للعلاقة المبكرة بين الطفل ووالديه أهمية كبيرة فهي تؤثر بشكل مباشر نمو الطفل جسدياً وعاطفياً واجتماعياً إضافة لتعلق الطفل بوالديه. هذا بدوره يؤثر على شخصية الطفل وسلوكه وعلاقاته الاجتماعية وخياراته في المستقبل. يمكن القول أنّ العلاقة بين الوالدين والطفل تشكل أساس نجاح الطفل في المستقبل. حيث بينت دراسةٌ في جامعة هارفارد أنّ وجود علاقةٍ عائلية مليئة بالحب يعد أهم مؤشر لمستقبل ناجح للطفل. إذاً، كيف يمكن تقوية العلاقة بين الأهل والطفل؟
إنّ إنشاء علاقةٍ إيجابية وطيدة بين الوالدين والطفل هو جزءٌ هام من التربية. لكن وبصرف النظر عن أهميتها إلا أنّها نادراً ما تكون عاملاً يتم التركيز عليه الأهل عند التعامل مع أطفالهم خلال الحياة اليومية.
فوائد العلاقة القوية بين الأهل والطفل
تحتل فوائد العلاقة الإيجابية القوية بين الوالدين والطفل حيزاً هائلاً من حياة الطفل. إذ تساهم هذه الفوائد في تحقيق النجاح للطفل بوسائل شتى منها ما يأتي.
التعلق الآمن
وجود علاقة إيجابية بين بين الطفل ووالديه ضمن مراحل الطفولة الأولى تعزز من حالة التعلق الآمن للطفل. وقد وجد علماء النفس أنّ التعلق الآمن هو أفضل أنواع روابط التعلق على الإطلاق. فالطفل الذي يشكل رابطة تعلّق آمن مع والديه يكون أكثر قدرة على التكيف كما يكون صبوراً أكثر عند مواجهة التحديات.
من ناحية أخرى يعاني الطفل من مشاكل سلوكية أقل ويحظى بقدرٍ أكبر من الثقة بالنفس ويحظى بأداء أكاديمي أفضل والعديد من النتائج الإيجابية الأخرى.
تؤثر العلاقات الأسرية أيضاً بكيفية تكوين الفرد للعلاقات مع الآخرين ضمن مرحلة البلوغ. فالطفل الذي يشكل رابطة تعلق آمن يمتلك نماذج إيجابية للعمل الداخلي تسمح له بتطوير وتنمية مهارات اجتماعية.
ضبط المهارات الاجتماعية
تبني التفاعلات بين الوالد والطفل ضمن مراحل الطفولة الأولى أُسس تطور الطفل اجتماعياً. يتعلم الأطفال الضبط الذاتي عبر مراقبة وتقليد الوالدين، والعلاقة المقربة بين الوالدين والطفل تزيد من سهولة العملية على الطفل.
الصحة النفسية والرفاهية
يرتبط وجود علاقة سليمة وصحية بين الوالدين والطفل بشدة مع حالة الصحة النفسية للطفل. إذ تبين الأبحاث أنّ قلة التواصل هو أحد عوامل الخطر لتطوير أعراض اكتئابية للطفل.
التحفيز الذاتي
تُعد العلاقات بين البشر من العوامل الهامة في تحفيز الإنسان ودفعه نحو تحقيق أهدافه. ويميل الأطفال بشكل أكبر للبدء في أنشطة تحظى بالتقدير من أشخاص تجمعهم بهم علاقاتٌ قوية.
مثلاً وجود علاقة قوية بين الطفل ووالديه يمكن أن تعزز من اهتمامات الطفل الأكاديمية وتُساعدهم بتحقيق النجاح.
لماذا يُعد “قضاء المزيد من الوقت سويةً” و”تناول الوجبات معاً” أساليب غير فعالة في توطيد العلاقة بين الطفل ووالديه؟
إن الكثير من النصائح الموجودة على الإنترنت والمرتبطة بالعلاقة بين الوالدين والطفل غير فعالة في أفضل حالاتها ومدمرة في أسوأ الحالات.
عند تصفح الكثير من المواقع ستجد نصائح مثل “اقضِ المزيد من الوقت مع طفلك” و “وتناول الطعام مع الطفل”، إليك المشكلة في هذه النصائح.
لو كان قضاء مزيد من الوقت مع الطفل وتناول الطعام معاً طريقتان مفيدتان لتحسين العلاقات الأسرية، لكان من المفترض أن نحظى بعلاقات مثالية مع أطفالنا بعد عام 2020.
