إذا اقترب أطفالك من سن المراهقة، من المحتمل أن يخطر في ذهنك عدة مرات ما يمكن أن يتعرضوا له من ضغط الأقران (Peer Pressure). ماذا لو أقنعهم صديق أو زميل في الفصل بشرب الكحول أو ترك المدرسة أو إرسال رسائل نصية خلال قيادة السيارة؟ يمكن أن يكون تأثير الأقران إيجابياً أيضاً، إذ يسعى المراهقون للاقتراب من الأصدقاء والأقران الآخرين طلباً للإرشاد. قد يساعد الصديق الجيد (القدوة الحسنة) بشكل كبير لأن المراهقين يمكنهم تعزيز الخيارات والمواقف الإيجابية في مجموعات أصدقائهم ببساطة بأدائهم لتلك السلوكيات وعندئذٍ يعرف بـ ضغط الأقران الإيجابي.

ينطوي ضغط الأقران الإيجابي غالباً على تشجيع ودعم أكثر من الإلحاح أو الإقناع الفعلي. فيما يلي أمثلة عن ضغط الأقران الإيجابي وفوائده ونصائح حول تشجيع التأثيرات الإيجابية له. 

أمثلة عن ضغط الأقران الإيجابي

توضح الأمثلة أدناه بعض الطرق التي يمكن للأقران من خلالها التأثير على بعضهم بعضاً بشكل إيجابي:

تشكيل مجموعة دراسة

يتحدث طفلك وأصدقاؤه عن دروس علم الأحياء كثيراً وعلمت أنه المادة الأصعب لكثرة ما يشمله من لوازم وأحياء ولما يقوم به المعلم من اختبارات مفاجئة صعبة كل أسبوع.

مثلاً سمعتهم ذات يوم يتحدثون عن اختبارهم الأخير، فكان يقول أحدهم متذمراً: “ما الهدف من علم الأحياء؟ نُعطى دائماً الكثير من الواجبات المنزلية. رغم أنني لن أصبح طبيباً، لماذا نولي الأمر اهتماماً؟”

بينما يقول آخر: “أعتقد أن فصل الأحياء ممتع، رغم كثرة الواجبات المنزلية وكأنها لا تنتهي”. ويضيف قائلاً: “لماذا لا نتعاون بينما نتسكع؟ سيكون من الأسهل العمل معاً ويمكننا التحقق من إجاباتنا لضمان استعدادنا للاختبارات”. ويتفق الجميع على أن هذه فكرة رائعة.

وضع حد للنميمة

أثناء قيادتك السيارة لإيصال طفلك وصديقه إلى منزل صديق آخر، سمعت شيئاً أثار قلقك.

قال ابنك البالغ 13 عشر عاماً: “بدا كارتر فظاً اليوم أكثر من المعتاد”. قالها وهو يستدير إلى الوراء لينظر إلى صديقه مكملاً: “ما خطبه في الآونة الأخيرة؟ ملابسه دائماً غير مرتبة ورائحته كريهة”.

توشك على أن تقول كلاماً جارحاً لابنك كي لا يحكم على الآخرين. إلا أن قال صديقه: “هذا كلام مزعج، ربما الأمر ليس في يده، ماذا لو كان هنالك عطل في الحمام أو لم يكن لديهم غسالة؟” 

يعدل ابنك جلسته على المقعد، يبدو أنه اتعظ من الموقف، إذ تراه يتخيل في ذهنه الخروج بدون استحمام أو عدم وجود غسالة.

ثم رد على ذلك: “أنت على حق” وأكمل بعد دقيقة: “ربما ينبغي أن نسأله عما إذا كان بخير غداً وليس بطريقة فاضحة ومزعجة بل فقط إلقاء التحية وبعدها السؤال عن حالته”.

تجربة أشياء جديدة

أراد طفلك الانضمام إلى صحيفة المدرسة منذ أن بدأ المرحلة الإعدادية، ولكن حتى الآن، كان خجله عائقاً منعه من اتخاذ خطوة حضور الاجتماع الخاص بها فعلياً. لقد أصبح في الصف الثامن، لذا فإن هذه السنة هي فرصته الأخيرة للانضمام.

تصلك رسالة نصية ذات يوم: “هل يمكنك اصطحابي في الخامسة؟ سأذهب إلى نادي الصحافة، لذلك ستفوتني الحافلة!!”. 

يخبرك في طريق العودة إلى المنزل كيف انتهى به الأمر بحضور الاجتماع. فيقول: “كانت زميلتي في مخبر العلوم تقول أنها تفكر في الانضمام إلى الصحيفة المدرسية. قلت أنني خائف من الذهاب إلى الاجتماع بمفردي، فاقترحت أن نذهب معاً، بما أنني أعرفها بالفعل لم أشعر بالتوتر الشديد”.

توافق أنت على فكرة أنه من الأسهل غالباً تجربة شيء جديد عندما تصطحب صديقاً معك.

أمثلة على ضغط الأقران الإيجابي على البالغين

يمكن للبالغين أيضاً ممارسة بعض الضغط الإيجابي على بعضهم بعضاً. لنفترض أنك في حفلة عيد ميلاد أحد الأصدقاء وعليك قيادة سيارتك إلى المنزل قبل فوات الأوان ولا تريد المخاطرة بشرب الكثير من الكحول. لذلك عندما يسأل زميل صديقك عن رغبتك في تناول مشروب فإنك تطلب الماء.

يرد على ذلك قائلاً: “حقاً، هل أقلعت عن تناول المشروب؟”

تقول رداً عليه: “كلا، لكن يجب أن أغادر قريباً لذا لا أريد المجازفة” 

يقول لك: “عليّ قيادة السيارة لاحقاً أيضاً، لكن كأساً من النبيذ لن يجعلك تتجاوز الحد الأقصى للسرعة”. (ملاحظة: قد يحدث ذلك بالفعل). 

تشرح قائلاً: “ربما لا، لكني لا أحب القيادة تحت تأثير الكحول، حتى لو كنت على ما يرام فقد أشعر بالارتباك، أنت تعلم ما أقصد؟ حينها أفكر في احتمال الاصطدام أو ضرب شخص ما، أعتقد أن الأمر لا يستحق كل هذا العناء”.

يستهجن الأمر قائلاً: “أظن ذلك” لكن بعد تقديم كأس من الماء، تلاحظ أنهم وضعوا مشروبهم جانباً ولم يمسكوه مرة أخرى.

آثار ضغط الأقران الإيجابي 

من الواضح أن تأثير الأقران اللإيجابي جيد خصوصاً للأطفال الأكبر سناً. حتى إذا كانت تربطك علاقة وثيقة مع طفلك، فقد تبدأ في ملاحظة ابتعاده عنك ولجوئه إلى أصدقائه للحصول على المشورة والدعم مع نضجه.

قد يكون هذا مؤلماً بعض الشيء لكنه طبيعي تماماً؛ يبدأ الأطفال في اللجوء إلى أقرانهم كمرشدين لهم أكثر فأكثر خلال فترة ما قبل المراهقة وسنوات المراهقة المبكرة.

عموماً، المراهقون أكثر قابلية في هذه المرحلة العمرية خصوصاً لتأثير الأقران، لذا من الطبيعي أن يرغب طفلك في أن يجاري الأصدقاء وزملاء الدراسة ويتماشى معهم.

لهذا السبب، قد يكون التأثير الإيجابي للأقران مفيداً جداً ومن المرجح أن يختار المراهقون اختيارات إيجابية لأنفسهم عندما يرون زملاء الدراسة يقومون بأمور مثل المشاركة في الألعاب الرياضية والنوادي، الوقوف في وجه التنمر أو النميمة، مساعدة الآخرين والتطوع أو الحصول على وظيفة بدوام جزئي.

قد يميل طفلك إلى هذه السلوكيات بالفعل. ولكن عندما يرى أقرانه يختارون نفس الخيارات لن يقلق من الظهور بمظهرالـ “ممل” أو “غير اللافت”. من الممكن أن يكون لتأثير الأقران فوائد ملحوظة أكثر، مثلاً إذا كان أصدقاء طفلك يستمتعون بالمدرسة ويبدون اهتماماً بالحفاظ على درجاتهم عالية، ربما يبدأ طفلك في بذل جهد مماثل.

السلبيات المحتملة لضغط الأقران الإيجابي

هل هناك سلبيات محتملة من ضغط الأقران الإيجابي؟ نعم، قد ينتهي بك الأمر بالضغط على طفلك للقيام بشيء لا يريد القيام به حتى لو بدا مفيداً وصحياً ظاهرياً.

ربما يقنعه صديقهم في المدرسة الإعدادية بالانضمام إلى نادي المسرح على الرغم من خوفه الكبير من الحشد والتحدث أمام الناس.

بالتأكيد، قد ينتهي به الأمر ومشاعر السعادة تغمره عند الانضمام إلى مجموعات رسم أو تعلم كيفية تشغيل الأضواء خلف الكواليس. لكن قد تؤول الأمور عكس ذلك؛ أي الرهبة من اجتماعات النوادي والمجموعات وإيجاد الأعذار للخروج من التدريب. مع مرور الوقت، يمكن أن يبدأ قلقه في التأثير على مزاجه العام واهتمامه بالمدرسة.

أو ربما يبدأ في السهر طوال الليل في محاولة لمواكبة الأعضاء الآخرين في مجموعة الدراسة التي انضم إليها.

يسعدك رؤيته يهتم كثيراً بدراسته، لكنك تلاحظ أيضاً أنه بدأ بالانهيار تحت الضغط والإحباط من أي شيء لا يصل إلى مستوى الكمال.

آلية عمل ضغط الأقران؟

يمكن أن يحدث ضغط الأقران، سواء كان إيجابياً أو سلبياً، بشكل صريح (مباشر) أو ضمني (بشكل خفي):

يحدث الضغط الصريح عندما يقول شخص ما تعليقاً مباشراً على سلوك زميل من زملائه أو يقترح عليه وجوب التصرف بطريقة معينة. على سبيل المثال: “نحن جميعاً نهرب من حصة الرياضيات لأن الأستاذ X أحمق، انضم إلينا”.

يحدث الضغط الضمني عندما يغير شخص ما سلوكه ليتناسب بشكل أفضل مع الأشخاص من حوله. غالباً، يأتي هذا التأثير غير المعلن من التوجهات والنزعات الاجتماعية الشائعة. قد يساعد ذلك في تفسير اختياراته في الملابس والتي تراها محيرة أو رغبة طفلك في لعب لعبة فيديو لم يعرب عن اهتمامه بها من قبل.

يكون تأثير الأقران الإيجابي غير ضار كثيراً، مثلاً قد لا يفيد حصول طفلك على شعر أرجواني أو أخضر، ولكن ربما لن يؤذيه أيضاً. من ناحية أخرى، يمكن أن يكون يؤثر ضغط الأقران السلبي تأثيراً بعيد المدى، سواء كان صريحاً أو ضمنياً. 

يمكن أن تتعدد أشكال التأثير السلبي كالآتي:

• يعرض صديق ما الكحول أو الحشيش.
• عدم تناول الأقران وجبات الطعام ويطلقون على أنفسهم لقب “البدين”.
• تحدث الأصدقاء بنميمة عن زملائهم في الصف وتشجيع الآخرين على المشاركة في ذلك. 

نصائح لتعزيز ضغط الأقران الإيجابي

إذا كان طفلك يريد دائماً أن يفعل عكس ما تقترحه، فكيف يمكنك تشجيعه للبحث عن التأثيرات الإيجابية على الأقل عندما يواجه العالم الخارجي؟ 

تحدث معه

للمحادثات المفتوحة فوائد دائماً، إذ يقدر الطفل عادة ما تريد قوله ويريد موافقتك حتى لو كانت أفعاله تشير إلى عكس ذلك. أظهر اهتمامك به من خلال طرح أسئلة حول قيمه واهتماماته والاستماع إلى ما يقوله.

تذكر أنه يمكنك توجيهه بمهارة دون إخباره ما يجب عليه فعله، فمثلاًَ يمكنك أن تقول: “أتساءل ماذا يمكنك أن تقول لتحسين هذا الوضع.” أو “كيف شعرت عندما قام أصدقاؤك بأشياء لا تحبها؟” أو “عندما أحاول اتخاذ قرار، أدوّن إيجابيات وسلبيات كلا الجانبين للحصول على صورة أفضل لكيفية تأثير ذلك عليّ؛ أتساءل عما إذا كان ذلك قد يساعدك أيضاً؟”

يمكن أن يساعد تجنب اللوم أو الحكم على طفلك في الشعور براحة أكبر إزاء اللجوء إليك بشأن أي شيء.

شجعه بدلاً من أن تمنعه

 بوصفك والداً، قد ترغب في اتخاذ موقف صارم بشأن بعض السلوكيات، مثل شرب الكحول أو التدخين دون السن القانوني.

عندما يتعلق الأمر بخيارات أخرى مثل الشتائم أو اتخاذ موقف سلبي تجاه المدرسة أو لعب ألعاب الفيديو لساعات مطوّلة، فقد ترى نتائج أفضل من خلال تشجيع السلوكيات الإيجابية بدلاً من حظر السلوكيات التي لا تفضلها.

بعد ذلك، شجعه بشكل خفي عن طريق تسهيل اختياره لسلوكيات صحية:

• تأمل أن ترتفع درجاته في المدرسة؟ امدح جهوده عندما تراه يدرس وقدم له الدعم. على سبيل المثال: “إذا كنت ترغب في جلسة مذاكرة مع أصدقائك في المنزل، سوف أصطحب أخاك وأختك بضعة ساعات بعد المدرسة وأجلب بعض الوجبات الخفيفة”. 
• تهدف إلى تعزيز صداقات صحية؟ شجعه على قضاء الوقت مع الأصدقاء الذين يعاملونه وأقرانه بلطف.

كن قدوة جيدة

إن السماح لطفلك بمعرفة كيف يمكن أن يوجه سلوكه الآخرين يمكن أن يمنحه المزيد من الثقة عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرارات إيجابية. مع ذلك، قد يكون لكلماتك قيمة أقل في حال رآك تفعل شيئاً مختلفاً تماماً عما قلته. 

ربما تحدثت مع طفلك عن كمية الأذى التي تسببها النميمة. ماذا يحدث عندما يأتي أحد أصدقائك لمشاركة بعض الأخبار حول آخر أحداث علاقة عاطفية حدثت مع صديق آخر؟

قد لا تقول شيئاً سلبياً، لكن مجرد المشاركة في المحادثة يمكن أن توحي لطفلك أن النميمة والثرثرة تلك يجب أن تكون جيدة بسبب قيامك بها. أو ربما تؤكد على أهمية تكوين صداقات ذات قيم مماثلة لقيمه؛ وفي وقت لاحق، سمع محادثة تجريها مع صديق يخون شريكته.

أنت لا تدعم هذا السلوك، لكنك أيضاً لا تُبدي أي نقد صريح أو تحثهم على الإفصاح عن هذه العلاقة الغرامية. من المهم أن تفكر فيما إذا كانت تلك الصداقة تعكس قيمك وكيف يمكنك التأثير على طفلك بشكل إيجابي وكيف تكون أفضل مثال يحتذى به؟

خلاصة

بدلاً من تحذير أطفالك ببساطة من ضغط الأقران السلبي، فكر في تقديم بعض النصائح حول تحديد واتباع خطى أقران يتمتعون بالإيجابية في محيطهم. طمأنهم بأنهم ليسوا بحاجة إلى مجاراة الجميع والتماشي معهم لتكوين صداقات بالتأكيد ولكن علمهم أيضاً كيف يوجهون أقرانهم نحو خيارات أكثر صحة ونفعاً.

إن ممارسة التعاطف وإظهار سلوكيات الصداقة الجيدة والبقاء مخلصين لذواتهم الفريدة من شأنها تعزيز ضغط الأقران الإيجابي وأن تمكنهم من النجاح لاحقاً.

اقرأ أيضاً: كيف يتطور التنظيم المشترك مع الوالدين إلى تنظيم ذاتي لدى الأطفال

اقرأ أيضاً: التفكير النقدي للأطفال، ما أهميته وكيف يمكن تعليمه للأطفال؟

اقرأ أيضاً: الحديث الذاتي الإيجابي للأطفال، أهميته وكيفية تعليمه للأطفال

المصدر: When Peer Pressure Is a Positive Thing

تدقيق: هبة مسعود

تحرير: جعفر ملحم