في حال فقدت شخصاً عزيزاً، فمن المحتمل أنك تدرك مسبقاً وجود العديد من المشاعر والأحاسيس المرافقة لذلك سواء كان الفقدان متوقعاً أم لا.
ليس مهماً في أي مرحلة من مراحل الحزن أنت، المهم هو تذكُّر أن مشاعرك مسوّغة. وأنك لست على قائمة اهتمامات أي أحد عندما يتعلق الأمر بالشفاء.
يوضح هذا المقال كيفية تغلب الناس على تبعات الفقدان، سواء القصيرة أو الطويلة الأمد. كما يناقش كيفية التعامل مع الذكريات السيئة أو الشعور بالذنب.
كيف تتعامل مع التداعيات المباشرة لـ الفقدان؟
بيّن فرانك أندرسون (Frank Anderson)، الطبيب والمعالج النفسي الأخصائي في علاج الصدمات. أنه وفي الثقافة الحالية، هناك أحياناً ضغط هائل يُمارس على الفرد للمضي قدماً والشفاء بسرعةٍ بعد الفقدان.
لذا، يصر فرانك أن الهدف لا يجب أن يكون فقط تجاوز فقدان هذا الشخص ببساطة.
أظهِر التعاطف مع نفسك
يستغرق الشفاء وقتاً، ويجب عليك أن تـُـظهر لنفسك بأنك شخص صبور و رحيم خلال المرور بمرحلة معالجة الحزن بطريقتك الخاصة.
قال فرانك أندرسون، “هدفي أثناء التعامل مع شخص يعاني من الفقدان. هو مساعدته في التمسك بما يحتاجه وما يريد التمسك به فعلياً. والتخلي عن الأمور التي لا تخدمه ولا يحتاج أن يحمل أعباءها بعد الآن”.
اسمَح لنفسك بتجربة مجموعة من المشاعر
بدلاً من التركيز على مراحل محددة من الحزن الشديد ومحاولة الإسراع في اجتيازها. تُظهر الدراسات في الحقيقة أنه من الضار التمسك بقوةٍ بهذه الأفكار المسبقة عن ماهية هذه المراحل، وخصوصاً لمن لا يشعرون أن هذه هي تجربتهم.
يؤكد الدكتور فرانك أندرسون مجدداً هذه النصيحة بالقول أن الهدف يجب أن يكون الاستقرار في حيّز عقلي هادئ. بدلاً من القلق حول المرحلة المفترض أن تكون بها.
يصف أندرسون التجارب القليلة الشائعة التي يخوضها المرء في التعامل مع الفقدان بالقول أن مشاعر الحب والدعم، تتدفق بغزارة على هذا الشخص بعد خسارته مباشرة ثم يعاني من مشاعر الوحدة، إذ يعود الجميع إلى طبيعته.
تذكر أن التعافي من الفقدان يحتاج وقتاً
في حين يبدو من السهل الشعور بأنك تريد المضي قدماً، فلا بأس من قضاء فترة الحزن. يؤكد الدكتور أندرسون أن معالجة كل المشاعر المصاحبة للفقدان تحتاج وقتاً. وينبغي على الناس الشعور بالراحة في قضاء الوقت الكافي الذي يحتاجونه.
ولاحظ أنه يجد نفسه غالباً يذكّر مرضاه أنها ستكون فترة قصيرة فقط من الزمن عندما يعبّرون عن الرغبة في تجاوز ما يشعرون به من حزن شديد. ويقول: “إن مرور الوقت مهم عند التعامل مع الفقدان و الحزن الشديد”.
كيفية التأقلم مع الفقدان بعد مرور الوقت
ناقش الدكتور أندرسون بعض الطرق التي تساعد المرضى على التعافي بعد مرور وقت على خسارتهم، وتنطوي هذه الطرق على ما يلي:
أولاً، احتضان الذكريات
يشجع أندرسون عموماً الناس على تقبل الذكريات أو الأحلام التي تستمر بالظهور حتى بعد مضي الوقت.
يقول أندرسون: “أجد أن من يفكرون باستمرار بالشخص الراحل أو يسترجعون الذكريات والأحداث المرتبطة به مراراً وتكراراً، غالباً ما يكون لديهم أجزاء من هذا التفكير تحاول إبقاء هذه الذكريات حيّة”.
يعني أندرسون بذلك أن الدماغ يحاول إبقاء ذكريات ذلك الشخص على قيد الحياة. بينما قد يبدو أنه لا يمكنك تجاوز شيء ما، فإن عقلك يحاول التمسك بالذكريات التي تمكنت من إسعادك يوماً.
يحدد أندرسون أيضاً أنه في حال أعاد العقل عرض حدث ما باستمرار، قد يعني أنها ذكريات مهمة تحمل في طياتها السلام والهدوء خلال رحلة التعافي.
لاتدفن مشاعرك
يشرح الدكتور أندرسون أنه يشجع مرضاه على التركيز على ما يشعرون به في الوقت الحاضر. ما يؤدي غالباً إلى التعافي؛ فعندما يقوم الناس بذلك بنجاح، يشعرون بقبول أكبر لأنفسهم إذ يدركون حقيقةً ما يشعرون به.
