الكد العاطفي هو عمل غير مدفوع الأجر وغالباً غير مرئي، إذ يضطر الفرد للقيام به من اجل إرضاء الاخرين.
يمكن أن تكون قاعدة ربّ العمل ألّا يظهر الموظفين أي ردة فعل تجاه سوء معاملة العملاء. أو افترضَ شريك السكن أن الشخص الآخر سيقوم بإتمام الأعمال المنزلية واللوجستيات الحياتية. أو أن أحد المعارف يريد تفسيراً لماذا يُعد سلوكهم مثيراً للمشاكل؟
أصل مصطلح الكد العاطفي
تمت صياغة هذا المصطلح من قبل عالمة الاجتماع “آرلي هوكسشيلد” عام 1983، في كتابها “القلب المُسَيَّر: تسويق المشاعر الإنسانية” (The managed heart).
حينها أوضحت “هوكسشيلد” أن الكد العاطفـي هو حَدَث في مكان العمل فقط.
تطور مفهوم الكد العاطفـي في مجتمعاتنا على مدى العقود التي تلت، ليُستخدم في وصف العمل غير مدفوع الأجر.
وغالباً هو عمل غير مرئي يقوم به شخص واحد لقمع احتياجات أو متطلبات الاخرين. سواء في مكان العمل أو في المواقف الاجتماعية والمنزلية.
غالباً ما يتم الخلط بين مفهومي الكد العاطفـي (Emotional labor) والعمل العاطفي (Emotion work)، والذي يشير إلى المهام الاجتماعية التي يؤديها الشخص لإرضاء الآخرين.
وقد صاغت “هوكسشيلد” مصطلح العمل العاطفي في مقال تم نشره عام 1979.
رغم أنّ العمل العاطفي كان القصد منه أن يـُستخدم لمواقف وحالات مختلفة عن الكد العاطفي. لكن في السنوات الأخيرة تم اعتبار المصطلحين قابلين للتناوب.
تطوّر مصطلح الكد العاطفـي ليشمل متطلبات خارج مكان العمل. وعُزز مع إصدار “جيما هارتلي” لكتاب “طفح الكيل: النساء والعمل العاطفي وطريق التقدم للأمام” (Fed Up).
أين وكيف يظهر الكد العاطفي
يمكن أن يظهر الكد العاطفـي في أماكن وحالات متعددة، وفيما يلي الأكثر شيوعاً:
الكد العاطفي في مكان العمل
يشمل جميع الممارسات والقواعد المفروضة على الموظفين من أجل إرضاء العملاء (الزبائن). وتتمحور هذه الممارسات حول الموظفين الذين يحتاجون إلى إدارة عواطفهم وعدم التعبير عنها للآخرين.
فيما يلي بعض الأمثلة عن الكد العاطفـي في مكان العمل:
- الإصرار على ان الموظفين يجب أن يبتسموا بشكل دائم للعملاء، أو يتصرفوا بطريقة مفعمة بالحيوية أو كلاهما.
- منع الموظفين من إبداء أي ردة فعل لأي عميل، عندما يعاملهم بوقاحة أو بشكل غير لائق.
- معاقبة أي موظف يظهر أي رد فعل مجحف أو غير لائق.
الكد العاطفي في التشاركية والأوساط الحميمة
يظهر الكد العاطفـي بين الأحبة في الأوساط الحميمة بطريقة ألطف وأكثر هدوءاً من مكان العمل.
وفيما يلي بعض الحالات التي يـُطلب خلالها استخدام الكد العاطفي في الأوساط العاطفية:
- أن يكون من المتوقع من شخص واحد في العلاقة أن يرعى الأطفال، ويلبي جميع احتياجاتهم.
- أن يكون من المتوقع من شخص واحد في العلاقة الشروع في النقاشات، سواء كانت حول مواضيع عاطفية أو أمور الحياة.
الكد العاطفي في شبكات التواصل الاجتماعي
إذا كنت ممن يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، فمن الممكن أنك قد سمعت بمصطلح الكد العاطفـي في أحد المجموعات، أو ضمن التعليقات أو ضمن الصفحات الشخصية الخاصة والعامة.
غالباً ما يتم الاستجابة لمطالب شخص من قبل شخص آخر مع الإشارة إلى الكد العاطفي.
إليك عدة أمثلة:
- عند وصف أحدهم بأنه من الأشخاص العنصريين أو المتحيزين جنسياً، فإنه يُصرّ على المتهم لإعطائه تفسيراً حول سبب هذا الاتهام.
- عندما يريد شخص ما مزيداً من المعلومات حول موضوع ما، فإنه يطلب من الآخرين مزيداً من الشرح.
- حتى بعد تقديم الأدلة أو التفسير، يستمر الشخص المتهم في إثبات حسن نواياه، وبطلب ممن اتهمه بالتحقق من نواياهم وإثباتها.
من يتحمل عبء الكد العاطفي؟
من غير المفاجئ أن الأشخاص المهمشين (الأضعف) هم الذين يتحملون عبء الكدّ العاطفي، بينما من يطالبون به، يكونون ذوي امتيازات (موقع قوة).
ذوو البشرة السوداء والسكان الاصليون (BIPOC)
غالباً ما يقع عبء تفسير الأسباب والأفعال العنصرية التي يمارسها ذوي البشرة البيضاء على غيرهم من ذوي البشرة المختلفة عنهم.
رغم أنه بين (BICOP) أيضاً، يقع عبء استرضاء البيض بشكل أكبر على عاتق أصحاب البشرة السوداء.
فأصحاب البشرة السوداء معرضون أكثر من غيرهم لقسوة الشرطة، كما أن احتمال أن يكونوا ضحايا للعنف المنزلي قد تكون أعلى من متوسط أي فئة أخرى. إضافةً إلى الرعاية الطبيّة المتدنية التي يتلقونها في تلك الحالات والعديد غيرها.
أثبتت الدراسات أن أصحاب البشرة السوداء مضطرون للتصرف بطريقة معينة، ليثبتوا لأصحاب البشرة البيضاء أنهم أشخاص يتصفون بالأدب مثلهم، كمحاولة لمواجهة العنصرية السافِرة.
عندما يتهم شخص من الـ (BICOP) شخصاً أبيض البشرة بالعنصرية، فإن مطلب ذو البشرة البيضاء بإثبات كيف أن هذا الفعل عنصرياً تمثل الكد العاطفي.
يحتاج الشخص المهمَّش أو المستضعف الوقت والطاقة، لتعليم شخص موجود في موقع أكثر تميزاً أو قوةً في المجتمع.
الأشخاص المنتمين للأجناس المهمشة
غالبًا ما يكون متوقعاً من الأشخاص المصنفين تحت مسمى “مختلفين جنسيا” او خارج تصنيف Cisgender (مصطلح يستخدم عادةً للإشارة للأشخاص المتوافقين جنسياً أو ميولهم الجنسي متوافق مع هويتهم الجنسية عند الولادة). شرح هوياتهم الجنسية للناس المتوافقين جنسياً.
فعندما يطلب أحد من شخص منتمي إلى مجتمع الميم، معلومات حول هويته الجنسية، فإنّ محاولة الإجابة هي كد عاطفي.
إن طلب تثقيف الفرد حول سبب استخدام الأشخاص المنتمين لمجتمع الميم، لضمائر مخاطبة مختلفة عن المستخدمة من قبل الأشخاص المتوافقين جنسياً هي كد عاطفي.
النساء
من التوقعات غير المعلنة ضمن أي أسرة، هو أن تكون السيدة (أو الأم) مسؤولة عن أغلب الأعمال. من رعاية الأطفال إلى إدارة الشؤون المالية والحصول على اللوازم المنزلية، وهذا يندرج تحت مسمى الكد العاطفي.
تُعدّ هذه أوضح صيغة لما يُطلق عليه سابقاً العمل العاطفي؛ أي العمل بما يتوافق مع توقعات دور الفرد في المجتمع من أجل الآخرين.
بفرض حصول أي نزاع أو مشكلة، ستبدأ المرأة بالنقاش ويُعد هذا النقاش هو الكد العاطفي من الجانب النسائي.
الموظفون
الموظفون هم من يعانون في مجتمع يهتم بخدمة الزبائن، وطريقة التعامل مع الناس وتكريس مبدأ أن “الزبون دائمًا على حق”.
لأنّ التركيز على إبقاء الموظفين هادئين ومبتسمين عندما يُسيء العملاء معاملتهم، أمر غير عادل بالنسبة للموظفين.
على الرغم من وصفهم بالعاملين الأساسيين خلال فترة انتشار جائحة COVID-19، فإن موظفي الخدمات غالباً هم من العمال ذوي الأجور المنخفضة.
وبالتالي؛ عند إضافتك للصعوبات المتمثلة في عدم الدفاع عن النفس أثناء العمل، حتى الجهد البدني دون تعويض مناسب، سيجعل العمل في هذه القطاعات أمراً صعباً.
تأثير الكد العاطفي
الإنهاك والإرهاق هو أحد أهم تأثيرات الكد العاطفي على الأشخاص المطالبين به. حيث أنّه من المتعب والمحبط أن تضطر إلى التصرف بطريقة ترضي الآخرين.
ويظهر ذلك بشكل ملحوظ في الدراسات التي تتبع النتائج السلبية للإساءة اللفظية من قبل العملاء على الموظفين، كالإرهاق وعدم الرضا الوظيفي.
بالنسبة للناس المهمشين كأصحاب البشرة السوداء، قد يبدو أمراً يستحق الاستكشاف حول ما سيكون التأثير على صحتهم النفسيّة، لكن لم تتم الدراسة بشكلٍ كافٍ عنها.
المصدر: What Is Emotional labor
تدقيق: محمود خضرة
تحرير: جعفر ملحم
