يشير مصطلح الكذب المرضي أو ما يعرف أيضاً بالكذب المفرط أو الكذب الوهامي إلى السلوك المزمن من الكذب القهري المعتاد.
على عكس الكذبة البيضاء التي يقولها الشخص لتجنب جرح مشاعر الآخرين أو حدوث مشكلة ما. فإن الكذب المرضي يدفع بالفرد للكذب دون سبب واضح ما يجعل من الصعب والمحبط معرفة ما يمكن فعله عند مقابلة أحد يعاني من هذا المرض.
على الرغم من أن الكذِب المرضي قد تم التعرف عليه قبل أكثر من قرن، إلا أنه لم يتم إلى الآن التوصل إلى تعريف عالمي موحد لهذه الحالة.
تنتج بعض حالات الكذِب المرضي من الأمراض النفسية كاضطراب الشخصية المعادية للمجتمع أو ما يسمى أيضاً بالاعتلال الاجتماعي. بينما بعض الحالات الأخرى لا سبب طبي لسلوكها.
تعريف الشخص الذي يعاني من الكذب المرضي
هو الشخص الذي يعتمد الكذب بشكلٍ متكرر، وعلى الرغم من وجود أسباب متعددة ومحتملة للكذِب المرضي، لا زال سبب كذب شخص ما بهذه الطريقة مجهولاً.
من المحتمل أن بعض الأكاذيب تُطلق بهدف جعل إظهار الكاذب يظهر بمظهر البطل، أو لكسب قبول الآخرين وتعاطفهم. في حين لا فائدة تُكتسب من الأكاذيب الأخرى.
أظهرت بعض الأدلة عام 2007 أن المشاكل التي تؤثر على الجهاز العصبي المركزي للإنسان قد تهيئ الشخص للكذب المرضي.
يُعرف الكذب القهري (المتكرر) على أنه ميزة من ميزات اضطرابات الشخصية، كاضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.
وتلعب الأورام والإصابات الدماغية دوراً ممكناً في الكذب المرضي إلى جانب الخلل في نسبة هرمون الكورتيزول.
تناولت الدراسة التي أجريت عام 2016 ما قد يحدث للدماغ عند الكذب، أنه كلما ازداد عدد الأكاذيب أصبح الكذب أكثر سهولة و اعتياداً. وأشارت نتائج الدراسة إلى أن مصلحة الشخص الذاتية تغذّي ميله للكذب.
على الرغم من عدم استهداف هذه الدراسة للكذِب المرضي على وجه التحديد، يمكن تسليط الضوء على الأسباب التي تدفع الشخص المصاب بـ الكذب المرضي للكذِب بالسهولة التي يبديها.
سمات وخصائص الشخص المصاب بـ الكذب المرضي
لا فائدة واضحة للأكاذيب المطلقة
غالباً ما يكذب الشخص تجنباً للإحراج أو الوقوع في المشاكل، في حين يطلق الشخص المصاب بالكذب المرضي أكاذيباً أو قصصاً دون هدف موضوعي لها. مما يحبط أصدقاؤه وأفراد عائلته لأن الشخص الكاذب لا يهدف لكسب أي شيء من ذلك.
عادة ما تكون رواياتهم درامية، معقدة ومفصلة
يتميز الأشخاص الذين يعانون من الكذب المرضي بقدرتهم الكبيرة على رواية الأحاديث، إذ تبدو قصصهم مفصلة بدقة ومزينة. وعلى الرغم من المبالغة بها بشكل واضح، لدى هؤلاء الأشخاص قدرة كبيرة على الإقناع.
غالباً ما يصورون أنفسهم على أنهم البطل أو الضحية
إلى جانب كونهم البطل أو الضحية في روايتهم وأحاديثهم، يميلون إلى استخدام الكذب الموجَّه لكسب الإعجاب، التعاطف أو القبول من الآخرين.
يصدقون في كثير من الأحيان الأكاذيب التي يطلقونها
يروي الشخص المصاب بالكذب المرضي أكاذيباً وقصصاً تقع في منطقة ما بين الكذب الواعي والوهم، فيصدقون في كثير من الأحيان ما يقولونه.
من الصعب معرفة كيفية التعامل مع الشخص المصاب بـالكذب المرضي والذي قد يكون غير مدرك لأكاذيبه. إذ يعتقد الباحثون أن هؤلاء الأشخاص يكذبون دون معرفة الفرق بين الواقع والخيال.
