اضطراب ما بعد الصدمة المعقد والذي يشار إليه بـ (Complex Post-Traumatic Stress Disorder /C-PTSD) هو حالة قلق تنطوي على العديد من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة المترافقة مع أعراض أخرى. عُرف هذا الاضطراب بداية كحالة تؤثر على المحاربين القدامى.
قد ينجم اضطراب ما بعد الصدمة عن أية أحداث صادمة، مثل حوادث السيارات، الكوارث الطبيعية، تجارب الموت الوشيك أو أي أفعال متفرقة أو عنف أو إساءة.
عندما تتكرر الصدمة الكامنة أو تستمر، يفصل بعض أخصائيي الصحة النفسية بين اضطراب ما بعد الصدمة و”شقيقه” الأكثر حدة وهو اضطراب ما بعد الصـدمة المعقد (Complex Post Traumatic Disorder).
حظي اضطراب ما بعد الصـدمة المعقد بالاهتمام منذ أن وُصف لأول مرة في أواخر الثمانينات. لكن، من المهم ملاحظة أنه لم يتم الاعتراف بهذا الاضطراب كحالة منفصلة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية – النسخة الخامسة.
اضطراب ما بعد الصدمة مقابل اضطراب ما بعد الصدمة المعقد
ينجم الاضطرابان عن المرور بتجربة مؤلمة جداً وقد يسببان توارد الذكريات، حدوث الكوابيس والأرق. يمكن أن يجعل كلا الاضطرابين الفرد يشعر بالخوف وانعدام الأمان حتى بعد زوال الخطر.
لكن، على الرغم من أوجه التشابه هذه، هناك بعض الخصائص التي تميز اضطراب ما بعد الصـدمة عن اضطراب ما بعد الصـدمة المعقـد؛ وفقاً لبعض الخبراء.
يكمن الاختلاف الرئيسي بينهما في تواتر الصدمة. ففي حين أن اضطراب ما بعد الصدمة ينجم عن حدث صادم واحد، فإن سبب اضطراب ما بعد الصـدمة المعقد هو صدمة طويلة الأمد تستمر أو تتكرر لأشهر أو حتى سنوات، يشار إليها عادة بـ “الصدمة المعقدة”.
على عكس اضطراب ما بعد الصـدمة، والذي يمكن أن يتطور بغض النظر عن العمر الذي حدثت فيه الصدمة. فإن اضطراب ما بعد الصـدمة المعقد يكون عادة نتيجة صدمة في الطفولة.
عندما يتعلق الأمر باضطراب ما بعد الصدمة المعقـد، فإن التأثيرات المؤذية للقمع والعنصرية قد تُفاقم من الصدمة التي يختبرها الأفراد. ويزداد الأمر تعقيداً إذا اشترك النظام القضائي فيه.
تكون التأثيرات النفسية والنمائية للصـدمة المعقدة التي تحدث في وقت مبكر من الحياة أكثر شدة من تجربة صدمة منفردة. وتختلفان في الحقيقة لدرجة أن العديد من الخبراء يعتقدون أن معايير تشخيص اضطراب ما بعد الصـدمة لا تصف بشكل كاف التبعات وعواقب اضطراب ما بعد الصـدمة المعقد واسعة النطاق وطويلة الأمد.
أعراض اضطراب ما بعد الصدمة المعقد
بالإضافة إلى كل الأعراض الرئيسية لاضطراب ما بعد الصدمة، إعادة تجربة الصدمة، التجنب والإثارة المفرطة، تتضمن أعراض اضطراب ما بعد الصدمة المعقد ما يلي:
صعوبة في السيطرة على المشاعر: من الشائع أن يفقد الشخص الذي يعاني اضطراب ما بعد الصدمة المعقد السيطرة على عواطفه. والذي يمكن أن يتجلى بانفجار الغضب، الحزن المستمر، الاكتئاب والأفكار الانتحارية.
النظرة السلبية إزاء الذات: يمكن أن يجعل اضطراب ما بعد الصدمة المعقد الفرد ينظر إلى نفسه من منظور سلبي. فقد يشعر بالعجز، الذنب أو الخجل والعار، وأحياناً بأنه مختلف تماماً عن الآخرين.
صعوبة في العلاقات الاجتماعية: يمكن أن يعاني الفرد مع الروابط الاجتماعية بسبب الصعوبات التي يواجهها فيما يتعلق بالثقة بالآخرين والنظرة الذاتية السلبية.
يمكن أن يتجنب المصاب باضطراب ما بعد الصدمة المعقد العلاقات أو يقيم علاقات غير سليمة لأن ذلك ما عرفه في الماضي.
الانفصال عن الصدمة: قد يفقد الفرد التواصل مع نفسه (تبدد الشخصية) ومع العالم المحيط (تبدد الواقع). وقد ينسى البعض الصدمة التي تعرضوا لها.
فقدان نظام المعاني: قد يشمل ذلك فقدان الفرد لمعتقداته الجوهرية، قيمه، عقيدته الدينية أو الأمل بالعالم والأشخاص الآخرين.
قد تغير كل هذه الأعراض حياة الفرد وتسبب عجزاً وتعطيلاً واضحاً وكبيراً في النواحي الفردية، العائلية، الاجتماعية، الدراسية، المهنية وغيرها من الجوانب المهمة في الحياة.
تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة المعقد
على الرغم من أن مفهوم اضطراب ما بعد الصدمة المعقد طويل الأمد. فهو ليس مضمناً في النسخة الخامسة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية. وبالتالي غير معترف به رسمياً من قبل الجمعية الأمريكية للطب النفسي.
في حين أن اضطراب ما بعد الصـدمة المعقـد ترافقه أعراضه الخاصة. إلا أن هناك من يعتقد أن هذه الحالة مشابهة جداً لاضطراب ما بعد الصدمة (والحالات النفسية الأخرى المرتبطة بالصدمة). فلا تستدعي تشخيصاً منفصلاً.
نتيجة ذلك، وضع الدليل أعراض اضطراب ما بعد الصـدمة المعقد مع أعراض اضطـراب ما بعد الصدمة.
هناك أخصائيون في الصحة النفسية يقومون بالفعل بتشخيص اضطراب ما بعد الصدمة المعقد كحالة منفصلة. ذلك لأن أعراض اضطراب ما بعد الصدمة التقليدية لا تجمع بشكل كامل بعض الخصائص المميزة التي تظهر عند الأشخاص الذين عانوا من تكرار الصدمة.
عام 2018، اتخذت منظمة الصحة العالمية قراراً بإدراج اضطراب ما بعد الصدمة المعقد كتشخيص منفصل في المراجعة الحادية عشرة من “التصنيف الإحصائي الدولي للأمراض والمشاكل الصحية ذات الصلة /ICD-11 “
نظراً لأن هذه الحالة جديدة نسبياً ولم يعترف بها الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية – النسخة الخامسة. قد يجري الأطباء تشخيصاً لاضطراب ما بعد الصدمة بدلاً من اضطـراب ما بعد الصـدمة المعقد.
وبما أنه لا يوجد اختبار محدد لتحديد الاختلاف بين هذين الاضطرابين. فيجب أن يتابع المريض مسار الأعراض التي يعاني منها حتى يستطيع وصفها وشرحها للطبيب.
يتشابه علاج الحالتين، لكن يجب مناقشة الأعراض الإضافية المرافقة لاضطراب ما بعد الصـدمة المعقد والتي يحتاج أن يعالجها أيضاً الطبيب أو المعالج النفسي.
أسباب اضطراب ما بعد الصدمة المعقد
يُعتقد أن سبب اضطراب ما بعد الصدمة هو سوء المعاملة الحاد والمتكرر على مدار فترة من الزمن. إذ تحدث الإساءة في أوقات حرجة من حياة الشخص يكون فيها ضعيفاً مثل الطفولة أو المراهقة المبكرة، ويمكن أن تخلق تحديات ومشقات مدى الحياة.
للإجهاد الناجم عن الصدمة عدد من الآثار على الدماغ. إذ تشير الأبحاث أن الصدمة ترتبط بتغيرات دائمة في مناطق رئيسية من الدماغ بما فيها اللوزة الدماغية، الحصين وقشرة الفص الجبهي.
تشمل أنواع الأحداث الصادمة طويلة الأمد التي تسبب اضطراب ما بعد الصدمة ما يلي:
- سوء المعاملة، الإهمال أو الهجر في الطفولة.
- العنف المنزلي.
- الإبادة الجماعية.
- تجنيد الأطفال.
- التعذيب.
- العبودية.
في مثل هذه الأنواع من الأحداث، تكون الضحية تحت سيطرة شخص آخر ولا تملك القدرة على الهرب بسهولة.