إيجاد مغزى من الفقدان
تظهر الدراسات أن العديد من الناس يَبلغون درجةً من التعافي بعد شعورهم بأنهم استخلصوا معنى ومضمونا من خسارتهم.
ويكون هذا منطقياً عندما يسمح الناس للمشاعر المختلفة بالظهور في آن واحد. ما يعني قبولهم الشعور بالحزن و هم لا يزالون متمسكين بمعنى العلاقة مع هذا الشخص. يؤدي هذا الأمر إلى وصول الناس إلى مكان حيث يسهل فيه تنظيم مشاعرهم.
تذكر أن الذكريات السلبيّة طبيعية
قد يكون التأقلم مع حالة فقدان شخص عزيز أمراً قاسياً في حال لم تكن على وفاق معه حيال أمرٍ شخصي. من الشائع أيضاً دوام إعادة تذكر الناس لكل الأمور التي قاموا بها مع الشخص الراحل والتي تزودهم بدعم أفضل سواء عقلياً أو عاطفياً أو جسدياً.
في الوقت الذي تبدو هذه الأمور طبيعية، إلا أنه من المفهوم أن تجعل التعافي أكثر صعوبة.
قال الدكتور أندرسون: “إن الذكريات السلبيّة والشعور بالذنب أيضاً جزء طبيعي من مراحل الحزن.” مضيفاً: “أساعد المرضى في استكشاف أصل هذه المشاعر.”
خصوصاً عند استمرار المرضى بتكرار الحديث عن الأشياء التي يتمنون لو أنهم قاموا بها. يقول الدكتور أندرسون أنه يعمل على ” تأكيد صحة المرور بهذه الأجزاء للمرضى وإخبارهم أنني أتفهم لماذا يشعرون بهذه الطريقة وأساعدهم بلطف على التصالح مع الضعف والعجز الحقيقي عن التحكم بحتمية أي خسارة في حياتنا”.
هل يمكنك حقاً المضي للأمام بعد خسارة شخص عزيز؟
على الرغم من أنه غالباً ما يتم الحديث عن إيجاد المعنى بعد خسارة ما، قد يصعب معرفة ما يعني هذا بالضبط.
للمساعدة في استنتاج ذلك، راقب الباحثون البعض بعد خسارتهم لشخص عزيز مباشرة بعد عامٍ واحد، بعد 13 شهرا و بعد 18 شهرا من الفقدان.
اختار الباحثون في دراستهم تعريف المعنى على أنه القدرة على فهم الحدث نفسه والعثور على فوائد لهذه التجربة.
إنّ فَهم معنى الخسارة خلال السنة الأولى أمر مهم ويؤدي لتقليل التوتر، ومع ذلك كان اكتشاف الفوائد أكثر أهمية في تحديد قدرة الفرد على التأقلم على المدى الطويل.
هذا حتماً يدعم الفكرة القائلة بأن القدرة على استخلاص معنىً بينما لاتزال مشاعر الحزن والمشاعر الأخرى حاضرة، قد تكون جوهرية للشفاء.
يختلف الدافع نحو الاستمرار من شخص لآخر وهذا يعني أنك قادر على الوصول إلى مكان حيث تتوقف فيه عن التفكير في كل دقيقة من كل يوم أو حتى وصولك إلى مكان حيث تكون فيه مرتاحاً إذا مررت بما يذكرك بالشخص الراحل.
إن نوع الخسارة مهم
أيضاً، تعتمد القدرة على التعافي على نوع الفقدان سواء كان الفقدان متوقَّعا أو مفاجئا، إذ أظهرت الدراسات أن الفقدان المفاجئ يؤدي إلى إصابة أفراد الأسرة المقربين بـ اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وقد يكون العلاج الجماعي مفيداً في هذه الحالة.
تواجه العائلات التي قامت برعاية أحد أحبائها ممن يعانون مرضا ما فترة طويلة مزيدا من مشاعر العجز التي ترتبط بشكل أساسي برغبتهم في تقديم الرعاية أكثر لأحبائهم عندما كانوا على قيد الحياة.
خلاصة
لا يهم في أي مرحلة أنت من مراحل الشفاء، بل المهم منح الأولوية لصحتك النفسية. الشفاء ليس مساراً مستقيماً وغالباً ما يكون غير مريح. لذا، حاول تجنب مقارنة رحلة التعافي وأساليب التأقلم الخاصة بك مع أي أحد .
اترك ذاتك تُشفى على مهل ولا تشعر بالذنب مطلقاً حيال طلب مساعدة من أخصائي صحّة نفسيّة ، من أصدقائك أو أحبائك.
اقرأ أيضاً: ما هي الصدمة (Trauma)؟ وما أسبابها؟ وهل يمكن التأقلم معها؟
المصدر: Can You Ever Really Get Over Losing a Loved One
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم