الإسقاط (Projection) هو آلية دفاع يُدرك فيها الفرد دون وعي سماته أو دوافعه غير المقبولة من خلال شخص آخر، وذلك لتجنب التعرف على تلك السمات أو الدوافع في حد ذاتها.
فقد يتنمر شخص ما على شخص آخر لكونه قلقاً وغير مُستقر لتجنب الاعتراف بأنه يعاني من النزعات نفسها مثلاً.
أصول الإسـقاط
طرح سيغموند فرويد (Sigmund Freud) فكرة آليات الدفاع كجزء من نظريته في التحليل النفسي. إذ يستخدم الناس آلية الدفاع هذه كاستراتيجية غير واعية للدفاع عن الأنا ضد السمات الشخصية غير المريحة التي قد تسبب القلق إذا أدركوها بوعي. تأثير الإسقاط الدفاعي في علم النفس, أمثلة على الإسقاط آليات الدفاع النفسي.
قدّم فرويد في البداية الإسقاط كإحدى آليات الدفاع العديدة ، والتي وسعتها ابنته (آنا فرويد)، في كتابها “الـ أنا وآليات الدفاع عنها”.
تطور الإسـقاط
يعتمد الإسقاط على الإدراك الداخلي للخطأ والصواب ، وبالتالي لا يمكن استخدامه كآلية دفاع حتى يطور الفرد وعياً خلال فترة منتصف الطفولة. ويُعتبر الإسقاط رغم ذلك بدائياً إلى حد ما لأنه يقوم على فهم النقاط الصالحة والطالحة لكل من الخير والشر.
وقد أظهرت الدراسات نتيجة لذلك أن الأطفال هم الأكثر ميلاً لاستخدام الإسـقاط كآلية دفاع في مرحلة المراهقة المبكرة والمتوسطة. ويستخدمونها بشكل أقل في المراحل المتأخرة من المراهقة حين يبدأون في توظيف آليات دفاع أكثر نضجاً، مثل التماهي، حيث يستوعب الفرد و يتمثّل بسلوك شخص آخر. تأثير الإسقاط الدفاعي في علم النفس, أمثلة على الإسقاط آليات الدفاع النفسي.
حقيقة أن الإسـقاط يعتبر غير ناضج لا يعني أن البالغين لا يستخدمونه. إذ سيستخدم البالغون حتماً آلية دفاع من نوع ما لحماية أنفسهم مما يهدد حسّهم الذاتي في وقت أو آخر. وسيختلف البالغين في استخدام أنواع آليات الدفاع مع ذلك. حيث يعتمد البعض باستمرار على آليات دفاع غير ناضجة وسيوظّف البعض الآخر آليات دفاع ناضجة.
أظهرت الأبحاث التي تناولت الرجال أنهم عندما يستخدمون عادة آليات دفاع أكثر نضجاً يميلون إلى التمتع بصحة بدنية، ونتائج مهنية، ورضا زوجياً أفضل.
وقد أظهرت دراسة أجريت على اليافعين في الوقت نفسه، أن الاستخدام المكثف للإسقاط كآلية دفاع كان مرتبطاً بنمط الشخصية المتزعزعة، و الشديدة التوجّس لدى الرجال. وأسلوب الشخصية الاجتماعية الواثقة وغير المكتئبة لدى النساء.
أمثلة على الإسقاط
يمكن استخدام الإسقاط كآلية دفاع في أي ظرف من الظروف. إذ يحمي الناس احترامهم لذاتهم من خلال إنكار السمات أو الدوافع أو المشاعر التي يجدونها مهددة أثناء رؤية تلك السمات نفسها في شخص آخر.
وإليكم بعض الأمثلة التي تتضمن ذلك:
- تنجذب الزوجة إلى زميلها في العمل لكنها لا تستطيع الاعتراف بمشاعرها. لذلك عندما يتحدث زوجها عن زميلته في العمل ، تغار وتتهمه بالانجذاب إلى المرأة الأخرى.
- يسخر الرجل الذي يشعر بالقلق حيال رجولته من الرجال الآخرين لأنهم يتصرفون مثل النساء.
- يكره رياضي ما تلقائياً عضواً في فريق الهوكي، لكن بمرور الوقت يبدأ في الاعتقاد بأن زميله في الفريق يكرهه.
- تنتقد امرأة ابنتها لمقاطعتها أثناء حديثها، في حين أنها في الواقع تقاطع ابنتها دائماً.
- يشعر شخص ما بالذنب لإحساسه بالحاجة الملحة إلى السرقة. ما يدفعه للشك في أن الآخرين يخططون لأخذ محفظته أو الأشياء الثمينة الأخرى.
- يتجاهل شاب دوافعه العدوانية، وبدلاً من ذلك يعتقد بشكل غير دقيق أن صديقه لديه ميولاً عدوانية.
هل الإسقاط آلية دفاع أم شيء آخر؟
غالباً ما بات يَستخدم الناس مصطلح الإسقاط في المحادثات اليومية، منذ أن قدّمه فرويد كآلية دفاعية، ومع ذلك عندما يناقشون الإسقاط بعبارات بسيطة، فإنهم عادة لا يفكرون فيه كعنصر دفاعي.
في هذه الحالات، يصف الإسقاط رؤية المرء لصفاته في الآخرين أو بشكل محدد أكثر رؤية صفات في الآخرين يعتقد المرء بشكل خاطئ أنه لا يمتلكها. ومع ذلك ، فلا تستخدم أي من هاتين الحالتين الإسقاط لحماية الأنا من السمات التي يجدها المرء تهديداً. فيمكن أن تكون السمات الشخصية التي يسقطها المرء على الآخرين إيجابية أو محايدة.
ولكي يكون الإسقاط آلية دفاع بالفعل، يجب أن يعتمد على المفهوم الأولي لـ فرويد. فإن رؤية الفرد للصفات غير المرغوب فيها في الآخرين بينما يرفضها في نفسه تساعده في الدفاع عن الأنا خاصته. ويُشار إلى الإسقاط المعرّف بهذه الطريقة بالإسقاط الدفاعي أو التقليدي (الكلاسيكي). تأثير الإسقاط الدفاعي في علم النفس, أمثلة على الإسقاط آليات الدفاع النفسي.
لا ينبغي للمرء أن يعتبر الإسقاط آلية دفاع من دون عنصر دفاعي. وإنما تحيزاً معرفياً يفترض فيه المرء أن الآخرين متشابهون.
حيث يشار إلى فكرة أن الناس يبالغون في تقدير عدد الأشخاص الذين يشاركونهم سماتهم ورغباتهم وأفكارهم ومشاعرهم بالإجماع الخاطئ (False Consensus). وقد قدمت الدراسات أدلة وافية على هذا الاتجاه.
تأثير الإسقاط الدفاعي
يمكن أن يكون الإسقاط مفيداً على المدى القصير، مثل العديد من آليات الدفاع. فمن خلال إنكار الحقائق غير المريحة عن أنفسهم، يمكن للناس التعامل بشكل أفضل مع مخاوفهم والحفاظ على احترامهم لذاتهم.
ويمكن مع ذلك أن يصبح الإسقاط مؤذياً في النهاية لأنه يمكن أن يدمر العلاقات الشخصية ويؤدي إلى مشكلات مثل التنمر والغيرة وإلقاء اللوم على الضحية.
قد يتسبب أيضاً في قيام الفرد بشكل لا شعوري بخلق عالم اجتماعي معادٍ يعتقد أنه يسكنه أشخاص يظهرون السمات التي لا يحبونها كثيراً ويكونون أقل استعداداً ورغبة لمواجهتها في أنفسهم.
وقد أظهرت الدراسات علاوة على ذلك، أن الاستخدام المتكرر للإسقاط الدفاعي يرتبط بخصائص ذات صلة باضطرابات الشخصية الحدية والنرجسية والتمثيلية واضطرابات الشخصية السيكوباتية.
كيفية إدراك الإسقاط وتجاوزه
قد يكون التعرف على طريقة استخدامك للإسقاط الدفاعي أمراً ممكناً، ولكنه صعب، وذلك نظراً لطبيعة آليات الدفاع اللاوعية .
- الخطوة الأولى هي التأمل الذاتي: حاول أن تكون صادقاً مع نفسك حيال ما يجعلك تشعر بعدم الأمان والقلق، وافحص السمات والدوافع التي قد لا تعجبك في نفسك.
- حاول أن تنظر إلى سلوكك بموضوعية لترى ما إذا كنت تقوم بإسقاط أي من مخاوفك بشأن نفسك على شخص آخر. وحاول ألا تحكم على نفسك أثناء هذا الاستكشاف، راقب وقيّم بصدق دون الخوض في أي شيء تكتشفه.
قد تكون هذه عملية غير مريحة، لذلك فمن الأفضل القيام بها مع أخصائي الصحة النفسية. حيث يمكن للمعالج أو المستشار، المطّلع على آليات الدفاع والإسقاط خاصة، أن يوجهك خلال هذه العملية ويساعدك على مواجهة ما تجده.
علاوة على ذلك، يمكن للمعالج أن يساعدك على أن تصبح أكثر راحة مع الصفات والأفكار والمشاعر التي دفعتك إلى الإسقاط على الآخرين في المقام الأول.
قد يساعدك هذا العمل في النهاية في التغلب على استخدامك للإسقاط تماماً. فالأشخاص الذين يعرفون ويتقبلون أنفسهم، حتى السمات التي لا يحبونها. هم أقل عرضة للاعتماد على الإسقاط الدفاعي لأنهم ليسوا بحاجة إلى نبذ أي جزء من أنفسهم. تأثير الإسقاط الدفاعي في علم النفس, أمثلة على الإسقاط آليات الدفاع النفسي.
اقـرأ أيضاً:
اقرأ أيضـاً:
اقـرأ أيضاً: