نوبة الهلع هي هجمة خوف قصيرة لكنها شديدة، إذ تنطوي هذه النوبة على أعراض تشبه تلك التي تحدث عند التعرض للتهديد بما فيها الخوف الشديد، إحساس بالموت الوشيك، خفقان القلب، صعوبة في التنفس، التعرق والقشعريرة، الارتجاف وألم في الرأس والصدر
تختلف نوبة الهلع عن استجابة الخوف النمطية في عدم وجود خطر حقيقي مهدد.
تقول سادي بنغهام (Sadie Bingham)، أخصائية اجتماعية سريرية متخصصة في القلق وتعمل في العلاج النفسي: “يُخبَر الجسم أن هناك خطراً ما، لكن في الحقيقة لا وجود لذلك الخطر”.
إن تحديد محفزات القلق ليس سهلاً دائماً، لذا فإن الأشخاص الذين يتعرضون لنوبة هلع يقلقون أحياناً من حدوث نوبة أخرى خاصة في العلن. تؤدي نوبة الهلع عادة بالشخص إلى شعوره بعدم الراحة وتسبب إجهاداً كبيراً، إذ يصف الكثيرون هذه النوبة بأنها شبيهة بأزمة قلبية أو مشكلة تهدد الحياة.
إذا كنت تعرف شخصاً يعاني من نوبات الهلع، توجد العديد من الأمور التي بإمكانك القيام بها (وتجنّب القيام ببعض آخر) لمساعدته في هذه اللحظة.
حافظ على هدوئك
إذ يشكل بقاؤك هادئاً واحداً من أفضل الأمور المساعدة. لا تطول مدة نوبات الهلع عادة، تقول بنغام: “أكثر المشاعر شدة تميل إلى الاستمرار بين 5 إلى 10 دقائق”.
لكن عندما يتعلق الأمر بالشخص الذي يتعرض لهذه النوبة، فهو غير قادر على إدراك الوقت خلال حدوثها؛ إذ يمكن أن يشعر بالذعر أو يعتقد بأن حياته على وشك الانتهاء.
حتى إذا شعرت بالخوف أنت أيضاً، ابقَ هادئاً. فإذا كنت تستطيع مساعدته بالكلام (ولم يطلب منك البقاء صامتاً) تحدّث إليه بصوت هادئ.
حاول أن تطمئنه بأنك لن تتركه وحده، وأن تذكّره أن النوبة لن تدوم طويلاً وأن تخبره بأنه في أمان.
أسأل عن كيفية المساعدة
يمتلك معظم الأشخاص الذين يعانون من نوبات الهلع والقلق أساليبهم الخاصة في التعامل معها وتجاوزها. لذا عندما تعرض عليهم المساعدة، تذكّر أن هؤلاء الأشخاص يدركون كفاية ما هو الأفضل لهم عندما يتعلق الأمر بمساعدتهم.
لكن أثناء نوبة الهلع يمكن أن يجدوا صعوبة في التواصل. خذ بعين الاعتبار مسبقاً كيفية تقديم العون إذا ما تعرضوا لهذه النوبة وأنت برفقتهم.
أيضاً، لا بأس في أن تسألهم بهدوء عما يمكنك فعله لمساعدتهم ودعمهم. وكن مستعداً لاحتمال أن يكون ردهم موجزاً ومقتضباً.
من الممكن أن تؤثر استجابة الكرّ والفرّ للتوتر في القدرة على التفكير أو التصرف بعقلانية وفقاً لـ بنغهام إذ تقول:” حاول أن تبقى محايداً وألا تأخذ ردودهم بشكل شخصي.”
لكن، ماذا لو أراد الشخص الذي يتعرض لنوبة الهلع أن تبتعد عنه؟ طالما أن الشخص المصاب بنوبة الهلع ليس معرضاً للخطر، يمكنك الابتعاد بضع خطوات إلى الوراء ومنحه بعض المساحة الشخصية. لكن ابقَ قريباً منه بحيث تستطيع مراقبة كل ما يجري، ودعه يعلم أنك ستعود على الفور في حال أراد ذلك.
تعلَّم الإشارات التحذيرية لـ نوبة الهلع
إذا لم تكن على دراية بها، خصّص بعض الوقت لتعلم العلامات المبكرة الدالة على احتمال حدوث نوبة الهلع. حيث تبدأ نوبة الهلع عادة بـ:
- الشعور بالخوف أو الذعر.
- فرط التنفس أو ضيق التنفس.
- الشعور بالاختناق.
- زيادة خفقان القلب.
- الدوخة والارتعاش.
تختلف أعراض نوبة الهلع من شخص لآخر، لذا من الأفضل لك السؤال عن العلامات التي تظهر عادة. كلما أسرعت في إدراك ما يجري، كلما كان نقل هذا الشخص إلى مكان أكثر خصوصية أسرع، أو حيث يشعر براحة براحة أكبر.
ركز على الأفعال أكثر من الكلمات
يمكن أن يكون الحديث بصوت هادئ ومألوف مفيداً لبعض الأشخاص، لكن حاول أن تتجنب تكرار قول عبارات مثل “لا تقلق” أو سؤاله عما إذا كان على ما يرام مراراً وتكراراً.
بالطبع أنت تحسن النية تجاهه، لكن يمكن ألا تكون كلماتك بهذا النفع الكبير تلك اللحظة. إذ يمكن أن تجعل الموقف مجهداً أكثر إذا كان الشخص العزيز على قلبك يعتقد أنه يقوم بشيء خاطئ لكونه ليس بخير.
كيف تجعل كلماتك قابلة للتنفيذ أكثر؟ قم بخطوات فعلية بالتزامن مع كلماتك له من خلال:
- السؤال فيما إذا أراد مغادرة الغرفة والذهاب إلى مكان آخر.
- تذكيره بضرورة استمراره في التنفس.
- محادثته بحديث خفيف، إلا إذا لم يرغب في ذلك.
تفهّم أن نوبة الهلع يمكن ألا تبدو منطقية بالنسبة لهم ولك
يمكن أن تثير نوبة الهلع الارتباك والخوف أيضاً. لا يستطيع الناس التنبؤ بها عموماً ولا توجد أسباب واضحة لها أحياناً، إذ يمكن أن تحدث في مواقف متوترة أو لحظات طبيعية وهادئة وحتى خلال النوم. يبدو مفيداً إخبار صديقك أنه لا يوجد ما يدعو للخوف. إلا أنه ربما يكون على إدراك تام أن لا وجود لتهديد فعلي.
يشكل ذلك جزءاً مما يجعل نوبة الهلع تثير الارتباك؛ فردّ الفعل يطابق استجابة الخوف لكن لا يوجد شيء يستدعي هذا الخوف. بالتالي، يمكن أن يبدأ الشخص المصاب بنوبة الهلع بالخوف من الأعراض بحد ذاتها أو بربطها بمشكلة صحية خطيرة.
تقول بنغهام: “من الطبيعي والعادي أن تشعر بالإحراج أو الخجل من ردة الفعل الشديدة هذه، لكن وجود شخص تثق به إلى جانبك ويمنحك التعاطف المناسب يمكن أن يتيح الفرصة أمامك للعودة إلى حالتك الطبيعية.”
يمكنك أن تكون أنت ذلك الشخص حتى لو لم تكن تستطيع فهم سبب نوبة الهلع. فذلك لا يبلغ أهمية قدرتك على التعاطف والاعتراف بأن ما يعانيه هؤلاء الأشخاص من إجهاد هو حقيقي وكبير.
إقرار أن ما يعانونه من توتر هو أمر حقيقي وصادق
يجد الأشخاص صعوبة في مشاركة ما يعانون منه عندما يتعلق الأمر بالصحة النفسية بما في ذلك نوبات الهلع. إذ يتجنب بعضهم الحديث عن المشاكل الصحية النفسية انطلاقاً من الاعتقاد بأن الآخرين لن يتفهّموا ما يمرون به، ويقلق البعض الآخر من أن يتعرضوا لإطلاق الأحكام أو الاستهانة بما يعانونه.
إذ يمكن للآخرين ألا يتفهموا الخوف الناجم عن نوبة الهلع وأن يعتبروه غير منطقي. لكن هذه الاستجابة حقيقية ولا يستطيع الشخص الذي يختبرها السيطرة عليها. يمكن أن يكون التعاطف معهم كاستجابة لما يمرون به بسيطاً جداً مثل القول: “يبدو هذا صعباً، أنا آسف لما يحدث لك. أخبرني كيف يمكنني مساعدتك”.
المساعدة على البقاء هادئين
يمكن أن تكون تقنيات التهدئة مفيدة لمجموعة من مشاكل القلق بما فيها نوبات الهلع. تقول ميغان ماكتشوين (Megan MacCutcheon)، معالجة في فيينا، فرجينيا: “تساعد أساليب التهدئة في احتواء نوبات الهلع بعد أن تبدأ”.
إذ تساعد هذه التقنيات الشخص في التركيز على ما يحدث بالفعل عوضاً عن التركيز على الخوف من النوبة، وتكون مفيدة بشكل كبير بمجرد أن تخبو حدة النوبة قليلاً.
نصائح تتعلق بـ تمارين التهدئة
لتهدئة شخص ما، يمكنك تجربة:
- اللمس الجسدي، مثل إمساك يده (إذا لم يمانع ذلك).
- تقديم مادة ذات قوام معين للمسها والشعور بها.
- التشجيع على التمدد أو التحرك.
- حثّهم على تكرار عبارات مهدئة مثل: “هذا مروع لكنه لن يصيبني بأذى”.
- الحديث ببطء وهدوء عن أماكن ونشاطات مألوفة.
احترام وتقدير احتياجاتهم
لنفترض أنك جلست للتو مع صديقك وقد أصيب بنوبة هلع. عندما تنتهي، سوف يبدو أنه أكثر هدوءاً لكن أكثر تعب أيضاً. وكنتما قد خططتما للذهاب ورؤية عرض ما تتشوّقان له لكن طلب منك صديقك العودة إلى المنزل عوضاً عن ذلك.
من الطبيعي أن تشعر بخيبة الأمل، لكن تذكر أن لا ذنب لصديقك فيما حدث. فربما يكون محبَطاً أيضاً ولكنه مرهق في المقابل. ويمكن أنه يشعر بالسوء حيال تخريب ما كنتما تنويان القيام به، ما يزيد الإجهاد الذي يشعر به بسبب النوبة بحد ذاتها.
من الشائع أن تشعر بأنك منهك تماماً أثناء محاولة جسمك استرجاع حالته الطبيعية بعد استجابة خوف شديدة. إلا أن الشخص الذي تعرض للتو لنوبة هلع يمكن ألا يشعر بالقدرة على فعل أي شيء سوى الاسترخاء قليلاً.
تقول بينغهام: “سؤالهم عما يحتاجونه وتقدير ما يطلبونه أمر جوهري جداً” وتضيف: “لكن، الإكثار من الأسئلة بعد نوبة الهلع يمكن أن يزيد من صعوبة عملية التعافي”.
قد تعتقد أن الذهاب سوية ومشاهدة العرض يمكن أن يرفع من معنويات صديقك ويبعث في نفسه البهجة ويحسن من مزاجه، إلا أن إرغامه على الاستمرار في النشاطات بينما يفضّل هو المساحة الشخصية من أجله أن يطيل أمد استجابة الإجهاد، كما تقول بنغهام.
ما الذي يجب تجنب القيام به؟
إذا أراد أحدهم إخبارك عن نوبات الهلع التي يتعرض لها، اعتبر ذلك دليلاً على ثقته بك. في سبيل إظهار الاحترام لما يمر به وتقدير الثقة التي منحك إياها عليك أن تكون ردة فعلك مليئة بالتعاطف تجاهه وأن تنتبه لكلماتك وأفعالك أثناء النوبة وفي أي وقت آخر.
ربما تكون كلماتك وتصرفاتك نابعة عن حسن نية تام، إلا أنها من المحتمل أن تجعل الشخص يشعر بالسوء إزاء نفسه دون أن تدرك ذلك.
فيما يلي بعض الاقتراحات الواجب تذكرها والتي تساعد في تجنب الأذى غير المتعمد.
لا تقارن الخوف والتوتر الطبيعي مع الهلع
من الممكن أنك شعرت بالتوتر والرعب في مواقف خطيرة، وبالقلق أيضاً، حتى هذه التجارب لا تشابه نوبة الهلع إلى حد ما؛ لذا تجنب إجراء مقارنات بينها وبين تجاربك المختلفة. إلا إذا كنت أنت أيضاً تعرضت لنوبات هلع،عندها لن تستطيع فهم ما تشعر به بشكل كامل على الأرجح.
إذا شعرت ذات مرة بخوف شديد، فلتكن تلك الذكرى بمثابة معلومة تبين لك ما يمر به صديقك عندما يتعرض لنوبة هلع. فقط ذكّر نفسك بأن ما يجري معه ليس مجرد خوف أو توتر فحسب.
من الممكن أن يشعر صديقك أيضا بالعجز، عدم القدرة على ضبط ما يحصل، ألم وعدم راحة جسدية.
لا تهزأ أو تقلل من نوبة الهلع
من الشائع جداً أن تشعر بالقلق حيال التعرض لنوبة هلع خاصة أمام الغرباء أو تعتقد بأن النوبة يمكن أن تزعج الآخرين أو تعكّر صفوهم.
تقول بنغهام: “من الممكن أن يدرك الأشخاص في أذهانهم، والذين يصارعون القلق أو نوبات الهلع أن استجابة الخوف لديهم غير منطقية، لكن سماع ذلك من شخص آخر يمكن أن يزيد من عزلتهم.”
تجنّب قول عبارات مثل:
- فقط استرخ، لا شيء يدعو للخوف
- أنت تشعر بالانزعاج من هذا؟!
- ما خطبك؟
يمكن ألا تقصد أن يشعر صديقك بالإحراج أو العار، لكن إنكار حقيقة ما يعانيه من إجهاد يؤدي إلى ذلك الشعور بالتأكيد.
لا تقدم النصائح لشخص أثناء نوبة الهلع التي يتعرض لها
لا تفيد تقنيات التأقلم مع الجميع بنفس الدرجة. إذ يمكن أن يكون التنفس العميق وأساليب الاسترخاء نافعة، إلا أنها تساعد بشكل أفضل عندما تُمارس بانتظام، تقول ماكتشوين:
“عندما تُستخدم هذه التقنيات خلال نوبة لحظات الهلع فقط، فإنها تؤتي بنتيجة عكسية في نهاية المطاف. إذ يتحول التنفس العميق إلى فرط تنفس ويستحوذ على العقل التركيز على الأشياء غير المألوفة فقط.”
في حين أنه من المفيد تذكير صديقك بأن يتنفس، إلا أن الطلب منه أخذ أنفاس عميقة يمكن أن يكون سلبياً.
باختصار، تجنَّب تقديم نصيحة له عن كيفية إدارة الأعراض. بالطبع، سمعت عن اليوغا والتأمل والإقلاع عن الكافيين، إلا أنك لا تعلم ما هي الأمور التي قام صديقك بتجربتها إلا إذا أخبرك بذلك.
قدّم الاقتراحات عندما يُطلب منك ذلك، وإذا كانت لديك تجربة شخصية، يمكنك أن تقول: “لقد تعرضت لنوبة هلع أيضاً ووجدت أن اليوغا مفيدة حقاً؛ إذا كنت مهتماً بتجربتها، يمكننا فعل ذلك سوية.”
متى تطلب المساعدة؟
يمكن أن تكون رؤية شخص مصاب بنوبة هلع تجربة مثيرة للذعر. لكن من الصعب التنبؤ في أي مرحلة يتوجب عليك إحضار مساعدة إضافية.
يشكل الاتصال بالطوارئ المحلية خطوة جيدة وآمنة في هذه الحالة؛ إلا أنها يمكن أن تجعل الموقف أكثر توتراً للشخص المصاب أحياناً. يمكن ألا يعني وجودك قريباً منهم ومراقبتهم الكثير بالنسبة لك، إلا أنه يُحدث فرقاً كبيراً للشخص المصاب بالنوبة.
اطلب المساعدة الطارئة عندما:
- يبدو ألم الصدر وكأنه يعصر بالشخص (لا يشبه الطعنات) وينتقل إلى ذراعيه وكتفيه.
- تستمر الأعراض لمدة تزيد على الـ 20 دقيقة وتتفاقم بدل أن تتحسن.
- لا يتحسن نقص التنفس.
- يستمر الشعور بالضغط على الصدر أكثر من دقيقة أو دقيقتين.
المصدر: How to Help Someone Having a Panic Attack
تدقيق: هبة محمد
تحرير: جعفر ملحم