ولكن هذا لم ينفع مع الكثير من العائلات أما في الحقيقة ما حصل في هذا العام تسبب بجعل العلاقة أسوأ بكثير بين الأهل والأطفال.
هذا النوع من النصائح ينفع في حال كانت العلاقة بين الأهل والأطفال مثالية سلفاً وكانوا يهدفون إلى تعزيزها بشكل أكبر، وأنت على الأرجح لا تمتلك هذا النوع من العلاقة مع طفلك بعد ولذلك فهذه النصائح لا تناسبك.
لتوضيح السبب الذي يجعل هذه النصائح غير فعالة، دعونا نتخيل أنّ العلاقة مع الطفل هي زجاجة ماء، حينها سوف يُشابه اتباع هذه النصيحة استمرارنا في صب الماء في الزجاجة وفي ذات الوقت تجاهل الثقب الكبير في قعرها. دون إصلاح هذا الفراغ لن تمتلئ الزجاجة مهما سكبت من الماء.
هذا يعني أنّ لا فائدة من قضاء المزيد من الوقت معاً دون محاولة إيجاد حلول لمعالجة مصدر التوتر في العلاقة.
المشاكل في علاقات الأبوين بالطفل
التربية هي أكثر وظيفة يقوم بها الأهل ولكنها في ذات الوقت من أكثر الوظائف صعوبة على الإطلاق وإنشاء عائلة قد يكون أمراً مرهقاً. لذا ليس غريباً ألا يضع الوالدان الأولوية لإنشاء علاقةٍ سليمة مع أطفالهم عندما تظهر مشاكل أخرى كتجاهل الطفل لواجباته المدرسية وحصوله على علاماتٍ سيئة وعدم إنهائه لأعماله المنزلية أو السلوك السيء.
وفي كثيرٍ من الأحيان يقضي العديد من الأهل وقتاً طويلاً دون دراية في تدمير العلاقة بينهم وبين أبنائهم عوضاً عن تقويتها.
وعندما تصل المشاكل بينهم لمرحلة لا يمكن تجاهلها، يلجأ الأهل الذين أصيبوا باليأس إلى النصائح الموجودة في الإنترنت. وعندما لا تنفع هذه النصائح يعتقدون أنّ المشكلة تكمن في أطفالهم.
كيفية تقوية العلاقة بين الأهل والطفل
في حين أن الأطفال الصغار يهتمون أكثر لمقدار الوقت الذي يقضيه والداه معهم، لا يرى الأطفال الأكبر سناً قضاء المزيد من الوقت على أنّه مكافئ لعلاقة أفضل.
فأنت في الحقيقة لست بحاجة لقضاء المزيد من الوقت مع طفلك كي تتواصل معه بشكل أفضل، فالطفل يحتاج إلى قضاء وقت مميز وخاص وليس إلى مجرد قضاء الوقت معك.
لكن قبل أن تفكر بالعمل على إصلاح العلاقة فكر أولاً بهدفك التربوي. واسأل نفسك هل يمكنك أن تلتزم بالعمل على بناء علاقة قوية وموجهة نحو هدفك التربوي؟
يمكن أن يساعدك معرفة هدفك التربوي في تحديد الأولويات ومنح هدفك الأولوية المناسبة مقارنة بالأمور الأخرى. على سبيل المثال سيجعلك تحدد ما إن كان الحصول على علاقة جيدة مع طفلك أهم من حصوله على علامات جيدة أم لا، وإن كان عدم قيام طفلك برمي القمامة كما طلبت يستحق إيذائه.
أحد أبرز الميزات لتحديد الأولويات ضمن العلاقة هي أن جميع أهدافك الخرى تصبح سهلة التحقيق حالما تحصل على علاقة قوية مع طفلك. وحالما تحدد هدفك التربوي إليك الخطوات التي يجب اتباعها.
الخطوة الأولى لتقوية العلاقة بين الأهل والطفل هي الانسجام
الخطوة الأولى لتقوية العلاقة بينك وبين طفلك هي إظهار الانسجام بينكما، وهذا يعني إظهار التوافق لمشاعر طفلك. التوافق العاطفي هو الطريقة الأفضل لإنشاء صلة عاطفية مع شخص آخر.
عندما يكون طفلك سعيداً تشاركه سعادته وعندما يكون حزيناً أو محبطاً فإنك تظهر ذات المشاعر بشكل بصري عبر لغة الجسد وتعابير الوجه والكلمات.
مثلاً عندما يكون طفلك غاضباً نتيجة حدوث خلاف بينك وبينه يمكن أن تقول بوجه عابس، أنت تبدو محبطاً حقاً هذا الأمر غير عادل أليس كذلك؟
يمكن لهذا التوافق أن يهدئ الطفل بشكل سريع، وبفعلك لهذه الخطوة فإنك تقوم بإصلاح العلاقة بشكل سريع حتى أثناء الخلافات. أن هذه الخطوة مهمة جداً في تطوير العلاقة بين الطفل ووالديه.
الخطوة الثانية لتقوية العلاقة بين الأهل والطفل هي الإصلاح
الآن عليك إصلاح هذا الثقب في قعر الزجاجة.
إن كنت تعاني من مشاكل مع أبنائك تقريباً بخصوص أي شيء فهذا لا يعني ان لديك مشكلة في الانضباط بل أن لديك مشكلات في العلاقة.
قد يكون الإصلاح لدى بعض الآباء هو الاعتذار إن كان يشعر أنّه مخطئ بحقهم في خلافٍ سابق. لا يجب عليك بالضرورة تحمل المسؤولية بالكامل. ولكن يمكنك أن تتحدث عن بعض الأمور التي كان ينبغي عليك القيام بها بدلاً بشكل مختلف عما قمت به بالفعل وإن كنت قد تسببت بجرح طفلك فعليك أن تعتذر.
لن يقلل الاعتراف بخطئك من سلطتك، ولكنك سوف تظهر بأنك بالغٌ بما يكفي لتحمل مسؤولية أخطائك وهذا سوف يمنحك احترام أطفالك.
إن لم تكن قد خضت خلافاً مع أطفالك في وقتٍ قريب فإليك ما يمكن أن تقوم به:
- ابدأ بأكبر خلاف بينك وبين طفلك.
- حدد أهمية كونك محقاً أو مخطئاً.
- تخيل ما سيكون عليه الوضع بعد 20 سنة، هل ستهتم حقاً بالفوز أو الخسارة في هذا الخلاف أم بالعلاقة بينك وبين طفلك.
- تحدث لطفلك عن القرار الذي اتخذته بعد التفكير.
- قم بدعوة طفلك للحديث عن حلول بديلة بشكل مشترك وفكرا بالأمر معاً.
- كرر الخطوات نفسها على مشاكلك الأخرى.
قضاء وقت مميز مع الطفل
إليك بعضاً من الطرق التي يمكن أن تفيدك في قضاء وقت مميز وخاص مع طفلك.
استخدام التربية الدافئة والمتجاوبة
أسلوب التربية المتجاوب شأنه شأن التربية المتسلطة يمكن أن يساعد طفلك على تكوين تعلق آمن. أي استجابتك تعني تلبية احتياجات ورغبات طفلك وإظهاراً دفء العلاقة.
يمكنك لتحقيق ذلك التوافق مع استجابة طفلك الشعورية والاعتراف بمشاعر طفلك عندما يمر بحالة ضيق أو حالة اضطراب عاطفي. كما يمكنك أن تستخدم التدريب العاطفي بدلاً من الإقصاء لمساعدة طفلك على ضبط المشاعر الذاتي.
قضاء وقت خاص ومميز معاً
لا يعني قضاء وقت خاص مع طفلك أنّ عليكما القيام بأنشطة تعليمية بل تعني أن تكون حاضراً لتلبية احتياجات طفلك، هذا يعني أن تكون موجوداً لأجله.
حتى حل المشاكل والخلافات يمكن أن يصبح وقتاً مميزاً في حال القيام به بشكل صحيح. عندما يظهر بينكما خلاف يحاول معظم الآباء جرف المشكلة وإنهائها حالاً. ولكن توقف قليلاً وقم بإخفائها كي يتاح لكما تجاوز المشكلة معاً وقضاء وقتٍ مميز سويةً.
ولكن الوقت المميز لا يعني بالضرورة أنّ المشاعر الإيجابية وحدها هي المشمولة، مساعدة طفلك على تنمية مهارات تنظيم وضبط المشاعر خلال نوبات الغضب. وتعليم الطفل بصبر كيفية إظهار الخلاف باحترام أو تشجيع طرق حل المشاكل بدلاً من قول لا وحسب هي جميعاً خصائص تستحق قضاء الوقت لتنميتها.
استخدم التأديب الإيجابي
استخدام العقاب الجسدي هو الطريقة الأكثر شيوعا للتسبب بالضرر لعلاقتك بطفلك. الانضباط يعني التعليم وليس العقاب.
لا يجب عليك استخدام العقاب من أجل تعليم طفلك واستخدام طرق التأديب الإيجابي لتعليم الطفل الانضباط يمكن أن يقوي العلاقة بينك وبين طفلك.
يتعلق التأديب الإيجابي بالتعليم والإرشاد وتصحيح سلوك طفلك بطريقة لطيفة وحازمة في ذات الوقت. هذه الطريقة يمكن أن تستخدم مع الأطفال من سن السنة لتعليمهم الانضباط بشكل إيجابي ومفيد.
كونك إيجابياً لا يعني أن تكون متساهلاً، فالأهل المتساهلون لا يضعون الحدود ولا يفرضونها. في المقابل الأهل المتسلطون إيجابيون ويفرضون حدوداً معقولة.
الاحترام يبني العلاقة وعدم وجوده يدمرّها
وجود الاحترام المتبادل ضروري في كل علاقة صحية عموماً وعلاقة صحية بين والد وطفل ليست استثناء لذلك.
احترام الطفل يعني احترام كونه إنساناً أيضاً لأن لديه احتياجاته الخاصة وتفضيلاته وتتمثل قلة خبرته بسبب أن لا يزال أمامه الكثير ليتعلمه ولكن هذا لا يعني أن علينا التقليل من شأنه.
توفير الدعم للاستقلال
تأتي الاستقلالية بعد الحاجات الأساسية مثل الطعام والأمان كواحدة من الحاجات الفطرية للإنسان، يتوق البشر للحرية واختيار أفعالهم الخاصة وإن السماح للأطفال بالتصرف باستقلالية في مواقف لا تشكل تهديداً بأي سبب مرتبط بأمانه وصحتهم يعزز من دوافعهم الشخصية.
يجب ان تعلم أن خضوع الشخص لسلطة وتحكم والديه لا يقلل من حماسه وتحفيزه وحسب، بل يدمر العلاقة بينه وبينهم.
التواصل مع الطفل
تحدث مع طفلك ولا تكتفي بتوجيه الكلام إليه لإرشاده الأمر الذي سوف يبني الثقة بينك وبينه وتأكد من الاستماع لما يقوله طفلك حتى لو كان يقول أشياء تُحزنك.
يشعر بعض الأهل أنّ تعليق الطفل بسلبية أو الحديث عن همومه هو شكل من أشكال الحديث بقلة الاحترام. ولكن إن أمكنك تلقي التعليقات السلبية بشكل إيجابي فقد يتعلم طفلك ذلك أيضاً عندما تعلق بإيجابية.
السماح لطفلك بالتعبير عن نفسه يساعده على بناء الثقة، وإضافة لذلك سوف تحصل على مكافأة إضافية وهو تطور اللغة.
تقديم الحب غير المشروط
الحصول على الحب غير المشروط من الأهل هو أثمن هدية يمكن تقديمها في العلاقة بين الطفل ووالديه. غير مشروط يعني أنّك تحب طفلك حتى عندما لا تحب سلوكيات معينة مثل عدم إنهاء واجباته المدرسية أو عندما تغضب من فشله في الامتحان؛ لا شيء من هذه الأمور أهم من العلاقة بينك وبين طفلك.
فكرة ختامية عن العلاقة بين الطفل والوالدين
بناء علاقة وثيقة وآمنة بين الأهل وبين الطفل هو هدف يرغب به الكثير من الأهل ولكن قليلاً منهم من يسعى لتحقيقه، نحن غارقون في المتاعب اليومية وغالباً ما ننسى أنّ العائلة هي أهم ما في الحياة.
تقوية العلاقة بين الأهل والطفل عملية متكاملة، إذ إنّ تحويل تركيزنا من استخدام الطرق المختصرة للتربية إلى تكوين علاقة قوية بين الأهل والطفل ليس بالسهولة التي قد نتصورها (التغيير صعب).
ولكن النتائج تستحق التعب المبذول، وإن آخر ما قد ترغب به هو علاقة غريبة تنتهي بانفصالنا عمن نحب بعدما يكبرون.
اقرأ أيضاً: أنواع التعلق عند الأطفال والبالغين، وكيف تؤثر على أسلوب التربية؟
اقرأ أيضاً: الحدود بين الآباء والأبناء، ما أهميتها وما تأثيراتها على الصحة النفسية؟
اقرأ أيضاً: العائلة المفككة، علاماتها، تأثيراتها وكيفية منع استمرارية تفككها
المصدر: Parent-Child Relationship: How To Strengthen It
تدقيق: هبة محمد
تحرير: جعفر ملحم