يتصرف مرضى الكذِب المرضي بشكل طبيعي ويتسمون بالبلاغة ويعرفون جيداً كيف ينخرطون مع الآخرين في أحاديثهم. ولديهم قدرة على الإبداع والتجديد والتفكير بسرعة وبطريقة لا توحي بالكذب، كالتوقف الطويل عن الحديث أو تجنب التواصل البصري. وفي حال تم سؤالهم عن أمر ما فإنهم يسهبون في الرد دون تحديد الإجابة المطلوبة من السؤال.
الفرق بين الكذب المرضي والكذبة البيضاء
يكذب الفرد بين الحين والآخر، إذ أظهرت دراسات سابقة أننا نكذب بمتوسط 1.65 كذبة يومياً، ومعظم هذه الأكاذيب تندرج تحت اسم “الكذبة البيضاء“.
في المقابل، تُروى الأكاذيب المرضية باستمرار وبشكل معتاد، وتبدو بلا هدف ودون توقف.
الكذبة البيضاء
تكون الكذبة البيضاء عرضية، وتُعتبر:
- أكذوبة صغيرة.
- غير مؤذية.
- دون نية خبيثة.
- تقال لتجنب جرح مشاعر الآخرين والوقوع في المشاكل.
أمثلة على الكذبة البيضاء
قول أنّ
- لديك صداع لتتهرب من اجتماع ما.
- دفعت فاتورة هاتفك على الرغم من أنك نسيت ذلك.
- الكذب في سبب تأخرك عن العمل.
خصائص الأكاذيب المرضية
- تُقال بشكلٍ متكررٍ وقهري.
- دون سبب واضح أو هدف.
- دائمة ومستمرة.
- تقال حتى يظهر الراوي بمظهر البطل أو الضحية.
- لا يثني عن قولها الشعور بالذنب أو خطر اكتشافها.
أمثلة عن الاكاذيب المرضية
- إنشاء تاريخ مزور، مثل خوض تجارب وإنجازات لم تحدث.
- الادعاء بوجود مرض يهدد حياتهم وغير موجود في الواقع.
- رواية أكاذيب لنيل إعجاب الآخرين، كمعرفتهم شخصاً مشهوراً.
كيفية كشف الأشخاص المصابين بالكذب المرضي
التعرف على هؤلاء الأشخاص ليس سهلاً دائماً، على الرغم من أن غريزة الإنسان تدفعه للشك بأي شيء قد يبدو حقيقياً لدرجة الكمال.
ليست كل الأكاذيب التي يقولها المصابون بالكذِب المرضي مبالغ بها، إذ يمكن قول أكاذيب “اعتيادية” قد يخبرها أي شخص آخر.
يمكن للإشارات التالية أن تساعدك على التعرف على الأشخاص المصابين بـ الكذب المرضي:
- يتحدثون عن تجاربهم وإنجازاتهم التي تظهرهم بمظهر الأبطال.
- يبحثون عن التعاطف عن طريق سرد الروايات والقصص التي تظهرهم بمظهر الضحية.
- يجيبون بإسهاب وبسرعة على أي سؤال، لكن إجاباتهم غالباً ما تكون مبهمة ولا تقدم الإجابة المطلوبة.
- لذات القصة صيغ مختلفة تنبع من نسيانهم للتفاصيل التي تحدثوا عنها سابقاً.
التعامل مع الأشخاص المصابين بـ الكذب المرضي
من المحبط جداً معرفة أن الشخص المقابل لك مصاب بالكذِب المرضي، لأن أكاذيبه تبدو بلا فائدة ويمكن أن تزعزع الثقة في أي علاقة، وتجعل من الصعب حتى إجراء محادثة بسيطة معه.
فيما يلي بعض النقاط التي يمكن أن تساعدك في التعامل مع شخص مصاب بالكذب المرضي:
حافظ على هدوء أعصابك
على الرغم من الإحباط الذي قد تشعر به، إلا أنه ومن الضروري ألا تسمح لغضبك أن يسيطر عليك. عندما تواجه هذا الشخص المريض كن سنداً له وعامله بلطف ولكن بحزم.
توقع منه الإنكار
يميل الشخص المصاب بالكذِب المرضي إلى الكذب مرة أخرى كرد فعل أولي عند مواجهته بكذبه وتزداد فرص إنكاره لذلك، فيغضب ويعبّر عن صدمته بهذا الاتهام.
تذكّر أن الأمر لا يتعلق بك شخصياً
على الرغم من صعوبة اعتبار عدم كذبه عليك شخصياً، الكذب المرضي لا يتعلق بك كشخص. فالكاذب مدفوع بإضطراب ضمني في الشخصية كالقلق أو التدني في احترام الذات.
كن داعماً له
عندما تتحدث مع شخص مصاب بالكذب المرضي حول كذبه، قم بتذكيره دائماً بأنه ليس بحاجة إلى محاولة إثارة إعجابك، وأخبره بتقديرك واحترامك له كما هو في الحقيقة.
لا تنخرط في الحديث معه
عند ملاحظتك أن شخصاً ما يكذب، لا تشترك معه في الحديث بل استفهم منه عما يقول، مما يدفعه إلى التوقف عند هذه النقطة.
اقترح المساعدة الطبية عليه
اقترح عليه، دون إطلاق حكم مسبق أو تشهير به، أن يلجأ إلى مساعدة المختصين وأخبره أن اقتراحك هذا ينبع من اهتمام صادق بأن يكون بخير.
حضّر دائماً المعلومات اللازمة عن الكذب المرضي؛ كأوراق مطبوعة لمقال ما أو كتيب يستطيع قراءته عندما يكون مستعدا لذلك. إذ أن تعبيرك عن قلقك أن يكون سلوكه هذا نتيجة حالة نفسية طبية ضمنية يمكن أن يساعده أيضاً.
لماذا يكون المصاب بالكذب المرضي محط إعجاب الآخرين؟
يتميز المصاب بالكذِب المرضي بكونه راوياً بارعاً ومؤدياً ممتازاً. فهو يدرك جيداً كيف يأسر جمهوره برواية قصص مذهلة ودقيقة وتمثيلها بإحتراف.
ينجذب الآخرون لكيفية نسج ورواية القصص بالتفصيل إلى جانب رغبتهم بمعرفة ما يمكن أن يدفع هؤلاء الأشخاص للكذب. من الطبيعي جداً الرغبة في معرفة السبب الكامن وراء كذبهم هذا، خاصة عندما لا يبدو هناك أي سبب واضح له.
تشخيص الكذب المرضي
من الصعب تشخيص الكذِب المرضي لاحتمال وجود عدة أسباب وراء هذا السلوك. إذ أن التحدث مع الشخص المصاب وإجراء بحث في تاريخه المرضي ليس مفيداً دائماً، لأن الإنسان يميل بطبعه إلى الكذب. إذ يشكل معرفة الشخص وإدراكه أو تصديقه لأكاذيبه جزءاً مهماً في تشخيص هذا المرض.
يستعين بعض المختصون بجهاز كشف الكذب في التشخيص. لا تهدف هذه الطريقة إلى كشف كذب المرضى بل إلى معرفة كم مرة يستطيعون بها التغلب على هذا الجهاز، مما يبين فيما إذا كانوا يصدقون كذبهم أو أنهم غدوا جيدين في استخدام أساليب أخرى لإقناع الآخرين بأكاذيبهم.
يقوم بعض المختصين أيضاً بالحديث مع أفراد عائلة المريض وأصدقائه عند تشخيص الكذب المرضي له.
علاج الكذب المرضي
يعتمد علاج الكذِب المرضي على ما إذا كان هذا المرض ناجم عن حالة نفسية كامنة أم لا.
يتضمن العلاج المعالجة النفسية وبعض الأدوية التي تعالج أموراً أخرى من الممكن أن تكون المغذي الأساسي لهذا السلوك، كالعقاقير المستخدمة لعلاج القلق أو الاكتئاب.
نصيحة من OBstan
إذا أردت تقديم الدعم للأشخاص المصابين بالكذب المرضي، يساعدك فهم واستيعاب الأسباب الممكنة التي تدفعهم لهذا السلوك على كيفية التعاطف والتعامل معهم.
من المحتمل أن يكون الكذب المرضي عرضاً لحالة نفسية أخرى يمكن علاجها، لذا شجّع هؤلاء الأشخاص على المضي في العلاج المساعد الذي يحتاجونه.
اقرأ أيضاً: ااضطراب الشخصية النرجسية، أعراضه، تشخيصه، أنواعه وعلاجه
المصدر: Pathological Liar
تدقيق: هبة محمد
تحرير: جعفر ملحم