إذا شعرت ذات مرة أنك فقدت الأمل في الحياة، فاعلم أنك لستَ وحدك. إن المرور بحالات صحية معينة، أحداث غير متوقعة، ضائقة طويلة الأمد أو الشعور بأن الحياة قد خذلتك ببساطة؛ كلّها أسباب تدفعُ الفرد لمثل ذلك الشعور.
على الرغم من أنّ هذا الشعور يـُـعدّ نتيجة طبيعية وشائعة للكثير من المِحَن والصّعوبات الحياتية، إلا أنه يشكّل خطراً في أوقات عديدة. ويجب التعامل معه بجديّة سواء حدث معك أو مع أحد المقربين منك.
يمكن أن يكون الشعورُ برغبتك في ترك الحياة مجرد شعور عابر، ولكنه في المقابل يمكن أن يكون نذيراً على الانتحار.
لذلك، من المهمّ جداً طلب المساعدة الفورية أو اللجوء إلى مقدّم رعاية صحية، أخصائيّ اجتماعي، رجلِ دين، مدرّس، صديق أو أيّ فرد من العائلة عندما تبدأ هذه المشاعر بالظهور. فبالعلاج المناسب والدعم الحقيقي تستعيد شغفك في الحياة.
فَـهمُ تكوّن الأفكار الانتحارية
يكمُن سوء فهم الأفكار الانتحارية (suicidal ideation) بشكلٍ كبير باعتبارها تنطوي على الإقدام الفعليّ على الانتحار فقط. إلا أن هذا الأمر هو شكلٌ من أشكالها ويسمّى بالتفكير الانتحاري النّشط (active suicidal ideation) لكنه ليس الشكل الوحيد.
يمكن أن يعاني الفردُ من التفكير الانتحاري السلبي والذي يعني الرغبة بالموت أو الشعور بفقدان الأمل من العيش. لكن دون تخطيط ملموس للانتحار.
لا يجب الاستهانةُ بالتفكير الانتحاري السلبي، لأنك إن شعرت بأنك فقدت الأمل في الحياة فيمكن أن تراودك أفكاراً في الانتحار.
تتضمن أعراض التفكير الانتحاري عدداً من السلوكيات منها:
- الانشغال والتفكير الدائم بالموت والاحتضار
- التخلّي عن الممتلكات الشخصية
- التفكير الفعليّ بالانتحار أو النّدم على القدوم إلى هذه الحياة
- مشاعرُ الخيبة والإحباط
- توديعُ الآخرين
- الاحتفاظ بالأسلحة أو حبوب الأدوية أو أيّ شيء من أجله أن يودي بحياة الفرد
- ارتفاع معدّل تعاطي المواد المخدرة أو أيّ من الأشياء المؤذية للنفس
- العزلةُ والاختلاء بالنفس
- تقلّبات مزاجية وتغيرات شخصية أخرى وتغيّرات في نمط حياة الفرد
- ترتيب الإجراءات الخاصة بالوصيّة دون سبب واضح.
الاضطرابات النفسية المرتبطة بالتفكير الانتحاري
تنبع الأفكار الانتحارية عادةً من اضطرابات المزاج مثل، اضطراب القلق (anxiety disorder)، اضطراب ثنائي القطب (bipolar disorder)، اضطراب الاكتئاب الشديد (major depressive disorder) واضطراب الاكتئاب المستمر المعروف أيضاً بالاكتئاب الجزئي (dysthymia).
ويرتبط أيضاً باضطراب الشخصية (personality disorder) والحالات النفسية التي تلعب التغيرات الهرمونية دوراً فيها. مثل اكتئاب ما بعد الولادة (postpartum depression)، انقطاع الطمث (perimenopause)، واضطراب ما قبل الحيض (premenstrual dysphoric disorder). بالإضافة إلى اضطراب ما بعد الصدمة (post-traumatic stress disorder).
من الممكن أن تشعر أنك فقدت الأمل في الحياة دون تشخيصِ أيّ من الاضطرابات السابقة أو دون المرور بفترة تغيُّرات هرمونية.
إذ يمكن لظروف الحياة القاسية أن تدفع بالشخص إلى فقدان رغبته بالحياة. وتتضمن الحزن والفاجعة نتيجة خسارة شخصٍ عزيز لا يمكنك تخيل الحياة بدونه.
يبعثُ الانفصال العاطفي (break up) أو الطلاق على الشعور بالكآبة والسوداوية. ويمكن أن تؤدي خسارةُ الشخص لوظيفته، خاصةً إذا كانت جزءاً من شخصيته وكيانه، إلى انعدام رغبته في العيش.
يؤدي تفكير الأشخاص مليّاً بالانتحار بعد المرور بتغيرات جذرية في حياتهم إلى الإصابة بـ الاكتئاب الظّرفي (situational depression). ولا يُعد الاكتئاب الظرفي اضطراباً رسمياً، إلا أن مقدمي الرعاية الصحية يلجؤون إلى هذه التسمية لوصف المرضى الذين يواجهون صعوبةً في التأقلم مع أحداث الحياة المفاجئة.
إذ يمكن أن يتمّ تشخيص هؤلاء المرضى بإصابتهم باضطراب التأقلم المصحوب بأعراض اكتئابية (adjustment disorder with depressive symptoms).
المشاكل الصحيّة المزمنة، الإجهاد والصدمات النفسية وعلاقتها بالتفكير الانتحاري
يمكن أن يكون الأشخاص الراغبون في ترك الحياة قد مرّوا بتغيرات مأساوية وكبيرة في حياتهم فاقت قدرتهم على تحمّلها. أو من الممكن أنهم قد سئموا من كثرة الظروف المزمنة، المجهدة والمؤلمة.
المشاكل المزمنة
يمكن أن يفقد الشخص الذي يعاني حالة صحية مُزمنة الرغبةَ بالاستمرار في الحياة مع هذا المرض. ويمكن للشخص الذي يمرّ بتجربة انفصال ألا يشعر بالاكتئاب والإحباط منها فحسب. بل من سلسلةِ العلاقات العاطفية الفاشلة والتي انهارت سابقاً.
قد يبدو الحصول على علاقة دائمة ومستمرة مع شخص ما أمراً يَصعب الوصول إليه، مما يجعل الفرد يشعر باليأس والخيبة من المستقبل ومن الفشل أيضاً.
بالتالي، فإن الأشخاص الذين ينخرطون في علاقات عاطفية فاشلة أو وظائف غير مناسبة يمكن أن ينتابهم شعور بأن الحياة لم تعد جديرة بالعيش، فهُم لا يستطيعون تخيّل وجودهم ضمن منزل أو وظيفة غير مُرضية.
وببساطة، يمكن أن يؤدي عمل الشخص ضمن بيئة مهنية غير تنافسية يشعر فيها بالتهميش وتُقلل من قيمته ولا تعطيه حقه إلى الشعور بالإحباط.
يدفع الاستمرار بعلاقة زوجية سيئة لأجل الأطفال أو بسبب الدين أو أي شكل آخر من أشكال الالتزام، إلى الشعور بأنك فقدت الأمل في الحياة أيضاً.
الإرهاق
يشكّل الإرهاقُ حالةً أخرى يمكن أن تؤدي إلى نشوء التفكير الانتحاري. فالكثير من الأهل يعملون ويكدّون طوال النهار، وعند عودتهم إلى المنزل يأتي دور “نوبة العمل الثانية” والتي تتضمن إعدادَ الطّعام، التنظيف والاهتمامَ بالأطفال، بينما يساعد شريكهم بالقليل أو يجلس دون فعل شيء.
إنّ الحصول على قسط بسيط فقط من الراحة، عدا عن الوقت القليل المكرَّس للاختلاء بالنفس، يمكن أن يجعل من الحياة تبدو وكأنها سلسلة من الأعمال والواجبات التي لا تنتهي.
يعاني الأشخاص الذين تنطوي وظائفهم على ضغطٍ نفسي عالٍ، كمهنة الطبّ، من الإرهاق أيضاً. إذ تكون ساعات عملهم طويلة مقابلَ ساعات قليلة من النوم، فيلجؤون إلى المهدئات أو الكحول للتأقلم والتكيّف مع طبيعة عملهم.
تسبّبت جائحة كوفيد-19 بوفاة العديد من مقدميّ الرعاية الصحية. إذ طغى وجود المرضى المُهدَّدين بالموت على يومهم، إضافة إلى قلّة مصادر الدعم والمساندة لهم.
الصدمات النفسية المستعصية
يمكن لصدمات مرحلة الطفولة التي لم تُعالج (العالقة) أن تتسبّب في شعور الفرد برغبة في الموت.
فالأشخاص الذين عانوا في طفولتهم من سوء المعاملة ويعانون الآن من اضطراب ما بعد الصدمة المُعقَّد (complex post-traumatic disorder)، يمكن أن تعود إلى أذهانهم ذكريات طفولتهم المُعنَّفة أو تراودهم الكوابيس أو يواجهون صعوبة في الثقة بالآخرين والاعتقاد بأن العالم ليس مكاناً آمناً للعيش.
ويمكن أن يفقدوا إيمانهم بعقيدتهم؛ فيزيد الصراع من أجل الشفاء من جراحِ مرحلة الطفولة شعورَهم بالوحدة.
يعاني الأشخاصُ المصابون باضطراب ما بعد الصدمة المُعقَّد (C- PTSD) من صعوبة في تخيّل عالمس خالٍ من سوء المعاملة والصدمة والخلل الذي كوّنته مرحلة طفولتهم، تاركاً إياهم يتساءلون إذا كان هذا العالم يستحق العيش فيه.
بالطبع، يمكن أن يعاني الأشخاص الذين تعرضوا لسوء المعاملة أو العنف في مرحلة المراهقة أيضاً من ذات الأعراض. إلا أن صدمة مرحلة الطفولة تُعد فريدةً من نوعها كونها تؤثر على تطور الدماغ.
علاج التفكير الانتحاري
إذا شعرت بأنك فقدت الأمل في الحياة بعد الآن، تحدث عمّا تمر به مع مقدم رعاية صحية يكون مختصاً بالصحة النفسية ومرخّصاً له بالعمل.
يمكن أن يزوّدك مقدمو الرعاية الصحية بالتشخيص، الأدوية، العلاج بالكلام وخيارات علاجية أخرى. ويمكن أن يقدمو لك أيضاً نصائحَ حول إدارة العواطف والسيطرة عليها وعلى الظروف التي يمكن أن تكون السبب وراء أفكارك الانتحارية هذه.
تعتمد الطريقةُ التي يتّبعها اختصاصيّ الصحة النفسية في علاجك على طبيعة وسبب الأعراض التي تعاني منها.
إن الرغبة في التخلّي عن الحياة الناتجة عن الإرهاق أو اضطراب الشخصية الحديّة أو الاكتئاب الظرفي تتطّلب جميعها خططَ علاجٍ مختلفة. ويمكن للشخص المختصّ مساعدتك في العثور على خطوات العلاج المناسب لك.
المصدر: What to Do When You Feel Like Giving Up on Life
تدقيق: هبة محمد
تحرير: جعفر ملحم