علاج اضطراب ما بعد الصدمة المعقد
نظراً لأن النسخة الخامسة من الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية لم يقدم معايير تشخيص محددة لاضطراب ما بعد الصدمة المعقد، فمن الممكن أن يتم التشخيص باضطراب ما بعد الصـدمة حين يكون اضطراب ما بعد الصدمـة المعقد هو التقييم الأكثر دقة للأعراض.
رغم شدة الاضطراب وتعقيده، فإن علاج اضطراب ما بعد الصدمة المعقد ممكن باتباع الاستراتيجيات المستخدمة في علاج اضطراب ما بعد الصدمة بما فيها:
العلاج الدوائي
يمكن أن تساعد الأدوية في الحد من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة المعقـد مثل القلق أو الاكتئاب، وهي مفيدة بشكل خاص عند استخدامها مع العلاج النفسي.
يتم استخدام مضادات الاكتئاب أحياناً لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة المعقد، بما في ذلك بروزاك (فلوكسيتين)، باكسيل (باروكسيتين) وزولوفت (سيترالين).
العلاج النفسي
يركز العلاج النفسي لاضطراب ما بعد الصدمة المعقد على تحديد الذكريات المؤلمة وأنماط التفكير السلبي واستبدالها بأنماط أكثر واقعية وإيجابية، وتعلم التأقلم بشكل متكيف أكثر مع أثر الصدمة.
أحد العلاجات التي يمكن استخدامها في علاج اضطـراب ما بعد الصـدمة واضطـراب ما بعد الصـدمة المعقد هو تقنية إزالة حساسية حركة العين وإعادة المعالجة (EMDR).
يستخدم هذا العلاج حركات العين الموجهة من قبل المعالج لمعالجة وإعادة صياغة الذكريات الصادمة. مع مرور الوقت، من المفترض أن تقلل هذه العملية من المشاعر السلبية المرتبطة بالذكرى المؤلمة.
التأقلم مع اضطراب ما بعد الصدمة المعقد
قد تستغرق علاجات اضطراب ما بعد الصـدمة المعقد وقتاً. لذا من المهم إيجاد طرق لإدارة الأعراض والتأقلم معها.
فيما يلي بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد في التعافي.
إيجاد الدعم: على غرار اضطراب ما بعد الصدمة، يقود اضطراب ما بعد الصـدمة المعقد الناس إلى النأي عن الأصدقاء والعائلة. لكن، وجود شبكة دعم اجتماعي قوية مهم جداً للصحة النفسية.
عندما تشعر بالارتباك، الغضب، القلق أو الخوف، ابحث عن صديق أو أحد أفراد العائلة ممن تثق به.
ممارسة اليقظة الذهنية: يمكن أن يؤدي اضطراب ما بعد الصـدمة المعقد إلى الشعور بالتوتر والقلق والاكتئاب. اليقظة الذهنية هي استراتيجية يمكن أن تساعدك على أن تصبح أكثر وعياً وإدراكاً لما تشعر به في الوقت الحالي وأن تحارب مشاعر الإجهاد. تتضمن هذه الممارسة تعلم طرق التركيز على اللحظة الحالية.
تدوين الأفكار: وجدت الأبحاث أن كتابة المذكرات يمكن أن تكون مفيدة في إدارة أعراض اضطراب ما بعد الصدمة وتقليل أعراض ذكريات الماضي والأفكار الدخيلة والكوابيس.
فيما يتعلق بالعلاج، يمكن أن تكون المذكّرة أيضاً طريقة رائعة لتتبّع الأعراض التي يمكن مناقشتها لاحقاً مع المعالج النفسي.
خلاصة
إذا تعرضت أنت أو أحد الأشخاص المهمين لك لصدمة متكررة دون القدرة على التأقلم معها، من المهم التماس المساعدة من معالج مطلع على اضطراب ما بعد الصدمة بالإضافة إلى الطلب من طبيب الرعاية الأولي الإحالة إلى معالج نفسي.
تتوفر العديد من المصادر على الإنترنت التي بإمكانها المساعدة في إيجاد مقدمي رعاية صحية في منطقتك قادرين على علاج اضطراب ما بعد الصدمة.
اقرأ أيضأً: العلاج النفسي الديناميكي في عـلاج اضطـراب ما بعد الصـدمة
اقرأ أيضاً: نمو ما بعد الصـدمة، فوائده، وكيفية بلوغه
اقرأ أيضاً: عشر طرق تساعد في الشفاء من الصدمة
المصدر: What Is Complex PTSD (C-PTSD)
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم