يقترح جان بياجيه (Jean Piaget) في نظريته بأن نمو الأطفال ينطوي على سلسلة مكونة من أربع مراحل مختلفة من التطور المعرفي. تشمل هذه المراحل العديد من جوانب التطور العقلي بما في ذلك المنطق، اللغة، الأخلاق والذاكرة. يعتقد بياجيه أن الأطفال أنفسهم يلعبون دوراً فعالاً في هذا التطور، ويبنون معرفتهم أثناء تفاعلهم مع العالم خلال المرحلة الحسية الحركية وعلاقتها بـ ديمومة الأشياء.
المرحَلة الحسّية الحَركية (sensorimotor stage) هي أول مرحلة في نظرية بياجيه، إذ وصف هذه الفترة من عمر الطفل بأنها فترة نمو وتغيير هائلين.
نظرة عامة على المرحلة الحسية الحركية
خلال هذه المرحلة الأولية من التطور، يستخدم الأطفال المهارات والقدرات التي ولدوا بها (مثل النظر، المص، الإمساك والسمع) لمعرفة المزيد عن محيطهم. بمعنى آخر، يختبرون العالم ويكتسبون المعرفة عنه من خلال حواسهم وقدراتهم الحركية، ويكتشفون المزيد من خلال التجربة والخطأ.
اختار بياجيه تسمية هذه المرحلة باسم “الحسية الحركية” لأن اكتساب الأطفال للمفاهيم الأساسية للعالم من حولهم فيها قائم على الحواس والقدرات الحركية. فالقدرات التي يولد بها الرضيع، بما فيها البصر، السمع، الشم، الذوق واللمس. جنباً إلى جنب مع القدرات البدنية التي تستمر في التطور، بما في ذلك اللمس، الإمساك والتذوق، تمكّنه من التفاعل مع محيطه وبناء وعي إزاء نفسه وما حوله أيضاً.
ومع تفاعله هذا مع البيئة المحيطة، يمر بقدر مذهل من النمو المعرفي في فترة زمنية قصيرة نسبياً. إذ تستمر المرحَلة الحسّية الحركية من الولادة حتى عمر السنتين تقريباً.
المراحل الفرعية للمرحلة الحسية الحركية
يحدث قدر كبير من التعلم والنمو خلال أول عامين من حياة الطفل وهذا ما يلاحظه بالفعل معظم الآباء أو مقدمي الرعاية. ويمكن تقسيم المرحلة الحسية الحركية إلى ست مراحل فرعية منفصلة، كل منها يتميز بتنمية مهارة جديدة:
1. المنعكسات / Reflexes (خلال أول شهر بعد الولادة)
خلال هذه المرحلة الفرعية، يفهم الطفل محيطه فقط من خلال ردود الفعل أو المنعكسات الفطرية مثل المص والنظر.
2. التفاعلات الأولية الدائرية / Primary Circular Reactions (من الشهر وحتى أربعة أشهر)
تنطوي هذه المرحلة على تنسيق الإحساس والمخططات العقلية الجديدة (المخطط هو إطار أو مفهوم معرفي يساعد في تنظيم المعلومات وتفسيرها). على سبيل المثال، قد يمص الطفل إبهامه عن طريق الصدفة، ثم يكرر الفعل عمداً فيما بعد. والسبب في تكرار تلك التصرفات هو أن الرضيع يجدها ممتعة.
3. التفاعلات الدائرية الثانوية / Secondary Circular Reactions (من أربعة وحتى ثمانية أشهر)
يزداد تركيز الطفل خلال هذه الفترة من المرحلة الحسية الحركية على العالم الخارجي. ويبدأ في تكرار فعل ما عن قصد من أجل إثارة استجابة في محيطه. على سبيل المثال، يلتقط الطفل لعبة عمداً ليضعها في فمه.
4. تنسيق التفاعلات / Coordination of Reactions (من ثمانية وحتى الاثني عشر شهراً)
هنا يبدأ الطفل في إظهار أفعال متعمدة بوضوح، كما يمكن أن يبدأ الجمع بين المخططات العقلية لتحقيق التأثير المرغوب. ويشرع في استكشاف البيئة من حوله، وغالباً ما يقلد السلوك الذي يلاحظه عند الآخرين، وفهم الأشياء والتعرف على أن بعضها يحمل صفات معينة. على سبيل المثال، قد يدرك الطفل أن الخشخاشة ستصدر صوتاً عند هزها.
5. التفاعلات الدائرية الثلاثية / Tertiary Circular Reactions (من سنة حتى السنة ونصف)
في هذه المرحلة الفرعية من المرحلة الحسية الحركية، يبدأ الطفل فترة من التجربة والخطأ. على سبيل المثال، قد يجرب الطفل أصواتاً أو أفعالاً مختلفة كوسيلة لجذب انتباه مقدم الرعاية.
6. الفكر التمثيلي المبكر / Early Representational Thought (من السنة ونصف وحتى السنتين)
يبدأ خلالها الطفل في تطوير رموز لتمثيل الأحداث أو الأشياء في العالم، إذ يبدأ باستخدام العمليات العقلية لفهم العالم حوله بدلاً من مجرد الأفعال.
ديمومة الأشياء (Object Permanence) والمرحلة الحسية الحركية
تعني ديمومة الأشياء فهم الطفل أن الأشياء لا تزال موجودة على الرغم من عدم إمكانية رؤيتها أو سماعها. ووفقاً لبياجيه، فإن تطوير هذا الأمر يعد أحد أهم الإنجازات التي تحدث في المرحلة الحسية الحركية من التطور.
مثلاً، تخيل لعبة الغميضة؛ سيعتقد الرضيع الصغير أن الشخص أو الشيء الآخر قد اختفى بالفعل. وسيبدو مصدوماً أو مذهولاً عندما يظهر مرة أخر، أما الأطفال الأكبر سناً الذين يفهمون ديمومة الأشياء سيدركون أن الشخص أو الشيء ما زال موجوداً بالفعل حتى لو لم يكن بالإمكان رؤيته.
هذا مثال تقليدي على مدى اقتصار معرفة الرضيع بالعالم من حوله على إدراكاته الحسية وأنشطته الحركية فقط خلال هذه المرحلة، وكيف تكون السلوكيات محدودة باستجابات حركية بسيطة تسببها المثيرات والمنبهات الحسية.
خلاصة
تمثل المرحلة الحسية الحركية أساساً مهماً في التطور المعرفي، كما أنها تمدّ الأطفال بالقدرات التي يحتاجونها مع تقدمهم نحو المرحلة التالية. لذا، عندما يدخل الأطفال المرحلة التالية في سن الثانية تقريباً، يبدأون في تطوير تفكير رمزي يسمح لهم بتحسين مهارات اللغة، التخيل والذاكرة.
اقرأ أيضاً: نظرية بياجيه للتطور المعرفي، مراحل النمو المعرفي الأربعة للطفل
اقـرأ أيضاً: البلوغ عند الأطفال، متى يصبح الطفل بالغاً وفقاً لذويه والقانون والعلم؟
اقرأ أيضاً: مراحل الرسم عند الطفل، ما الذي يخبرنا به الطفل من خلال رسمته؟
المصدر: The Sensorimotor Stage of Cognitive Development
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم
محتويات المقال: نظرية بياجيه للتطور المعرفي، ديمومة الأشياء والمرحلة الحسية الحركية، المرحلة الحسية الحركية في نظرية بياجيه للتطور المعرفي، المراحل الفرعية للمرحلة الحسية الحركية، مراحل بياجيه الأربعة.
