى الضحية في هذا النوع من الاغتصاب جسدياً أثناء ارتكاب الجريمة، إذ يكون هدف المغتصب النساء الضعيفات جسدياً وعاطفياً اللواتي لا تتطلب الهيمنة عليهنّ سوى القليل من القوة.
حسب تقدير غروث، فإن الغالبية العظمى من مجمل جرائم الاغتصاب تندرج تحت فئة اغتصاب القوة.
الاغتصاب السادي
النوع الثالث من الاغتصاب هو الاغتصاب السادي، وفقاً لـ غروث، فإن المغتصب في هذا النوع يستمد الإشباع أو الرضا الجنسي من المعاناة الجسدية والنفسية لضحيته، وغالباً ما ينخرط في طقوس سلوكية جنسية تتضمن تدمير الضحية وتعذيبها. قد تتراوح الأنشطة بين التقييد، الضرب، اللكم، الطعن، الخنق، التعذيب والقتل.
يعاني المغتصبون الساديون غالباً من صعوبات نفسية قد تكون لها علاقة مباشرة بالسلوك الإجرامي ويستمرون أحياناً في جرائمهم حتى يتم القبض عليهم، وتزداد شدة الأفعال السادية بمرور الوقت.
تشير التقديرات إلى أن ما بين 2% و 5% فقط من جميع حالات الاغتصاب يرتكبها مغتصب سادي، ونظراً للطبيعة العنيفة والسادية لهجماتهم، غالباً ما تصدر بحقهم أحكام طويلة بالسجن.
الاستعراء
يعد الاستعراء (Exhibitionism) أكثر الجرائم الجنسية شيوعاً، ويكون الشخص الذي يقوم بالاستعراء عادة ذكراً والضحية امرأة. يستمد هؤلاء الأشخاص المتعة والإثارة الجنسية من كشف أعضائهم التناسلية أو كامل جسدهم العاري أمام الغرباء فجأة.
يعتبر الاستعراء شكلاً من أشكال البارفيليا في الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية- النسخة الخامسة – المراجعة النصية (DSM-IV-TR).
في بعض الأحيان، يمارس الشخص الذي يقوم بالاستعراء العادة السرية (الاستمناء باليد) أثناء التعري. في حين أن الاستعراء يعتبر أحياناً موضوعاً مضحكاً أو فكاهياً، إلا أنه قد يسبب خوفاً أو إجهاداً كبيرين للضحية.
نادراً ما يسعى هذا الشخص إلى الاتصال الجسدي مع الضحايا ويثار جنسياً عموماً من خلال رد فعلهم. في حالات أخرى، يمكن أن يتخيل أن الضحية قد أثيرت جنسياً بعد كشفه عن جسده. تكون معدلات الانتكاس عند هؤلاء الأشخاص مرتفعة، ويقدر أن الاستعراء يبدأ عموماً في عمر الـ 18 عاماً، لكن وُثّق عدد قليل جداً من الاعتقالات بسبب الاستعراء عند البالغين ممن هم أكبر من سن الأربعين.
التلصص (استراق النظر)
التلصص (Voyeurism) هو الإثارة الجنسية من مراقبة الآخرين عارين دون علمهم، خلال خلعهم لملابسهم أو ممارستهم للجنس.
يعد التلصص شكلاً من البارافيليا في النسخة الخامسة للدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية – النسخة الخامسة – المراجعة النصية. يمكن أن يحدث الاستمناء أثناء التلصص أو بعده بفترة قصيرة عادة.
يشار إلى المتلصصين أحيانا بـ ” Peeping Tom / مختلس النظر”. في أغلب الحالات، يراقب مختلس النظر الضحية كي يثار جنسياً وليس رغبة منه بالاتصال الجسدي معها إلا أنه من الجرائم الجنسية والتي يعاقب عليها القانون.
لكن قد يعاني هذا الشخص من اضطرابات هلوسة وبالتالي يصدق أنه في علاقة مع الضحية حقاً. في هذه الحالات، يمكن أن يشكل المتلصص خطراً على الضحية.
يبدأ التلصص عادة قبل عمر الـ 15 ويميل إلى أن يغدو سلوكاً مزمناً. يكون لدى الكثير من المتلصصين علاقات جنسية مناسبة عمرياً وبرضى الطرفين إضافة إلى سلوك اختلاس النظر. لكن في الحالات المتطرفة، يشكل التلصص الشكل الوحيد للنشاط الجنسي.
الاحتكاك
ينطوي الاحتكاك (Frotteurism) على لمس وفرك جسم شخص آخر دون موافقته وذلك للوصول إلى الإشباع الجنسي. يعتبر الاحتكاك (شبق اللمس) شكلاً من أشكال البارفيليا في الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية – النسخة الخامسة – المراجعة النصية.
يحدث هذا السلوك عادة في الأماكن المزدحمة والتي يسهل فيها هروب الشخص بدلاً من أن يعتقل أو يكتشف أمره (مثل ممرات المشاة الممتلئة بالناس أو الباصات و القطارات المزدحمة).
عادة ما يكون المحتك ذكراً والضحية أنثى. وخلال الاعتداء، يقوم بفرك أعضائه التناسلية بفخذيّ الضحية أو ردفيها أو يداعبها بيديه. قد يمسك بعضهم بصدر الضحية خلال مشيها.
يتخيل المحتك عادة أنه في علاقة جنسية توافقية مع الضحية. لكن، يدرك أنه يجب أن يهرب بعد ذلك تجنباً للاعتقال من قبل السلطة. تكون بعض الأفعال التي ينطوي عليها الاحتكاك علنية للغاية (إمساك الصدر) بينما تكون أخرى أقرب إلى السرية (تدليك وفرك شخص آخر ضمن السوق المزدحم).
لذلك، يمكن ألا يدرك الضحايا أنه تم الاعتداء عليهم. عادة، يبدأ هذا الشكل من البارافيليا في مرحلة المراهقة وتتراوح أعمار هؤلاء المعتدين بين 15 إلى 25 عاماً ولكن لوحظ شبق الاحتكاك عند الأشخاص الكبار والخجولين.
اقرأ أيضاً: سيكولوجية الجريمة، العوامل الاجتماعية، النفسية والبيولوجية المساهمة في السلوك الإجرامي
اقرأ أيضاً: التحرش الجنسي، أنواعه وسلوكياته، وخاصة في مجال العمل
اقرأ أيضاً: علاج إدمان الجنس، التقنيات المتبعة والأدوية المستخدمة
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم