يتلخص الفرق الرئيسي بين العدوانية والحزم في مدى نجاحك في مراعاة حاجاتك وحاجات الآخرين وأخذها بالاعتبار. لذلك، من الممكن أن تكون حازماً دون أن تكون فظاً أو هجومياً.
في الواقع، قد يعتقد بعض الناس أن الحزم يعادل الفظاظة. مع ذلك، من الواضح أن التعبير عن آرائك وحاجاتك لا يماثل افتقارك للأخلاق. وفي الوقت نفسه، قد يعتقد البعض أن “التعبير عما تريده بقوة ووضوح” دون أي اعتبار لما قد يشعر به الشخص الآخر ذو طابع حازم.
في الواقع، عندما لا تراعي احتياجات الشخص الآخر بشكل كامل وتنتبه لطريقة إيصال ما تريده، فأنت بذلك تبتعد عن كونك حازماً.
يقول الدكتور ديفيد هيلفاند (David Helfand)، اختصاصيّ في علم النفس السريريّ ومتخصصٌ في علاج الأزواج في بوسطن، أن التواصل الحازم يعني التعبير بوضوح عن أفكارك ومشاعرك مع وضع الحدود المناسبة بطريقة صارمة لا تخلو من التعاطف.
من ناحية أخرى، ينبع التواصل العدواني عموماً من الغضب، الأذى أو الاستياء، إذ لا يأخذ في الاعتبار احتياجات أو منظور الشخص الآخر، حسب هيلفاند. حتى لو لم تتقن التواصل الحازم بعد، فهذه مهارة يمكن تطويرها.
كيف تكون حازماً دون الظهور كشخص عدواني؟
في بعض الأحيان، لا يكون حتى تبادل الكلمات مع الآخرين أمراً سهلاً، ولكن التواصل الواضح يستحق العناء. يرتبط كونك حازماً ارتباطاً وثيقاً بالحفاظ على الاحترام، ويجب التفريق بين الحزم والعدوانية.
1- حاول أن تبقى هادئاً
أولاً، حاول أخذ نفس عميق وهدئ من روعك إذا كانت مشاعرك تتأجج، وفكر للحظة في تسكين نفسك والاتزان قبل التفوّه بما تريد قوله، فمن المرجح أن تصل رسالتك بشكل أفضل كلما كنت أكثر هدوءاً.
2- فكر في استخدام عبارات تحتوي على “أنا”
يقترح هيلفاند بأنه وبدلاً من الإشارة إلى تصرفات الآخرين، قد تجد أنه من المفيد التحدث عن أفكارك ومشاعرك الخاصة، وهنا فإن الأقوال التي تحتوي على ضمير “أنا” قد تكون مفيدة.
ويوضح هيلفاند قائلاً: “إنّ التركيز على حاجاتك الشخصية يساعدك في تأكيد حدودك وفي نفس الوقت تجنب إلقاء الأحكام على الشخص الآخر واحتمال اتخاذه سلوكيات دفاعية“.
مثلا: بدلاً من قول ” أنت لا تصغي إليّ”، جرّب “أحتاج الشعور بأنك تنصت لما أقوله أكثر”.
3- حاول الحفاظ على لغة الجسد المفتوحة
إنّ ما تقوله مهمٌ بقدر أهمية الطريقة التي تقوله بها. يقول هيلفاند: ” قد يكون التواصل بالعين مخادعاً، فبعض الناس يحبون حقاً التواصل بالعين، لكن، تُظهر الأبحاث أنه هذا النوع من التواصل قد يسبب شعوراً بالمواجهة والصدام، فالبعض يخوضون أفضل الأحاديث عندما يجلسون جنباً إلى جنب وهم ينظرون إلى ذات الاتجاه”. ويقترح مثلاً تجربة محادثة رفيقك أثناء مشاهدة غروب الشمس.
لماذا من الصعب جداً أن تكون حازماً في تواصلك مع الآخرين؟
التواصل ليس شيئاً فردياً، لذا فإن إيصال مرادك بشكل حازم قد يكون صعباً في بعض الأحيان لأنك أنت والشخص الآخر تستحضران أثناء عملية التواصل تجاربكما الخاصة، أنماط أفكاركما، افتراضاتكما وأساليب تواصلكما معاً. ولذلك عليك الانتباه إلى طريقة إيصال رسالتك وأيضاً التجاوب مع رد فعل الشخص الآخر.
أيضاً، قد تتلط الأمور بين الحزم والعدوانية لديك، فقد تعطيك التجارب السابقة التي رُبَّما حاولت فيها أن تكون حازماً ولم تلقَ قبولاً حسناً شعوراً بأن الحزم والصرامة خلال التواصل مساحة غير مريحة، كما أن التخاطب مع شخص يجد صعوبة في قبول الحدود بينكما قد يجعل من كون الفرد حازماً أكثر صعوبة.
إنّ أجسادنا مبرمجة للدخول في وضع الدفاع، إذ يقول لي فيليبس (Lee Phillips)، معالج نفسي ومختص في الأزواج والقضايا الجنسية، “إذا كنا في حديث مع شخص ما، وشعرنا بقسوة لهجته، قد تتأجج مشاعرنا، ننفعل ونفقد تعاطفنا”.
ويكمل قائلاً: “في أحيان أخرى، قد نكون من أولئك الذين يستخدمون عبارات نعم، بالتأكيد، كما تريد في التواصل مع الآخرين وذلك خوفاً من رد فعل الشخص الآخر، مما قد يجعلنا أشخاصاً مُذعنين نوافق على آراء الطرف الآخر مهما كانت.”
ويضيف: “هناك أيضاً افتراضاً غير سليم يفيد بأن النساء يتصفن بالخضوع والإذعان والرجال بالحزم والعدوانية، وهذا الافتراض يتساوى مع ما يقال بأن المرأة ضعيفة والرجال أقوياء، إلا أنه غير صحيح، إذ يمكن أن يكون الرجال والنساء مُذعنين، سلبيين، حازمين و عدوانيين”.
أربع طرق للتعامل مع الحوارات الصعبة
ببعض النية والممارسة، يمكنك أن تواجه كل المواقف اليومية بنجاح وتكون حازماً دون أن تبدو عدوانياً، حتى خلال المحادثات الصعبة.
1- حاول تنظيم أفكارك
جرب أن تفكر فيما تريدُ قوله، وقد يفيدك تدوينه أحياناً. يقول هيلفاند: “إن تدوين ما يدور في ذهنك على دفتر يومياتك يساعد كثيراً في إعداد المسودة الأولية لخطابك وحديثك بحيث يحصل الطرف الآخر على مسودة ثانية أكثر دقة، تشذيباً وإيجابية على الأرجح.”
2- حاول انتقاء مستهل الحديث بعناية
يقترح فيليبس طرح سؤال بسيط على طرف المحادثة الآخر وهو “هل الآن هو الوقت المناسب للتحدث؟” إذ يعتبرها طريقة رائعة للتأكد من تلقي القبول، ويقترح أيضاً خيارات أخرى للتواصل الفعّال، مثل:
- “أرغبُ في إصلاح الأمور، لكنني أريد التأكد أننا على وفاق، لذلك هل تشعر أنك مستعد للتحدث؟”.
- “أقدر عالياً أن تتاح لي فرصة شرح ما سأقوله ومعرفة ما ترغب قوله. أيمكننا التحدث؟”.
- “الخلافات كثيراً ماتحدث، وما يهم هو كيفية حلها، لذلك أعلمني عندما تكون مستعداً للحديث. أحبك”.
3- أنصت لشريكك في المحادثة
يوضح فيليبس أن التواصل الحازم والجدي يتعلق بالفضول، التوكيد والتعاطف. يعني هذا الاهتمام الحقيقي والصادق بما سيقوله الشخص الآخر مع تجنب الميل إلى لوم الآخرين أو وضع افتراضات مسبقة.
إذ يقول: “عوضاً عن وضع الافتراضات المسبقة حول ما يشعر به الطرف الآخر، اسأله عن ماهيتها، على سبيل المثال، جرب قول ” أنا كنت قَلِقاً وبدوتَ أنت هادئاً، هل هذا صحيح؟”
4- حاول أن تضع حدوداً في التواصل
لكي تكون حازماً بعيداً عن العدوانية، قد يساعدك أن تضع مسبقاً بعض الحدود، كالموافقة على تحديد وقت أو طريقة أخرى لإنهاء المحادثة بلباقة أو مدى حاجتكما إلى فترة راحة.
يقول فيليپس: ” قد يكون لدى بعض الناس كلمة سر يستخدمونها توحي مثلاً أن الشخص غاضبٌ، وأن هذا ليس الوقت المناسب للتحدث، وبالنسبة لغيرهم، فقد يومئ البعض برؤوسهم كدلالة على قول “لا”، وهذا يعني أن الوقت الآن ليس مناسباً للحديث “.
علاماتُ التواصل العدوانيّ السلبيّ
عادةً ما ينبع العدوان السلبيّ من تراكم الاستياء. إذا كان ذلك هو حال علاقتك مع الآخرين، فكر في طلب الدعم من معالج نفسي.
قد تشمل بعض علامات التواصل العدوانيّ السلبيّ ما يلي:
- تجاهل الرسائل.
- شتائم مقنَّعة بـ “نكات”.
- التظاهر بالموافقة.
- الاستهزاء بقلب العينين.
- التعليقات الساخرة.
- التأخر في الرد أو المواعيد.
- المماطلة أو الامتناع عن التكلم.
خلاصة
أن تكون حازماً مهارةٌ تعني الأخذ بالاعتبار مشاعر الشخص الآخر ومشاعرك أنت أيضاً بعيداً عن العدوانية.
ولكي تكون حازماً دون أن تظهر بشكل عدواني قد يساعدك أن تهدّئ مشاعرك قبل التحدث، تستعمل عبارات تتضمن ضمير “أنا” وتتمرن على الإصغاء النشط.
أخيراً، ليس عليك فعل هذا وحدك، إذ يمكن للاختصاصي في الصحة النفسية أن يساعدك على تحسين مهارات التواصل لديك.
اقرأ أيضاً:
اقرأ أيضاً:
اقرأ أيضاً: التدريب على المهارات الاجتماعية، تقنياته ومجالات استخداماته
المصدر: How to Be Assertive Without Being Aggressive
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم